أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - وليد أحمد الفرشيشي - شكري بلعيد....عندما تُغتالُ معجزة في المدينة















المزيد.....

شكري بلعيد....عندما تُغتالُ معجزة في المدينة


وليد أحمد الفرشيشي

الحوار المتمدن-العدد: 4001 - 2013 / 2 / 12 - 17:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في تاريخ تونس ذي النّعوش متعدّدة الطوابق، لا نعرف رجلا تجوّل بنعشهِ مفكّرا و منظّرا ومناضلا صلدا لا يتهيّب الخطوط الحمراء ولا قضبان المعتقلات، كشكري بلعيد. ولن نضيف جديدا إذا قلنا أنّ "أبا نيروز" كان مناضلا كبيرا لم يترجّل يوما بحثًا عن وليمة عامرة بالدسّائس و لم يعتكفْ في المعابد التّي أقيمت على عجلٍ لتدريسِ ديانة الثورة للعقول المؤمنة والمنذورة لإصطياد البشر، ولم يزعم يومًا أنّهُ الحقّ الذّي يحرثُ في قلب البحر وإن كانت له دائما الكلمةُ الفصل، ولم يسبقْ يومًا إيمانهُ المطلق في الثورة عائدا إلى بيته.
رحل شكري بلعيد كما يرحلُ الآباءُ المؤسّسون للتجربة الديمقراطيّة في تونس. و مع أنّهُ عاش تجربته الخاصّة العامرة بالدّهشة والقبضان و الملاحقات، إلاّ أنّهُ ظلّ دائما جيبًا للمقاومة منزوع الإرتهانِ، هو القادمُ من مدرسة مناهضة بطبعها لكلّ أشكال الإستكانة والرّضوخِ في بلدِ تتناسلُ الضبّاعُ من احشائه من البورقيبية إلى النوفمبرية إلى حكومات الثورة التّي حطّمت أشرعتها. وفي جميع المحطّات الإحتجاجية الكبرى، كان الرّجلُ هناكَ دائمًا، لم يتخلّف عن قيادة الزّبدِ المشتضعفِ لكي يكنسَ الموجات المؤمنة بالجرب.
لم يكنُ متسكّعًا في خرائط الدرس الثوري ولم يكن متطفّلا على معارك اليسار الكبرى. فإبن جبل جلود التّي إستيقظت يوم 26 نوفمبر 1964، على صرخته المحتجّة الأولى و كأنّها شهقةٌ طالعةٌ من قلب الحياة نفسها، كانَ أحد أبرز فرسان القصيدة الثوريّة المعاصرة التّي اتخذت لها إسْمًا أرعب الكلّ، الوطنيون الديمقراطيون، التنظيم الذّي ظهر للوجود سنة 1973، على إثر الإنشقاق الحاصل في منظمة الشعلة الماوية. وقتها، إتخذ الرِّفاقُ خطّا ثوريًّا جديدا سرعانَ ما أزعج الجميع مؤسّسين مدرسة مثيرة للجدل معتبرين المجتمع التونسي شبه مستعمر شبه اقطاعي (نظرية شبه- شبه) داعين إلى الثورة الوطنية الديمقراطية، مخالفين في ذلك الخصوم السياسيين التقليديين و حتّى الرّفاق من التنظيمات المجاورة.
في هذا المنبت الفكري المثير للجدل، تشكّل شكري بلعيد، رمزا مزعجا و مثيرًا. حيثُ شاع ابو نيروز داخل اليسار التونسي بانتصاراته و انكساراته كالسرّ، وتوزّع داخل الجامعة و المجتمع كالحبّ الذّي يبذر في الأرض ليثمرَ في حقله و غير حقلهِ. فمن جبل جلود مرورا بالعراق فباريس أين أنهى دراساته في الحقوق، و من الحركة التلمذيّة التي أقضّت مضجع الزّعيم المريض وأوصلتهُ رجيم معتوق التي سيق إليها مصفّدا هو ورفاقه فصراعه مع نظام الجنرال، الذّي حول تونس إلى إقطاعية خاصة، فصراعه المفتوح مع الإسلاميين، كان "أبو نيروز" يبدّد مساحات الرعب و الهذيان و الأنظمة القمعيّة.
لم يغيّر يوما منبته الفكري بل طوّر فيه. فإذا كان الوطنيون الديمقراطيون، صرخة إحتجاجيّة داخل يسار عاجزٌ- لسبب أو لآخر- عن قيادة ثورة من داخل السّياق، فإنّ شكري بلعيد كان أكثرهم تطرّفا في تأسيس تجربة تونسية وطنية بمفاهيم وطنية خالصة. وإذا كانت تجربة الوطنيين الديمقراطيين ساحرة و أعجوبة بل ومزعجة، فإنّ شكري بلعيد كان لوحده حقيقة داخل الحقيقة، سليقة فوّارة وجرحا متّصلا بجرح البلاد. و لا نعرفُ تجربة إتّسعت عن صاحبها حتّى حجبتهُ احيانا كشكري بلعيد و نحنُ إلى اليوم لم نر أجيالاً لم تأكل من خبزه أو من الخبز الذّي صنع في معجنه، حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد.
