محمد كشكار
الحوار المتمدن-العدد: 2928 - 2010 / 2 / 26 - 08:49
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يشترط على الطالب في البحوث العلمية الأكاديمية أن يبدأ بتحديد المفاهيم التي سيشتغل عليها. أنا لا أدعي أن هذا المقال يندرج في إطار البحث العلمي الأكاديمي, إنما هي مجرد خواطر دون سند نظري قوي فهي إذا قابلة للدحض و التفنيد و ترحب بالتصويب و التعديل مهما كان مأتاه.
العلمانيون بفتح العين لا بكسرها كما ينطقها الكثيرون. لا ينتسب هذا المفهوم للإيمان بالعلم فقط كما يعتقد أكثر الناس بما فيهم العلمانيون أنفسهم و لا ينتسب بالضرورة إلى نكران الدين أو تجاهله أو مواجهته بأي شكل من الأشكال كما يرى أكثر المتدينين. يدعو هذا المفهوم, غير المفهوم من المتدينين و من غير المؤمنين أيضا إلى التفكير في مشاكل هذا العالم و من هنا أتت تسميتهم بالعلمانيين بفتح العين أو العالميين نسبة لهذا العالم الذي يسع المؤمنين و هم كثر و غير المؤمنين و هم أكثر. يحاول العلمانيون المؤمنون, حسب تعبير أركون, و غير المؤمنين إيجاد حلول لإشكاليات هذا العالم البسيطة أو المعقدة بمشاركة كل الناس, المتدينون الموحدون و المتدينون غير الموحدين و البشر غير المعترفين بالدين. يهدف العلمانيون بكل توجهاتهم إلى إقامة جنة فوق الأرض بغض النظر عن الإيمان بوجودها في الآخرة أو الإيمان بعدم وجودها.
قد يبدو للبعض, و للوهلة الأولى, أن هذا الهدف طوباوي و أن طارحه يسبح في ملكوت الأحلام. يكفي أن ننظر إلى ثروات العالم من نفط و غاز و ذهب و هي كلها لنا نحن العلمانيون العالميون المسالمون, مؤمنون و غير مؤمنين, أصحاب هذا العالم لكن افتكتها منا بقوة السلاح الأنظمة الرأسمالية الاستعمارية الخارجية و الداخلية. لا يوجد نفط سعودي أو غاز روسي أو ذهب أمريكي, كلها موارد أحفورية طبيعية ترسبت على مر العصور منذ آلاف أو ملايين السنين و لا استحقاق عليها لأمريكي أو سعودي أو روسي. شنت الإدارة الأمريكية منذ تأسيسها منذ 500 سنة 200 حرب على دول العالم المستقلة. تخيل و احلم معي و لو للحظة صديقي العلماني المؤمن بالله و العلماني غير المؤمن بالحتمية و لا بالغيبيات: لو صرفت عائدات ثروات العالم على بناء جنة فوق الأرض عوض تبذيرها في الحروب الأمريكية على الأعداء الوهميين مثل العالم الشيوعي سابقا و العالم الإسلامي اليوم. تكفي ميزانية وزارة الهجوم الأمريكية "البنتاغون" وحدها لصنع جنة مستديمة لكل العالم المؤمن و غير المؤمن. هل تعرف أن ثمن طائرة حربية واحدة من نوع ف16 يكفي لبناء و تجهيز 100 مدرسة ابتدائية؟
لماذا يتخاصم المسلم و العلماني في العالم العربي و الإسلامي ؟ يبدو لي أن العوامل المجمعة بينهم أكثر بكثير من العوامل المفرقة. لماذا ينكر المسلم على العلماني غير المؤمن عدم إيمانه و هو المسلّم بأن "لا إكراه في الدين"؟ لماذا يقصي العلماني غير المؤمن المسلم و هو العالم بأحقية البشر كل البشر في صنع مصيرهم بأنفسهم دون تمييز على أساس عرقي أو ديني أو جنسي أو لوني أو بدني ؟
لماذا العتاب و الخصام بين العلماني العربي و المسلم العربي و هم يعانون من نفس المشاكل البدائية؟ تتجسم مطالبهم المشتركة في أكل نظيف و لباس خفيف و دواء رخيص و طريق معبد و لسان غير خشبي و صحافة حرة و تداول على السلطة و انتخابات نزيهة و تعليم ناجع و أجور محترمة و نقابة حرة!
