أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - مرجان وفضّة عذابات القفص.. والدم المسفوك على ضفاف الفجيعة















المزيد.....

مرجان وفضّة عذابات القفص.. والدم المسفوك على ضفاف الفجيعة


سعد محمد موسى

الحوار المتمدن-العدد: 3543 - 2011 / 11 / 11 - 10:45
المحور: الادب والفن
    



1
شحن صائدو الأسود وسماسرة حدائق الحيوانات، الأسيرين "الشبل وأمه اللبوءة" بقفصين منفصلين عن بعضهما، بعد أن تم جلبهما من غابة "كيير" في ولاية "كوجرات" الهندية، حيث كانا يعيشان بين حشائش السافانا العالية المسترخية بين أشجار السنط.
وبعد رحلة مضنية وطويلة وسط الآحراش والجبال والسهول الممتدة من أقاصي شبه القارة الهندية حتى افغانستان.
توقفت الشاحنة أخيراً وسط حديقة حيوانات "كابل"، عاصمة افغانستان، تجمع عمال الحديقة حول الشاحنة، لنقل اللبوءة وشبلها الى قفص أخر كانت مساحته بقياس 6 أمتار مربعة في وسط الحديقة .
إختارت إدارة حديقة الحيوانات للشبل اسم "مرجان" ولأمه اللبوءة إسم ( زارمينا).

لم تقدر اللبوءة زارمينا في التكيف على قساوة الأقفاص وجور الاسر. فبعد إقصاءها من وجودها وعشقها وحياتها الطبيعية في الاحراش وأرغامها على التواجد القسري في هذا المكان، امتنعت عن تناول الطعام وكانت ترفض حتى مداعبات شبلها الوحيد مرجان.
بدأ عنفوان زارمينا ينهار،وأخذ وزنها يتناقص بإضطراد والآلق في عينينها بات ينطفأ. جاء الاطباء البيطريون لمعالجتها وإغرائها بأكل اللحوم الطازجة. لكن زارمينا أبت وعاندت حتى
أنهت حياتها بعد إضراب عن الطعام إستمر لمدة إسبوعين.
عاش مرجان يتيماً، أسير القفص بعد ان قتل الصيادون أباه الأسد وسط أحراش ولاية كوجرات الهندية، ثم موت أمه في حديقة حيوانات كابل.
إعتاد الزائرون على مشاهدة مرجان وهو غالباً مايكون قابعاً في إحدى زوايا القفص غير آبهٍ بالجميع..
"كبر مرجان وقد اعتاد على الجوع والحرمان...، وكان شاهداًعلى الحرب مابين السوفيت ومقاتليّ طالبان... كما وجد نفسه وسط معارك شرسة’ دارت رحاها في حديقة الحيوان".
المشرفون على حديقة الحيوانات عادة مايجلبون الطعام الى الحيوانات والطيور في اقفاصها. لكن بعد أن إشتد وطيس الحرب الطاحنة غادر العمال والمشرفون حديقة الحيوانات الى بيوتهم وقراهم أو خارج العاصمة كابل وبقيت الاقفاص موصدة والحيوانات هلعة وتئن تحت وطأة الجوع والفزع.
أخذت بعض الحيوانات والطيور تنفق داخل أقفاصها من الجوع والاهمال.
كان هنالك ثمة عامل من حديقة الحيوانات،عادةً ماكان يتسلل ليلاً الى مؤونة الغذاء وخزانات المياه ليوزع بعض الطعام والماء على الحيوانات المتبقية في الحديقة .
بات مرجان واهناً واضلاع صدره برزت من شدة النحافة وفروته بدأت تتساقط ، حتى شح بصره وبات كشيخ هرم غادره الجميع فكان سجين المحبسين، شبح الظلام وأسير القفص.
عاصر مرجان حرب أخرى لدى دخول قوات التحالف الدولية الى كابل في نوفمبر عام 2001.
تصاعد دويّ الانفجارات والمعارك الشرسة مابين قوات طالبان والقاعدة ضد قوات التحالف. وكانت المواجهات تشتد في داخل حديقة الحيوانات وخارج الاسوار أيضاً.
قبع الاسد الاعمى القرفصاء في إحدى زوايا القفص وهو يستعيد رعب الاطلاقات النارية التي صوبها الصيادون الى أبيه الاسد الهائج حين أراد إنقاذ شبله ولبوءته، فأخترقت الرصاصة الاولى جسد الاسد ثم تلت إطلاقة أخرى من بندقية الصياد الثاني لتهشم رأسه. فخر الاب الاسد صريعاً وسط أحراش الفجيعه والدم المسفوك.
2

