أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الفردوسُ الخلفيّ: الياء 3














المزيد.....

الفردوسُ الخلفيّ: الياء 3


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5344 - 2016 / 11 / 15 - 09:31
المحور: الادب والفن
    


" شيرين "، بالنسبة للعديد ممن عرفها، دأبت على كونها أشبه بهَوْلة الألغاز والأحاجي. لا أستطيع الزعم، بأنني عرفتها أفضل من الآخرين بصفتي شقيقها الوحيد. إنني أتكلم عما في مسلكها من غرابة، وكان يتناقضُ بشدة مع شخصيتها الموحية بالهدوء والدِعَة والإستقامة. لعل صفاتها الأخرى، كالميل إلى الوحدة والنفور من الأمور المادية والمظاهر، قد جعلها محببة في نظر من يحيطون بها. إنّ الناس، وخصوصاً النساء منهم، لا يضعون أحداً في مرمى حسدهم طالما أنه قرينُ الطيف؛ لا يتجسّد سوى ليلاً في منامٍ أو كابوس. على أنّ " شيرين " لم تبقَ على خصالها إلى الأخير، وشاءت أن تقتحمَ حيوات الآخرين على طريقتها. لم ترَ حاجة لتبرير تغيرها أمام كائناً من كان، وربما لإقتناعها بما كانت تفعله. أو أنّ الأمرَ على منقلبٍ آخر ( من يدري؟ )؛ مثلما أفصحت هيَ عنه بذلك الإصرار على تسجيل سيرتها على الورق، حينَ كانت حبيسة السجن الإحتياطيّ.
دعوتُ شقيقتي آنفاً ب " قرين الطيف "، مع كوني أكتشفتُ متأخراً بأنني ذلك الطيف. ليسَ الأمرُ على صلة فقط بصفات " شيرين " الشخصية، بل وأيضاً في صيرورة حياتها المراكشية. وربما عليّ الإستعانة مجدداً بمخطوطتها، لكي أنبش الجوانب الخفية في سيرتها. أول ما لحظته عندئذٍ، هوَ أنها تنوّه في مواضع عدّة بتأثرها فيّ من الناحية الأدبية. ولكنها لم تنصف كينونتها المبدعة، ككاتبة موهوبة، حينَ أعطتني دوراً مبالغاً فيه لدرجة القول بأنها لم تكن أكثر من مقلدة لي. إلا أنّ تلك البساطة وحُسن الطوية والتواضع، ما كان لهم إلا أن يجلوا المزيدَ من خصالها ـ كما هوَ شأنُ تمثالٍ فينوسيّ في متحف، أُزيحَ عنه تواً الستار.
إلى ذلك، كانت " شيرين " ذات جمالٍ مُبهر، وصفته مخدومتي يوماً بأنه " صاعقة تضربُ كيان أيّ رجلٍ مهما كان متحفظاً خلقياً أو محصّناً دينياً، بل ولو كان ثنائيّ الميول الجنسية! ". هذه الملاحظة، اتّسمت خاتمتها بالخبث، وكانت بطبيعة الحال متجهة السهم نحوَ " المسيو غوستاف ". من الملاحظ أيضاً، أنّ " سوسن خانم " بدت كما لو أنها كانت بمثابة الحائل بين شقيقتي ومخدومها. " الشريفة "، زعمت أنّ العكس هوَ الصحيح. بعد إفتراقي عن قرينتي هذه، وعودتي إلى عرين الخانم، فاتحتُ الأخيرة بالموضوع وكانت شقيقتي آنذاك قد عادت ملاكاً في السماء. ردّت " سوسن " بنبرة قاسية، وقد ظهرَ التأثر جلياً على ملامحها: " الشريفة، مخلوقة داهية وهيَ خالية كذلك من العواطف. إنها لا تعرف غير مصلحتها، وبأكثر ما يمكن تصوّره من نرجسية وأثرة وأنانية. لقد كانت تلعبُ على الحبلين، دون علمي طبعاً، واضعة نفسها بتصرّف غوستاف في وقتٍ كانت هيَ فيه مرافقتي. هذه اللعبة، شاركها فيها منذ البداية زوجها سيمو، ومن النافل ذكر كيفية إنتهائها ".
