عن جان لوك غودار وحملة البنادق 1963: حبكة ساخرة محمولة على الاستعارات الرمزية الواضحة جدا

بلال سمير الصدّر

الحوار المتمدن-العدد: 5233 - 2016 / 7 / 24 - 02:03
المحور: الادب والفن
    

عن جان لوك غودار وحملة البنادق 1963: حبكة ساخرة محمولة على الاستعارات الرمزية الواضحة جدا
ان كان المخرج الفرنسي فرانسوا تروفو اعتبر ذات يوم ان(جين رينوار) هو اهم مخرج عرفته فرنسا،فنحن نعتبر وفقا لرأينا المتواضع ان جان لوك غودار هو ابرز مخرج عرفته فرنسا على الاطلاق،ولاحظوا باننا نستخدم لفظ(ابرز وليس اهم)،وهو بالنسبة لنا الشخصية الاكثر اشكالية في التاريخ الفرنسي كله،ومن العار ان ينسب هذا المخرج الى فرنسا،فابداعاته وافكاره الثورية تنسب الى فنان عالمي ليس له علاقة بالمكان،وان كانت جملة على شاكلة:ولد في 30ديسمبر 1930 لأبوين سويسرين-فرنسيين ودرس في جامعة السوربون في باريس،تحتم علينا ان نتكلم عن المكان بوصفه الخلية التي كونت الظروف التي جعلت من غودرا هذا المبدع الكبير،حيث انضم الى محموعة هواة فرنسية ضمت كل من فرانسوا تروفو وجاك ريفيت واريك رومير،ليعتبر لاحقا اشد اعضاء الموجة الجديدة تطرفا التي بزغت فعليا كقلم نقدي في مجلة كراسات السينما الشهيرة التي عمل تأسيسها أندريه بازان الأب الروحي للموجة الجديدة.
الذي يعنينا في هذا التقديم ان سينما غودار لايمكن اختصارها ابدا،ونفضل الحديث عنها من خلال كل فيلم على حدة،ولكن غودار كشخصية فكرية طرح الكثير من المواضيع في افلامه،كتضامنه مع حركات التحرر الوطني في العالم الثالث ورفض الحرب برمتها قبل رفضه لحرب فيتنام او حرب الجزائر.
معادي للمادية الرأسمانلية الاستهلاكية ولهوليوود التي لايمكن له انكار فضلها عليه في بداياته السينمائية الحقيقية(لاهث1959) ،على ان الاستفادة من السينما الهوليودية لايبرز في كل سينما غودار ربما سوى في الفيلم المذكور،ولايمكن القول ابدا ان غودار هو احد اتباع الشكل الهوليوودي على الاطلاق،بل ان غودار سيحقق افلاما من غير الممكن ان تنسب سوى لشيء من الممكن ان يدعى:مدرسة غودار،أو الشكل السينمائي لغودار او تقسيم الرواية عند غودار،الذي قال بوضوح ان السينما من الممكن ان تطرح الرواية التقليدية جانبا مع اهمال الترتيب الزمني فيها الذي لن يقود سوى الى بداية ونهاية فيلمية ليست ضرورية ضمن هذا التشكيل.
