أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - الله والمطر














المزيد.....

الله والمطر


سعد محمد موسى

الحوار المتمدن-العدد: 3349 - 2011 / 4 / 28 - 13:34
المحور: الادب والفن
    


الله والمطر

سعد محمد الموسوي

في هذه الليله ارتحلت الذاكرة بعيداً الى مشارف عام 1969 ،حينما كنت طفلاً هادئا ونحيفاً في الصف الأول الأبتدائي في إحدى مدارس مدينة الناصرية جنوبي العراق. ذات يوم طلب معلم الرسم من التلاميذ أن يرسموا مشهد المطر!!؟؟.
فتح الاطفال كراسات الرسم وسبحت خيالاتهم في المطر، وفي نهاية الدرس مرّ الاستاذ "باقر" على جميع التلاميذ لكي يرى رسوماتهم وحين جاء دوري تناول كراسة الرسم تطلع بإستغراب امام طلاسم التخطيط، في أعلى الصفحة كنت قد رسمت بقلم الرصاص شخصاً طويلاً ونحيفاً مستلقياعلى الغيوم وهو يسكب الماء من سطلٍ يحملة بين يديه على المارّةِ وفوق ارصفة وشوارع المدينة ،فيما بعض المارة كان يحتمي تحت المظلات، واخرين يقفون تحت شجرة كبيرة .،كان الرجل الذي يشبه "الله" يحمل سحنات أبي الذي غادر وجودي وانا بعمر سنتين حيث ملامحه مازالت منقوشة بتضاريس ذاكرتي البريئة، بفضولٍ طفولي سألت امي ذات صباح ممطر وهي كانت تحملني على كتفها في سوق " الصفا" وانا اشعر بزهوٍ وكأني أكاد أن ألمسَ السماء، عن مصدر المطر، اجابتني ان المطر يأتي من الله ياصغيري وحين سألني المعلم عن معنى وجود الشخص المستلقي على الغيوم اخبرته انه الله , وان الماء الذي يسكبه من السطل هو المطر, أتذكر الصدمه التي رسمت ملامحَ الدهشةعلى تضاريس وجهه البليد ،حينها استشاط غضباً فعاقب مشهد المطر بتمزيق ورقة الرسم من كراستي وألقاها في سلة المهملات وعاقب وقاحة مخيلتي بوضع قلم الرصاص الذي استخدمته للرسم بين اصبعيّ وضغط عليهما بقبضة يده القوية ،كان ألماً يفوق تحمل طفل بعمر سبع سنوات زجَرني بشدة لكي لا ارسم الله مرة اخرى.

ماء وفضاء
كان البلم يمخر عباب هور الحويزه (جنوب العراق) وهو يقلُّ احفاد "أنكي" إله الماء لدى السومريين باتجاه معبد أبسوحاملاً الأب الذي كان منهمكاً بدفع مجذافيّ القارب بينما كانت الأم غارقه بصلواتها متربعة في وسط البلم وابنهما المسمى "بردي" في السادسه من عمره كان يرسم فوق سطح الماء باصابعه أكواخ القصب والقمر والجواميس والاسماك وكل مايتذكرة أو يشاهدة من مفردات الهور وكان متربعأ في مقدمة البلم منتشياً بصباحٍ مشمسٍ ودافىء يتناغم مع سحر الماء ,اثناء تلك الرحلة الساكنه وعلى حين غرّه اخترق فضاء الحويزة أزيز طائرة على اثرها استفاقت مخيلة بردي واشرأب بعنقه نحو السماء لهذا الطائر الخرافي الذي يتحرك في رحم أنو (إله السماء).
أخذ بردي بكراسة الرسم التي كانت غالبا ما تلازمه ورسم الطائرة بقلم الرصاص ورسم الكابتن ورأ سه بارزا من مقدمة الطائره وهويمسك بمجذافين يحركهما بالفضاء بقوة دافعأ بالطائره الى الامام تماماً كما يفعل أبيه وهو يجذف بالبلم. لم يتخيل بردي اي شيء ممكن ان يتحرك دون مجذاف وان العالم في اعتقاده هو مستنقعات مائية فقط.

شظايا تمزق سماء الطفولة

في عام 2008 زرت ملجأ للأيتام في بغداد وشاهدت رسومات لاطفالٍ عراقيين معلقة فوق الجدران كانت حكايات بلون الدم والدخان تنزف فوق الاوراق البيضاء تُبكي الله وكائناته.
وكان هنالك طفل قد رسم قصتة على الورقه. لامهاتٍ ثكالى موشحات بالسواد يرفعن اذرعهن نحو سماء قاسية ملوثة بدخان كثيف وهن يندبن ويعزين امواتهن كعزاء - عشتار لتموز وزينب للحسين- فوق ارصفة تسيل فوقها الدماء والدموع وكأن ارصفة بغداد باتت اجساداً موشومة بالفجيعة.
وايضاً وقع بصري على تخطيط معلق قرب باب مديرة الملجأ ليتيم عراقي اخر رسم نخله ذبح جذعها بشظيه فتهاوت كأم جريحة طُعنت بخاصرتها وهي متكأة على جذع نخلة أخرى بقربها وأعثاق الرطب مازالت طرية والجذع ينحني بغرور وجرحه كبرياء أمام الغرباء والشامتين.
في زاوية الملجأ اِنحنت روحي امام مشهد لطفلة تدعى"لارسا" فقدت كفها الايسربانفجارٍ حصل في احدى احياء بغداد وقد رسمت لوحتها بكفها الايمن وهي تقف امام لوحتها مجسدةً لفجيعة قتل اسرتها بالكامل بواسطة عجلة مفخخة ولم يتبق من العائلة غير غيرها. رسمت الطفلة ذات التسع سنوات عائلتها مرمية على الرصيف في مجزرة يقف العالم خجولا وضئيلاً امام لوحة الضحية المنكوبة بنت الرافدين وفي الجهة الاخرى رسمت" لارسا" اختها الصغرى صريعة وسط بركة دم وحقيبتها المدرسية ممزقة ودفاترهاالمبعثره تفترش الشارع المُغتَصب ايضا،رسمت"لارسا" لعبتها تتطاير مع الشظايا وترتفع عاليا نحو الشمس, وكأن اللعبة رسول لكارثة فظيعة وشاهد لما حدث تستغيث نحو السماء لتبلغ الله مايحدث لاطفال العراق حينها سقط قلبي مثل اخر ثمرة من عثق النخله الجريحة واستقر بين اقدام الحبيبة لارسا.
27 ابريل 2011
ملبورن- استراليا



#سعد_محمد_موسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التوحد في حضرة النخلة
- ثوابت مشتركة للانتفاضات المعاصرة
- انشودة اذار 1991
- تراتيل في ساحة التحرير
- انتفاضة الجسد ..وظل الرصيف


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - الله والمطر