جاء أحد المتطوعين ومعه بعض المساعدين من منظمة تهتم بحقوق الحيوانات الى حديقة حيوانات كابل أثناء الحرب وبعد سيطرة القوات الدولية على العاصمة، قاموا بالاهتمام بكائنات حديقة الحيوانات، وأيضاً لعلاج مرجان وتأهيله للسير خارج القفص.
كان مرجان يتعثر بسيره فلم يعتاد ان يمشي اكثر من حدود القفص والذي كان موصداً كل هذه السنين. أخذ الاسد السجين يستنشق الشمس قليلاً ، وقد أبدى المتطوع جهداً كبيراً لكي يعيد ولو جزءً بسيطاً من عنفوان أحراش وغابات الهند البعيدة الى خلوة مرجان الذي عاش طوراً من الحزن واليأس داخل هذا القفص.

بدأ المتطوع التابع لمنظمة حقوق الحيوان ببناء بيت واسع ومريح يليق بهذا الاسد العجوز بعد عذاباته الطويلة،شعر المتطوع بالسعادة في أخر يوم من إكمال بيت مرجان بعد أن أحاطه بحشائش السافانا وأشجار الصمغ ، منتظراً الصباح لكي يجلب مرجان من قفصه البائس الى البيت الجديد.
إنحدرت من عين مرجان آخر دمعة ساخنة ووحيدة فوق قضبان القفص الصدأ وفي آخر ليلة حزينة. حينها خلد الاسد البصير الى نومه الابدي دون أن يدرك الصباح المقبل الذي يحمل مفاجأة البيت الجديد.

*حوافر الفرس التي وشمت آخر الطرق.
3
شلالات الوجع الابدية إنهمرت كمآسي مرجان حين فاضت بنزيفها من حديقة حيوانات كابل الى بادية النجف لتحفر في أخاديد الارض ترنيمات العذاب الابدية حتى تتواصل عذابات أخرى من كابل الى بغداد...
كانت أخر الاناشيد وإرتحالات صدى الصهيل المبكر للمهرة "فضّة" يتوارى بفضاءات البادية حين وأد الاعرابي دلالها بعد فطامها عنوة من ثدي أمها كي يبيعها الى تاجر خيول مقابل حفنة دنانير .
غادرت فضّة بشاحنة تاجر الخيول الى مدينة بغداد بعد أن ودعت أمها بنظرات بائسة وهي تأفل بعيدا عن البادية من وراء قضبان عجلة نقل الخيول الى منطقة "الوشاش" في العاصمة بغداد، ليتم تدريبها واعدادها فيما بعد لسباقات الفروسية التي تقام في مدينة" المنصور" البغدادية.
كان مراهنو سباقات الخيول يزحفون باعداد غفيرة من كل صوب وحدب ومن المدن الاخرى أيضاً الى ساحة سباق الفروسية في المنصور في صبيحة كل يوم جمعة حيث تبدأ الرهانات وصراخ المقامرين وشتائمهم الغرائبية!!.
في أولى سباقات الفروسية التي شاركت فيها فضة عندما كانت تتراقص بعنفوان تحت أشعة شمس ربيع آذار ولم يكن المراهنون حينها يعرفون شيئاً عن فضة، تلك الفرس الرشيقة والسريعة.. حين زجت بأحدى السباقات.
كانت المفاجأة التي أذهلت الجميع حين توجت تلك الفرس الجديدة بالفوز بعد أن إكتسحت جميع الخيول المتسابقة واحرزت المرتبة الاولى.
عانق الفارس- الجوكي - فضّة بعد إحرازها للنصر الاول ثم ربت السائس على أردافها الصقيلين ورقص مالك الفرس بهذا الفوز الذي درّ عليه بأموال كثيرة وغير متوقعة.

