أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد كشكار - ماذا جنيت بعد ثلاث عشرة سنة تعليم عالي؟















المزيد.....

ماذا جنيت بعد ثلاث عشرة سنة تعليم عالي؟


محمد كشكار

الحوار المتمدن-العدد: 2939 - 2010 / 3 / 9 - 20:36
المحور: سيرة ذاتية
    


تخرّجت و أنا عمري 22 عاما أستاذا مساعدا في الثانوي اختصاص علوم الحياة و الأرض بعد دراسة جامعية في مدرسة عليا دامت سنتين فقط دون باكلوريا. عدت إلى الدراسة للمرة الأولى في سن 27 و أنا مدرس إعدادي, أعددت نفسي بمساعدة زملائي للترشح الحر لاجتياز الباكلوريا العلمية الجزائرية و تحصلت عليها بملاحظة متوسط. عدت إلى الدراسة للمرة الثانية و أنا في سن 30 و درست الفلسفة الإغريقية سنة واحدة بالمراسلة في جامعة "رانس" بفرنسا و لم أواصل لأسباب مادية. عدت إلى الدراسة للمرة الثالثة و أنا في سن 38 و أكملت الإجازة خلال ثلاث سنوات بملاحظة حسن. عدت إلى الدراسة للمرة الرابعة و أنا في سن 46 و بعد عامين بحث علمي تحصلت على "دبلوم الدراسات المعمقة" في تعلميه البيولوجيا بملاحظة حسن جدا. أمضيت عامين في التردد و الشعور بالإحباط و الإحساس بالفشل و اختيار الموضوع. عدت إلى الدراسة للمرة الخامسة و أنا في سن 50 و بعد خمس سنوات بحث تحصلت على الدكتورا بملاحظة مشرف جدا مع الشكر الشفوي للجنة, دكتورا ثنائية من جامعة تونس و جامعة كلود برنار بليون 1 بفرنسا و أنا في عمر 55 سنة. مسيرة دراسية خاصة متعثرة و بطيئة لا تحتذى!
رغم طول مدة الدراسة و تعثرها لأسباب خارجة عن قدراتي الذهنية لم أشعر يوما بالملل أو القلق بل العكس كانت أيام سعادة و مرح و متعة فكرية. وددت لو طالت الدراسة إلى آخر العمر لأن كل متع الحياة الدنيا - لو كان فيها متع في متناول الفقراء ما عدى المتعة السامة التدخين – لا تساوي "جناح بعوضة" جنب المتعة الفكرية.
لم اجني من كل هذا الجهد إلا عمل بسيط أقتات منه متنقلا في الجمهورية التونسية من مدينة مغمورة إلى أخرى و لست نادما لأن ما حققته هو إرضاء لنفس طموحة لا طمّاعة.
جنيت علما واسعا و متشعبا و معقدا و اكتسبت تواضعا فكريا حقيقيا و اكتشفت أن كل ما اطلع الإنسان أكثر عرف أن ما يجهله أكبر.
أقدم لكم في الفقرة الموالية’ ما جنيته و هو يتمثل في بعض أدوات التحليل و التفكير التي بقيت من سنوات الجهاد العلمي:
- مفهوم "التفاعل" (Interaction ): هذا مفهوم عجيب يحل كل المسائل الملتبسة في النقاش الفكري و يجيب على كل الإشكاليات بمنطق مشاركة كل الأطراف في الفعل و رد الفعل. مثلا: ما هي أسباب تخلف العالم العربي؟ هل هي خارجية (مفهوم المؤامرة) أم داخلية؟ هل هي دينية أم علمانية؟ هل هي معاصرة أم تاريخية؟ هل هي نتيجة الاستبداد أم الفساد؟ كل هذه الأسباب تفاعلت فيما بينها و حملتنا أربعة عشر قرنا و أنجبتنا مولودا مشوها يدرس في كليات الطب و لا يحتذى.
- مفهوم "الانبثاق" (Emergence): الانبثاق يأتي بعد التفاعل بين عناصر الشيء فتبدو النتيجة تظهر شيئا فشيئا فهي إذا ليست حتمية و ليست معروفة مسبقا. مثلا: إذا انتقدت التعليم في تونس, يطالبك محاورك بنبرة المتحدي بالبديل, و من أين لي أنا المواطن العادي بالبديل؟ البديل ليس شيء توجد وصفته الجاهزة سلفا بشكل كامل في جيب الوزير و الذي يحتاج فقط إلى وضعها موضع التنفيذ بنشاط. البديل بناء ينبثق منك و مني و من آلاف الأساتذة و التلامذة و المختصين في علوم التربية و التعليم.
- مفهوم "ما بعد أو ما فوق الوراثي المخي " (Epigenèse cérébrale): هذا المفهوم يجسم تطبيقيا المفهومين السابقين: يتفاعل الموروث والمكتسب داخل خلايا المخ البشري فينبثق منهما الذكاء. فالذكاء إذا 100 % موروث بيولوجي و 100 % مكتسب حضاري. الإنسان لا يولد ذكيا أو غبيا (إلا في بعض الحالات المرضية). قد يصبح الإنسان ذكيا لو توفر له المحيط المناسب و لو كد و اجتهد.
