أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - حكايات الماء والضفاف














المزيد.....

حكايات الماء والضفاف


سعد محمد موسى

الحوار المتمدن-العدد: 3559 - 2011 / 11 / 27 - 18:31
المحور: الادب والفن
    



"الى روحيّ الغريقيين جواد الازرقي ويحي"
كان درويش الماء واسطورة الصمت يوشم هذياناته على ضفاف النهر ، حيث كان ذلك الغريب الزاهد الذي نزح من جزيرة "سيد احمد الرفاعي" ومن شمال مدينة الناصرية الى جنوبها والذي قطن تلك الضفة بعد أن شيّد كوخاً من طين النهر ومن جذوع النخيل وعلى مقربة من نهر الفرات قرب بساتين "السديناوية". لاأحد كان يعرف شيئاً عن هذا الشيخ الصامت والذي هبط
من أقاصي الاستفهام الى حضرة النهر فلا هوية كان تعرّفه أو إسماً يشير اليه أو حتى وطناً يعود اليه.
كان الروحاني موحد لاينتمي الى أية عقيدة أو دين. سوى التوحد في الرمل والماء والتأمل والصمت.
البعض كان يظن إن هذا النازح نحو النهر كان من أواخر مريديّ التصوف التابعين الى "الحلاج أو أبو يزيد البسطامي.
كانت نسوة القرية يتبركنّ بهذا الدرويش والذي يعد علامة غريبة وله
بعض الكرامات في إعتقاد سكان تلك الناحية، وغالباً ماكانت النسوة وهن يجلبن بارغفة الخبز والتمر والشموع. ويتركنّ النذور قرب الكوخ ثم يتسللنّ بهدوء خشية إرباك عزلة الشيخ.
وكان هذا المجهول عادةً مايلقي بقطع الخبز الى ضفاف النهر حيث تتجمع الاسماك الجائعة. ويترك فتات الخبز أيضاًعلى حافات ثقوب مستعمرات النمل الذي يدب مابين كوخة وضفة النهر.
وبعد ان يطعم الشيخ كائناته، يبدأ بتناول الخبز المتبقي بخجلٍ وبهدوء.
لاأحد كان يرى هذا المتخفي، فقد كان يعتكف بقداسٍ عزلة الكوخ في النهار، لكنه في الليل حين يطمئن إن جميع العيون قد نامت إلاّ عين الله، حينها يبرح هذا الشيخ الاثيريّ بوابة الكوخ ليتبع قوافل ضوء القمر على ضفاف الفرات.
وكانت للدرويش نخلة مفضله عادةً مايتكأ على جذعها وهو يتأمل سكون الماء الغارق في غيبوبة الليل.. فلا أحد كان يعيّ ألّغاز النهر سوى جلالة هذا الصوفي .
تناول الزاهد الاخرس في تلك الليلة، بمزماره المصنوع من قصب "البردي" ونفخ بروحه في فضاءات الصمت، فأضحى النايّ ينساب بوجدٍ كانسياب الماء ليطرب البومة المتوارية خلف شجرة التوت لدى ضفة النهر الاخرى ويفيق بلابل البساتين من نومها.
عراب الصمت ودرويش الماء رسم رحلته الاخيره في حضور أمواج النهر حين حفر بسبابته أخر أناشيده فوق جسد الماء وأختار نهايته وهو يعانق مزماره، ليخلدا معاً في أعماق النهر ويترك كوخه الوحيد على الضفاف دون عودة وهو يتتبع أخر إرتحالاته في تلك الليلة كسحابة يتيمة توارت بسلام، وهي تمس جسديّ الغريقين "جواد الازرقي ويحي" اللذان إختارا النوم في معبد (ننجرسو) في تلك الليلة.
ألواح اللعنة والعذاب كان يحملها جواد الازرقي أمام بوابات الموت وهو يعد بخيباته، فاختارته بوابات الخراب عراباً للخسارات.
وفي الليلة الاخيرة كان "الازرقي" منهمكاً بالبحث عن حبل سرته المدفونة في غرين الفرات، وحين إستدل الى قبر السرّة سحب الحبل ثم عقده كانشوطة مشنقة جعلها تليق برقبته التي تدلت فوق قداس الماء.
ثم تعقب خله وصاحبه "يحي الناصريّ" بنبل وهو ينشد الخلاص منحدراً نحو سلالم الماء المؤدية الى باحة الفناء للالتحاق بهواء الغريق.

كان خيار الصديقين أن يودعا الاجساد المتفسخة في تضاريس ملح الفاو لرفاقٍ ثقّب الرصاص أجسادهم وجماجمهم. ليعلنا رفضهما للجحيم وللحرب القذرة العبثية ما بين العراق وايرن.
ويختبئا في سلام الماء وسحابات الفراديس الملونة، بعد أن برحا خنادق الموت ووصايّا الطغاة الى سماواتٍ صافية خالية من دخان الحروب وبعيداً عن رماد المحارق .
الشاعران جواد الازرقي ويحي الناصريّ كانا توأمان في العذاب وفي الانتحار أيضاً.
لاأحد كان يقدم على فعل الانتحار أو يتحضر له مسبقاً. ففكرة الانتحار عادة ماتكون مثل إتقاد حرائق الغابات أو براكين القصيدة حين يباغت حضورها وجنونها الشاعر، فالرحيل المباغت يحدث في لحظة الحضور والفناء.

هكذا حين أغوت ضفاف الفرات أقدام جواد الازرقي العارية لتنزل الى جوف النهر ثم يتبعه رفيقه يحي ليلقي بنفسه الى أعماق الماء.

كان عويل الامهات الثكالى ينساب كالعزاء من أعماق البساتين المظلمة والموحشة وكانت الامومة المفجوعة تتوسل بالماء لكي يدلهم على وجود الغريقين.
تمر مواكب شموع الخضر مع النذور وأغصان الياس الطافية فوق سطح الماء وعلى أواني الفضة، وهي تتعقب الجثتين الطافيتين.
مر الغريقان من امام كوخ درويش الماء في هذا المساء البائس، وكأن هنالك تساؤلات مستباحة مع الضفة ومع الماء. فأبلغ الكوخ الغريقان ان سيد الدار قد غادر الليلة الماضية الى أقاصي النهر. ثم عامت الجثتين بعيداً... بعيداً نحو إنحدار النهر جنوباً لتلتحقا بدرويش الماء.
نوفمبر 2011
أستراليا- ملبورن



#سعد_محمد_موسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مرجان وفضّة عذابات القفص.. والدم المسفوك على ضفاف الفجيعة
- أساطير التراب والفضاء
- أساطير التراب
- عربات وذاكرة
- الابحار نحو فضاءات الخلاص
- نذور لعودة الغائب
- البحث عن الماء
- احتراق الخطى مابين الرمال والمدن
- النزوج بعيداً
- اغتيال الجسر الاخير
- مزامير الشمس وينابيع الياسمين
- تراتيل تحت نصب الحريه
- مابين نايّ تومان.. وعازف ساكسفون سوهو
- رأس ومنفى وقمر
- الحلم العاري يغادر الخيمة
- مابين وشاية القمر.... وعبور الحدود
- الله والمطر
- التوحد في حضرة النخلة
- ثوابت مشتركة للانتفاضات المعاصرة
- انشودة اذار 1991


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - حكايات الماء والضفاف