أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الفردوسُ الخلفيّ: النون 2














المزيد.....

الفردوسُ الخلفيّ: النون 2


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5353 - 2016 / 11 / 26 - 14:09
المحور: الادب والفن
    


بصوتٍ متهدّج، أنهت " الشريفة " روايتها لحكاية أبنة حميها فيما كانت سيارتنا تقترب من مقر إقامة الخانم. أيضاً كانت عيناها محتقنتين نوعاً، وكما لو أنهما تقاومان فيضاً من العبرات المالحة. آنذاك، أحترتُ بأمر تأثّرها بما حصل مع " خولة "، خصوصاً وأنّ هذه الأخيرة لا تكنّ لها سوى مشاعر النفور والإحتقار. على أنني أحيلُ ذلك القبس من الشفقة، الطارئ، إلى كون المرأتين ممتحنتين كلاهما بالهمّ نفسه: ففي منزل عائلة " الشريفة "، أين رأيتنا تواً على مقربة منه، كان ثمة طفلٌ مسكين يذكّرُ المرءَ بإبنة " خولة "، المبتلية بعلّة الصرع.
حينَ أستعيدُ تلك الواقعة، ترتجفُ يدي الممسكة بالقلم وأقاوم بدَوري رغبة جياشة بإطلاق العبرات. أفعل ذلك، فيما يدٌ أخرى، خفية، تطعن داخلي بسكين تبكيت الذات وتأنيب الضمير. لعلني أستحق هكذا عقاب، كوني مسؤولاً بدرجة كبيرة عن مأساة ضياع طفلتي الوحيدة؛ أنا من أعتدتُ الإستهتارَ بعواطف وآلام ومحن مَن أنجَبَتها، كما يبدو ذلك في كلّ مرةٍ أخطّ فيها اسمَ " الشريفة " على الورق. لم أشعر قبلاً قط أنني نرجسيّ، وأعني قبل أن ترميني المصادفة في مراكش. لكأن هذه المدينة امرأة، تجرّد من ملابسه أيَّ أمرئٍ وجدَ نفسه تحت سقفها وبمواجهة عريها. وإنها المصادفة، في آخر المطاف، من تحكّمت بتصنيف من يحيط بنا من دوائر الأقارب ودرجة إهتمامنا بهم من عدمه.. فهي من رمت كلاً منا في مستنقع الحياة؛ حَجَراً، تتشكّل حوله الدوائرُ فيما هوَ يغوص في الماء وصولاً إلى القاع العَدَم.
إلا أننا أبناء الجنس الإنسانيّ، المُفارق صفته الحيوانية الأولى عند حدود تاريخٍ غامضٍ من الحسّ بشهوة التملّك والإغتصاب والإستعباد. لعُمري، فإنّ غريزة البقاء لدى أولئك الأسلاف الغابرين، لهيَ أكثر سمواً من لهاثنا على مدار الساعة في عالم من الأعمال اللا مجدية طالما أنها لم تفضِ سوى لتأكيد توحشنا وأنانيتنا. حتى الحيوان، فإنه جديرٌ بأن يهزء بنا فيما يتعلّق بأحد أهم همومنا؛ ألا وهوَ الجنس: على الأقل، الحيوان لا يشكو من مشاعر التغرّب والضياع المودية إلى هاوية الإنحراف والشذوذ.. إنه محكومٌ بالغريزة، ولا حاجة له لإجتياز أيّ حائلٍ، مصطنع، تمت مراكمته على مرّ التاريخ ـ كما التل الأثريّ، الذي تركب تحته الحضاراتُ الواحدة فوق الأخرى!
وهذه هيَ " الشريفة " تختتم حكايتها الحزينة، قائلةً: " بالأمس القريب، هددت أختَها سمية متهمةً إياها بكونها وراء مسألة إعتقال غني. وإذا هيَ الآن طريحة في المشفى، جريحة الرأس والنفس معاً. إنها علاوة على ذلك شبه محتجزة، وربما تقدّم للتحقيق مع من أعتقل على خلفية الإعتصام بمدرسة إبنتها ". لم أعلق على الفور، بما أنني رحتُ أفكّر بأمر المرأة المقتعدة بجانبي: " يا لك من إنسانة تعسة! فإنك بنفسك جريحة الروح والجسد. فآثارُ إنتهاكي المستهتر وسياطِ تلك الأميرة السادية، ما تزال جلية على كفلك! ". كذلك فكّرتُ، دون أن يدور في خلدي، بطبيعة الحال، أنها ذات المرأة التي ستقود زمام مصيري في هذه المدينة بمثل إعتيادها قيادة سيارة مخدومتنا. سألتها على الأثر: " وأنتِ، ما رأيكِ؟ هل لسُمية علاقة في مسألة إعتقال غني؟ "
" ليسَ بمقدور أحد معرفة أمر كهذا، مثلما أنّ المعنية تنكره بشدة "
" أنا سألتك عن رأيك، وها أنتِ تتهربين من الجواب! "
" لِمَ تهتمّ برأيي، وأنت لا يهمك شيئاً من أمري؟ "
" هه! أهذه نغمة جديدة؟ "
" على أيّ حال، فإنّ أحداً لن يحزن على الفتى سوى أمّه أعانها الله... "
" ولا حتى غزلان..؟ "، قطعتُ كلامها بسؤالٍ مُريب. وكنا قد دخلنا عندئذٍ في الشارع الفرعيّ، المفضي لمقر عملنا. تريثت " الشريفة " في الجواب، بعدما رمقتني بنظرة عابسة، وكانت في الأثناء تستهلّ بإركان السيارة عند الرصيف. وهوَ ذا البوّاب، المُعرَّف بصفة " الحشاش "، يلوّح لنا بيده مُطلقاً تحيته المعتادة. وكمألوفه أيضاً، راحَ يلتهم بعينين نهمتين قوامَ المرافقة الأسفل. ربما كان مدهوشاً من ملبسها العصريّ، وبخاصّة التنورة القصيرة والضيّقة، التي تكشف رشاقة ساقيها وإكتناز كفلها الفاتن. عند ذلك داهمتني فكرة طارئة، حدّ أنني سلوتُ أمرَ سؤالي المعلّق في ذهن المرافقة: " عليّ الإستعداد لنظرة معلّمتنا، المتنبهة والثاقبة. إنها قد لا تقول شيئاً في شأن غيابنا بالأمس، بما أنّ الأميرة قدّمت المبرر اللازم. إلا أنّ الخانم لديها حساً رهيفاً، شبيهاً بدربة الكلاب البوليسية! ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفردوسُ الخلفيّ: النون
- الفردوسُ الخلفيّ: الميم 3
- الفردوسُ الخلفيّ: الميم 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الميم
- الفردوسُ الخلفيّ: اللام 3
- الفردوسُ الخلفيّ: اللام 2
- الفردوسُ الخلفيّ: اللام
- الفردوسُ الخلفيّ: الكاف 3
- الفردوسُ الخلفيّ: الكاف 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الكاف
- الفردوسُ الخلفيّ: الياء 3
- الفردوسُ الخلفيّ: الياء 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الياء
- الجزء الأول من الرواية: الطاء 3
- الجزء الأول من الرواية: الطاء 2
- الجزء الأول من الرواية: الطاء
- الجزء الأول من الرواية: الحاء 3
- الجزء الأول من الرواية: الحاء 2
- الجزء الأول من الرواية: الحاء
- الجزء الأول من الرواية: زاء 3


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الفردوسُ الخلفيّ: النون 2