|
الفردوسُ الخلفيّ: الميم
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 5349 - 2016 / 11 / 22 - 05:18
المحور:
الادب والفن
من النساء اللواتي عرفتهن في مراكش، كانت الفتاة المومس هيَ الوحيدة بلا إسم في سيرتي. لو أنني كنتُ بصدد كتابة رواية متخيّلة، متتبعاً مسارات حياة بطلها الرئيس، لما كان الأمر أقلّ تطابقاً من سيرورة حياتي والسيرة المكتوبة هذه. فكأنما الفتاة المومس، التي جعلتها المرة تلو الأخرى بمثابة متنفّساً لرغبتي الجنسية، كانت نذيراً للقادم من الأيام؛ حينَ سأقع فريسة سهلة بين براثن من دأبتُ على الإشارة إليها ساخراً بصفة " المرأة السهلة المنال! ". وهيَ ذي " الشريفة "، مفعمة بالحيوية والحبور، تقف بجانبي عند مدخل الجناح أثناء إستقبال المدعوين لحفل رأس السنة. أكثر هؤلاء المدعوين، كانوا حاضرين في الحفل الأول المنذور لميلاد الخانم. إلا أنّ علائم التوجّس كانت قد زالت عن وجوههم، فحلّ بمكانها الإطمئنان بعدما أضحى يوم الرابع عشر من ديسمبر لائقاً بذاكرة التاريخ الرسميّ، الخَرِف. المرافقة، كانت قد فاجأتني أولاً بظهورها على خلاف المألوف ملبساً وزينةً. فبدلاً عن القفطان، والمكياج الجدير بريفية ساذجة، فإنّ " الشريفة " كانت تتألّق بتنورة قصيرة وبلوزة حفر يكشفان بشكل مثير بشرتها الناصعة والناعمة. أما المفاجأة الثانية، فلم تتأخّر كثيراً. " تركتُ الشريفة في حجرة المكتب، لتردّ على مكالمات الهاتف.. "، كذلك خاطبتني الخانم وكانت على عجلة من أمرها بحيث لم تكمل الجملة. أدركتُ بطبيعة الحال، أنّ عليّ أن أستدعي حالاً المرافقة. يتعيّن عليّ التذكير بحقيقة، أنّ " سوسن خانم " كانت تأمرني بتنفيذ بعض الأشياء على الرغم من وجود الخدم. إلا أنها كانت تفعل ذلك عفواً لا عن قصد، وذلك لكونها تستعين بالخدم فقط في المناسبات فتطلبهم من إدارة المجمع الفندقيّ. فلما أتجهتُ إلى حجرة المكتب، كنتُ خالٍ بالتأكيد من أيّ موجدة طالما أنني أعتدتُ على ممارسة مختلف الأشغال لدى مخدومتي. ولكنني لم أكن أعمل شيئاً في واقع الحال، مما كان يجعلني نهبةً للشعور بالإثم عند نيلي راتبي أو مكافأة ما على شكل هدية مثلاً. عملي الوحيد، كان إشغال الفكر طيلة الوقت بحثاً عن جملة شعرية أو موضوع لوحة.. تماماً، كما شغلتكم عن سياق السرد بالإستطراد بالمزيد من الحماقات! " الخانم، تطلبكِ لأمر مستعجل.. "، ندّت عني بالكاد فيما كان بصري يتغلغل بالمشهد المتاح له. كانت " الشريفة " متكئة على طرف الأريكة وسماعة الهاتف بيدها تكلّم أحدهم، وكانت منحنية بكامل جسدها إلى ناحية طاولة المكتب. مؤخرتها، برزت إذاك بكل عريها وإعجازها كما لو أنها على علاقة خفية مع فكرتي آنفة الذكر عن موضوع اللوحة.. كما لو أنني كنتُ حتئذٍ أعمىً عن رؤية كنزٍ بمتناول يديّ. ويبدو أنّ تفسيراً معقولاً للأمر، لن يقدّره سوى من كان قارئاً فناناً: عريُ " الشريفة "، آنَ وقفت نموذجاً للوحتي المعلومة " خجي وسيامند "، كان من الجدية يوماً وراء الآخر وكأنه إستحال إلى نسخة عن لوحة طبيعة صامتة. ولكنني كنتُ آنذاك منجذباً ولا شك لمغناطيس ردفيها الرائعين، إنما بعينين متصلتين بمركز في الدماغ لا علاقة له بأعصاب الشهوة والشبق. حتى لما أجزت لنفسي إنتهاك ذلك الهيكل المحرّم، كانت عيناي عمياوين إلا عن الرغبة بالإمعان في عقاب صاحبته بسبب تصوّري أنها منافستي على إستحواذ قلب الخانم. كأساً كأساً، كان السكرُ يجذب نظري لتعقّب المرافقة، المتنقّلة بخفة في أرجاء الصالون الكبير. ما فاقمَ من دهشة داخلي، أنني تحوّلتُ إلى غيوراً على " الشريفة " من مخدومتنا بعدما كان العكسُ هوَ السائد. شعرتُ بذلك أكثر من مرة خلال السهرة؛ كأن تمرر الخانم يدها على شعر مرافقتها، الناعم والشديد الصفرة، أو تقبّلها في فمها تعبيراً عن الإمتنان لإنجازها عملاً من الأعمال. إلا أنّ غيرتي كادت أن تنقلب إلى الهجوم، لما لاحظتُ عينيّ " المسيو غوستاف " تتقلّبان