- مفهوم "التعقيد" (Complexité): قد يتبادر إلى ذهن جل المدرسين, ابتدائي و ثانوي, أن تبسيط المعارف بجميع أنواعها قد يساعد التلميذ على تقبلها بسهولة. لكن يبدو أن مربينا نسوا أو تناسوا أن تبسيط المفاهيم العلمية قد يجر التلميذ إلى الخطأ و هذا الخطأ قد يرسخ في ذهن التلميذ و يصعب علينا إصلاحه لأن التصوّرات غير العلمية لا تتغير بسهولة.
- مفهوم "المقاربة الشاملة" (Approche systémique): هي مقاربة تركز على التفاعلات بين كل العناصر و تعتمد على الإدراك الشامل للمشكلة أو القضية فنتناولها من جميع جوانبها دون إهمال لأي جانب منها مهما بدا ضعيفا. تتعامل "المقاربة الشاملة" مع مجموعات من المتغيرات في نفس الوقت. هي مقاربة ناجعة في التعليم الحديث تعتمد بيداغوجيا المشروع أو تعّلمات المواد المشتركة: يبحث التلميذ على حل إشكالية علمية تتطلب معارف من مادة علوم الحياة و الأرض و مادة الفيزياء. يحضر التلميذ في المخبر لإتمام مشروعه بنفسه تحت إشراف أستاذ العلوم و أستاذ الفيزياء في نفس القاعة. يطبق هذا المشروع بنجاح في التعليم الثانوي بفرنسا لأن الدولة وفرت له التجهيزات الضرورية أما في تونس فنحاول تطبيقه بصعوبة كبيرة في الإعدادي لسببين اثنين, أولا عدم توفير الفضاء اللازم و عدم اقتناع الأساتذة بجدواه لنقص في تكوينهم.
- مفهوم "تداول النماذج التعلمية بيسر" (Jongler avec les modèles d’apprentissage): يغرق الأستاذ في كثرة النماذج و الطرق التربوية و يحاول تطبيق أفضلها. نذكر من بين هذه النماذج, المدرسة البنائية لـ"ـبياجي" و المدرسة البنائية الاجتماعية لـ"فڤوتسكي" و المدرسة السلوكية لـ"سكينر" و التلقين و التقليد و المحاضرة و غيرها. لا يمكن علميا التفضيل بينها لأن كل واحد منها يصلح في وضعية لا يصلح فيها الآخر, مثلا: المحاضرة المباشرة تبلغ المعلومة عندما يكون مستوى الباث و المتلقي متقارب مثل المتفقد و الأستاذ. يكتسب المتدرب الجديد لدى الحداد أو النجار أو الميكانيكي مهارته بالتقليد. يحفظ الصغير القرآن في الكتاب بالتلقين. يتعلم التلميذ في الابتدائي بالمكافأة و العقوبة. يرتقي المتلقي إلى مستوى ذهني أعلى عندما يبني معارفه بمشاركة أستاذه و أقرانه. يتملك التلميذ معارفه عندما يراجعها وحده في المنزل.
- مفهوم "نفي الحتمية البيولوجية" [ Antidéterminisme biologique ]: تنفي نظرية "الحتمية البيولوجية " [ Déterminisme biologique ] تأثير المحيط و تقلّل من دور المكتسب عبر التجارب الحياتية و التعليم. تؤمن نظرية "الحتمية" بتأثير الموروث فقط و تهمل التفاعل الذي يحصل بين المكتسب و الموروث. ترفع "الحتمية البيولوجية " من شأن "الموهبة" و تحط من العزيمة. نعرف أن الاستعدادات البيولوجية الموروثة عند البشر ليست متساوية لكن نعرف أيضا أن العمل و الاجتهاد و المثابرة تصنع ما يسمّيه عامة الناس "الموهبة" و هي القدرات الذهنية العالية عند بعض الناس كأن نقول مثلا أن هذا التلميذ "موهوب" في الرياضيات, ماذا يعني "موهوب"؟ هل ولد و هو قادر على حل المسائل الرياضية المعقدة! طبعا لا, إذا أصبح قادرا و لم يولد قادرا, اكتسب القدرة الرياضية أثناء تعليمه و لم يرثها عن والديه. لو ولد عالم الرياضيات و الفيزياء المشهور "انشتاين" في الصحراء مثلا و عاش مع الرعاة و لم يدخل المدرسة لأصبح في أحسن الحالات راعيا ماهرا للجمال و الماعز لكنه و لحسن حظه ولد في ألمانيا و تعلم في جنيف و بنا علمه بمساعدة فريق من العلماء في أمريكا فأصبح موهوبا و لم يولد موهوبا.
خلاصة القول: أحث بكل حب و لطف الشباب على مواصلة تعليمهم العالي في المرحلة الثالثة مبكرا حتى يبقى في العمر متسع للبحث و البناء العلمي و لا أقول الاكتشاف لأن العلم ليس جزيرة مهجورة نكتشفها صدفة. العلم كد و جهد و بحث نبنيه لبنة لبنة بمساعدة الآخرين و فوق أساس متين من الموروث الحضاري و ليس الموروث البيولوجي. لم يتغير المخ البشري بيولوجيا منذ عهد الفراعنة أو أبعد لكن القدرات الذهنية عند الإنسان قفزت قفزة عملاقة.
أمضي مقالي كالعادة بجملتين مفيدتين: "أنا أكتب - لا لإقناعكم بالبراهين أو الوقائع - بل بكل تواضع لأعرض عليكم وجهة نظر أخرى" و "على كل مقال سيّئ نردّ بمقال جيّد لا بالعنف, لا اللفظي و لا المادي"



