أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - آلالام الفرس فضة














المزيد.....

آلالام الفرس فضة


سعد محمد موسى

الحوار المتمدن-العدد: 3837 - 2012 / 9 / 1 - 12:36
المحور: الادب والفن
    




وفي هذا الصباح حين أمتطيت ظهر الفرس السعيدة ( أوديل) ، شعرت وكأن الفرس قد أذرفت من عينيها دمعتين ساخنتين . حينها سقط قلبي جريحاً وباكياً وتدحرج مثل كرة فوق الارض.
وكأني مع اوديل نستعيد صدى مأساة وفجائع
خيول الحروب في التأريخ حين زجّت في المعارك دون خيار وبدون ذنوب , لتتعذب وتموت في ساحات القتال.
ثم مررّت بمحطات الذاكرة، وأنا أشاهد الخيول البائسة والنحيلة وهي تجر بالعربات الخشبية المتهالكة، وكانت الخيول الحزينة تهش الذباب بأطراف أذيالها حول ضفاف جراحاتها ، التي خلفتها السروج والحبال وسياط الحوذيين القساة .. وتذكرت أيضاً سيرة حياة فضة ( الفرس العراقية)

"حوافر الفرس التي وشمت آخر الطرق"

كانت أخر الاناشيد وإرتحالات صدى الصهيل المبكر للمهرة "فضّة" يتوارى بفضاءات البادية حين وأد الاعرابي دلالها بعد فطامها عنوة من ثدي أمها كي يبيعها الى
تاجر خيول مقابل حفنة دنانير .
غادرت فضّة بشاحنة تاجر الخيول الى مدينة بغداد بعد أن ودعت أمها بنظرات بائسة وهي كانت تأفل بعيداً عن البادية من وراء قضبان عجلة نقل الخيول الى منطقة "الوشاش" في العاصمة بغداد.
فيتم تدريب الخيول هنالك والاستعداد فيما بعد لسباقات الفروسية والتي تقام عادة في منطقة " المنصور" البغدادية.
حيث كان مراهنو سباقات الخيول يزحفون باعدادٍ غفيرة من كل صوب وحدب ومن المدن الاخرى أيضاً الى مضمار سباقات الخيل في المنصور عند صبيحة كل يوم جمعة حيث تبدأ الرهانات وصراخ المقامرين وشتائمهم الغرائبية!!.
وفي أولى سباقات الفروسية التي شاركت فيها فضة عندما كانت تتراقص بعنفوان تحت أشعة شمس ربيع آذار ولم يكن المراهنون حينها يعرفون شيئاً عن فضة، تلك الفرس الرشيقة والسريعة.. حين زجت بأحدى السباقات.
كانت المفاجأة التي أذهلت الجميع حين توّجت تلك الفرس الجديدة بالفوز بعد أن إكتسحت جميع الخيول المتسابقة وأحرزت المرتبة الاولى.
ربتّ السائس على ردفيها الصقيلين. ورقص مالك الفرس مبتهجاً بهذا الفوز الذي درّ عليه بأموال كثيرة وغير متوقعة.
.......
وفي الاسطبل صهلت فضّة بعد عناء السباق وأرتحل لهاث ذاكرتها الى فضاءات بادية النجف حين كانت تقلد خبب أمها الحسناء فوق الرمال الساخنة، وهي تتبع حوافر قوافل الامومة المسترسلة نحو الشمس
توالت إنتصارات فضّة في سباقاتها والتي كانت عادةً ماتتوج في المرتبة الاولى أو الثانية أحياناً وباتت هذه الفرس مشهورة بين المتنافسين حيث يراهن عليها الكثيرون.
في الفترة الاخيرة أرهقت وتراجعت فضّة على أثر مزايدات الرهانات المستمرة وجشع المالك الذي كان همه الارباح والشهرة من وراء تلك الفرس، فبات العد تنازلياً لسباقاتها. وكانت خيبات كبيرة للمراهنين بخسارات متلاحقة لسباقات فضة والتي باتت تضمحل سرعتها ويهبط نشاطها بشكل ملحوظ بعد عدة سنوات من سباق الفروسية..