رأيتني ظلاً لشقيقتي، ثمة في مراكش، فيما هيَ ذكرت بمخطوطتها الأمرَ على خلافه. إذ لم أكن لأخطر على بال " لبنى "، على سبيل المثال، لولا غيرتها على رجلها من " شيرين " وخشيتها أن تختطفه منها. وقد كاد ذلك أن يتمّ لشقيقتي، قبل أن تتراجع هيَ بنفسها عن هكذا مغامرة. على أنّ الحبّ، كان قد سبق وأزهر فعلاً في قلبيهما كلاهما. فلم يكن مجرّد تمثيل، كما هوَ حال زوجة الشاعر عندما أجازت لنفسها لعبَ ذلك الدور معي. وأعترفُ هنا، بأنني سأظل منتشياً بذكرى تلك المرأة الجميلة، وأنني كنتُ مثارَ إهتمامها. هذا، وعلى الرغم من علمي بدوافع ذلك الإهتمام. شعورُ الإنتشاء، المَوْصوف، ربما كان آنذاك نتيجة لنوع العلاقة الخفية مع " الشريفة "، التي كان محورها الجنس لا الحب. لاحقاً، أستمعتُ للخانم صامتاً حينَ شاءت أن تفيّم علافتي بمرافقتها وبكلام جارح: " إنها أشبه بثور، ينقله الفلاحون من بقرة إلى أخرى بهدف الإخصاب. هيَ علاجٌ ناجع لجميع الرجال، بما فيهم العجوز الممتحن إنتعاظه والشاب الممعن في كبته! ".
" رفيق "، من ناحيته، كان قد قدّم فذلكة عن تمثُل زوجة الشاعر بعقلية المجتمع المراكشيّ، وذلك كتفسيرٍ لما لاحظه من إنطلاقها على سجيتها أثناء الحفل. لقد كانت مثيرةً حركاتُها، خلال حفل عيد الميلاد، لدرجة أنّ صاحبنا العراقيّ تمنى ضمناً لو كان بمكاني. الحق، أن فذلكته لم تكن بعيدة تماماً عن الصواب. إذ كنتُ أفكّر بنفسي بشيءٍ مشابه، آنَ ملاحظتي للمرأة وهيَ تكلّم زوجها بالدارجة المغربية. لقد علّق " المهدي " على ذلك، في يومٍ آخر، وببراءته المعهودة: " إنها تتحدث بهذه اللهجة في البيت، لكي لا ينشأ أطفالنا كغرباء وسط أقرانهم ". ولكن، ألم يكن الزوج ينتبه لمسلك " لبنى " سواءً في ذلك اليوم أو ما سبقه؟ بلى، أعتقدُ أنه كان على دراية بالأمر ومن الممكن أنّ غضه الطرف إنما كان بسبب تفهّمه لدافع امرأته. كأنما كان عقاباً ذاتياً من باب تأنيب الضمير، ما دام غير قادر على فكاك نفسه من أسر الحبّ المنذور لإمرأة أخرى. يقيني هذا، مستمدّ من تعامل الرجل معي، حيث بقيَ دوماً في إطار الإحترام والمودة.
" الكاتب الأمريكي فريدريك بوول، المعروف بنزيل طنجة؛ هل سمعتَ به؟ "، خاطبني " المهدي " على أثر إنضمامي مرة أخرى إلى حلقتهم. وكنتُ قد أعتذرتُ عن مرافقة شقيقتي في سيارة مخدومها، محتجّاً بحاجة " سوسن خانم " إليّ بعد إنتهاء الحفل. إذاك، رشقتني " شيرين " بنظرة نافذة قبل أن تتحرك لتغادر المكان بمشيتها الصلبة. فلما سألني الشاعر عن ذلك الكاتب الأمريكي، وأجبته نفياً، فإنه راحَ يتحدّث عنه ببعض الإسهاب. في واقع الحال، أنني لم ألتقط شيئاً من الحديث طالما أنّ " لبنى " كانت تلتهمني بعينيها العسليتين، المكحولتين. إلا أنني ثبتُ إلى رشدي، عندما توجّه رجلها إلى مخدومتي بالقول مبتسماً: " هذه المرة، سأدعوكم إلى حفل تكريم ذلك الكاتب الأمريكي بمناسبة بلوغه الثمانين. سيكون حفل إستقبال، ننظمه كالعادة في قاعة الرواق، خصوصاً وأنّ فريدريك بوول يكنّ لمراكش محبة كبيرة وكان قد أسهم في التعريف بفن الكَناوة كونه بنفسه مؤلفاً موسيقياً ".





#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفردوسُ الخلفيّ: الياء 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الياء
- الجزء الأول من الرواية: الطاء 3
- الجزء الأول من الرواية: الطاء 2
- الجزء الأول من الرواية: الطاء
- الجزء الأول من الرواية: الحاء 3
- الجزء الأول من الرواية: الحاء 2
- الجزء الأول من الرواية: الحاء
- الجزء الأول من الرواية: زاء 3
- الجزء الأول من الرواية: زاء 2
- الجزء الأول من الرواية: زاء
- الجزء الأول من الرواية: واو 3
- الجزء الأول من الرواية: واو 2
- الجزء الأول من الرواية: واو
- الجزء الأول من الرواية: هاء 3
- الجزء الأول من الرواية: هاء 2
- الجزء الأول من الرواية: هاء
- الجزء الأول من الرواية: دال 3
- الجزء الأول من الرواية: دال 2
- الجزء الأول من الرواية: دال


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الفردوسُ الخلفيّ: الياء 3