أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علوان حسين - رجع الوجع / رواية بحلقات / 12















المزيد.....

رجع الوجع / رواية بحلقات / 12


حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي

(Hussain Alwan Hussain)


الحوار المتمدن-العدد: 3517 - 2011 / 10 / 15 - 10:04
المحور: الادب والفن
    


نزل إلى الجانب الآخر من التلة : إلى قبر منيرة . تألم كثيراً عندما وجد بناءه مخرباً ، و شاهده المرمري الذي إشتراه بنفسه منقوشاً من كركوك مسلوباً . من تبلغ به الدناءة حد تخريب القبور ، و سلبها ، و تدنيس مراقد النائمين فيها بسلام ؟ حتى حرمة الموت لا تكفي لكف أذى البشر للبشر ! وحدهم البشر قادرون على نبش القبور . الإنسان أبشع حيوان مدمِّر على وجه البسيطة ! لماذا لم يبعثه الله نخلة ، فلا يؤذي أحداً ، و يهدي ثماره لمن يرميه بالحجر ؟ عَقَدَ العزم على إعادة بناء القبر ، وفاءً لذكرى جميلة حزينة ، و لفضل لا ينسى : لقد علمته صاحبته الحب ! قرأ الفاتحة على روحها ، وصلى ركعتين لها ، و ودّعها ، واعداً إياها بلقاء جديد قريب ! إستدعى كلبه ، و جمع عدّته ، و ركب الجحش ، و صاح بالغنم :
- عو ، عو ، عيه ، عو !
في مساء ذلك اليوم ، يعود عمران بالغنم لبيت معزبه الحاج سالم لحلبة العشاء . لم يكن الحاج سالم موجوداً في الدار . يٍجلس في غرفة الإستقبال ، فتهل عليه مريم مبتسمة كالزنبقة المتفتحة فجراً ، و هي تحمل صينية عشاءه . تضعها أمامه و هي تقول :
- تفضل ، سيد عمران ! بالعافية .
فار دمه و هو يخزر ميسها الغزالي !
- و أين هو الحجي ؟
- عند زوجته القديمة !
يتناول طعام العشاء . دليمية تدير الرؤوس ! حسد نفسه على هذه النعمة الفضيلة ، و تأكد له صواب قراره للرعي بغنم الحاج سالم . أنهى عشاءه ، و حمل الصينية للمطبخ ، و غسل الماعون الصينية . و بدأ يغسل وجهه . طلت عليه الزنبقة المتفتحة من باب المطبخ ، و بعينيها دهش ، و في نبرتها إستنكار :
- لماذا كلفت نفسك عناء غسل أواني الطعام ، و لم تتركها لي كي أغسلها ؟
- لأنني أعتبر نفسي خادمك المطيع ، من الآن و حتى آخر رمق في حياتي ، يا زنبقة !
ابتسمت و حمرة الخفر تتشرب بحرير الرب ، و عبثت الفضة بالذهب ، و قالت :
- علي أن أحلب النعاج الآن .
- سأكون رهن إشارتك حالاً !
يندهش من مدى جرأته على رفع الكلفة في التخاطب مع زنبقته الرهيفة . يدخل المطبخ من جديد ، و يتناول أكبر قدور الحلب المعلقة على الحائط بترتيب جميل ، و يلتحق بزنبقته . يسحب إليه نعجة منتفخة النهود ، و يجلس على الدكّة الخشبية بجانبها ، يبدأ بالحلب بأنامله المتدربة الطويلة بسرعة مثيرة . ثم يلتفت لزنبقته ، و يبدأ ينقِّل عينيه بين الضرع الذي يحلبه هو ، و تحركات أنامل مريم على ضرع شاتها . إنها لا تجيد الحلب كما يجب !
- يا وردة الورود : الحلب يتطلب جر الضرع المضغوط من أعلى إلى أسفل ، و ليس الإكتفاء بالضغط عليه في مكانه .
- هكذا !
- لا ، يا تاج الرأس !
يتحرك إلى جانبها ، يمسك أصابع يديها برقة ، و هو يرتجف كالحالم ، و يقوم بالحلب معها ! ينظر إلى رموشها الطرية المقوّسة ، إنها ترتعش ، و هي تعظ على شفتها اليسرى . عليه أن يتراجع ؛ أنها تتألم ! يدك قلبه أعماق صدره دك المطاحن . يغالب عقله ، و يلثم خدها ، و هو يضغط برفق واجف راجف على أناملها . تسحب يداها ، و تقوم ، و تذهب لغرفتها . يفور جسده كله و ترتجف مقلتاه . يتبعها ، فيراها جالسة متكئة على رأس سريرها ، و هي تبكي ، و تمسح دموعها بمنديل أحمر قاتم ! يكاد قلبه ينفجر . يتقدم نحوها ، يسجد عند قدميها ، و يلثمهما . ثم يأخذ يديها ، و يلثمهما . ثم يخاطبها باركاً و الدمع ينهمل من مقلتيه :
- أنا أعبدك يا أعظم إمرأة في الوجود ، و لن أسمح لنفسي بإيذاء شعرة منك ! أرجوك كفّي عن البكاء ! قلبي يكاد ينفجر ! سأقبل قدميك مرة أخرى كي تتوقفي عن البكاء ! أرجوك ، يا أغاتي ، يا تاج رأسي !
