أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - محمد كشكار - التصوّرات غير العلمية لا تزول بسهولة.















المزيد.....

التصوّرات غير العلمية لا تزول بسهولة.


محمد كشكار

الحوار المتمدن-العدد: 2954 - 2010 / 3 / 24 - 12:58
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


أنطلق من البحث الّذي أجراه بيار كليمان, الأستاذ المحاضر بجامعة كلود برنار بليون, على عيّنة تتكوّن من 98 طالبا فرنسيّا في السّنة الأولى طبّ و المنشور في أكاديمية مونتريال سنة 2002 .
السؤال المطروح في البحث: أنت عطشان جدّا. شربت لترا من الماء. بعد وقت قصير, شعرت بحاجة للتبوّل. ارسم على ورقة المسار الذي اتبعه الماء داخل جسمك من لحظة شربه إلى لحظة التبوّل.
نتج عن البحث ثلاث تصورات [ représentations ou conceptions ]:
التصوّر الأوّل: 55 في المائة من الأشخاص المستجوبين رسموا أنبوبا متواصلا من الأمعاء إلى الكيس البولي, يدخل فيه الماء من الفم و يخرج من الفتحة البوليّة و هذا خطأ علمي لأن الأنبوب الهضميّ منفصل تماما عن الأنابيب البوليّة و الأوعية الدموية هي التي تربط بينهما.
التصوّر الثاني: 6 في المائة رسموا أنبوبين منفصلين دون أيّ رابط دمويّ بينها, الأوّل يدخل فيه الماء من الفم و يخرج من الشّرج مرورا بالأمعاء و الثاني يخرج منه الماء من الفتحة البوليّة و هذا خطأ علمي أيضا.
التصور الثالث: 39 في المائة رسموا ثلاثة أنابيب مرتبطة بسهام, الأوّل يمثل الأمعاء و الثاني الأوعية الدّمويّة و الثالث الأوعية البوليّة. يدلّ الرسم على أن المستجوبين أصابوا: الماء يمر إلى كامل أعضاء الجسم عبر الأوعية الدموية.
استنتج كليمان من هذا البحث ما يلي: رغم أن الطّلبة درسوا في الابتدائي و الثانوي و العالي المضامين العلميّة اللازمة لتبنّي التصور الثالث, نلاحظ أن أكثر من نصفهم ما زال يتمثّل في ذهنه التصوّر الأوّل غير العلمي.
بحث كليمان في سبب هذه التصوّرات غير العلمية و توصّل إلى الاستنتاج التالي:
التصوّرات تنتج عن تفاعل بين ثلاثة عناصر:
العنصر الأوّل: المعارف العلميّة [ les connaissances scientifiques ]التي نشرت في المجلات المختصّة و الكتب أو الّتي تلقّاها التلميذ في المدرسة.
العنصر الثاني: مجموعة القيم [les valeurs ] التي يتبنّاها التلميذ حول هذا موضوع.
العنصر الثالث: الوسط الذي يعيش فيه التلميذ و ممارساته الشّخصيّة و الممارسات الاجتماعية السّائدة في بيئته [ les pratiques sociales].
ننتقل الآن إلى واقعنا التعليمي التونسي لنعطي بعض الأمثلة على هذه التصوّرات غير العلمية الرّاسخة في أذهان التلاميذ رغم أن المعارف العلميّة اللازمة لتصحيحها تدرّس في كل المستويات:
المثال الأوّل: ما هي أسباب حركات التنفّس عند الإنسان؟: يأتي التلميذ إلى الإعدادي و هو يعتقد جازما أن الهواء يدخل إلى الرئتين وينفخها فيرتفع الصدر. و هذا جواب غير علمي و الجواب الصّحيح هو الآتي: تتقلّص عضلات الصدر و عضلة الحجاب الحاجز و تتبعها الرئتان الملتصقتان بهما فيزيد حجم القفص الصدري فيخلق فراغ في الداخل يجذب الهواء من الخارج عن طريق الفم و الأنف. نلاحظ إذا أن دخول الهواء هو نتيجة و ليس سببا في حركات التنفّس. يدافع التلميذ على نفسه بقوله أن المعلّم لم يدرّسه المعلومة الصّحيحة و هذا مخالف للواقع لأن بعض التلامذة يحتفظون بهذا التصوّر غير العلمي رغم تصحيح الأستاذ للمعلومة و يعيدون استعماله في الثانوي و في العالي.
المثال الثاني: ماذا تتنفّس النباتات الخضراء؟: يأتي التلميذ إلى الإعدادي و هو يعتقد جازما أن النبتة تتنفّس عكس الإنسان, يعني أنّها تمتصّ ثاني أكسيد الكربون و تطرح الأكسجين و هذا جواب غير علمي و الجواب الصّحيح هو الآتي: أثناء التنفّس, الذي يقع في النهار و الليل, تأخذ النبتة الأكسجين و تطرح ثاني أكسيد الكربون. من أسباب هذا التصوّر غير العلمي عند التلميذ هو الخلط بين وظيفة التنفّس و وظيفة التركيب الضوئي اللتين تقعان في نفس الوقت في الضوء. أثناء عملية التركيب الضوئي الذي يقع في النهار فقط, تأخذ النبتة ثاني أكسيد الكربون لتصنع منه المواد العضويّة كالنشا و السكر و الدهنيّات و البروتينات ثمّ تطرح الأكسجين.