و غالبية التونسيين لا يعرفون مثلا أنّ هذا التيار كان أول من تعرض للمد الإسلامي الذّي خاضوا ضدّهُ صراعا دمويا او ما عرف باحداث منوبة 1982. كما لا يعرفون مثلاً أنّ هذا التيار قدّم شهداءه في انتفاضة الخبز على غرار الرفاق الفاضل ساسي و محمد هماني و فتحي فلاح و كمال السبعي. كما لا يعرفون أنّهُ رغم الإنقسامات التّي عصفت بهذا التيّار، فإنّ منتسبيه المتوزّعين على مختلف فصائله كانوا من أوائل المشاركين في ثورة 14 جانفي 2011 و كانوا من أول دعاة إسقاط نظام بن علي، وكانوا ولا يزالون من أبرز معارضي الحزب الإسلامي الحاكم في تونس.
ورغم العلاقة المتشنجة مع الإسلاميين، فإنّ التاريخ يحفظُ للفارس شكري بلعيد، أنّهُ دافع بشراسة على المساجين الإسلاميين و خاصة ابناء تيار السلفية الجهادية. و ما لا يعرفه ثوريو الربع الساعة الأخير وحالبي الثورة المنكوبة في رجالها، أنّه كان مدافعا شرسا عن المحكومين في أحداث الحوض المنجمي في قفصة في 2008 وأوّل من قاد مسيرات تندّد بالحرب الأمريكية على العراق.
هذا المحامي/الشّاعر تنقّل عبر محطّات التاريخ السياسي الحديث لتونس حاملا معه إلى النهاية شعارات، ظلّ وفياّ لها منذ اربعة عقود، سقوط الديكتاتورية و الفساد و القضاء على تنمية جهوية عرجاء و التوزيع العادل للثروة و ضمان "الخبز" لكل مواطني هذا الوطن من بنزرت إلى بن قردان...ليظلّ الفارسُ وفيّا لثورة ديمقراطية ذات افق إشتراكي واقعي لا حالم.
قد يعتقد الكثيرون- عن خطأ أو صواب- أنّ هذه التجربة بدأت مع شكري بلعيد. لا لأنّه طبعها بنضاله وشراسته، بل لأنّ تجربته النضالية بدت مكتملة و كأنّها لم تحتجّ بالبدايات. تجربته ضمن التيار الموسّع أو ضمن الحركة التي وحّدها، كانت ناضجة جدّا وكأنّه لا تحتاجُ إلى تواريخ دامعة أو حقب مغموسة في القهر. ويخطأ أيضا من يعتبر أنّ التجربة انتهت مع شكري بلعيد، الذّي إغتيل غدرا يوم 6 فيفري 2013، لأنّنا لا نعرفُ تجربة ترسّبت في قلوب مناصريه بقدر تجربته بل غدت هذه التجربة التي قارعت الديكتاتوريات التي وضعت نصب أعينها شعارا لا تحيد عنه" ترويض التونسيين أو إقتناصهم"، محلّ إجماع نادرٍ. من أحبّه، من ناصره و من آمن به، لم يقولوا أنّنا سنردُّ لك كل حرفا أخذناهُ منك، وكلّ قطرة دم أريقت من أجلنا، ولا الشّرارة التي أمسكت بأثواب الظّلام المسربل على المدينة، بل قالوا وهم يشيّعونهُ " كلّ ما فعلته من أجلنا هو دين علينا و علينا أن نردُّهُ....كلّنا شكري بلعيد".
يوم 26 نوفمبر 1964، ولد شكري بلعيد، ويوم 6 فبراير 2013، منحوه بدل الكلمة رصاصة، و لا يعلمُ أحدٌ كيف أجبر الفارسُ على الترجّلِ ولا يدر أحدٌ كيف امتدتّ المخيّلة العقيمة والأطراف الباردة كالموت- بل هي الموتُ- إلى ذلك البستان العامر بالدّهشة والحياة، إلى ذلك السّفرُ الممتلئ حكمة و صدقا في توراة الثورة المحرّفة. لنقلُ فقط أنّ إغتيال الشّهيد شكري بلعيد كان البرهانُ الحقيقي على أنّ المعجزة وجدت لها أخيرا بلدًا. فلنقلْ فقط أنّ دم الشهيد المراق كان سبيلنا الوحيد لنحرق التراب الذّي ملأ اعيننا وصدورنا حتّى نصل إلى الوهج الصّافي. فلنقلْ أخيرا، أن شكري بلعيد، بأربع رصاصات فقط، أنقذ زمننا من التبدّد تحت الحذاء الغليظ للإستبداد.