يمسك بكعبي قدميها ، و ينحني ليوسعهما لثماً و تقبيلاً !
ترق له ، فتسحب قدميها . يقوم ، و يجلس إلى جنبها ، و يأخذ منديلها ، و يمسح دموعها . ثم يقبل المنديل ، و يضعه على وجهه يستنشق عطره ، ثم يضعه بجيبه . يتناول يديها ، و يقبلهما ، و ينظر بعينيها السنجابيتين الراعشتين الصاعدتين النازلتين ، و هو يقول :
- إعتبريني خادمك المطيع يا مليكتي . أنا أحبك ، بل أنا مجنون بك ؛ و جنوني شريف ، فأنا أروم الزواج بك على سنة الله و رسوله ، و بعون الله و قوته ! و سأبقى أنتظرك ألف سنة ، و لن ألمس إمرأة غيرك ما حييت !
تبكي من جديد ، فيزداد لألاء عيونها و بريق وجهها .
- أرجوك لا تبكي يا تاج رأسي ، سأقتل نفسي لا محالة إن تسببت بأدنى إزعاج لك ، يا وردة الورود !
يُخرج منديلها من جيبه ، و يمسح عينيها المرتعشتين ، و وجنتيها المحْمَرّتين برفق شديد ، و هو يخشى خدش وجهها الرقيق بقماش المنديل . يستنشق زفيرها الوردي ، و يعيد المنديل إلى جيبه . يقبلها قبلة طفولية ناعمة على وجنتها ، و يمسك بيدها برقة راجفة ، و يقف ، و يدعوها لتتفضل بالخروج من الغرفة ، و قد هدأ وجيب قلبه . تبتسم إبتسامة ملائكية له ، و تقف . يحملها كالطفل وهو يستنشق شذى صدرها ، و يخرج بها من غرفتها ، و ينزلها برقة عند دكّة الحلب . يقف قبالتها ، و ينظر بعينيها المتراقصتين ، و هو يقول :
- سأبقى خادماً مطيعاً لك ما حييت ، يا أجمل النسوان !
عندما يخرج عمران للفلاة مرة أخرى في رعية "النشرة" الربيعية بعد حلبة العشاء ، يرفض أن تصطحبه زنبقته على عادة المعزّبين في مثل هذا النوع من الرعي الليلي . قال لها أنه يخاف عليها ، و إنها أجمل من أن ترعى الغنم . أحس بقلبه وقد امتلأ سعادة . لقد شرفته بجسدها الرباني ، فغبط حظه السعيد . طلبت منه أن يعانقها بقوة حتى يوجعها ، فرد عليها : أخاف عليك .
لقد خلقت منه هذه المرأة العظيمة رجلاً بكل حق و حقيق ! و لذلك فإنه لم يدعها تعمل أي شيء . حلب لها كل الشياه ، و كنس لها بعرور الغنم بالمقشة ، ثم سجره ، و وضع على ناره قدور الحليب . و بعد فوران القدور ، عزلها عن النار . و عندما خفّت درجة حرارتها ، وضع خميرة اللبن فيها ، و حرّكها بالمكفأة قليلاً . ثم أغلق سدّاداتها بإحكام ، و غطّاها بالبطانية . كل هذا و زنبقته جالسة تتفرج عليه مبتسمة كالبدر التمام . ثم غسل يديه و وجهه ، و توجه إليها . حملها كالريشة ، فغسل لها بنفسه يديها و رجليها و وجهها ، و نشفها بمنديلها ، و حملها من جديد لمخدعها . وبعد أن أذاقته عسلها حتى بات يغار من نفسه عليه ، تعاهدا على العيش و الموت معاً : هي له ، و هو لها ، و أن يتركا الباقي للقسمة و النصيب ، حتى يقضي الله أمراً كان مقضيّاً .
و فيما هو يمشط لها شعرها اللامع المتماوج بكل ظلال ألوان الذهب الناعم ، و يجدله مستنشقاً أريجه المنعش ، قصت عليه مأساة زواجها . أراد والدها العجوز الزواج بإمرأة ثانية على أمها ، فأختار صديقتها عائشة التي تصغره بخمسين سنة . خطبها من أهلها ، ففرض عليه والد عائشة مهراً باهظاً جداً : أربعة آلاف دينار ! سافر والدها من بيجي لقرية مرعي ، و زار صديقه القديم الغني الحاج سالم ، و عرض عليه الزواج بابنته على مهر قدره أربعة آلاف دينار ، و هذا ما كان . تنقّلت الآلاف الأربعة من يد الحاج سالم ، ليد أبي مريم ، لتستقر بيد أبي عائشة ، الذي نقّدها لأخي زوجته الجديدة الرابعة حليمة ! و معها انتقلت بنفس ثوبها ألبيتي و بنعالها القديم كل من حليمة و عائشة و مريم لبيوت الزوجية ! لا عفش ، و لا صيغة ، و لا بدلات عرس ، و لا حتى يوم عسل واحد ، و ليس شهر عسل كامل . فقط الطبل ، و الزمارة ، و نغز اللحى الدبقة المصنّة في الليل ، و القضيب القديم البارد المعوج المتكرمش أبداً ، يليه الشخير الحماري ، و الأشغال الشاقة المجانية و المؤبدة كل يوم من الفجر و حتى منتصف الليل !
يتبع ، لطفاً



#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)       Hussain_Alwan_Hussain#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رجع الوجع / رواية بحلقات / 11
- رجع الوجع / رواية بحلقات / 10
- رجع الوجع / رواية بحلقات / 9
- رجع الوجع / رواية بحلقات / 8
- رجع الوجع / رواية بحلقات / 7
- رجع الوجع / رواية بحلقات / 6
- رجع الوجع / رواية بحلقات / 5
- رجع الوجع / رواية بحلقات / 4
- رجع الوجع / رواية بحلقات / 3
- رجع الوجع / رواية بحلقات / 2
- رجع الوجع / رواية بحلقات
- كتاب الدرر البهية في حِكَمْ الإمبريالية الأمريكية
- رسالة من طفل عراقي إلى الرئيس بوش
- ملاحظات شخصية في الترجمة
- الحدّاد و القوّاد
- سيّد خوصة : المناضل سابقاً و المجاهد لاحقاً
- آخر أحكام رب العالمين في أهل العراق
- من أخبار شيخ الشط
- قوانين التاريخ و جرائم الرأسمالية : أجوبة للأستاذ الفاضل رعد ...
- قوانين التاريخ ، و جرائم الرأسمالية وقادة الأحزاب الإشتراكية ...


المزيد.....




- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علوان حسين - رجع الوجع / رواية بحلقات / 12