أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - أن نتقاطع مع الدم السوري.. تلك هي المشكلة















المزيد.....

أن نتقاطع مع الدم السوري.. تلك هي المشكلة


جعفر المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 3800 - 2012 / 7 / 26 - 18:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كانت الثورات في السابق أبسط تركيبا وأسهل فهما وأضمن نتيجة لأنها لم تكن مركبة القوى أو متداخلة الأهداف أو مختلطة الأوراق. كان هناك معسكر واضع الهوية يعادله أخر على نفس المستوى من الوضوح. إذ كان الصراع حينها قائما على مجموعة من العوامل الأساسية الواضحة التي من شأنها أن تحدد معسكر الثورة أو معسكر أعدائها.
اليوم اختلط الحابل بالنابل.. الشعب نفسه ما زال يسعى نحو الحرية, لكن المعسكرات التي تعاديه أو تلك التي تسانده أصبحت ذات خلطة عجيبة.. الشعب السوري على حق في ثورته ضد الدكتاتورية لكن دخول قطر على الصورة والسعودية يجعل الأمر مستغربا ويأكل من الثورة الشيء الكبير.
والآن فإن عصر الإسلام السياسي والطائفية قد جعل الصورة مثل امرأة حبلى من رجال عدة, بينهم العدو وبينهم الصديق, ولذا فقد صارت هناك حيرة حقيقية وخوف من أن يفسر انحيازنا التقليدي للثورات بتفسيرات قد تصنفنا على معسكرات كنا وما زلنا نقف بالضد منها مبدئيا وسياسيا أيضا.

ونجد بفعل ذلك أن الهوة بين الموقف السياسي والموقف الأخلاقي قد بدأت تتسع بحيث بات من الصعب حقا إبقاء التماسك قائما بين الموقفين, أو حتى بات يصعب اكتشاف ما إذا كانت هناك ثمة قربى بينهما. فإذ توجِب حالة ما أن تكون هناك اعتبارات لموقف سياسي معين فإن مرونة ذلك الموقف المتأسسة على تعريف السياسية كونها فن الممكن سوف تجعل من الصعوبة بمكان إبقاء ذلك الموقف مرتبطا ومتلازما ولو مع الحد الأدنى من الحاجات الأخلاقية. ونجد أننا في بعض الحالات الأساسية في مواجهة تناقض خطير وتضاد واضح ما بين العامل الأخلاقي والعامل السياسي وحيث صار من الصعب جدا أن يجري تفسير ذلك التناقض حتى من خلال الميكافيلية ذاتها التي تجيز المرونة السياسية لكن ليس بالقدر الذي يفرض القطيعة النهائية أو التضاد الكامل مع الأخلاق.

والحال أن اتخاذ الموقف الذي يحقق التطابق أو التقارب ما بين الموقف السياسي والأخلاقي لم يعد سهلا أو هينا على كثير من القوى, ففي السابق كان من السهل أن يجري تحديد معسكر الثورة ومعسكر الثورة المضادة والتعرف على عقيدة وقوى كلا المعسكرين. وإن الاعتراف بوجود تناقضات بينية داخل صفوف كل معسكر على حدة لا ينفي بالمقابل أن التصنيف الرئيس للمعسكرات على اختلافها كان سهلا ومباشرا. فمع ثورات على شاكلة الثورة المصرية عام1952 أو العراقية في تموز من عام1958 كان ممكنا التعرف بسهولة على هوية القوة الأساسية المنفذة للثورة وتلك التي تصطف معها, أو تلك التي تقف على الجانب المقابل مع قواها المساندة.
ولن يفوتنا ونحن نبحث عن تفسير ملائم لهذا الأمر أن نسترجع حقيقة أن العالم وقتها كان مقسما إلى معسكرين, أحدهما شيوعي والثاني رأسمالي, وأن الساحات العالمية المتفرقة كانت تتبع ثنائية ذلك التقسيم وتتحرك من موقع إنها كانت جزءا من ذلك المعسكر أو جزءا من نقيضه, أو من موقع التأييد لأحدهما.
وقد كان لذلك تأثير كبير وحاسم على تأسيس تعريف عام, لكنه واضح, لطبيعة معسكر الثورة من جهة ومعسكر الثورة المضادة على الجهة أخرى. وفي كل تلك الحالات الثورية كان ممكنا التعرف على الأهداف المركزية التي كان من السهل أن تجتمع تحت رايتها كثير من القوى, ومن بينها تلك المتخاصمة على أصعدة عدة. لكن التناقض العميق والشامل والحاد بين قوى الثورة وقوى الثورة المضادة كان قادرا على تنحية التناقضات الذاتية البينية لصالح الأهداف العامة المشتركة.
والحال إن طبيعة التناقضات المركزية في تلك المراحل السالفة غالبا ما كانت تعلن عن نفسها من خلال الكفاح ضد الاستعمار المباشر أو التبعية التي تهمش الاستقلال الوطني وتكرس الهيمنة الإقطاعية والبرجوازية الطفيلية الممسوخة التي لم يكن مقدرا لها سوى أن تنتج حالات متفاقمة من التخلف والقمع والفقر, فإذا أضيفت إلى تلك العوامل مسألة الكفاح ضد الصهيونية يوم كان ذلك الكفاح على أشده, فإن القدرة على تعريف المعسكرات كانت سهلة, في حين أن فرص اختلاط الأوراق وتداخل الخنادق كانت محدودا جدا.

