أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - النزوج بعيداً














المزيد.....

النزوج بعيداً


سعد محمد موسى

الحوار المتمدن-العدد: 3405 - 2011 / 6 / 23 - 11:54
المحور: الادب والفن
    


حين غمست الفرشاة بوجع الفجيعة وألم الانسان العراقي وفرشتها على سطح القماشة كان ذلك في مخيم رفحاء عام 1991 جسدت حينها وجع الوطن وكرامة الانسان المستلبة وقد كانت اللوحة صرخة ضد الطغاة الذين حاولوا إستئصال الوجود والانسان من الارض قسراً.
لوحة "النزوح بعيداً" هي امتداد مستمر ونزيف، إنها هجرة ورود الياسمين وطيور الحجل من جبال كردستان، وهجرة المشاحيف والجواميس من أهوار الجنوب بحثاً عن الماء وعن السلام حين تم تجفيف الاهوار.
بعد سقوط صنم الهلاك والحروب تسللت سموم الارهاب الى جسد الوطن من خارج الحدود واشتعلت فتنة الاقتتال الطائفي المقيت بين الاخوة الاعداء وتكاثرات الهجرات فتشظى أبناء الرافدين الى المنافي بعيداً عن جذورهم وعن سماواتهم الاولى مثل الاسماك حين تتقاذفتها الامواج وترميها بعيداً فوق ضفاف الغرباءالموحشة.
في تلك الليلة تذكرت غياب اللوحة والتي غادرت خيمتي المتهرئه في صحراء رفحاء حينما كنت لاجئاً وبعد أن اقتنتها سيدة أمريكية أثناء زيارتها يوما ما الى استوديو الخيمة في معسكر رفحاء لللاجئيين العراقيين. لاأعرف اين مصير اللوحة اليوم وعلى اي جدار تبكي الان وحيدة ، وهل آلفت لوحتي بعد كل هذه السنين فضاءات الغربة البعيدة.
في اللوحة كانت تبدو ثلاث نساء وطفل كان يلفهم فضاءً أخضر حزين و قاتم
المرأة الاولى كانت تحمل فانوساً يتثائب فيه بصيص ضوء خافت شجي، والمرأة الثانية كانت تنظر بآسى بالغ مودعةً الوطن والضحايا التي امتلات فيها الارض المنكوبة، والنخيلات العجاف التي برحتها البلابل اخيراً
أما المرأة الثالثة في اللوحة فكانت تمثل أم تحمل طفلاً على كتفها وهو يغفو بسلام
تسلل مشهد الامومة بودٍ هذه الليلة ليثير الحنين والشجن في صومعتي وعزلتي فترحل بيّ سنوات الطفولة وهي تعوم في فضاء الخيال البعيد وتحط الذاكرة كطائر وديع في أحضان العش وفوق كتف الامومة. استحضرني زمن الطفولة في هذة الليلة المنفية ايضاً، حينها كانت أمي تحملني على كتفها لتأخذني الى الاسواق أو تمر في الازقة وفي شوارع الناصرية كنت أشعر حينها بزهو وبغبطة وانا أعلو فوق كتف أمي وكأني أكاد ان المس قبة السماء وحين يتثاقل باجفاني النعاس من الرحلة البهيجة أغفو مابين رأس أمي ومابين زبيلها (سلة الخوصْ) المملوء بالخضار وعذق التمر المتدلي على رأسها فتستحيل احلام الطفولة والبراءة الى ايقونة عشق في محراب الامومة . كانت اللوحة مشحونة بمشاعر انسانية جياشة أخبرني أحد الاصدقاء المترجمين فيما بعد ان السيدة الامريكية والتي كانت تعمل في البعثة الامريكية لدراسة طلبات اللاجئيين ومقابلتهم في المخيم اختلت مع اللوحة، ثم جهشت بالبكاء متاثرة بقوة تعبير اللوحة التي تجسد معاناة المرأة العراقية اثناء الحرب
من اكثر المشاهد المأساوية والتي خلفت شرخاً عميقاًعلى جدار الذاكرة كانت في زمن الفجيعة التي عشتها ورأيتها اثناء قصف نظام الطاغية وسيبقى أبداً نزيف وجع لن يجف وشلال آسى لن يتوقف هديره وأكثر المشاهد مأساوية انفطر لها القلب وجعاً حين وقع بصري على أم قتيله مع رضيعها وهي متكئةعلى جدار بيت قديم والرضيع من حرقة ألمه وأثناء اختراق جسده البض بشظية قنبلة عضّ بقوة على حلمة أمه فأدماها فتخضب فم الرضيع بالدم والحليب وسال الحليب الوردي فوق خديه ورقبته والام القتيلة مازالت متمسكة برضيعها.


ملبورن-استراليا
حزيران 2011



#سعد_محمد_موسى (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اغتيال الجسر الاخير
- مزامير الشمس وينابيع الياسمين
- تراتيل تحت نصب الحريه
- مابين نايّ تومان.. وعازف ساكسفون سوهو
- رأس ومنفى وقمر
- الحلم العاري يغادر الخيمة
- مابين وشاية القمر.... وعبور الحدود
- الله والمطر
- التوحد في حضرة النخلة
- ثوابت مشتركة للانتفاضات المعاصرة
- انشودة اذار 1991
- تراتيل في ساحة التحرير
- انتفاضة الجسد ..وظل الرصيف


المزيد.....




- قناديل: أرِحْ ركابك من وعثاء الترجمة
- مصر.. إحالة فنانة شهيرة للمحاكمة بسبب طليقها
- محمد الشوبي.. صوت المسرح في الدراما العربية
- إيرادات فيلم سيكو سيكو اليومية تتخطى حاجز 2 مليون جنية مصري! ...
- ملامح من حركة سوق الكتاب في دمشق.. تجمعات أدبية ووفرة في الع ...
- كيف ألهمت ثقافة السكن الفريدة في كوريا الجنوبية معرضًا فنيا ...
- شاهد: نظارة تعرض ترجمة فورية أبهرت ضيوف دوليين في حدث هانغتش ...
- -الملفوظات-.. وثيقة دعوية وتاريخية تستكشف منهجية جماعة التبل ...
- -أقوى من أي هجوم أو كفاح مسلح-.. ساويرس يعلق على فيلم -لا أر ...
- -مندوب الليل-... فيلم سعودي يكشف الوجه الخفي للرياض


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - النزوج بعيداً