أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الجزء الأول من الرواية: زاء 3















المزيد.....

الجزء الأول من الرواية: زاء 3


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5335 - 2016 / 11 / 6 - 12:23
المحور: الادب والفن
    


قلتُ للخانم بنبرة رسمية، كما يجدر بسكرتير لها: " العربة حضرت، فهل تأمرينني بشيء؟ ". تعمّدتُ مخاطبتها بهذه الطريقة، طالما أنّ جماعة الشاعر كانت ما تفتأ تحيط بنا. أومأت برأسها بحركة تعبّر عن التفهّم، ثم أتجهت من فورها إلى الحوذيّ لتبدأ بتقريعه: " لا بدّ أنك عدتَ إلى صديقك البوّاب، لكي تواصلا جلسة الحشيش! ". كان صوت الرجل العجوز يتناهى من خلفي، مبرراً تأخره بكون رجال الشرطة أبعدوه عن المكان، لما رحتُ في أثناء ذلك أودّع الشاعر وجماعته: " إلى اللقاء في الغد.. "، كنتُ أقول لكلّ منهم. توقفتُ قليلاً، أشيّع الجماعتين، المتجهة كلّ منهما إلى مبيتها بوسيلة نقل مختلفة. ثم ما لبثتُ أن هممت بقطع الشارع عند الإشارة الضوئية، حينَ فاجأتني سيارة متوقفة للتوّ بإطلاق زعيقها.
" أنتَ شقيق شيرين، إذا لم أكن مخطئة؟ "، عَبَرَ نداءُ امرأة مألوفة السحنة خِلَل نافذة سيارتها المفتوحة. وإذا هيَ " للّا عفيفة " تدعوني إلى سيارتها الجيب، الكبيرة والمترفة: " هل أنت ذاهب إلى منزلك، فنوصلك معنا؟ ". دارَ رأسي بلحظة، مُستعيداً مشهداً خاطفاً خلّفته ثمة في قاعة دار الأوبرا. أمالت الأميرة رأسها إلى جانب بحركة مُتسائلة، فيما كانت ملامحها تتوضّح لعينيّ على ضوء مصابيح الشارع القوية. تقدمتُ متردداً، فحييتها قائلاً أنّ مسكني قريبٌ ولا حاجة لإزعاجها. إلا أنها كانت إذاك قد لحقت مدّ يدها إلى الوراء، كي تفتح الباب الخلفيّ للسيارة. ما أن دلفتُ إلى ذلك الموضع، حتى أنطلقت السيارة بسرعة. ولكنها بدلاً عن المضيّ بإستقامة، أين جهة شقتي، فإنها أنحرفت بزاوية حادة إلى اليمين نحوَ الشارع المؤدي إلى ساحة الحارثي. مرافقتها، وكانت امرأة قاتمة البشرة على حدود الحلقة الرابعة من العُمر، هيَ من كانت تقود السيارة. أنطبعت ابتسامتها في المرآة الصغيرة، المثبتة بمقابلها، وكما لو أنها تتفكّه من ملامحي الحائرة والمُحرجة.
" العرض المسرحيّ كان مُضجراً، وأرغب بتغيير مزاجي.. "، خاطبت الأميرة مرافقتها. وما عتمت أن ألتفتت لتقول لي، وهيَ تغمزني بإحدى عينيّ الحدأة المحفورتين في سحنتها: " ما رأيك أن نمرّ على أحد المقاهي، فالوقت غير متأخر؟ ". ثم أردفت دون أن تتحرك هذه المرة: " مثلما أنّ الغد هوَ موعد حفل ميلاد الخانم، ولا أعتقد أنه يوم عمل ". بلبلتني حركتها وكلامها، فلم أعرف جواباً إلا هزّ الرأس. مع وصولنا إلى الساحة، تباطأت سرعة المركبة وصار بالإمكان رؤية جمهرة الخلق عند مدخل مطعم الوجبات السريعة وعلى طول شارع محمد الخامس، المحروس جانبيه بأشباحٍ من ليمون. كانت السيارة تستعد للتوغل في ذلك الشارع، حينَ أمرت الأميرة مرافقتها على غرّة أن تمضيّ قدماً في الدرب المفضي إلى باب دُكالة: " على ما يبدو، فصديقنا لم تعجبه فكرة إزجاء الوقت في مقهى! "، قالتها بطريقةٍ جعلت مرافقتها تضحك ملء فمها. فيما أنا أغرق أكثر في مقعدي، نبستُ بصوتٍ واهن: " المعذرة، ما لو فهمتِ حضرتك الأمرَ هكذا.. ولكنني من الممكن أن أنزل هنا.. "
" ما هذا الكلام، صديقي؟ لم يكن الأمر أكثر من دعابة! "، خاطبتني المرأة المعابثة مجدداً عن قرب. ثم أستأنفت القول، بعدما رجتني بلطف أن أنتقل إلى المقعد المجاور كي تستطيع رؤيتي دون عناء: " ما أعرفه، أنكم معشر المشارقة تميلون للمرح أكثر من المغاربة، المعروفين في أوروبا بالوجه المتجهّم والخلق الضيق! ولكنني أعرف أيضاً حقيقة أخرى، وهيَ أنك شاب مرهف الحسّ كونك فناناً. مسيو غوستاف، أنتَ تعرفه هه؟ حسناً، لقد أراني مؤخراً بورتريه لسوسن خانم من رسمك، وكان أن أعجبتُ به لدرجة تمنيتُ أن أحظى بمثله. فأنا أقترح أن ترافقني إلى قصري لتكون بضيافتنا، حيث من الممكن مناقشة أمر اللوحة المأمولة. لقد رأيتُها فكرةً، تفضل قضاء الوقت بمقهى. هذا ما لو تكن تشعر بأنني حجرتُ حريتك، أو أنك أسير رغباتي؟ "
