عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4553 - 2014 / 8 / 24 - 19:22
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
من الأخطاء التأريخية والتي يصر عليها ما يسمى العلم التأريخي بمبادرة ممن يكتبونه ويدرسونه فكرة أن العبرانيون هم أولاد النبي إبراهيم من ولده يعقوب(إسرائيل الله) فقط كما جاء بالموروث التأريخي(وكان بني إسرائيل يعرفون بالعبرانيين نسبة لأبيهم إبراهيم الذي عرف بالعبري نسبة لعبوره النهر من أرض أشور) هذا الخطأ المتعمد والمقصود يعتبرونه قانونا تأريخيا لأنهم بذلك يحوزون سبق الفضيلة لبني إسرائيل من دون الناس بأعتبار أن أباهم هو النبي إبراهيم, والحقيقة أننا لو سلمنا بهذا القول لا بد أن نستنتج النقطتين التاليتين :.
1. يكون العرب أولاد إسماعيل وذريته ممن سكن بلاد الأعراب وتحيدا جرهم ومجاوريهم هم أيضا من العبرانيين بأعتبار أن أباهم أبراهيم أيضا وأن أسحق هو أخو أسماعيل من صلب أب واحد.
2. العبري والعبرية صفة لإبراهيم وجماعته كما نستقيها من النصوص التأريخية واللغوية الموثوق فيها والتي ما زال هناك ما يساندها واقعا .
المؤرخ العبري من جهته يثبت حقيقة وينفي حقيقة ,يثبت بأن إبراهيم عراقي النسب سواء كان من أرض أشور أو من أرض أور ,بلا جدال في النسب المكاني , لكنه ينفي أن يكون الأميين (أولاد إسماعيل) هم من العبرانيين أي من أولاد إبراهيم العبراني ,ولأن السبب معروف أنهم أبناء السيدة فهم سادة أما أبناء الجارية فهم أميين لا تسري في عروقهم دماء الأنبياء .
إنهم يمثلون الفضيلة التامة والعقل الكامل والإيمان الذي يجعلهم أبناء الله وأحباءه دون بقية الناس وخاصة الأقربون من الأخوة ,وكأن الله جعل النبوة في بركة الأم السيدة ومن بركة الأم أكتسبوا التشريف وليس مما في ذرية إبراهيم ,فهم يفتخرون بإبراهيم كونه المصطفى والموعود وأبو الأنبياء أما انتسابهم للأم فهو معيار الفاضلة والتكريم.
ومما تذكر بعض مصادر التاريخ والأدب وكتبه المدونه عندما تحدث عن اصل نبي الله ابراهيم عليه السلام تصفه بـالعبري وتصف جماعته بـالعبريين ونفس هذا الوصف او هذا اللقب نجده يتردد في كتب اليهود واليونان والرومان والفرس فمن اين جاءت هذه الصفة ؟ ولماذا ولمصلحة العلم أم لمصلحة طرف دون أن نكتشف أصل التسمية غبر فكرة العبور وحتى تكتمل الصورة التأريخية من جذورها اللغوية أيضا.
الجواب الحاضر في الحال دوما وبدون تحري علمي ولا تدقيق تأريخي أن هذه الصفة جاءتهم من عبورهم لنهر الاردن خلال رحلتهم الى ارض كنعان فلسطين اي ان تسميتهم بالعبريين او العبرانيين مشتقة من الفعل عبر يعبر وهذا الفعل معروف بنفس المعنى في اللغتين العربية والعبرية ففي اللغة العربية نقول: فلان عَبَرَ النهر من هذا العًبْرً الى ذلك العًبْرً، فهو عًبْريّ: او عبرانيّ والعًبْرُ: هو جانب النهر, هذا في الواقع الأدبي دون التأريخي وكثيرا من الأدبيات تستغل لتبرير أو زعم تبرير واقع تأريخي وهنا تحدث المغالطة الكبرى.
أصل التسمية تأريخيا وفي زمن الفراعنة كان المصريون يطلقون على قبائل بني اسرائيل التي دخلت مصر اسم العبيرو او الحبيرو ومعناه البدو الرُّحل لأن بني اسرائيل كانوا قبائل بدوية تتجول على الحافات الشرقية لوادي النيل ومسمى العبيرو أو الحبيرو مازال حتى هذا اليوم يعني في اللغة العبرية القديمة والحالية يسمى البدو والقرآن الكريم في نص قدسي يشهد لهذه الواقعة ويعاضدها {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ ...ِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ }يوسف100,العبيرو هم البدو باللغة العبرية القديمة ولذلك لا يمكن ان يقال عن بني إسماعيل عبرانيين وذلك لسببين هما :.
• لأنهم ليسوا من البدو الرحل وإن كانوا سكنة منطقة الأعراب البدوية ,فهم سكان مدينة مكة وممن أستقر بها وأتخذ السدانة والتجارة نسب وسبب.
• لأنهم ليسوا من أولاد يعقوب الذين دخلوا مصر أو ممن كان يدخل مصر من الكنعانيين سكان شرق مصر وبالتالي فهم ليس بدو.
هناك نظرية أخرى تعزز وتؤازر هذه النظرية السابقة وتستند أيضا للمفهوم اللغوي دون مفهوم الحادثة التي يتبجح بها المؤرخون خاصة وأن حركة التنقل بين الأماكن والتنقل بين الأمصار والأمم من الحركات التي شهدتها المنطقة قديما وما زالت ولم تؤشر أو تشير إلى تبني هذه الحركة من قبل المؤرخين لجعلها صفة لقوم ما.
النظرية لها جذور تأريخية ولغوية وأيضا لها سند نصي من القرآن وهي أن يعقوب عليه السلام عندما دخل مصر كان شديد الحزن والعبرة جارية على يوسف فلما عرف أهل مصر بقصة يوسف ويعقوب أطلق عبى اخوة يوسف والقوم الذين جاؤوا معه قوم العبراني نسبة ليعقوب إسرائيل من العبرة او الحزن والبكاء« وفي اللغة العربية: العَبْرَة والعَبَرْ والعُبَيْريُّ والعابًرُ تعني الدمع والحزن والبكاء والراحل, {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }يوسف86, {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ } يوسف 84 .
النصوص القرآنية كثيرة وكثيرة جدا في هذا المنوال وخاصة بوصف الخوف والحزن والمذلة التي كان عليها بني إسرائيل حتى بعد رحيل النبي يوسف وعودة عبادة الآلهة المتعددة ,فأصبح الإسرائيليون مرة أخرى أهل مذلة وما زالت تلك صفتهم وصاحب المذله في اللغة المصريه القديمه أيضا يطلق عليه العبيرو أو الحبيرو والنصوص تعريهم بذلك وتشير لهم صراحة{ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ }آل عمران 112.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