في زريبتها صهلت فضة بعد عناء السباق وأرتحل لهاث ذاكرتها الى فضاءات بادية النجف حين كانت تقلد خبب أمها الحسناء فوق الرمال الساخنة، وهي تتبع حوافر قوافل الامومة المسترسلة نحو الشمس.
توالت إنتصارات فضة في سباقاتها والتي كانت عادةً ماتتوج في المرتبة الاولى أو الثانية أحياناً وباتت هذه الفرس مشهورة بين المتنافسين حيث يراهن عليها الكثيرون.
في الفترة الاخيرة أرهقت وتراجعت فضّة على أثر مزايدات الرهانات المستمرة وجشع المالك الذي كان همه الارباح والشهرة من وراء تلك الفرس، فبات العد تنازلياً لسباقاتها. وكانت خيبات كبيرة للمراهنين بخسارات متلاحقة لسباقات فضة والتي باتت تضمحل سرعتها ويهبط نشاطها.
حتى غضب سيدها الجشع ذات يوم وسجنها في الزريبة دون طعام أو ماء.

أخيراً باع المالك تلك الفرس الاصيلة بعد أن يأس من إحرازها لأي فوز جديد في سباقات الخيول الى حوذيّ فضّ رحمة في قلبه.
4
باتت فضّة تجر العربة المحملة بالطابوق وأكياس الاسمنت من أطراف بغداد حيث "منطقة المعامل" الى مناطق بغداد الشعبية.
وكان سخام أفران معامل الطابوق والدخان قد لوث جسد فضة الذي كان يتألق مع شعاع الشمس .
كانت فضّة تتطلع من وراء رموشها المسترسلة الحزينة الى دروب القهر المستديمة وهي تهش الذباب النزق عن ضفاف جراحات ردفيها الملتهبتين والنازفتين، حين اثخنت جراحها بأسرجة الجلد والحبال القاسية وسياط الحوذي الهمجي.
عبأ الحوذي الجشع بأكداس الطابوق المفخور في حوض العربة الخشبية وكانت الحمولة قاسية اكثر مما تتحملها قدرة الفرس، وكان الحوذي ينهال بسوطه الجلدي على ردفي الفرس.
كانت الشمس تنتصب عمودية والسراب يتماوج في أحضان الشارع الاسفلتي الملتهب بنيران صيف شهر آب، وسعير العطش كان يتأجج في أوصال فضّة وكآن الطريق يمتد دون نهاية والحوذي ينهال بسياط النار فوق ظهر الفرس، وفضّة تنوء تحت ثقل الطابوق الذي انهك قواها.
انعطفت العربة وتعثرت الفرس ثم تهاوت على الرصيف وتشظى الطابوق على أطراف الرصيف وعلى إمتداد الشارع الاسفلتي. استشاط الحوذي غضباً وانهال على فضّة بسوطه وشتائمه ، حاول رفع الفرس الى الاعلى لكن دون جدوى، لقد كسر ساق الفرس .
حل الحوذي وثاق وسرج الفرس ودفع بالعربة جانباً بمحاذاة الرصيف.

ثم سأل الحوذي جاره الشرطي بان يسدي له معروفاً بأن يمنح إطلاقة الرحمة الى رأس الفرس الجريحة في احتضاراتها فوق الرصيف ومن فوهة مسدسة المجاز للقتل.
جاء الشرطي البليد وبوجه دون ملامح وضغط على زناد مسدسه بسبابته الخشنة ليفرغ رصاصة الرحمة في رأس الفرس. سال الدم الساخن فوق رأس ورموش فضة الجميلة وإنحدر الدم على اسفلت الشارع.
نظرت فضة بعينيها الى السماء وودعت أرض العذاب والنكبات.
نوفمبر
ملبورن 2011



#سعد_محمد_موسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أساطير التراب والفضاء
- أساطير التراب
- عربات وذاكرة
- الابحار نحو فضاءات الخلاص
- نذور لعودة الغائب
- البحث عن الماء
- احتراق الخطى مابين الرمال والمدن
- النزوج بعيداً
- اغتيال الجسر الاخير
- مزامير الشمس وينابيع الياسمين
- تراتيل تحت نصب الحريه
- مابين نايّ تومان.. وعازف ساكسفون سوهو
- رأس ومنفى وقمر
- الحلم العاري يغادر الخيمة
- مابين وشاية القمر.... وعبور الحدود
- الله والمطر
- التوحد في حضرة النخلة
- ثوابت مشتركة للانتفاضات المعاصرة
- انشودة اذار 1991
- تراتيل في ساحة التحرير


المزيد.....




- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - مرجان وفضّة عذابات القفص.. والدم المسفوك على ضفاف الفجيعة