حتى غضب سيدها الجشع ذات يوم وسجنها في الاسطبل ومنع عنها البرسيم والشعير والماء.
أخيراً باع المالك تلك الفرس الاصيلة وبعد أن يأس من إحرازها لأي فوز جديد في سباقات الخيول الى حوذيّ فظّ لا رحمة في قلبه.
.......
باتت فضّة تجر العربات المحملة بالطابوق وأكياس الاسمنت من أطراف بغداد حيث "منطقة المعامل" الى مناطق بغداد الشعبية
وكان سخام أفران معامل الطابوق والدخان قد لوث جسد فضة.
كانت فضّة تتطلع من وراء رموشها المسترسلة الحزينة الى دروب القهر المستديمة وهي تهش الذباب النزق عن ضفاف جراحات ردفيها الملتهبتين والنازفتين، حين اثخنت جراحها بأسرجة الجلد والحبال القاسية وسياط الحوذي الهمجي.
ذات ظهيرة عبأ الحوذي الجشع بأكداس الطابوق المفخور في حوض العربة الخشبية وكانت الحمولة قاسية اكثر مما تتحملها قدرة الفرس، وكان الحوذي ينهال بسوطه على ردفي وظهر الفرس، وكانت الشمس تنتصب عمودية والسراب يتماوج في أحضان الشارع الاسفلتي الملتهب بنيران صيف شهر آب، وسعير العطش كان يتأجج في أوصال فضّة وكآن الطريق يمتد دون نهاية والحوذي ينهال بسياط النار عليها، بينما كانت فضّة تنوء تحت الاثقال التي انهك قواها وفجأةً انعطفت العربة وتعثرت الفرس ثم تهاوت على الرصيف فتناثرالطابوق على أطراف الرصيف وعلى إمتداد الشارع الاسفلتي. استشاط الحوذي غضباً وانهال الحوذي شاتما وجالدا لفضة بسوطه.
فقفز الحوذي الى الارض غاضباً، ثم حاول رفعها الى الاعلى ولكن دون جدوى، فقد كسر ساق فضة.
فقام
الحوذي بحل وثاق وسرج الفرس ودفع بالعربة جانباً بمحاذاة الرصيف.
ثم غادر المكان مسرعا الى بيته ورفس باب الدار بعصبية ودخل الى غرفته ومد يده الى خزانة الملابس حيث يخبا سلاحه الناري هنالك ثم انصرف عائدا الى مكان الفجيعة وبحركة خاطفة سدد فوهة المسدس وسط جبهة فضّة وضغط على زناد المسدس بسبابته الخشنة ليفرغ رصاصة الرحمة في رأس الفرس.....
سال الدم الساخن من رأس الفرس وإنحدر الدم على اسفلت الشارع
نظرت فضة بعينيها الى السماء مودعةً أرض العذاب والنكبات ثم أسدلت رموشها الجميلة .



#سعد_محمد_موسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مزامير العشق
- ظل ذاكرة ما
- العذاب المنسيّ للشاعر والكادح
- إحتضار المدن
- الابحار نحو ضفاف المدن المنسية
- حين يتوارى طائر (الميك باي) الى الغابة
- إمرأة وأحلام عارية
- الحنين الى مملكة النارنج
- أرصفة الشعر والجنون
- وداعاً أيها الكلب النبيل
- حكايات الماء والضفاف
- مرجان وفضّة عذابات القفص.. والدم المسفوك على ضفاف الفجيعة
- أساطير التراب والفضاء
- أساطير التراب
- عربات وذاكرة
- الابحار نحو فضاءات الخلاص
- نذور لعودة الغائب
- البحث عن الماء
- احتراق الخطى مابين الرمال والمدن
- النزوج بعيداً


المزيد.....




- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - آلالام الفرس فضة