أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - مجنون المخيم














المزيد.....

مجنون المخيم


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4932 - 2015 / 9 / 21 - 11:19
المحور: الادب والفن
    


حينما سئل عن اسمه أول مرة، فإنه أجابَ ببساطة " أحد أسماء الله الحُسْنى ".
ولو أنّ من روى لي هذه الحكاية، هنا في غربتي، قد أقسم لأولئك الفضوليين بأنّ من دعوه " بـ الزعيم " تفكّهاً، كان في يوم من الأيام رجلاً معتبراً، لسخروا منه بدَوره. في مخيم اللجوء ذاك، المحصور بين الجنة والجحيم، لا بدّ وأنه كان يوجد بين ساكنيه العديدُ من الرجال المحترمين، الذين يمكن لهم أن يتبادلوا أغربَ الحكايات. وربما كانوا قد فعلوا ذلك في بداية حلولهم ثمة. أي قبل أن يكون شاغل الجميع حكاية واحدة حَسْب؛ وهيَ كيفية اجتياز البحر القريب سعياً إلى بلادٍ أخرى بعيدة.
" حميد "، كان الشِعْرُ شاغلَهُ فيما مضى، لدرجة أنه لم يكن ليشعُر بالزمن وهوَ يمرّ حثيثاً من أسفل الجسر الحديث، القائم بالقرب من داره، والمتقاطع مع طريق المطار الدولي. ولأنّ الشيء بالشيء يذكر، فلنقل أنه كان يقيم بإحدى الدور العشوائية، المتكاثرة على أطراف دمشق. كان يعيش من عمله، كمدرّس للغة الفرنسية، في إعدادية مخصصة لأولاد مواطنيه نازحي الجولان. نجمُ سعدِهِ، شاءَ له أن يولد بعام النزوح الكبير وفي قريةٍ لم يَرَها أبداً. مفردة اليتم، كانت أيضاً محفورة على صفحة النجم نفسه، المشغولة بالفضة. على ذلك، يمكن فهم اهتمامه بالتلميذ المسكين، المتعثر في دراسته. هذا الولد اليتيم، كان وحيد والدته ويقيم معها في بناء لا يبعد كثيراً عن المدرسة. وعلى ما يبدو، فإن " حميد " سبقَ والتقى اتفاقاً مع التلميذ في أحد دروب الحيّ وكان برفقة أمه. هذه المرأة، كانت قد أثارت اهتمامه مذ النظرة الأولى؛ هيَ من حظيت بحُسن نادرٍ يمتّ ولا مَراء لموطن أسلافها في جبال القوقاز. أسبوع واحدٌ، على الأثر، وكانت قصائد شاعرنا قد أضحت بين يديّ المرأة الجميلة.
ربيعُ ذلك العام، وبغض الطرْف عما كان يأمل فيه " حميد " من سعادة دانية، فإنه ما عتَمَ أن امتلأ بغيوم الغضب. تحمّسَ كغيره من أبناء الحيّ للثورة الممتدة من قارة لأخرى كخيطٍ من لهب. حتى وجدَ شاعرنا نفسه، ذات يوم، مع زملائه المدرسين في حجرة مدير الإعدادية. علاوة على هذا الأخير، كان ثمة شخص آخر مدعواً للاجتماع، أو ربما هو من دعا إليه: " سنتوجّه جميعاً بعد قليل إلى شعبة الحزب، كي نتسلّح هناك بالهراوات لمواجهة المخربين المتآمرين على البلد "، خاطبهم الرجل الغريب بلكنةٍ يكرهها، في المقابل، أهلُ البلد. بعد قليل، حضرت حافلة صغيرة كي تقل المعلمين إلى الجهة المعلومة. هؤلاء، وعلى الرغم من معرفتهم لشخصية " حميد "، فإنهم دهشوا حقاً حينما تابعوه بأعينهم وهو يمضي بهدوء ليغادر المكان. في اليوم التالي، تلقاه مدير المدرسة مهدداً متوعداً، بل وزاد على ذلك بأن اتهمه بتحريض التلامذة على الاشتراك بالتظاهرات: " قبلاً، كانت تصلني التقارير عن توزيعك منشوراتٍ تكتبها بنفسك.. "
" إنها قصائد لا منشورات "، قال مقاطعاً الرجلَ المتكوّر خلف مكتب حجرة الإدارة. إلا أن المديرَ عاد للقول بذات النبرة الشديدة: " يمكنك أن توضّح ذلك غداً للمعنيين بالأمر! ". وكان يجب أن يمضي يوم واحد بالفعل، قبل أن يستلم " حميد " من يد المدير أمراً بالاستدعاء للتحقيق. معلوماته عمن تم إطلاق سراحهم من معتقلي المظاهرات، جعلته يقرر الهربَ إلى أقارب له يقيمون في الأردن. توجه إلى الدار، وفي نيّته تحضير عدّة الرحيل. هناك، وفيما كان منهمكاً بجمع حقيبة السفر، إذا بأركان البيت تهتز على غرة. كونه متهيئاً لاحتمال المداهمة الأمنية، فما كان أسرعه في ارتقاء سلم خشبيّ مسنودٍ إلى السطح. وكان على قدميه، المنتعلتين حذاءً رياضياً مناسباً، أن تقودانه إلى ذلك الدرب ذاته، أين التقى مرةً تلميذه اليتيم. تردد للحظات، قبل المغامرة بالطرق على باب الشقة. أكّد للمرأة المحبّة، المرحبة بحضوره، أنه لن يمكث إلا بضع ساعة لحين أن يتأكّد من أن رجال الأمن قد انصرفوا عن ملاحقته: " لقد كنت عازماً على الهرب إلى الأردن، وأن أسعى من هناك للم شملنا "، اختتم قوله بصوت هامس. ثم مضت الساعات، ثقيلة ومعذّبة. صباحاً، كان على الابن الملول، المتجاوز عُمره دزينة من الأعوام، أن يكرر ما تم توصيته به قبل ذهابه إلى المدرسة. هذا الصبيّ الرقيق، كان قد اعتاد على موضوع كتمان علاقة أمه مع معلّم اللغة الفرنسية. بل إنه بدا متجاوزاً لطبعه الحيي المتحفظ، وكأنما صارَ يَجِدُ في مدرّسه الأثير أباً بديلاً. كذلك كان الوضعُ ثمة، حينما داهم رجال الأمن المنزل بعد أقل من أسبوع على حلول " حميد " فيه. ولن يقدّر لأحد أن يعرف، ما إذا كانت الدورية قد حضرت إلى الشقة لإعتقال المطلوب أم أنها كانت تقوم بعمل روتينيّ. المرأة الجميلة، طلبت من " حميد " أن يأخذ ابنها إلى حجرة النوم ويوصد عليهما بابها. بيْدَ أنها بدلاً عن التوجه إلى باب الشقة، لم تلبث أن اندفعت نحو الشرفة وقفزت في الفراغ.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مجنون المال
- النملة الحمراء
- فريسة سائغة
- خطوط حمراء وساحة حمراء
- مجنون الأرقام
- مجنون المقام
- مجنونة المدينة
- مجنونة الملجأ
- مجنونة الندم
- الببغاء
- مجنونة المهربين
- مجنونة المقبرة
- بشاركو ونتنياهو
- وصفُ أصيلة 4
- شاعر شاب من القرن 15 ق. م
- أفق نحاسيّ
- وصفُ أصيلة 3
- الهرم
- العبيد
- وصفُ أصيلة 2


المزيد.....




- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - مجنون المخيم