المثال الثالث: بماذا تتغذى النباتات الخضراء؟: يأتي التلميذ إلى الإعدادي و هو يعتقد جازما أن ثاني أكسيد الكربون يتكوّن من غازات سامّة و مضرّة بصحّة كلّ الكائنات الحيّة و لا يعتبره مادّة مثلها مثل الأجسام الصلبة و الساّئلة. هذا التصوّر غير العلمي يجعل من الصعب إقناع التلميذ بأن هذا الغاز هو مادّة و غذاء للنباتات الخضراء و منه تصنع شجرة الزيتون الزيت ونبتة اللفت السكري السكّر… ودونه نموت جوعا.
المثال الرّابع: هل مخ المرأة يساوي مخ الرجل؟: يتمثّل التصوّر السّائد في أن مخ الرجل أكبر في الوزن و الحجم من مخ المرأة و الخطير هو ما ينجرّ عن هذا التصور من قيم تحقّر من شأن المرأة و ترفع من شأن الرجل رغم أن المعلومة الصّحيحة ) يختلف وزن المخ و حجمه حسب وزن الجسم رجلا كان أم امرأة( تدرّس في برنامج الباكلوريا. أضف إلى ذلك أن الذكاء البشري لا يقاس بحجم أو وزن المخ بل يقاس بما يقيمه الإنسان بيولوجيا من وصلات عصبية بين الخلايا المخية نتيجة التفاعل المستمر بين الجينات الموروثة و المكتسبات من التعليم و المجتمع.
المثال الخامس: من يصنع الصفات البشرية, الو راثي أو المكتسب؟: جلّ الناس يعتقدون أن العامل الو راثي هو المحدّد في تكوين الجسم بيولوجيا و فكريّا و يهملون في أغلب الأوقات دور المكتسب أو يقلّلون من شانه مع العلم أنه يستحيل الفصل بين الاثنين لأن تفاعلهما الدائم ينبثق منه البشر بصفاته البدنية و الذهنية.
خلاصة القول: التصوّرات غير العلمية راسخة في ذهن التلميذ والأستاذ و غيرهم و هي تمثّل منظومة فكريّة متماسكة أثبتت نجاعتها عبر السنين فلا نستطيع تغييرها بإقصاء التصورات القبلية للتلميذ. يأتي التلميذ إلى القسم حاملا أفكارا و قيما ناتجة عن تفاعله مع محيطه المادّي و البشريّ, فهو يتأثر بما يسمع في وسائل الأعلام و ما يقرأ وهو كذلك يؤثر في أقرانه. نستنتج إذا أن التلميذ ليس صفحة بيضاء نكتب فيها ما نشاء أو إناء فارغا نملؤه بما نريد بل هو شخصيّة متكاملة و قابلة للتطوّر و قادرة على صنع معرفتها بنفسها كما يقول الابستمولوق بياجي.
يتحتّم علينا أن لا نهمل تصوّرات التلميذ في كلّ عمليّة تربويّة لكي لا نكون مثل الذي يبني على أساس هشّ.
أعرض عليكم وجهة نظر للتعامل مع هذه التصوّرات غير العلمية حسب طريقة تربويّة تعلّميّة: قبل دراسة أي موضوع, نجمع تصوّرات التلاميذ حول هذا الموضوع و نحلّلها و نستخرج منها العوائق التي تحول دون تملّك المعرفة و نجعل من أهداف الدرس تجاوز هذه العوائق مع العلم أن تصحيح المعلومة وحده لا يكفي لتغيير المفاهيم عند التلميذ و إذا اعتقدنا خطأ أننا تجاوزناها فقد تظهر من جديد لأنها لا تنهزم بسهولة.أدعوكم إلى التّمعّن في هذا التعبير المجازي و المعبّر للأستاذ جونّآر ‘’عوائق التعلّم كجبل الثلج’’ , ما خفي منها كان أعظم لأن الأخطاء المعلنة الّتي تنبع من الذاكرة قصيرة المدى والّتي تبدو لنا بسيطة قد تلهينا عن معالجة المنظومة الفكريّة العميقة المخبأة بحرص في الذاكرة طويلة المدى و هي الّتي ترتكز عليها تصوّرات التلميذ و نحن جميعا, مدرسين و أولياء و أقران و وسائل إعلام, شاركنا في نحتها في مخه.
أختم دائما مقالاتي بطرح الإشكالية التالية: هل نستطيع تغيير التصوّرات غير العلميّة عند التلميذ في المدرسة فقط بمعزل عن المجتمع ؟
في النهاية أنا لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بتواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى.
و على كل مقال سيئ نرد بمقال جيد لا بالعنف, لا اللفظي و لا المادي.



