|
حتى الأمطار تنتحر يا عزيزتي...
وليد أحمد الفرشيشي
الحوار المتمدن-العدد: 4005 - 2013 / 2 / 16 - 16:39
المحور:
الادب والفن
كان جالسا في مواجهة الساحة التي بدأت تقفر من روادها...فوقه في الأعلى، كانت الغيمات السوداء تنذر بإلقاء حمولتها. زفر و هو يشعل سيجارة ملتهبة كعمره...ترك نفسه لانفعالاته و هو يراها تقترب منه متشاغلا عنها بالدوائر التي رسمها الدخان المنبعث من شفتيه المزمومتين...كان يتلاشى في الخلاء أمامه... هي – مرحبا ! هو – أهلا !! هي- ألن تعانقي؟ ! هو – لقد كبرنا... لم نعد كما قبل... هي- أخشى أنّك نسيتني ... هو – ربّما !! هي- لم تبدو مُتَقَضَّبًا !؟ هو- ربّما لأني لم أعد أفكّر... هي- راحة البال يؤرقها الفكر... هو- أحيانا تبدين ملاحظات صائبة ... (يصمت)... هي- انت صامت ... لماذا؟ هو- كنت أتساءل ماذا يحدث للأوراق الميتة حين تختفي الريح ، أن ما تساقط من الأوراق يؤلف غابة أشجار ... كان هناك رجل يأتي فيجمعها و يلقي بها... لا أدري أين... لقد اعتدته... هي- ماذا لو لم يأت الرجل؟ ! هو- سأنتظره حتما... لأنه ما دامت هناك أوراق ميتة... فلا بدّ من رجل يجمعها... هي- أصبحت حكيما... هه... !؟ هو- لم؟ هي- لأنّ من ينتظر جامع الأوراق، له من صبر الحكماء ما يجعله ينتظر طويلا... هو- الانتظار ليس كل شئ... هي- لا أعرف. الحقيقة أنّك تغيّرت... هو- وهل نملك أن نكون غير ذلك ... مادمنا مثل الخفافيش التي لا تحسّ بالدّوار إلاّ إذا انتصبت و لم تنقلب... صعب جدّا... أن نظل كما نحن... ما دمنا لا نستطيع الثبات إلاّ إذا انقلبنا... هي- هل تغيّر قلبك أيضا؟ ! هو- قلبي سكنه برّد قارس جدّا... أظن أنّه مات ... لأني أحسّ أنه لم يعد يتحرك لأي شيء... لقد نضب... هي- أشعر بالحزن لذلك... هو- الدائرة التي ابتلعتنا ... رمت بنا في مدارات غريبة عنّا... سحقا! كأنه حلم... هي- كأنه كابوس... هو- الغريب حقا أنه كابوس يقظة... نعيشه مع كل ابتسامة دامعة ... مع كل سعلة... المعضلة أنّنا حين نحاول أن نستيقظ... ننام مجدّدا ... ليتواصل الكابوس أشدّ فظاعة ولؤما... هي- و أنا... هو- .......... هي- ألم تعدّ تحبني؟... هو- لم أعد أعرف ما أحب و ما لا أحبّ... المعرفة تشبه اقتلاع ناب فيل وهو يضاجع أنثاه... هي- صعب أن أصدق... أنك الرجل الذي آمنت به... هو- فلتشهد السماء أنّي ماعدته... دفنته في لحظة كرامة... كنت ظلاّ لإله يتسلى بحكّ أرنبة أنفه على حلمتين مترعتين بالوله و الفتنة ..صبّيٌ شيخٌ لا ينام إلا بعد أن يتأكد أنّ الخرفان التي يعدّها غير مكتملة... فيدفن رأسه في صدرك ...ذاك الرجل... ذهب مع الأوراق الميتة. هي- أعترف أنك سكنتني أنا القادمة من القرية البكر...من الزمن البكر...كنت خرقاء أتحسس طريقي كما يفعل العميان، غزاني عنفوانك و سكن براءتي...جعلتني ألبس ثوب التمرد حتى لفتني أكمامه و خنقتني...تسترسل الكلمات منك أسواطا تلهب الجليد النائم في قلبي ليتفجر الدم الأحمر لعنة لا تبقي و لا تذر...كنت أهرب إلى محراب رجولتك لأتمجد فيها...و لست أنكر أني حاولت أن أتماهى فيك...أن أكونك علني أحظى بلحظة مجاوزة واحدة... هو- حقا؟ هي- ما أحزنني حقا انك تركتني في الدرب...و ركبت طوفانك الهادر...أنت...صاحب الآراء الكبيرة... هو- تسخرين الآن! صدقيني لم أكن أقصد هذا...ربما لم أقصده ابدا...كنت اسبح عكس نفسي...يخيل لي أني لعبت دورا لم أتقنه حقا...ربما لأني حاولت أن أجد لي مكانا تحت الشمس في الوقت الذي تسلقتني فيه نبتة لبلاب كبيرة...هل تعرفين اللبلاب؟ هي ما من تجعلك تتقيئين ظلها...الرجل الذي اعتقدت في ثوريته العقيمة كان يعيش فأر في داخله؟ هي- أنت تهذي... هو- أصغ...كم توزعت بين نفسي و قلبي...حائر بين ليالي الصقيع داخلي و الشمس الحارقة التي اشتهيت تقبيلها...معك كنت أحاول أن أنقذ فرحي الذي سرق مني يوم ولدت... هي- لست كما تعتقد...كنت الإيمان الذي شفانا...نحن جيل الذل و الخيبة...حينما جئت المدينة...كنت مذعورة...خائفة...و بدأت تغويني...فتحت لي ذراعين ممتلئتين و كدت أبتلع زقومها لولا أن كلماتك كانت تمزق فيّ غشاوات من الضعف و المسكنة...حينما لم أكن أجد أجوبة لأسئلتي...