غودار الذي استفهم ذات يوم عن معنى(امريكا) وكأن هذه الكلمة بالنسبة له ليست ضمن قاموس اللغة بعد-وهو الذي سيودع اللغة في فيلمه الأخير-حملت كل افلامه برغبة توثيقية وهو امر سيصبغ سيرة غودار الروائية اللاحقة.
في الستينات أو نهاية الستينات،بدأ غودار بالاهتمام بالأيديولوجيا الماوية،وعمل على تاسيس حركة تدعى بدريغا فيرتوف ضمت كل من جان-بيير غوران وجيرار مارتان وناثالي بييار وارمان ماركو
دريغا فيرتوف مخرج وكاتب ومنظر سينمائي من الممكن القول عنه بأنه احد مخرجي الواقع،كان مقصوده حمل راية السينما المناضلة أو سينما الضد...يقول غودار:
لقد اتخذنا اسم دريغا فيرتوف لا لكي نطبق برنامجه،وانما بقصد ان نتخذ منه حامل راية ازاء ايزينشتاين الذي بعد التحليل هو،ربما ،سينمائي اصطلاحي،في حين ان فيرتوف عند بداية السينما البولشفية كانت له نظريات مختلفة تماما تتمثل ببساطة:فتح العيون واظهار العالم باسم ديكتاتورية البروليتاريا...
ويقول غودار في مكان آخر-عن نفس الموضوع-:
اما انا فكنت اريد الارتباط بشخص غير قادم من السينما،وبالمختصر الواحد يريد ان يعمل في السينما،والآخر يريد مغادرتها،وكانت تلك محاولة لبناء وحدة جديدة مؤلفة من ضدين بحسب المفهوم الماركسي،وبالتالي محاولة تكوين خلية جديدة لاتعمل سينما سياسية وانما تحاول ان تعمل سياسيا سينما سياسية.
المفهوم الماركسي:كان هم ايزينشتاين محاولة بيان ان السينما لديها قدرة بصرية طبيعية على اثبات صحة النسخة المبتدئية او التبسيطية في الحقيقة من الديالكتيك الهيغلي الماركسي.
بمعنى ان السينما وعبر المونتاج تستطيع ان ترى الجميع ان الفرضية+نقيض الفرضية=الجمعية
(مقتبس عن عبدالله حبيب صحيفة القدس العربي)
بالتأكيد بأننا سوف نعرج على ذلك مفصلا كما طرحنا موضوع ىالتغريب اللغوي عند غودار سابقا،وعند طرحنا لافلام غودار كلا على حدة،على ان التشكيلة السينمائية الشكلية في سينما غودار تبقى عصية على الفهم في احيان كثيرة،نخبوية في الطرح حتى لو كان احد اهدافه من خلالها مخاطبة الناس عامة،لأن مواضيع غودار-في الفترة المتوسطة-كانت فعلا تخص الطبقة الوسطى بشكل عام،والنظرية الغودارية الفنية تبقى ناقصة مهما حاولنا التعريف بها بكلمة نقصدها حرفيا وليس المقصود منها المجاملة ابدا...