بين أجزاء جسد المرافقة بحركات بهلوانية. ولعلّ سبب غيظي الكامن، هوَ أنّ المسيو إختارَ حفل رأس السنة لكي يُعلن خطبته لشقيقتي. وكانت " شيرين "، من ناحيتها، قد تعمّدت طوال السهرة تجاهلي فلم تحفل بي حتى في لحظة تبادل الجميع التهاني مع إعلان الساعة حلولَ السنة الجديدة. ذلك كلّه كان يدور في رأسي، مع بخار الشراب، عند مغادرتي الجناح برفقة " الشريفة ". فالخانم بنفسها، كانت قد طلبت من مرافقتها توصيل بعض الضيوف بعيدَ إنتهاء الحفل. هؤلاء الضيوف، لم يكونوا سوى " الأستاذ محمد " وزوجته وشقيقته. هذه الأخيرة، كانت حال وصولها إلى منزل الخانم مساءً قد نقلت لها إعتذار " المهدي " عن الحضور كونه رافق " فريدريك بوول " إلى مدينة ورزازات: " يبدو أنه بصدد الإشتراك بفيلم وثائقيّ، تعدّه محطة تلفزيونية فرنسية عن الأديب الأمريكي العجوز "، كذلك قالتها بصيغة غامضة. على المنقلب الآخر، كانت " لبنى " تتجنّب الإقتراب مني خلال السهرة، مما أراحَ قليلاً أعصابي المتوترة. كنتُ عندئذٍ قد إقتنعت تماماً بأنّ إهتمامها فيّ إنتهى، وذلك نتيجة إطمئنانها على رجلها على أثر شهودها غريمتها وهيَ تُضحي رسمياً خطيبة للمسيو الفرنسيّ. على أنّ غيابَ الشاعر عن حفل رأس السنة، كان واضحاً أنّ مبرره غير مقنع حتى لإمرأته. " إنها ليلة واحدة في العام، كان من الممكن أن يقضيها مع زوجته وأصدقائه، لولا أنه مجروحٌ دون شك بمسألة خطبة شقيقتكَ "، كان ذلك أيضاً رأي " الشريفة " لما صرنا لوحدنا في طريق الإياب. ولكن ردّي كان قاسياً: " ما هذا الهراء؟ ما دخل خطبة شيرين بغياب الرجل؟ مثلما أنّ موضوع الخطبة ذاته كان سراً، لم يعلم به أحد قبل الحفل ". صمتت، بعدما ألقت عليّ نظرة حذرة، وبقيت تقود السيارة شاردة البال. وإذا بي أقبّلها على حين غرة، لأطلب من ثمّ أن تمضي بنا إلى مكانٍ ناءٍ.
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفردوسُ الخلفيّ: اللام 3
-
الفردوسُ الخلفيّ: اللام 2
-
الفردوسُ الخلفيّ: اللام
-
الفردوسُ الخلفيّ: الكاف 3
-
الفردوسُ الخلفيّ: الكاف 2
-
الفردوسُ الخلفيّ: الكاف
-
الفردوسُ الخلفيّ: الياء 3
-
الفردوسُ الخلفيّ: الياء 2
-
الفردوسُ الخلفيّ: الياء
-
الجزء الأول من الرواية: الطاء 3
-
الجزء الأول من الرواية: الطاء 2
-
الجزء الأول من الرواية: الطاء
-
الجزء الأول من الرواية: الحاء 3
-
الجزء الأول من الرواية: الحاء 2
-
الجزء الأول من الرواية: الحاء
-
الجزء الأول من الرواية: زاء 3
-
الجزء الأول من الرواية: زاء 2
-
الجزء الأول من الرواية: زاء
-
الجزء الأول من الرواية: واو 3
-
الجزء الأول من الرواية: واو 2
المزيد.....
-
دعوات من فنانين عرب لأمن قطر واستقرار المنطقة
-
-الهجوم الإيراني على قاعدة العُديد مسرحية استعراضية- - مقال
...
-
ميادة الحناوي وأصالة في مهرجان -جرش للثقافة والفنون-.. الإعل
...
-
صدر حديثا : كتاب إبداعات منداوية 13
-
لماذا يفضل صناع السينما بناء مدن بدلا من التصوير في الشارع؟
...
-
ميسلون فاخر.. روائية عراقية تُنقّب عن الهوية في عوالم الغربة
...
-
مركز الاتصال الحكومي: وزارة الثقافة تُعزّز الهوية الوطنية وت
...
-
التعبيرية في الأدب.. من صرخة الإنسان إلى عالم جديد مثالي
-
يتصدر عمليات البحث الأولى! .. فيلم مشروع أكس وأعلى الإيردات
...
-
المخرج علي ريسان يؤفلم سيرة الروائي الشهيد حسن مطلك وثائقياً
...
المزيد.....
-
الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية
...
/ عبير خالد يحيي
-
قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي.
/ رياض الشرايطي
-
خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية (
...
/ عبير خالد يحيي
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
-
منتصر السعيد المنسي
/ بشير الحامدي
-
دفاتر خضراء
/ بشير الحامدي
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
المزيد.....
|