أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الجزء الأول من الرواية: الحاء 3















المزيد.....

الجزء الأول من الرواية: الحاء 3


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5338 - 2016 / 11 / 9 - 15:31
المحور: الادب والفن
    


ربما مرّ أسلاف الرجل الصغير، في غمرة مغامرتهم الأندلسية، بالضيعة تلك التي أنطلقَ منها بعد عدة قرون الفارسُ " دون كيخوته " في رحلاته مع تابعه " بانشو ". هذا الأخير، كانت قامته قصيرة ودأبَ على مرافقة الفارس وهوَ ممتطٍ حماراً. وإذاً كان على الرجل الصغير، الخَضوع الطبع بحُكم وظيفته، أن يغدو فارساً متنكّباً بندقية صيد وفي طريقه لمحاربة طواحين الهواء. فيما وجدتني أتقمّص دَور ذلك التابع، ولو دون إرادتي. على ما في هذه المقاربة من مُساهلة، فإنني فكّرتُ فيها خلال جولتي عبرَ الربض الخصيب، المُعدّ من أملاك صاحبة القصر. بدت الجولة عبثية ومجانية، في مستهلّها على الأقل. فلم يكن ثمة غير العبث، دافعاً لتورطي بمجادلة سياسية مع مدير أعمال الأميرة على خلفية ما كان يجري في ذلك اليوم المشهود.
مرأى بحيرة صغيرة، سبحت نظراتي فيها، جعلني أسلو أمرَ مجادلتي مع الرجل الصغير. وإذا به يُشير إلى شخصٍ جالس في قارب جديدٍ كل الجدّة، مصبوغ بلون أزرق زاه، راسٍ على الضفة الموالية لنا: " ذاك النوتيّ الشاب، سينقلنا إلى جزيرة الأميرة السعيدة.. "، قالها بنبرة مُلغزة كان قد سبقَ وبدأ بها حديثه معي. هذه المرة أيضاً، تركته يقودني إلى ناحية النوتيّ، والذي ظهرَ أنه كان ينتظرنا ضجراً ونافد الصبر. أقلعَ القاربُ بنا للفور، مُجتازاً ببطء صفحة المياه النقية، المنقّطة بنجيمات الزنبق الأنيق بألوانه المتعددة البديعة. فلم تمض سوى بعض دقيقة، حتى كنا نتهيأ للنزول إلى أرض الجزيرة. ثلاثة رجال مدججون بأسلحة نارية، لوّحوا لنا من بعيد بأيديهم بما بدا أنها حركة ترحيب. كانوا يخفرون جانباً من كوخٍ على شيءٍ من الكبر، يمكن الوصول إليه من مرسى القوارب عن طريق ممشىً مفروشٍ برمل أبيض ناصع، محفوفٍ كلّ من جانبيه بأزهار الزينة وشجيرات الموز ونخيل واشنطن.
" صباح الخير، سموّ الأميرة.. "، حييتها بصوتٍ ضعيف وقد عاد الإرتباك ليداهمني. على أنني سرعان ما أستعدتُ ثقتي بنفسي، طالما أنّ " للّا عفيفة " رحّبت بي بحرارة. إبتهاجها بحضورنا، عبّرت عنه على طريقتها بأن بدأت تداعبنا بعبثها المألوف. أتجهت أولاً إلى مساعدها، لتقول له محذّرةً بأصبعٍ متألق بخاتم ذهبيّ مُجوهر: " ألم تُسئم ضيفنا، بالحديث عن بطولاتك المشهودة؟ ". هنا، شدّ الرجل الصغير قامته مُجيباً بدون إبطاء: " روحي فداءً لسموّك؛ وأنتِ تعلمين ذلك جيداً..! ". هذه الحركة، تعيّن عليها ان تجلبَ قهقهة مخدومته. فما لبثَ دَوري أن جاء، لكي ترنو إليّ بعينين سوداوين فيهما إحمرار خفيف لم يبدُ لي ليلاً أو أنه بتأثير السهر: " أعتقدُ أنّ مساعدي قد أخافك ببندقيته وخراطيشه، مع أننا لا نغتال خصومنا في وضح النهار! "
" فأنا خصمكِ، إذاً..؟ "، سألتها مُبتسماً وقد عادني الإحساس بالخجل. كانت عندئذٍ قد أضحت بقربي، لأنتبه كذلك إلى أنّ قامتها كانت أطول من قامتي. والمغربيات، عموماً، يتميزن عن نسائنا المشرقيات بالقوام الفارع والرشيق مع تضخّم بالردفين يعتبرونه بشكل حاص علامة على الجمال والنعمة: هذا الكفل، المُسرف بالسمنة، لعله هوَ مَن لوّن وجهي بحمرة الخجل آن مخاطبتي لصاحبته العالية المقام. لقد وهبتني إياه أمس بكرَمٍ ملوكيّ، كي أتمتع به مع رشفات من النبيذ، المهرقة بين وديانه وممراته ومغاوره الأكثر سرّانية.