في عالم اليوم, وبعد أن إختفت ثنائية الصراع العالمي بين أمريكا والسوفييت لتحل محلها هيمنة القطب الواحد وتغيرت قيم الثقافة الثورية لتغرق في تفاصيل الحداثة المتأسسة على قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وذلك على حساب التناقضات المادية والإجتماعية, وإختفى أو تراجع كثيرا تأثير القضية الفلسطينية على تصنيف القوى والمعسكرات, وتم الدفع بنظرية صراع الحضارات لكي تتكفل بتحديد طبيعة المعسكرات المتصارعة, ثم جاء الإسلاميون لكي يتناغموا مع هذه النظرية ولكي يؤكدوا على أن الصراع هو بطبيعته ثقافي بحت ولا علاقة له بالإقتصاد أو التاريخ أو القضايا الوطنية, وقد تكلل كل ذلك بصعود صاروخي للفكر الطائفي الذي تقوده كل من السعودية وإيران, وإنهارت الأنظمة الثورية التي لفظها العالم الجديد.
في عالمنا الجديد هذا الذي أعادت تركيبه وترتيبه قيم سياسية وثقافية وعلمية وتقنية جديدة سيظل الكثيرون منا نحن أبناء العالم القديم غير قادرين على تعريف ماذا نريد بالضبط أو التعرف على الجهة التي يجب علينا أن نقف معها بالكامل أو ضدها بالكامل, وذلك بسبب ضياع الحدود الفاصلة بين المواقف والمعسكرات, تلك التي كنا نتعرف عليها بسهولة, ولأن قدرتنا على الهرولة للحاق بقطار الثقافات الجديدة أصبحت محدودة, وهو أمر لا يقدر عليه سوى أصحاب الرئات النظيفة التي لم يغلق حويصلاتها غبار المراحل القديمة ولا ضيق من سعتها عمر أو تعب او مرض.

فإن عدنا لسوريا مثلا فسنجد بين صفوفنا من يعيش حالات إزدواجية خطيرة لا تساعده على أن يحسم نهائيا إلى أي معسكر ينحاز, فهو مع دم السوريين الذي يهدره النظام السوري القمعي وضد هذا النظام إنطلاقا من قيم أخلاقية بحتة لا تسمح إلا بالوقوف مع المظلوم ضد الظالم لكنه غير مستعد مطلقا أن ينظم إلى جبهة تدعمها السعودية أو قطر وقد يهيمن عليها التيار الطائفي المضاد. وهو ضد إيران لما لها من أطماع في أراضيه وهيمنة على إستقلاله الوطني وقراره السياسي ولما تمثله على صعيد التناقض في الرؤى والمناهج والعصبيات لكنه لا يتمنى ولا يرضى أن تخسر إيران لصالح أمريكا وإسرائيل ولا حتى للسعودية.
إن ذلك كله يذكرني بموقف الجنود المصريين الذين جاءوا مع قوات التحالف للحرب ضد العراق بعد حرب الكويت, فلقد كان أولئك الجنود يصوبون بنادقهم بإتجاه القوات العراقية لكنهم كانوا يزغردون حالما يطلق العراقيون صاروخا بإتجاه إسرائيل.