#محمد_كشكار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقد بسيط للديمقراطية الغربية
- وجهة نظر في الجانب الدنيويّ من خطبة الجمعة
- و شهد شاهد من أهلها.
- تجربة اليابان مع الاحتلال الأمريكي.
- القائد المهيب صدام حسين.
- العلم و الدين. المواطن العالمي
- الجيوش العربيّة الرسميّة: من تقاتل’ أين تقاتل و لماذا تقاتل؟
- وجهة نظر: تعريف العلمانيين.
- هل المقاومة المسلّحة هي السبيل -الوحيد- لتحرير الأرض و الموا ...
- هل الإيمان بالله وراثيّ أم مكتسب ؟
- مخ المرأة ليس أقلّ من مخ الرجل و ليس مماثلا له


المزيد.....




- ولاية أمريكية تسمح للمعلمين بحمل الأسلحة
- الملك السعودي يغادر المستشفى
- بعد فتح تحقيق ضد زوجته.. رئيس وزراء إسبانيا يفكر في تقديم اس ...
- بعد هدف يامين جمال الملغى في مرمى الريال.. برشلونة يلجأ إلى ...
- النظر إلى وجهك أثناء مكالمات الفيديو يؤدي إلى الإرهاق العقلي ...
- غالانت: قتلنا نصف قادة حزب الله والنصف الآخر مختبئ
- بايدن يوقع قانون مساعدات كبيرة لأوكرانيا والمساعدات تبدأ بال ...
- موقع أمريكي ينشر تقريرا عن اجتماع لكبار المسؤولين الإسرائيلي ...
- واشنطن.. التربح على حساب أمن العالم
- السفارة الروسية لدى سويسرا: موسكو لن تفاوض برن بشأن أصول روس ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد كشكار - ماذا جنيت بعد ثلاث عشرة سنة تعليم عالي؟