أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الجزء الأول من الرواية: واو 3














المزيد.....

الجزء الأول من الرواية: واو 3


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5332 - 2016 / 11 / 3 - 01:06
المحور: الادب والفن
    



إنتقالي، مساء ذلك اليوم، من مكتب أعمال " سوسن خانم " إلى مرسم على شكل خيمة بربرية، كأنما هوَ صورة لما آل بيَ الحالُ بين يديّ هذه السيّدة المتسلّطة. إلا أنّ الصورة، يمكن أن تكون معكوسة ـ كما في مرآة ـ لو أننا شئنا ترميزها لوهلة لقائي الأول بالخانم. وأتكلّم هنا عن فترةٍ، كنتُ فيها ما أفتئ مقيماً في فيللا الأسرة المُحسنة، أعاني فوق ذلك من شعور المتبطّل. وكنتُ أحسّني عارياً أمام المقرّبين، فأهرب بعاري إلى أماكن لا يعرفني فيها أحد؛ إلى دروب المدينة القديمة، ساحاتها، حدائقها، أسواقها. تماماً كما كنتُ أفعل في دمشق، آنَ معرفتي لحقيقة كينونتي المجهولة، الملغزة وربما المشبوهة!
أتكلم عن أحد الأيام، وكان الوقتُ ظهيرة خريفية حارّة. كنتُ أجلس في الباحة السماوية للمقهى الشعبيّ، المُظلل بهامة منارة الكتبية، مستغرقاً في أفكارٍ أنقلها إلى الورق. بين فينة وأخرى، كنتُ أفيق لكي أرتشف من قدح الشاي المنعنع، فألقي بنظراتٍ عابرة على الشارع ورصيفه، المكتظين بحركة العربات والمشاة. بينا أنا كذلك، إذا بعربة كوتشي تتهادى من ناحية الساحة الرئيسية، فألاحظ كيفَ أنها لفتت إهتمام روّاد المقهى. إذ كانت عربة غير مألوفة الشكل؛ بحجرة خشبية مربعة، ملبّسة بما يُشبه الديباج الأرجوانيّ اللون. الحوذيّ العجوز، كان يجلس مُتبختراً بدالّة عربته المميزة وفرسيها الرشيقين، ملوّحاً بعصا طويلة ونحيلة. من كوّة الحجرة، ظهرَ على غرّة رأسُ امرأة شقراء بملامح أوروبية. إلا أنّ نظرتها المتكبّرة، التي تعلّقت بعينيّ لثوانٍ، جعلتني أتكهّن بكونها من مشرقنا. ومع أنّ ظنيّ كان بمحله، فإنني لم يخطر لي بحال أنّ هذه المرأة الجميلة كانت إذاك متجهة إلى الفيللا مع مرافقتها. الشيء الأكثر غرابة، هوَ أنّ لقاءنا كان سيتمّ بكل الأحوال قبل يوم واحد، لو أنني لبيتُ دعوة لحضور أمسية الشاعر " المهدي البغدادي " في رواق الفنون؛ وهيَ دعوة، سبقَ لشقيقه الكبير " د. عبد المؤمن " أن تعهّد تسليمها إليّ.
هذا هوَ الشاعرُ نفسه، يوجّه لي مجدداً دعوة من نوع آخر. وكانت بطاقات الدعوة ما زالت في مغلفاتها، الناصعة والمعطّرة، حينَ شاءت " سوسن خانم " إصطحابي إلى الترّاس. كان المفترض أن نكمل حديثنا، مثلما تحججتْ هيَ قبل قليل أمام مرافقتها. بيْدَ أنها بقيت مراوحة قدميها، ثمة عند مدخل المرسم. قالت لي وهيَ تداعب شعرَ رأسي بأصابعها وبحركة لطيفة نادرة: " غداً سنحضرُ العرضَ المسرحيّ، وبعد غد نحتفل بعيد ميلادي. أرى أن تستعد لذلك بمظهر حسن، يليق بالمناسبتين. لقد فكّرتُ بالأمر مسبقاً، وما علينا إلا الذهاب بالسيارة إلى غيليز لشراء ما يلزمك من محلّ أعرفه ". الخانم، كانت قبلاً قد عبّرت أكثر من مرة عن ضيقها مما دَعَته " ذوقكَ السيء بإختيار ملابسك ". وعليّ كان أن أجعلها تضحك، لما أخبرتها مرةً بأنني أعتمد على ذوق شقيقتي في هذا الشأن. ولكنها عقّبت آنذاك قائلة: " أعتقد أن كلاكما يتعمّد البساطة، لأن ذلك مريحٌ بالنسبة لشخصٍ مشغول الفكر بأشياء أكثر عمقاً وسمواً ".
