أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - مجنونة المدينة














المزيد.....

مجنونة المدينة


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4918 - 2015 / 9 / 7 - 10:13
المحور: الادب والفن
    


" فاطمة " الفتاة اليتيمة، الخفيفة المَحْمل، وجدت نفسها أخيراً في المدينة الكبيرة.
لطالما حلمت بزيارة " مراكش "، بله الإقامة فيها. ولكن، كيف يمكن لصبيّة غريبة ( هيَ بلا مال أو جَمال فوق ذلك )، أن تتدبّرَ أمر معيشتها هنا..؟
ما أن همّت بمغادرة الحافلة، القادمة تواً من البلدة البعيدة، حتى سألت سائقها عن الطريق إلى مسجد الكتبية. فأجابها باقتضاب، الرجلُ العابس، الذي سبق له أن استولى على ما كان معها من دراهم زهيدة " ها هوَ..! ". حلّقَ بصرُ " فاطمة "، عالياً، مع إشارة السائق: ثمّة، كانت منارة المسجد، المربعة الشكل والمنيفة البنيان، تتشامخ على كل ما حولها من الموجودات وقد لمع قرميدها الزاهي الخضرة بفعل أشعة شمس الظهيرة. فلم تتمهّل في التوجّه نحوَ ذلك المَعْلَم، المقدّس. الشوارع المزدحمة بالمركبات والدراجات، والمنبعث منها رائحة دخان الوقود المحترق، استقبلت الفتاة الغريبة وما لبثت أن سلّمتها لظلال المنارة الكبرى. كانت هيَ جائعة، بعد ساعات من السفر المجهد. على ذلك، اندفعت بلا تردد لسؤال الناس من عابرين ومتنزهين: " من مال الله..! ". بعد دقائق قليلة، انتبهت إحدى المتسولات لوجود الفتاة الغريبة، فهاجمتها بشراسة وطردتها من المكان. غادرت " فاطمة " باحة المسجد الخارجية، وكان في جيبها درهمٌ واحد حَسْب. سارت إذاً على وقع صدى أصوات الطبول، المنبعثة من الساحة الفسيحة، المترائية خلل أشجار الجنينة المجاورة. ثمّ مالت يساراً، كي تشتري من أحد الدكاكين الصغيرة رغيفاً أسمرَ بنصف درهم. شعرَت بالشبع نوعاً، وأرادت من ثمّ رؤية " ساحة جامع الفنا "، الجالبة شهرة المدينة ولا شك.
مضى أسبوع على إقامة " فاطمة " في المدينة. كانت تقضي النهار في التجوّل بأنحاء الساحة تلك، ثم تمضي في ساعة متأخرة ليلاً إلى سوق الخضار، الخالي من الخلق، كي تأخذ حصتها من النوم بين العربات الخشبية. وكانت قد اكتسبت بعض المعرفة، خلال جولات النهار، عبْرَ مراقبة رواة الحكايات وأصحاب الأحاجي. وهوَ ذا اليوم، السابع، وكان لا بدّ أن يكون مباركاً. الفتاة الغريبة، المشعثة الشَعر والملتحفة بالأسمال، تقدّمت من جمهرة الناس المتحلّقة حول أشهر حكواتي في الساحة. لم يأبه بها إلا قلة، حينما رفعت يدها باتجاه المنارة الكبرى فأبقتها معلقة في الهواء. بيْدَ أنّ الاهتمامَ اختلف ولا غرو، لما صرخت هيَ بصوتٍ صاعق: " ستّي فاطمة تقول لكم، أن المنارة ستهوي فوق الرؤوس لكثرة الفسق وقلة ذكر الله! ". كونها امرأة، وشابّة، فلم يعبأ معظم الحضور بالنذير. بل إن بعضهم هزأ في صوتٍ عال بما سمعه. لحظات على الأثر، وإذا بصرخة ثاقبة تُسمع من جهة أخرى، ثم تبع ذلك سقوط امرأة عجوز أرضاً: لاحقاً، سيعرف البعض أن الصرخة تلك كان مصدرها إحدى السائحات الأوروبيات، المرتعبة جرّاء اقتراب الحاوي ملوّحاً بثعبان في يده. أما المرأة العجوز، فلم تكن سوى قارئة كف أصيبت بالاجهاد تحت شمس الهاجرة فأغميَ عليها. وعلى أيّ حال فإن الواقعتين الموصوفتين، المترافقتين مع ظهور " ستّي فاطمة "، قد أوحتا للعديدين بشتى صنوف التقوّل والتفلسف. ليلاً، حينما عادت الفتاة الغريبة إلى عرينها، وجدت صعوبة في عد القطع المعدنية، التي جادَ بها المحسنون. بعد مضيّ أسبوع على الأقل، كانت " ستّي فاطمة " على موعدٍ هذه المرة مع الأوراق المالية.
في نهاية السنة، عادت فتاتنا الغريبة إلى بلدتها الأولى، الغارقة في مجاهل جبال الأطلس. اشترت منزلاً متواضعاً، ثم أمضت الوقت في صبر بتجهيزه وتأثيثه. سألتها إحدى معارفها ساخرةً عن مصدر مالها، وما إذا كانت قد عثرت على كنز في " مراكش ". فأجابتها " فاطمة " بالقول وقد ارتسمت بسمة ملغزة على شفتيها الغليظتين: " هوَ كذلك. الكنز مدفونٌ تحت أقدام الأغبياء، لا يراه سوى شخصٌ مجنون ".




#دلور_ميقري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مجنونة الملجأ
- مجنونة الندم
- الببغاء
- مجنونة المهربين
- مجنونة المقبرة
- بشاركو ونتنياهو
- وصفُ أصيلة 4
- شاعر شاب من القرن 15 ق. م
- أفق نحاسيّ
- وصفُ أصيلة 3
- الهرم
- العبيد
- وصفُ أصيلة 2
- النبوءة
- القط
- المسرح
- أقوال غير مأثورة
- الطائر
- وصفُ أصيلة
- ملك العالم


المزيد.....




- السعودية ترحب باختيارها لاستضافة مؤتمر اليونسكو العالمي للسي ...
- فيلم من إنتاج -الجزيرة 360- يتوج بمهرجان عنابة
- -تاريخ العطش-.. أبو شايب يشيد ملحمة غنائية للحب ويحتفي بفلسط ...
- -لا بغداد قرب حياتي-.. علي حبش يكتب خرائط المنفى
- فيلم -معركة تلو الأخرى-.. دي كابريو وأندرسون يسخران من جنون ...
- لولا يونغ تلغي حفلاتها بعد أيام من انهيارها على المسرح
- مستوحى من ثقافة الأنمي.. مساعد رقمي ثلاثي الأبعاد للمحادثة
- جمعية التشكيليين العراقيين تستعد لاقامة معرض للنحت العراقي ا ...
- من الدلتا إلى العالمية.. أحمد نوار يحكي بقلب فنان وروح مناضل ...
- الأدب، أداة سياسية وعنصرية في -اسرائيل-


المزيد.....

- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - مجنونة المدينة