كنت انت موجودا ...أعدتني إلى المواجهة...غلى الصخب و إلى كل ما هو جميل فينا... هو- لقد مات الإنسان في...الحياة كالحريق نحن أخشابها الموقدة...وبقايانا للريح تحتفل بها في مواسم عهرها و حينما تسقط وجوهنا لتلحس مؤخرتها نكتشف زيف ما آمنا به حقا...صدقيني...العمر مر و لم اشعر بنبض في قلبي...أريد فقط أن أرتاح...وان أنام...و لكن ليس قبل أن يأت جامع الأوراق... هي- لم ننته بعد ! ما قطعناه هيّن بما سنقطعه لاحقا... هو- لم أجربّ النظر بعين واحدة... هي- ربما ، هل ستعود إلى البيت مبكرا. هو- لا أفكر بالعودة ... مادام جامع الأوراق لم يأت... هي- على الأقل... فلندخل المقهى حتى لا تبتل... الأمطار تغرق كل شئ... هو- هل تأملت مدينة من فوق ! هي- من فوق؟ هو- نعم ... من فوق... هي- لم أفعل ربّما...لم أفكر في ذلك... هو – اذا ..لن تفهمي ما تقوله الأمطار... هي- وهل تفهمها أنت...؟ هو- اسألي جامع الأوراق الميتة ...هو من علمني لغتها... جعلني لست أدري كيف أتصالح معها... أدخل معها في صداقة قويّة... هي- هل أنت تؤمن بهذا حقا؟ هو- جدّا... يقول أن الإنصات إليها ... يقوي إيمانك بما تحسّه لا بما تعتقده، مزيج غريب من الرحمة و الطهر...ذاك ما تحمله قطراتها الحزينة... هي- حزينة؟ ! هل تقصد الأمطار... هو- أجل رغم أنها لا تشعر بالبرد مثلنا إلا أنها ترتعش وهي تلثم الإسفلت في دعة...ليتحول الأمر إلى انتحار جنوني يغرق كل شيء... حتى الأمطار تنتحر يا عزيزتي... هي- لم أعش هذه التجربة من قبل؟ هو- الانتحار أم مخاطبة الأمطار؟... هي- الاثنان ... ربما... لست أعرف ! ...لست أعرف !... هو- لكن هذا لا يمنع من الإنصات لها... التجربة تستحق ... هي- لقد حشا هذا الرجل رأسك بالخبل...إنه داهية هذا الأبله... هو-........ هي- هل تراه أبلها أم أن في الأمر لعبة؟ هو- هذا لأنك مازلت تعتقدين...انظري فقط بعيني إحساسك و ستعرفين... هي- هو الجنون أصابك... هو- ألم تلاحظي عبقرية جامع الأوراق... إنه يقول ما يستوقفكم ، لكنكم تضحكون في النهاية... هي- هلا انتهيت من هذرك ودعنا نختبئ اتقاء لهذا الطوفان... هو- ليس غريبا أن تنامي من السطور الأولى... هي- حسنا ! سأذهب ألا تودّ أن تراني مرّة أخرى. هو- ليست بي رغبة إلى شيء ... بل هي رغبة واحدة... أرغب في رؤيته الآن وهو يجمع آخر الأوراق الميتة...ألا ترين أنها بائسة؟ هي- بائسة ؟ ! و عديمة الفائدة أيضا... هو- حقا؟!... القليل من العدم يورث الكثير من الخيبة... أمّا الأوراق الميتة فلن يكفيها العدم لتتخلصّ من خيبتها... وداعا !!.
#وليد_أحمد_الفرشيشي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في فلسفة السقوط
-
شكري بلعيد....عندما تُغتالُ معجزة في المدينة
-
في عينيكً بيتٌ عتيقٌ
-
قصائد نيّئة
-
إلى دمشق...سلامًا...سلامًا
-
فصّلتْ
-
هيه !! (قصّة قصيرة)
-
كلمات
-
-الذلّ و الضباع-
-
تلك التي تأتي ليلا
-
ثلاث و ثلاثون مرّت...
-
هذه الموجة خالصة لي
-
فصل العمل الدعوي عن العمل الحزبي: لهذه الأسباب تخشى النهضة ع
...
-
قلب بين ضفّتين
-
سأصعد وحيدا إلى السماء
-
رحيق العمر
-
ببساطة جارحة سأقولها…
-
تقدمة قابيل الأخيرة...ما أغفله الكتاب...
-
تقدمة قابيل الأخيرة
-
بورتريه: الشيخ راشد الغنوشي...من يزرع القلق يحصد الإختلاف
المزيد.....
-
-ا?لف يوم ويوم-وثائقي بمهرجان مراكش يحكي سيرة -الحاج إدموند
...
-
فيلم -الخنجر- ثمرة تعاون بين RT وعمان
-
مروان حامد يتحدث عمّا -يثير الاهتمام- في فيلم -الست- ويشيد ب
...
-
مسرحية -الفيل يا ملك الزمان-.. إسقاطات رمزية على مأساة غزة
-
رحيل المخرج العراقي قيس الزبيدي أحد أبرز رموز السينما الوثائ
...
-
دمياط المصرية في المصادر العربية وكتب الرحالة والمؤرخين
-
سحب الجنسية الكويتية من فنانين وإعلاميين يثير مزيدا من الجدل
...
-
وزير الإعلام العماني: الفيلم الوثائقي -الخنجر- ثري ومبهر بصر
...
-
إيران: إطلاق سراح مغني الراب توماج صالحي بعد إلغاء حكم بإعدا
...
-
لوكاشينكو يدعو وزير الثقافة الجديد لترتيب الأوضاع أو الموت
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|