أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - مجنونة المهربين














المزيد.....

مجنونة المهربين


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4909 - 2015 / 8 / 28 - 13:50
المحور: الادب والفن
    


طويل للغاية، كان طريقها إلى قارب الموت.
كانت امرأة شابّة، ذاتَ وجهٍ يضئ كالبدر في ليل حجابها، الحالك اللون. صبيّان، أحدهما في السادسة من عمره والآخر يصغره بنحو العام، تعلّقا بأطراف جلباب الأم بشدّة؛ فبدا الثلاثة كأنهم هاربون من لوحة " الطوفان " لمايكل آنج.
الأب، كان قد بقيَ بمنزلهم في حيّ " صلاح الدين " الحلبي، حارساً لجَنى العُمْر. كان الوداعُ مؤثراً، ثمّة أمام مدخل البناية الحديثة، المكوّنة من عدة أدوار. القصف، كان قد أضرّ ببعض العمارات الواقعة على طرف الشارع الرئيس. وعلى هذا الشارع ذاته، سارت السيارة المُحمّلة بالأم وولديها في طريقها إلى حدود الجارة الشمالية. ما لن تعرفه المرأة الشابّة، أبداً، أن رَجُلها سيقضي تحت أنقاض مسكنهم ويدفن فيها.
خال الأولاد، المستقرّ في مدينة " أورفة "، هوَ من تكفّل بتدبير المهرّب والاتفاق معه على رحلة عبور البرزخ البحريّ، الشاسع، الفاصل بين البرّ التركي وإحدى الجزر الإيطالية. القارب الكبير، المتخفي بين الصخور المتلاطم عليها الأمواج، بدا لعينيّ المرأة الشابّة أشبَه بهَوْلة الخرافة. إنه القارب نفسه، المتعيّن عليه حمل عشرات العائلات إلى ناحية الحريّة، الموعودة. " رحلتنا، لن تستغرق أكثر من عشرة أيام "، قال لهم من بدا أنه كبير المهربين. آنذاك، لم يتسنَ للمرأة أن ترى سحنته. لقد كانت مشغولة بإبنها الأصغر، المريض القلب منذ ولادته. حينما كانت تتطلع بقلق نحوه، فكأنما لترى صورتها في مرآة الطفولة. أما الابن الآخر، فإن ملامحه تطابقت نوعاً مع صورة أبيه.
" يا إلهي! هو ذا اليوم العاشر قد مضى، وهؤلاء الأشخاص الشبيهون بالوحوش لا يأبهون بمريض أو عاجز "، خاطبت الأم داخلها وهيَ تحتضن طفلها الصغير. هذا المسكين، بدا عندئذٍ في حالة سيئة، لدرجة أنه ما عاد بقادر على الاستقامة واقفاً. أربعة أيام، على الأثر، وأفاق ركابُ القارب على صراخ الأم، المفجوعة. في البدء، كان أولئك الأشخاص المسؤولون عن الرحلة، الذين شبهتم هيَ بالوحوش، لطفاء خلال تعزيتها ومواساتها. إنما طبعهم العنيف، سرعان ما طغى على تصرفاتهم حينما رفضت الأم الثكلى التخلي عن عزيزها كي يرمى في جوف اليم: " لا، لا. لن أدعكم تفعلون ذلك. لم يبق سوى القليل للوصول إلى البر وهناك سأدفنه في قبر لائق "، كانت تردد منتحبة وهيَ تضمّ فقيدها لصدرها. منظرها المؤلم، جعل الكثير من الركاب يشاركونها البكاء. هكذا انسحبَ المهربون، وكانت نذر التوعّد باديةً على قسماتهم القاسية. في ساعة متأخرة من ليل ذلك اليوم، تسلل أحدهم إلى الزاوية النائية، التي اتخذتها المرأة مرقداً. ومثلما توقّع، كانت ما تفتأ تشدّ الطفل الميت إلى جسدها. كان واضحاً استغراقها العميق في النوم، بالنظر لما عانته يومئذٍ من أهوال. هكذا تمكّن الرجل من فك يدها برفق عن الطفل، ثم ما لبث أن حمله ومضى به مسرعاً نحوَ الجهة الأخرى من المركب. حينما كان جسدُ الصغير يتقلب في الهواء قبل سقوطه بالبحر، خيّل للمهرب أنه سمعَ صرخة مروّعة. ثم أعقبَ ذلك صرخة أخرى، أشدّ وقعاً على الرجل. كانت الأم هذه المرة: " ابني، ابني! ماذا فعلتم بابني؟ "، كانت تصيح بجنون وهيَ تشد شعرها. عندئذٍ حَسْب، عرَفَ ذلك الرجل أن من كانت تحتضنه المرأة لم يكن الطفل الميت.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مجنونة المقبرة
- بشاركو ونتنياهو
- وصفُ أصيلة 4
- شاعر شاب من القرن 15 ق. م
- أفق نحاسيّ
- وصفُ أصيلة 3
- الهرم
- العبيد
- وصفُ أصيلة 2
- النبوءة
- القط
- المسرح
- أقوال غير مأثورة
- الطائر
- وصفُ أصيلة
- ملك العالم
- صراط التجربة
- الإرهاب هو الحل
- المهدي والخليفة
- عالم واقعي، عالم افتراضي 4


المزيد.....




- فيلم -ريستارت-.. رؤية طبقية عن الهلع من الفقراء
- حين يتحول التاريخ إلى دراما قومية.. كيف تصور السينما الصراع ...
- طهران تحت النار: كيف تحولت المساحات الرقمية إلى ملاجئ لشباب ...
- يونس عتبان.. الاستعانة بالتخيل المستقبلي علاج وتمرين صحي للف ...
- في رحاب قلعة أربيل.. قصة 73 عاما من حفظ الأصالة الموسيقية في ...
- -فيلة صغيرة في بيت كبير- لنور أبو فرّاج: تصنيف خادع لنص جميل ...
- باللغة الفارسية.. شيخ الأزهر يدين استمرار الغارات الإسرائيلي ...
- “اخر كـلام “موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان 195 الموسم السابع في ...
- فيلم -المخطط الفينيقي-.. كم تدفع لتصبح غنيا؟
- حرارة الأحداث.. حين يصبح الصيف بطلا صامتا في الأفلام


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - مجنونة المهربين