#محمد_كشكار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حذار من مرض السكر(Diabète) .
- -جمنة- الخمسينات تعطي درسا في التربية الحديثة: التربية البنا ...
- التربية الصحية بين المطلوب و الممكن.
- خواطر في التعليم بلغة لو...
- هل يوجد لدى الطفل مستويان من النموّ الذهنيّ ؟
- يبدو أنّ مهنة الأستاذ المباشر في القسم في طريق الانقراض !
- -جمنة- الستينات تعطي درسا في الطب النفسي الحديث: -الساسي بن ...
- جمنة- الستينات تعطي درسا في التنمية المستديمة: النظام الغذائ ...
- نساء مناضلات في -جمنة- الستينات
- إرهابنا و إرهابهم؟
- ماذا جنيت بعد ثلاث عشرة سنة تعليم عالي؟
- نقد بسيط للديمقراطية الغربية
- وجهة نظر في الجانب الدنيويّ من خطبة الجمعة
- و شهد شاهد من أهلها.
- تجربة اليابان مع الاحتلال الأمريكي.
- القائد المهيب صدام حسين.
- العلم و الدين. المواطن العالمي
- الجيوش العربيّة الرسميّة: من تقاتل’ أين تقاتل و لماذا تقاتل؟
- وجهة نظر: تعريف العلمانيين.
- هل المقاومة المسلّحة هي السبيل -الوحيد- لتحرير الأرض و الموا ...


المزيد.....




- بالأسماء.. 48 دول توقع على بيان إدانة هجوم إيران على إسرائيل ...
- عم بايدن وأكلة لحوم البشر.. تصريح للرئيس الأمريكي يثير تفاعل ...
- افتتاح مخبأ موسوليني من زمن الحرب الثانية أمام الجمهور في رو ...
- حاولت الاحتيال على بنك.. برازيلية تصطحب عمها المتوفى إلى مصر ...
- قمة الاتحاد الأوروبي: قادة التكتل يتوعدون طهران بمزيد من الع ...
- الحرب في غزة| قصف مستمر على القطاع وانسحاب من النصيرات وتصعي ...
- قبل أيام فقط كانت الأجواء صيفية... والآن عادت الثلوج لتغطي أ ...
- النزاع بين إيران وإسرائيل - من الذي يمكنه أن يؤثر على موقف ط ...
- وزير الخارجية الإسرائيلي يشيد بقرار الاتحاد الأوروبي فرض عقو ...
- فيضانات روسيا تغمر المزيد من الأراضي والمنازل (فيديو)


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - محمد كشكار - التصوّرات غير العلمية لا تزول بسهولة.