" أبداً. أعني، بخصوص سؤالك الأخير "، أجبتها دونَ أن يفارقتي التوجّس. إذ أنها المرة الأولى، ولا شك، التي أجدني فيها أهمّ بإجتياس دربٍ يوصل إلى مجاهل لا عهد لي بها. فمن قبل، كانت قد تناهت إليّ شذرات عن " للّا عفيفة "، بوصفها امرأة خالعة العذار وعلى الرغم من موضعها الإجتماعيّ السامي. مغامراتها، وإن كان معظمها تخلّقات أخيلة الخلق، غير أنّ بعضها صحيحٌ وشهدتُ بنفسي إشارات على ذلك من خلال مسلك صاحبته وطريقة تفكيرها ومنطقها. وهيَ ذي، تمثّل دورَ المرأة البسيطة المتواضعة، مضفيةً على ألفاظها ألواناً بعيدة عن لغة التهديد والتوعّد والترهيب. ولكن، لِمَ سيكون الأمرُ غير ذلك، فهل أنا خادمٌ لديها؟
" أظن أنّ ذاكرة أسرتك مليئة بصوَر القصور، طالما أنكم من محتدّ نبيل يرقى إلى إحدى أسر الأمراء الأتراك! "، قالتها بنبرة متعاطفة. عندئذٍ حَسْب، حقّ لي التنفّس عميقاً بإرتياح. غبطتُ نفسي على نسبي المزعوم، والذي عرفت هيَ به ولا مِراء عن طريق أمثال " إريك " وزوجته. هكذا طفقتُ صامتاً ما تبقى من الطريق، مُلقياً كلّ وهلةٍ نظرة على الهيئة العلوية للأميرة. جزّة شعرها الفاحم، كانت مخفية في قبعة سوداء كبيرة ومائلة، فيما عنقها وكتفاها قد ألتفا بشال من الفراء الرماديّ، النادر والثمين. في أثناء ذلك، كانت الأميرة قد تكلمت مرتين في جهاز الهاتف اللاسلكي، الموضوع جنباً لجنب مع ما بدا أنه جهاز تلفاز دقيق الحجم. بعد حوالي عشر دقائق، تركنا المدينة بمبانيها وميادينها، المتألقة بالأضواء، لنجتاز مزارع غارقة في العتمة. الغبار، جعلَ قائدة رحلتنا تشغّل مسّاحات النوافذ بعد مدّها بدفقات هيّنة من الماء. وكانت السيارة قد غيّرت سرعتها أكثر من مرة، إلى أن أضحت بطيئة عند أختراقها لدربٍ ممهّد على شيءٍ من الضيق. فما لبثت أن توقفت أمام مدخل ذي واجهة مضاءة ببصيص أنوار كهربائية خافتة، يُحدق به أشجار النخيل الملتوية الأعناق بفعل الريح. جمعٌ من الحراس، وقفَ بطريقة استعراضية لدى مرور السيارة من المدخل المفتوح للتوّ. ثم أكملنا طريقنا عبر ممشى رمليّ مضاء بدَوره من الجانبين، يحفه نباتات زينة متناعسة. نزلنا على الأثر عند البوابة الداخلية لهذا القصر الريفيّ، فأستشاط في أنفي للفور المشامُ الحرّيف، المألوف لمن يجتاز قرية من القرى.
" سموّكِ، الأخبار مقلقة. ولكننا رتبنا أمور الأمن، وذلك بالتنسيق مع قائد شرطة المقاطعة "، خاطب الأميرة رجلٌ عجوز نوعاً، بعدما تقدّم منها فقبّل يدها بحركة خضوع وإحترام. كان مدير أعمالها، ولم يُظهر دهشةً من رؤية رجل غريب يترجّل من السيارة. وإليه ألتفتت الأميرة، قبيل إختفائها خلف بوابة القصر، لتقول له: " إنه ضيفي، وأريدك أن توصي بمن يهيئ له ما يناسب من عشاء ومنامة! ".













#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجزء الأول من الرواية: زاء 2
- الجزء الأول من الرواية: زاء
- الجزء الأول من الرواية: واو 3
- الجزء الأول من الرواية: واو 2
- الجزء الأول من الرواية: واو
- الجزء الأول من الرواية: هاء 3
- الجزء الأول من الرواية: هاء 2
- الجزء الأول من الرواية: هاء
- الجزء الأول من الرواية: دال 3
- الجزء الأول من الرواية: دال 2
- الجزء الأول من الرواية: دال
- الجزء الأول من الرواية: ج / 3
- الجزء الأول من الرواية: ج / 2
- الجزء الأول من الرواية: ج / 1
- الجزء الأول من الرواية: ب / 3
- الجزء الأول من الرواية: ب / 2
- الجزء الأول من الرواية: ب / 1
- الجزء الأول من الرواية: أ / 3
- الجزء الأول من الرواية: أ / 2
- الجزء الأول من الرواية: أ / 1


المزيد.....




- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الجزء الأول من الرواية: زاء 3