صالة الكوخ، أين أستقبلتنا الأميرة، كانت بسيطة التأثيث ومتميزة بوجود مكتبة حافلة، مما يدل على إنتفاء الحاجة لحجرة مكتب بسبب ضيق المكان. إلا أنّ الصالة تصلح لتكون مرسماً؛ بواجهتها الزجاجية، المحتلة جداراً قبلياً كاملاً، وبسعتها وإطلالتها على حديقة مونقة بالورود النادرة والأشجار الظليلة فيما المياه تحوط المكان من كل جانب. لما ذكرت ذلك لصاحبة المقام الرفيع، فإنها أجابتني بعيد إشارتها لي بالجلوس على كنبة محاذية لأريكتها الفارهة: " يسعدني أن ترتاح لهذا المكان، ومرحباً بك في أيّ وقتٍ تشاء فيه المكوث هنا بغية الرسم! أما من ناحيتي، فأنا أحياناً أقضي وقتي هنا بصحبة روايات فرنسية شيقة ". ثم أضافت فوراً كمن خطرَ له فكرة طارئة: " وبالمناسبة، لقد زرت مرةً ضيعة الفنان كلود مونيه، وهيَ موجودة في ريف باريس. كوخي هذا، هوَ من وحي تلك الزيارة. إذ تأثرت برؤية بحيرة الزنابق الشهيرة، المتوسّطة مزرعة مونيه. فأنتقيت لاحقاً هذه البقعة المشكّلة جزيرة صغيرة، لكي أبني عليها الكوخ. لكأنني كنتُ أهجسُ آنذاك، بأنني سأحظى بمعرفة رسام موهوب أهبه المكان عن طيب خاطر "، نطقت جملتها الأخيرة بصوت أشبه بالهمس وكأنها تسرّها لي لوحدي.
" مونيه معلم عظيم، أما أنا فلستُ أكثر من هاوٍ.. "، قلت للأميرة وقد جعلني إطراؤها أغوص في لجة الخجل مجدداً. أبتسمت لملاحظتها تضرج وجهي، فما عتمت أن أشاحت بوجهها إلى ناحية مساعدها لتخاطبه بحيوية: " أعلمتَ بأنّ رجالنا حطموا الإضرابَ في البلد كله، وأستعادوا زمام الأمور في فاس وطنجة؟ ذلك حصل خلال ساعات قليلة، وقتلى المتمردين بالعشرات متناثرة في الدروب يعبث بجيفها الكلاب ". قال لها الرجلُ الصغير وهوَ يتصنّع الإنفعال: " خبر مفرح جداً! ولكن، كيف علمتِ به يا سيّدتي، وخدمة الهاتف مقطوعة؟ "
" من خلال هاتفي العسكري، يا بطل معركة الكسكس..! "، أجابته مع ضحكة مجلجلة. تطامن الرجلُ بذقنه الحليقة إلى الأعلى، كمن يؤدي وقفة أستعداد عسكرية، وراح يتنحنحُ مُصدراً غمغمة بالكاد سمعت: " نعم، نعم.. من الضروري الإستعانة بذلك الهاتف أثناء المعركة! ". ثم ما لبثَ أن أردفَ بنبرة قوية: " أولئك القتلى، أخالهم من الشباب المتعاطين المخدرات. فيجب إلقاء القبض على المحرضين الحقيقيين، عملاء الأجنبي، وإعدامهم رمياً بالرصاص على غرار ما جرى مع المتمرّدين في قصر الصخيرات.. "
" آه منك، تأبى ذاكرتك إلا نبش القبور! أنت تعلم، أنني كنتُ حاضرة أثناء تلك المجزرة الرهيبة وكنت صغيرة السن. آنذاك، كنا في صالة القصر الرئيسية نستمع للمطرب عبد الحليم حافظ، الذي حضرَ من مصر لإحياء حفل عيد ميلاد أمير المؤمنين. وإذا بهرج كبير يتناهى من الخارج، أعقبه دخول جنود مسلحين ببنادق، فراحوا يطلقون علينا النارَ عشوائياً. الأفضل التوقف عن إضافة أي كلمة أخرى، وإلا فإن مزاجي سيتفاقم تعكيراً وربما يزورني أيضاً الكابوس ليلاً ". فلما قالت ذلك، فإنني أستعدتُ حالاً ما كان من ليلة الأمس، والتي بدت لي بعيدَ إفاقتي صباحاً كأنها تفصيلً من كابوس: صرخات انسانة تعذّب، مطلقةً لازمة واحدة كمن جعله الألم ينسى غيرها من كلمات. فيما بعد، سيتناهى إلى سمعي أقاويل غريبة كان يتداولها الخلقُ على أثر أحداث الرابع عشر من دجنبر. من ذلك، أنّ بعض فتيات إحدى المدارس الثانوية، ممن أسهمن في إعتصام إحتجاجاً على مشاركة بلدهن في قوات التحالف الأمريكي الهادف لإجبار صدام حسين على الإنسحاب من الكويت؛ أنّ هاته الفتيات، تم سوقهن إلى القصر الريفيّ عقب إعتقالهن، فتعرضن للتعذيب والإغتصاب ثم أختفت آثارهن.









#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجزء الأول من الرواية: الحاء 2
- الجزء الأول من الرواية: الحاء
- الجزء الأول من الرواية: زاء 3
- الجزء الأول من الرواية: زاء 2
- الجزء الأول من الرواية: زاء
- الجزء الأول من الرواية: واو 3
- الجزء الأول من الرواية: واو 2
- الجزء الأول من الرواية: واو
- الجزء الأول من الرواية: هاء 3
- الجزء الأول من الرواية: هاء 2
- الجزء الأول من الرواية: هاء
- الجزء الأول من الرواية: دال 3
- الجزء الأول من الرواية: دال 2
- الجزء الأول من الرواية: دال
- الجزء الأول من الرواية: ج / 3
- الجزء الأول من الرواية: ج / 2
- الجزء الأول من الرواية: ج / 1
- الجزء الأول من الرواية: ب / 3
- الجزء الأول من الرواية: ب / 2
- الجزء الأول من الرواية: ب / 1


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الجزء الأول من الرواية: الحاء 3