لقد تداخلت الخنادق وإختلطت الأوراق وعاد صعبا علينا نحن أصحاب الثقافات الوطنية القديمة أن نتعرف بشكل حاسم على المعسكر الذي يجب أن ننضم إليه, ولهذا سوف نظل نتخبط في مواقفنا إلى حد الضياع ما لم نمسك بشدة بموقف نعيد تأسيس بقية المواقف عليه.
وفي قضية الموقف من الشعب السوري مثلا, وحيث تتقاتل الآن ثقافات بأكملها, وحيث تختلط الأوراق وتتداخل الخنادق, وحيث أنحاز الدم السوري بلا رجعة لقضية الحرية, فإن إنحيازنا لهذا الدم أولا هو المطلوب مع كونه لن يلغي خصوماتنا الأخرى..
بل إنه يعيد فقط وقوفنا من جديد على خط الشروع للسير سوية مع قوى على طريق قد نتقاطع عليه بعد حين.
لكن المشكلة الحقيقية هي أن نتقاطع مع ذلك الدم, والمشكلة الأكبر حينما نجعل الدم العراقي يتقاطع ويتخاصم مع دم السوريين.
حينها.. سوف لن يكون بمقدور السياسة أن تنقذنا من هذا الإثم الأخلاقي.



#جعفر_المظفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثلاثة طرق طائفية للهجوم على الطائفية
- كيف تكره الأسد دون أن تحب حمد
- البصرة.. مدينة السياب والشاوي وأهلها الطيبين
- طائفيو المهجر
- ما الذي فشل مع فشل الاستجواب
- الخلل في الدستور أم في الرجال والنظام
- ديمقراطية بدون ديمقراطيين وعراق بدون عراقيين
- لماذا لا يقود المالكي المعارضة بدلا من مجلس الوزراء
- من هم الأشد خسارة في عراق الطوائف.. الشيعة أم السنة
- الطالباني ومخالفته الدستورية الأخيرة
- المالكي وسحب الثقة والورقة الكردية
- هل صرناالآن بحاجة إلى المنقذ
- عبدالله بن سبأ وقضية سحب الثقة من المالكي
- حكاية اللابديل.. فاقد الشيء هل يعطيه
- شيطنة الآخر.. من الاشتباك بالسلاح الأبيض إلى الاشتباك بأسلحة ...
- ليس حبا بعلاوي وإنما كرها بالمالكي
- ما الذي أسقطه الصدريون بعِلمٍ أو بدونه
- الخلط بين بناء السلطة والدكتاتورية
- أزمة سلطة أم أزمة وطن
- وإن لكم في الفوضى والإرهاب فوائد وأرباح


المزيد.....




- -إسرائيل تنتهك قوانينا.. وإدارة بايدن لديها حسابات-.. مسؤولة ...
- الجيش الإسرائيلي يواصل عملياته في محيط مستشفى الشفاء بغزة لل ...
- موسكو تدمر عددا من الدبابات الأوكرانية وكييف تؤكد صدّ عشرات ...
- مفتي روسيا يمنح وسام الاستحقاق لفتى أنقذ 100 شخص أثناء هجوم ...
- مصر.. السفيرة الأمريكية تثير حفيظة مصريين في الصعيد
- بايدن يسمي دولا عربية -مستعدة للاعتراف بإسرائيل-
- مسؤول تركي يكشف موعد لقاء أردوغان وبايدن
- الجيش الاسرائيلي ينشر فيديو استهدافه -قائد وحدة الصواريخ- في ...
- مشاهد خراب ودمار بمسجد سعد بن أبي وقاص بمخيم جباليا جراء قصف ...
- قتيل بغارة إسرائيلية على جنوب لبنان والمقاومة تقصف شبعا


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - أن نتقاطع مع الدم السوري.. تلك هي المشكلة