حقق غودار فيلم (رجال البنادق1963) بالتعاون مع الايطالي روبرتو روسيليني،وليس من الغريب ذلك لأن الفترة التي بزغ فيها غودار هي فترة الانفجار العبقري للسينما ومن كل النواحي،وهي الفترة الحاسمة في تاريخ السينما والتي لن تتكرر ابدا.
الفيلم بالاجمال عبارة عن وثائقية تهكمية على طريقة غودار،بحيث بدا الفيلم منتميا الى غودار اكثر من انتمائه الى روسيليني،وهو كما في التقديم يبدي حنينه الكبير الى الكناية...أنا استخدم تعبيرات مجازية مرهفة
على ان الكنايات في هذا الفيلم واضحة لايخوض غودار فيها بالتغريب الذي سيظهر في افلامه لاحقا.
الفيلم يسير في خط روائي وثائقي،على ان الخط الروائي بدا أقوى واوضح في الفيلم،وقلنا سابقا ان الفيلم يحمل على الكناية،والعبرة الروائية هي انتقاد الحرب كاساس من الممكن ان يقود الى انتقاد تصرفات بشرية اخرى عديدة.
جان لوك غودار هو احد ابرع المخرجين الذين حافظوا على مسار الثورة الشكلية مع المحافظة على المضمون،وان كان المضمون هو الغاية الوثائقية الأولى،فالفيلم يسير في خط روائي مقطوع بسخرية وتهكم وكناية وتعبيرات مجازية الهدف منها العبرة أو المغزى،فالتحقيق الروائي لن يحقق للمشاهد اي متعة.
اذا تتلقى عائلة ما دعوة للأنضمام الى الحرب وهذه العائلة ذات تصرفات غير سوية وكأنها عبارة عن رسم كاريكاتوري منتقد للحرب كتعبير دقيق ومؤكد عن هذه التصرفات،فالحبكة وتصرفات الشخصيات ازاء الموقف غير منطقية فيها شيء من التهكم ....حبكة ساخرة محمولة على الاستعارات الرمزية الواضحة جدا
الزوجة:إذا لنذهب الى الحرب....الحرب هي اليوتوبيا الموعودة
وعندما تودع البنت اباها واخاها تقول لهم:احضروا لي معكم البكيني
هل السابق محاكاة ادبية من قبل غودار لسخرية برنارد شو؟
ومن ثم يعاود غودار استخدام اسلوبه الشهير في العبارات المكتوبة التي تظهر على الشاشة امام المشاهد،وهي هنا توضح الموضوع اكثر فاكثر:ما الذي يفعله الجنود قبل المعركة؟
تظهر صورة جنود يطلقون النار على شيء معين مقصود وليس عشوائيا...ومن ثم تظهر عبارة على الشاشة:
قبل المعركة كنا خائفين
صور لمعارك بحرية...ومن ثم تعود العبارة على الشاشة:لقد حططنا في ايطاليا وعلّمنا طريقنا مع الاف الاجساد
وهنا تظهر العبرة التي قلنا عنها ان الحرب أو موضوع الحرب هو مقدمة لتوجيه انتقاد حاد الى اشياء اخرى مثل،خدعة الحرب او التصرفات البشرية خلال لحرب والتحولات البشرية التي تضفيها الحرب الى العنصر البشري حين تحول البراءة الى اجرام.
اثناء تحرش جنسي من قبل الابن باحداهن-تحولات ا
البراءة الى اجرام-ينظر الاب غير البريء ابدا من هذه الجرائم-الى صورة مريم العذراء وهي تحمل السيد المسيح
ينظر ذلك الشاب الى صورة...يحييها التحية العسكرية ويقول:الجنود يحيون الفن
الحرب هي الجنة المعكوسة بشريا خالصا للذي يعتبر مف
مهما كانت اللقطة السابقة عن رجل لأول مرة يدخل ب ول
تاح ومفتعل الحرب.
يقول احد النقاد العرب:
الجنود 1963 هو فيلم معاد للحر طة الأكثر لفتا فيه للنظر هي لقطة خارج هذا الموضوع،عندما يحاول شاب في السينما الوصول للشاشة عندما كانت او اليوتويبا المعكوسة ولاداعي للمتابعة اكثر فالعبارات التي لاتظهر لاتشير الى اي شيء جديد وهي احيانا توجه انتقادا

كن برود اسلوبه صدم الجمهور والنقاد معا للذين كانوا يتوقعون اشتغالا عاطفيا ودراميا اكثر على الثيمة. تعرض مشهدا لأمرأة تستحم.
حتى في ظل انفجار الحرب يظل هناك هاجس شكلي يلاحق غودار،غودار يلاحق فكرة الجمع بين المضمون الاخلاقي والسياسي والشكل الفني.
الفيلم برمته لايبدو ملفتا للنظر،بل ان اللق
السينما ويظن ان مايحدث أمامه حقيقيا وليس مجرد انعكاس ضوء ليتحرك صوبه ملاحقا رغباته الجنسية الانانية،فهي تقول ان السينما من الممكن ان تقول الكثير ومن الممكن ان تخدعنا ايضا...فيها اغراء وفيها محرك ولكنها من الممكن ان تخدعنا ايضا
السينما فيها شيء يدفعنا الى التصديق وفيها شيء نريد ان نصدقه
والسينما ايضا آلة احتجاج ثورية تدفعنا الى الانتقاد والتكذيب
وتدفعنا ايضا ان نكذب ما نريد تكذيبه حتى لو كان حقيقيا.
بلال سمير الصدّر
10/7/2015

#بلال_سمير_الصدّر (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات