سهر العامري
الحوار المتمدن-العدد: 939 - 2004 / 8 / 28 - 09:52
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
تحركت لندن بهدوء ، وبعيدا عن الأضواء ، وعن الضجيج الاعلامي لحلّ أزمة النجف التي لعبت ايران دورا مهما في الكثير من فصولها ، وعبر عملائها في العراق ، وكذلك عبر حليفها مقتدى الصدر وجنده ، وقد جاء هذا التحرك الانجليزي عبر عاملين مهمين ، حاسمين ، قد مهدا الطريق لهذا التحرك الذي تتوج بقبول اللاعبين بتلك الأزمة بما قدم لهم من حلول لها في الساعات الأخيرة المنصرمة ، ما عدا ايران التي لم تحصد ، وعلى عادتها في كل مشاريعها الخارجية ، سوى الخسران ، رغم أن البعض من العراقيين قد يعد السيد على السستاني وجها ايرانيا ، هو أقرب الى الهم الايراني منه الى الهم والوجع العراقي ، وذلك ، وعلى زعم هذا البعض ، من أن السيد علي السستاني ايراني المولد والنشأة ، فهو قد ولد في مدينة خراسان من ايران في مطلع الثلاثينيات من القرن المنصرم ، ونزل النجف من العراق عام 1951 م طالبا في حوزتها ، متتلمذا على اشهر اساتذتها في المعارف الدينية ، وفي المقدمة من هؤلاء السيد الخوئي المرجع الشيعي السابق ، والذي ظل بعيدا عن نظرية الامام الخميني في ولاية الفقيه ، رغم أن الخلاف الفكري والسياسي بين الرجلين يمتد الى الزمن الذي كان فيه الامام الخميني في النجف لاجئا من بطش الشاه المقبور 0
يأتي في طليعة هذين العاملين هو التفوق الامريكي الكاسح في معركة النجف ، وخاصة في سلاح الطيران ، وكثافة النيران ، وعلى الرغم من أن مقتدى الصدر كان يعتقد أن نظرية صدام في حرب المدن كفيلة بحمايته هو وجنده ، يُزاد على ذلك لوذ الصدر وجنده بضريح الأمام علي عليه السلام ، لكن كل هذا لم يمنع القوات الأمريكية وقوات الحرس الوطني والشرطة العراقية من مواصلة تلك المعركة القاسية التي كانت تدور من قبر لقبر ، ومن بيت لبيت ، ومن زقاق لزقاق ، يدعمها موقف سياسي حازم من وزير الدفاع العراقي ، حازم الشعلان ، ومن محافظة النجف ، عدنان الظرفي ، وقائد شرطتها ، غالب الجزائري 0 ذلك الموقف الذي تجسد بوضوح في ضرورة اخراج مقاتلي جند مقتدى من ضريح الامام علي بالقوة إن هو لم يجنح للسلم ، وحين فقد مقتدى الصدر ثلثي مقاتليه الأشداء من عراقيين ومن غيرهم موتا في تلك المعركة ، أو هروبا من سعيرها ، وحين احاطت به القوات الأمريكية وقوات الحرس الوطني والشرطة العراقية من كل صوب ، مشددة الخناق عليه وعلى قواته ، حلت قناعة الاستسلام ، والخروج من الصحن الحيدري في عقول هؤلاء الذين كانوا يرددون لايام قليلة خلت : هيهات منا الذلة !!
هذا هو عامل القوة ، أما العامل الآخر هو القناعة التي تولدت من الدهاء الانجليزي عند السيد علي السستاني من جهة ، وعند الامريكان والحكومة العراقية من جهة أخرى ، وهي أنه ليس من مصلحة التحالف ولا من مصلحة الحكومة العراقية ، ولا من مصلحة المرجعية الشيعية أن تخسر النجف قيادتها التاريخية للعالم الاسلامي الشيعي ، ومكانتها لدى الشيعة في اصقاع كثيرة من العالم لصالح ايران ، وذلك حين يقوم الحرس الوطني العراقي والشرطة العراقية وبدعم من قوات التحالف باقتحام ضريح الامام علي ، وقتل جند الصدر ، أو اخراجهم منه بالقوة ، وبهذا تكون مرجعية السيد السستاني قد فقدت أي دور لها في حل أزمة النجف تلك ، وهذا ما يُفقدها في العراق وفي غيره من البلدان الكثير من تأثيرها وهيبتها أمام المرجعية الشيعية في ايران ، ومنهجها الفكري المتمثل في ولاية الفقيه ، والذي دأب بعض من عملاء النظام الايراني من العراقيين على الترويج له هذه الايام بين الشيعة في مدن جنوب العراق ، وهو يطوفون بسياراتهم التي زودتهم بها المخابرات الايرانية ( اطلاعات ) ، وبتدخل سافر لم يرقَ له أي تدخل من قبل الدول المجاورة للعراق بما فيها الدول العربية التي قاتل نفر من رعاياها الى جنب عصابات ابن لادن وفلول صدام الساقط ، فايران تدخلت في العراق كدولة وبما تملك تلك الدولة من امكانات في وسائل اعلامها ، وتصريحات مسؤوليها ، وبمجموعاتها العاملة داخل العراق التي تتغذى على أموالها ، وبتجنيد انتحاريها علانية ، كما إنها عملت على اقتطاع المحافظات العراقية الجنوبية الثلاث : البصرة ، والناصرية ، والعمارة كحزام أمني لها ، وذلك حين مهد احد اتباع الصدر، ونائب محافظ البصرة ، سلام المالكي بتصريحاته لهذا الانفصال ، وقد أتيت أنا على ذلك في مقالة سبقت تحت عنوان : الحزام الأمني الأيراني !
وها هي اخبار اليوم تؤكد ما اشرت إليه أنا من قبل ، فقد ذكرت صحيفة السياسة الكويتيه أن الحرس الثوري الإيراني حُشد على الحدود لحماية ثورة شيعية متوقعة تنتهي بإعلان انفصال الجنوب الشيعي ، فقد نسبت المصادر الديبلوماسية البريطانية الى الاستخبارات العسكرية البريطانية في البصرة قولها ان فرقتين عسكريتين من الحرس الثوري الايراني يقدر عدد افرادهما باربعة آلاف مقاتل, كانتا انتشرتا ليل الثلاثاء ¯ الاربعاء الفائت الذي سبق وصول السيستاني الى البصرة بساعات معدودة على الحدود الشرقية العراقية لمنطقة الجنوب, ما اثار حفيظة قيادة قوات التحالف هناك الا ان اكتشاف مؤامرة ( قتل السيد علي السستاني حال وصوله الى البصرة من قبل عناصر جندتها المخابرات الأيرانية ) أوضحت سبب ارسال هذه التعزيزات العسكرية الايرانية الكبيرة وهو التدخل المباشر في المدن الشيعية في حال نجاح المحاولة وقتل السيستاني واندلاع الثورة العامة هناك 0
وردا على هذا التحدي الايراني ، وعلى عملاء ايران واتباعها من العراقيين جاءت دعوة السيد السستاني لجماهير الشيعة في العراق في ضرورة التوجه الى النجف من أجل الدخول معه الى ضريح الامام علي ، واخراج المتحصنين فيه ، ومن أجل أن يثبت للايرانيين وغيرهم من أنه كممثل للمرجعية في العراق لا زال يملك تأثيرا على الشيعة فيه أكثر من الاخرين ، خاصة وأن المعركة قد تحولت الى معركة فرض نفوذ ، إذ كتبت صحيفة الفاينانشيال تايمز الانجليزية أمس في موضوع على صفحة انبائها العالمية ان "معركة النجف هي صراع على قيادة العالم الشيعي" ، ويبدو أن الانجليز قد خلصوا الى هذه النتيجة بناء على معلومات مخابرات دقيقة عن التحرك الايراني في العراق ، وفي المنطقة0 وإذا كان السستاني قد اثبت بدعوته الاخيرة للزحف نحو النجف الذي أزهقت فيه ارواح كثيرة من فقراء العراقيين قد ربح مما قصد اليه ، فان الحلفاء قد ربحوا كذلك بازالة عقبة كانت تعترض طريقيهم ، وهم يضعون خطواتهم الأولى لتشكيل شرق أوسط كبير ، ومن دون هدر دماء ، ودوي مدافع ، وأزيز طيران ، كما أن حكومة الدكتور اياد علاوي هي الرابح الثالث من بين الرابحين ، حيث انها تخلصت من مشكلة وقف أزاءها اعضاء من تلك الحكومة مترددين ، هيابين ، يخشون من عواقب الامور ، كما كادت المشكلة تلك أن تطيح بالحكومة كلها ، وذلك حين هدد السيد علاوي بالاستقالة منها 0
ولكن ، ومع كل ذلك ، يظل اتفاق النجف منقوصا ، ما لم يتم نزع سلاح مليشيات الصدر في كل المدن التي يتواجدون فيها ، إذ لا يضمن أحد عدم تكرارهم لمأساة النجف في مدينة عراقية أخرى ، وربما في مدن تضم مراقد الأئمة من ال البيت كالكاظمية وكربلاء مثلا 0 وإذا كان هذا الاتفاق قد عوض أهل النجف عما لحق ببيوتهم ومحلاتهم من دمار جراء معارك مقتدى وجنده ، فمن ذا الذي يعوض الأسر العراقية المنكوبة بابنائها المغرر بهم ، والذين ذهبوا فداء في معارك النيابة عن ايران التي قادها مقتدى الصدر الذي آثر لبس الجبة على لبس الكفن خلافا لما كان يزعم في كل خطبة يتلوها ؟ ماذا يقول الصدر لنساء العراق الثكلى بابنائهن الذين ذهبوا ولن يعيدوا أبدا ثم أبدا !
#سهر_العامري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