لماذا تصالح العلماني الغربي مع أخيه المسيحي و صنعوا دولا متقدمة حتى و لو كانت ظالمة في بعض الأحيان؟ لماذا تصالح العلماني الآسيوي مع أخيه البوذي أو المسلم و صنعوا كوريا الجنوبية و هونق كونق و سنغافورة و تايوان و الصين و الهند و ماليزيا و أندونيسيا؟ لماذا يرأس الهند البوذية مسلم و يرأس مجلس وزرائها سيخي و الاثنان من الأقليات؟ لماذا تصالح العلماني الصهيوني مع الصهيوني المتدين و نجحوا في الشر و سرقوا حقوق الفلسطينيين كل الفلسطينيين بعلمانييهم و مسلميهم و مسيحييهم؟ هل التدين المتشدد منع "بوش" من احتلال العراق و أفغانستان؟ هل العلمانية و الإلحاد منعوا "ستالين" من إقامة المعتقلات للشعب السوفياتي و إبادته بالملايين؟ هل إسلام أحمد زويل منعه من الحصول على جائزة نوبل في الكيمياء؟ هل عدم إيمانه بالله منع عمدة لندن السابق من استقبال القرضاوي و رفض استقبال بوش؟ هل علمانية تركيا منعت حزب العدالة و التنمية الإسلامي من الوصول إلى السلطة؟ و هل منع هذا الحزب العلمانية عندما وصل إلى السلطة؟ هل منع إسلام المأمون ترجمة الفلسفة اليونانية؟ هل يدرّس الإلحاد في الثانوي و الجامعات مثل ما يلقن الدين من الروضة إلى الباكلوريا؟
خلاصة القول: أنا أرى, من وجهة نظر حقا متواضعة تستند إلى اجتهاد نظري شخصي, أن الصراع بين العلمانيين و المتدينين هو هدر لطاقاتنا المتواضعة و مضيعة للوقت. لو صدق العلمانيون و آمنوا بعلمانيتهم لتركوا المؤمنين يؤمنون كما يشاؤون و لو صدق المؤمنون في بلادنا و عملوا بالقيم النبيلة في دينهم لصلح أمرنا منذ زمان. يبدو لي, انطلاقا من مقاربة فلسفية و ليست فقهية, أن اقرب الأديان للعلمانية هو الدين الإسلامي لأن هذا الأخير يرقى بالعلاقة بين الإنسان و ربه إلى التجريد الكامل, علاقة عمودية لا وساطة و لا وصاية فيها لأي بشر على بشر مهما كان تدين الأول و مهما كان عدم إيمان الثاني. أذكر هنا واقعة من التاريخ الإسلامي قد تأيد وجهة نظري: في حفل تنصيبه كخليفة أول للمسلمين قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه بما معناه و ليس حرفيا: "محمد كان له ملاك يهديه أما أنا فلي شيطان يغويني, فإن أصبت فأعينوني و إن أخطأت فأصلحوني". إن كان لأبي بكر, رغم تقواه, شيطان واحد يغويه و طلب المشورة و النصيحة فما بالك بسائر المتدينين و ما أكثر شياطينهم.
أعتذر مسبقا عن كل خطا أو سهو وقعت فيه عن حسن نية فأنا لا أهدف إلى فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى و على كل مقال, مهما بدا لكم سيئا, أرجو أن تردوا بمقال جيد لا بالعنف, لا اللفظي و لا المادي.
#محمد_كشكار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