#وليد_أحمد_الفرشيشي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في عينيكً بيتٌ عتيقٌ
- قصائد نيّئة
- إلى دمشق...سلامًا...سلامًا
- فصّلتْ
- هيه !! (قصّة قصيرة)
- كلمات
- -الذلّ و الضباع-
- تلك التي تأتي ليلا
- ثلاث و ثلاثون مرّت...
- هذه الموجة خالصة لي
- فصل العمل الدعوي عن العمل الحزبي: لهذه الأسباب تخشى النهضة ع ...
- قلب بين ضفّتين
- سأصعد وحيدا إلى السماء
- رحيق العمر
- ببساطة جارحة سأقولها…
- تقدمة قابيل الأخيرة...ما أغفله الكتاب...
- تقدمة قابيل الأخيرة
- بورتريه: الشيخ راشد الغنوشي...من يزرع القلق يحصد الإختلاف


المزيد.....




- فيديو أسلوب استقبال وزير الخارجية الأمريكي في الصين يثير تفا ...
- احتجاجات مستمرة لليوم الثامن.. الحركة المؤيدة للفلسطينيين -ت ...
- -مقابر جماعية-.. مطالب محلية وأممية بتحقيق دولي في جرائم ارت ...
- اقتحامات واشتباكات في الضفة.. مستوطنون يدخلون مقام -قبر يوسف ...
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بسلوكها
- اكتشاف إنزيمات تحول فصائل الدم المختلفة إلى الفصيلة الأولى
- غزة.. سرقة أعضاء وتغيير أكفان ودفن طفلة حية في المقابر الجما ...
- -إلبايس-: إسبانيا وافقت على تزويد أوكرانيا بأنظمة -باتريوت- ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف بلدتي كفرشوبا وشبعا في جنوب لبنان (صور ...
- القضاء البلغاري يحكم لصالح معارض سعودي مهدد بالترحيل


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - وليد أحمد الفرشيشي - شكري بلعيد....عندما تُغتالُ معجزة في المدينة