|
وصفُ أصيلة 4
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 4903 - 2015 / 8 / 21 - 08:24
المحور:
الادب والفن
أن تفتح عينيك، صباحاً، في حجرة من رياضٍ عريق. أن ترى تفاصيلَ تزيين الحجرة، نقوشها الخشبية والجصية، بفضل الضوء المنسل في رويّة عبرَ النافذة الوحيدة، الضيّقة، المفتوحة على الدرب الضاج بأصوات كائناته. وهيَ ذي زقزقة العصافير، المتناهية من حديقة الرياض، تتناغمُ مع زعيق النورس، البعيد، المذكّر الغريبَ بحقيقة حلوله في مدينة بحرية. بيْدَ أنّ هذه المدينة، في المقابل، كانت تحتفي بالغرباء وتمنحهم شرفَ مواطنتها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً. لاحقاً، سأعرفُ أن " أصيلة " كانت المكان الأثير للعديد من الشخصيات الأدبية المعروفة؛ مثل المغربي محمد شكري، والفلسطيني محمود درويش، والعراقي عبد الوهاب البياتي، والايطالي ألبرتو مورافيا، والأمريكي بول بوولز، والكردي بلند الحيدري. هذا الأخير ( وأذكرها بفخر طبعاً! )، قد أطلق اسمُهُ على حديقة عامة في المدينة وفاءً منها لذكراه. بعد الفطور، التقينا مجدداً مع الصديق محمد البقالي وقرينته. بحَسَب خطتنا لهذا اليوم، ستركب المرأتان عربة أجرة إلى مدينة " قصر الكبير " المجاورة، كي تقضيا النهارَ في سوقها المعروف ببيع الملابس التقليدية والأجنبية. أما نحن، فسنتوجّه إلى المدينة القديمة ( لم يتسنَ لي معاينتها جيداً مساءَ الأمس ) لتمضية الوقت في صحبة عماراتها ودروبها وساحاتها. وكان صديقي، كما سبقَ وذكرت، قد وَعَدَ بتعريفي إلى بعض أفراد النخبة الثقافية في مدينة أصيلة ( وأهمهم الأديب الشاعر، مهدي أخريف )، الذين اعتادوا الجلوسَ في مقهى قريب من " باب القصبة " يملكه أحد الأوربيين المتوطنين. إلا أن النادل هناك، أخبر صديقي بأن اليومَ هوَ عطلة الأسبوع، وأن أولئك الأصحاب يمضونه عادةً في مدينة طنجة. عندئذٍ، اقترح مُضيفي أن نكمل طريقنا إلى المدينة القديمة، والتي كانت أسوارها المتألقة بجدّة الترميم تنهضُ خلفنا مباشرةً. تحت شمسٍ ربيعية، رخيّة، سرنا إلى مقصدنا ونحن نغذ الخطى فوق الدرب الرئيس، الغاية في النظافة، والمتراخية عليه ظلالُ أشجار الزينة من نخيل وبرتقال. رأيتني متآلفاً مع هذا الدرب، وكأنه يعرفني مقيماً لا عابراً: للأمكنة أرواحٌ، تهفو لمن يتوق روحُهُ إليها. نهاراً، تتكشّف لك المدينة القديمة بسحر آخر وكأنك تراها للمرة الأولى. ولا عجبَ في ذلك؛ لأن ضوء الشمس هوَ من يعطي الألوان بريقها الحقيقيّ ويجعلها تشتعل بالفتنة والدفء. على أنه بالرغم من طغيان اللون الأبيض، المعشّق غالباً باللون السماويّ، فإنّ لعبة الضوء والظل تتناوب أمام عين المرء دونما انقطاع، خصوصاً وأنّ البلاد تتنعّمُ بمناخ ربيعيّ شبه دائم. ولعلني كنتُ آنذاك أتأمل تلك العمائر، المبتدعة من لدُن انسان هذه البلاد العريقة، حينما أشارَ مُضيفي إلى واجهة إحداها قائلاً: " هذا غاليري رسامة أمريكية، مقيمة في المدينة ". دخلنا إلى صالة المُحترف، المحتلة الدور الأرضيّ، وكانت متميّزة بقاعة رئيسية كبرى تتعدد فيها الأقواس. استقبلت الرسامة صديقنا بحفاوة، فقدّمني إليها على أنني مهتم بالأدب والتشكيل. ثمّ راحت المرأة المتوسطة العمر، المتكلمة قليلاً من المحكية المغربية، تعرض أعمالها على أنظارنا. لوحاتها، كانت بمعظمها تصوّر مناظر من المدينة القديمة وبأسلوب لا يختلف كثيراً عما عاينته عند الفنانين المغاربة، المُجيدين. إلا أنها، فضلاً عن ذلك، كانت تبدع في فنون السيراميك والحفر والنحت والزخرفة. بعد سويعة أو نحوها، خرجتُ من المحترف وفي جيبي بطاقة صاحبته الشخصية وفيها عنوان صفحتها على النت. الشمس، كانت إذاك قد أضحَت حارّة أكثر من المعتاد، لما ولجنا محلاً كبيراً لبيع التحف والأشياء التذكارية. ثمّة، سأحظى بلقاء أجمل فتاة رأتها عيني في بلاد الأطلس. هذه الحسناء، المكتسية زيّ عاملات المحل، كانت في حدود سنّ المراهقة؛ كانت تتبسّم بطَرْفٍ حَيي لكل من يقف أمام جمالها جامداً، مذهولاً، بلا حَوْل أو أمل..!
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شاعر شاب من القرن 15 ق. م
-
أفق نحاسيّ
-
وصفُ أصيلة 3
-
الهرم
-
العبيد
-
وصفُ أصيلة 2
-
النبوءة
-
القط
-
المسرح
-
أقوال غير مأثورة
-
الطائر
-
وصفُ أصيلة
-
ملك العالم
-
صراط التجربة
-
الإرهاب هو الحل
-
المهدي والخليفة
-
عالم واقعي، عالم افتراضي 4
-
قاطع الطريق
-
الحاجب
-
الكوري الشمالي والكوردي الشمالي
المزيد.....
-
السعودية ترحب باختيارها لاستضافة مؤتمر اليونسكو العالمي للسي
...
-
فيلم من إنتاج -الجزيرة 360- يتوج بمهرجان عنابة
-
-تاريخ العطش-.. أبو شايب يشيد ملحمة غنائية للحب ويحتفي بفلسط
...
-
-لا بغداد قرب حياتي-.. علي حبش يكتب خرائط المنفى
-
فيلم -معركة تلو الأخرى-.. دي كابريو وأندرسون يسخران من جنون
...
-
لولا يونغ تلغي حفلاتها بعد أيام من انهيارها على المسرح
-
مستوحى من ثقافة الأنمي.. مساعد رقمي ثلاثي الأبعاد للمحادثة
-
جمعية التشكيليين العراقيين تستعد لاقامة معرض للنحت العراقي ا
...
-
من الدلتا إلى العالمية.. أحمد نوار يحكي بقلب فنان وروح مناضل
...
-
الأدب، أداة سياسية وعنصرية في -اسرائيل-
المزيد.....
-
سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي
/ أبو الحسن سلام
-
الرملة 4000
/ رانية مرجية
-
هبنّقة
/ كمال التاغوتي
-
يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025
/ السيد حافظ
-
للجرح شكل الوتر
/ د. خالد زغريت
-
الثريا في ليالينا نائمة
/ د. خالد زغريت
-
حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول
/ السيد حافظ
-
يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر
/ السيد حافظ
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
المزيد.....
|