أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - عربات وذاكرة














المزيد.....

عربات وذاكرة


سعد محمد موسى

الحوار المتمدن-العدد: 3486 - 2011 / 9 / 14 - 20:50
المحور: الادب والفن
    


عربات وذاكرة
سعد محمد الموسوي

غادر الحصان الطرقات وارتحل بعيداً حيث حقوله الابدية

وكان الحوذي الهرم قد إنتبذ له مكاناً في أقاصي غابات "فكتوريا" وهو يعد بنبضاته الاخيرة
والحنين كان يعصف بثناياه الى عربةٍ مهجورة حين غادرها في أخر رحلة بعد أن ركنها في قرية على مشارف الغابة
وكانت العربة عادةً ماتبوح بحكاياتها

الى أطفال القرى حين يتجمعون حولها كل صباح
أو للعابرين نحو أعماق الغابة.
إستوقفتني تلك العربة الخشبية القديمة وقد مر عليها عقوداً من السنين قبل ان تتوقف عجلاتها والى الابد في زريبتها الاخيرة . كانت العربة مستلقية في أطراف الغابة.. وقد اعادة بي تلك العربة ذكريات تنوء بقصصها وارتحالاتها كالصدى.. كالغيوم
حينها تسللت الى ذاكرتي عربات اخرى ... عربات بعيدة جداً لمدينة كانت تنام في تضاريس الملح والغبار جنوبا حيث الناصرية.
نأت بيّ الاخيلة الى محطات الطفولة حيث عربات العيد المكتظة بالاطفال وملابسهم الزاهية الالوان وهم يمزحون ويلتهمون الحلوى وكانت أغانيهم تحلق عالياً في صباحات المدينة.. وكانت الخيول التي تجر العربات هي الاخرى فرحة ونشيطة تتراقص خبباً على ايقاعات أغاني الاطفال البهيجة. وكان الحوذيون يزينون أسرجة الخيول بالاشرطة الملونة والبالونات.
والعربات كانت تدور كالدولايب في شوارع واحياء المدينة ثم تعود مرةً أخرى الى سا حة احتفال العيد المنتشره حولها العاب الاطفال من أراجيح ودوالايب وعجلات هوائية "وصريفة" شنيشل التي يتزاحم حولها الاطفال بفضول هائل لرؤية الشاذية( قردة شنيشل).
وايضاً كان هنالك في ركن الساحة المنحدرة من ارتفاع ( الروف) المحاذي لشط (أبو الخيس) حيث يتجمع بائعيّ الحلوى والفرارات والمرطبات.. ومهرجين أيضاً كان يحومون حولهم الاطفال.
وكانت عادة ماتمتلآ الساحة بعوائل المدينة وسكان القرى القادمين لاحياء احتفالات العيد.
تذكرت أيضاً حينها مشهدأ أخر لم يكن سعيداً وقد أفسد عليّ اليوم الاول من العيد وانا لم أتجاوز السنة الثامنة من العمر بعد.
حين امتطيت في ذلك الصباح حماراً كسولاً بعد أن استأجرته "بعشرة فلوس" من صاحبه واثناء رحلتي البهيجة إرتطم الحمارحينها في زحام العيد بأعرابياً من الخلف فاوقعه أرضاً، ثم نهض الرجل غاضباً وانهال عليّ ضرباً "بعقاله" ولم يكن اثناء واقعة الحمارآنذاك أن يقتنع بتوسلاتي حين أخبرته ان الخطأ ليس بسببي بل بسبب الحمار الذي ارتطم بجنابكم.
على أثر ذلك تركت مغامرة امتطاء الحمير الممتعة في الاعياد وأرتايت ان اذهب الى عربات الخيول التي يقودها الحوذين الماهرين.

قفزت كطفلٍ الى حوض عربة الغابة، واغمضت عينيّ متذكراً عربة اخرى من عربات المدينة البعيدة.. وهي عربة بائع الثلج المدعو(وند) والذي كنت أتذكره وهو يزود بعض أحياء المدينة بقطع الثلج صيفاً بعد ان يأخذ بقوالب الجليد التي تكون احجامها بحدود المتر، من (معمل الثلج) الكائن في طرف المدينة ثم يرتب بتلك القوالب الثلجية على شكل هرم يعلوا في حوض العربة الخشبية ثم يقودها حيث زبائنه المتوزعين في مركز المدينة.
كانت عربته التي يجرها حصان بني غامق تتوقف في كل صباحٍ صيفي باكر أمام الدكاكين والبيوت ثم يترجل بعدها ( وند) من عربته بجسدة الضخم القوي حاملاً على كتفه قوالب الثلج الملفوفة بقماش الجنفاس. وكنت عادةً ما أراقب بائع الثلج وهو يقسم القوالب أرباعاً أو انصافاً مستعملاً المنشار وادوات التقطيع بمهاره وبسرعة. ثم يضع الثلج على عتبات الدور وامام بوابات الدكاكين.
فلا أحد في منطقتنا كان يتخيل غياب وند وعربته الثلجية.. في الصباحات الصيفية.

وأثناء تأملي الى عربة الغابة.. تساؤلت حينها عن مصير العربات الخشبية في مدينتي بعد ان مات الحوذيون وماتت خيولهم الجميلة أيضاً.. فأين باتت هياكل العربات. هل هشمها الجلادون ليعملوا من اخشابها هروات . أو ربما قد صنع منها المعلمين عصا لتعذيب أصابع التلاميذ الصغار حين يتقاعسوا عن اتمام واجبهم البيتي . أم هل حرقتها المعامل كوقود فباتت كدخان في سماء ملوثة.
أو ربما كان يأخذني حلماً وانا أتخيل ان لعربات المدينة قد نبتت أجنحه وقد حلقت عالياً نحوسموات الله لتلتحق بالحوذيون والخيول والطرقات مرةً أخرى.
ملبورن – أستراليا
أيلول 2011



#سعد_محمد_موسى (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الابحار نحو فضاءات الخلاص
- نذور لعودة الغائب
- البحث عن الماء
- احتراق الخطى مابين الرمال والمدن
- النزوج بعيداً
- اغتيال الجسر الاخير
- مزامير الشمس وينابيع الياسمين
- تراتيل تحت نصب الحريه
- مابين نايّ تومان.. وعازف ساكسفون سوهو
- رأس ومنفى وقمر
- الحلم العاري يغادر الخيمة
- مابين وشاية القمر.... وعبور الحدود
- الله والمطر
- التوحد في حضرة النخلة
- ثوابت مشتركة للانتفاضات المعاصرة
- انشودة اذار 1991
- تراتيل في ساحة التحرير
- انتفاضة الجسد ..وظل الرصيف


المزيد.....




- خطوات الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية بالاسم فقط “هنــــ ...
- في ذكرى رحيل فلاح إبراهيم فنان وهب حياته للتمثيل
- الفنان صبيح كلش .. حوار الرسم والتاريخ
- مرتديًا بذلته الضيقة ذاتها .. بينسون بون يُصدر فيديو كليب سا ...
- -الزمن المفقود-.. الموجة الإنسانية في أدب التنين الصيني
- عبور الجغرافيا وتحولات الهوية.. علماء حديث حملوا صنعاء وازده ...
- -بين اللعب والذاكرة- في معرض تشكيلي بالصويرة المغربية
- مفاجأة علمية.. الببغاوات لا تقلدنا فقط بل تنتج اللغة مثلنا
- بيت المدى يستذكر -راهب المسرح- منذر حلمي
- وزير خارجية إيران: من الواضح أن الرئيس الأمريكي هو من يقود ه ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - عربات وذاكرة