كل شيء، جرى كما أمرت به الخانم. رأيتني في مساء اليوم التالي أنتظرها أمام المدخل الخارجيّ للعمارة مُتأنقاً بسترتي الجديدة، االكحلية اللون، المبرزة نصاعة القميص الحريريّ. البوّاب، كان قد أحضرَ عربة الكوتشي مع حوذيها العجوز. كلاهما، كان يبدو بأحسن مزاج، ممنياً النفسَ على ما يبدو ببقيش مُجزٍ من السيّدة السورية الكريمة. وهيَ ذي تظهر أخيراً، فتسحرُ الرجالَ الثلاثة بملبسها وزينتها وحليها. قفطانها التقليديّ المحليّ، المنسوج من البروكار الشاميّ المصدر، كان قد جعلها متألقة كالعروس. جزائزُ شعرها، كانت مجموعة بحيث تظهر حليها الماسية، المزينة أذنيها وعنقها. إلى جانب " سوسن خانم "، كانت المرافقة تسير وكأنها ندّ في السّحر، مجرجرة بدَورها أذيال قفطانها الورديّ اللون. وكأنّ الخانم أنزعجت من تعلّق عينيّ بهيئة " الشريفة "، فما عتمت أن خاطبتها عند باب العربة: " أجلسي بجانب الحوذيّ، فالمكان ضيّق هنا..! ". ثم رقّت لهجتها لما أردفت: " عليكِ بإرتداء المعطف، لكي لا يصيبك البرد خلال الطريق ". هزّت المرافقة رأسها، مُمرّةً نظرتها المتبسّمة بحَرَج بين مخدومتها وبيني. بادلتها نظرة خجلة، شاعراً بنوع من تأنيب الذات. إلا أنني عبّرتُ عن استيائي لنبذها غير المبرر، بأن لزمتُ الصمتَ مذ بداية الدرب.
على وقع خبب فرسيها وصرير عجلاتها، سارت بنا العربة في الدرب العتم، الممتد إلى شارع فرنسا. لتلتف من ثمّ بزاوية حادة عند وصولنا إلى ذلك الشارع، المبثوثة على جانبيه أبنية فندقية وسكنية، مُضاءة بإبهارٍ يوحي بفخامة عمارتها وبذخ ساكنتها. ما أن أندلع النورُ حولنا، إلا وعروسنا بدأت بالتململ في مجلسها. وإذا بها تتكلم ضمن المجاز نفسه، لتسمّي شقيقتي: " أعتقدُ أننا سنشهدُ عرسَ شيرين على رأس السنة، لأن المسيو غوستاف طلبَ يدها ". حدقتُ فيها بعينين مدهوشتين، فيما كنتُ أدوّر الخبرَ في رأسي. أستطردت الخانم، وقد لاحظت ولاشك مدى تأثري: " لقد أبدت شقيقتك موافقتها، فمن يمكن أن يرفض هكذا عريس؟ من المؤكد أنها فكّرت بعقلها، لا بعاطفتها. أعرفُ إنها بعُمر ابنته... "
" ابنته! وهل مَن كان بشذوذه يمكن أن يُرزق بأولاد؟ "، قلت مُقاطعاً وأنا أغلي بالغيظ والغضب. أغتصبت مخدومتي إبتسامة متسامحة، مبديةً تفهمها. قالت بعد صمت قصير: " مهما يكن، فإنّ شيرين فتاة عاقلة ومن حقها تقرير حياتها بنفسها. أما بخصوص الأقاويل عن غوستاف... ". لم تكمل جملتها، وعادت تلزم الصمت. ليلاً، بعد عودتي إلى شقة غيليز، واجهتُ شقيقتي بالخبر مُبدياً أستنكاري ورفضي. كأنما كانت تنتظرني، ومهيئة جوابها: " الخانم صديقتك، طار صوابها ولا غرو، عندما علمت بأنّ غوستاف عرض عليّ الزواج,. فإن ذلك أفشل كل مخططاتها! أعرفُ أنها لن تسلّم بالأمر، ولعلها تخطط هذه المرة للأنتقام مني من خلال شخصك أنت. ولكن المسيو أقوى منها! إنه لن يضفي حمايته عليك حَسْب، بل وسيمنحك أيضاً أفضل وظيفة ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجزء الأول من الرواية: واو 2
- الجزء الأول من الرواية: واو
- الجزء الأول من الرواية: هاء 3
- الجزء الأول من الرواية: هاء 2
- الجزء الأول من الرواية: هاء
- الجزء الأول من الرواية: دال 3
- الجزء الأول من الرواية: دال 2
- الجزء الأول من الرواية: دال
- الجزء الأول من الرواية: ج / 3
- الجزء الأول من الرواية: ج / 2
- الجزء الأول من الرواية: ج / 1
- الجزء الأول من الرواية: ب / 3
- الجزء الأول من الرواية: ب / 2
- الجزء الأول من الرواية: ب / 1
- الجزء الأول من الرواية: أ / 3
- الجزء الأول من الرواية: أ / 2
- الجزء الأول من الرواية: أ / 1
- الفردوسُ الخلفيّ: تقديم 3
- الفردوسُ الخلفيّ: تقديم 2
- الفردوسُ الخلفيّ: تقديم 1


المزيد.....




- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الجزء الأول من الرواية: واو 3