أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - ابراهيم البهرزي - ما مروا عليَّ...(عصرية العيد )















المزيد.....

ما مروا عليَّ...(عصرية العيد )


ابراهيم البهرزي

الحوار المتمدن-العدد: 2842 - 2009 / 11 / 28 - 19:12
المحور: سيرة ذاتية
    



أتذكر اقل قليلا من مئة عيد...
وان كان بعضها في عداد الأطياف ...إلا إنها (أعيادنا )....أعيادنا –بالجمع المؤكد الناعم!- ..لأننا كنا لا نشتري العيد إلا والرفقة معه .. لا نشتريه حتى ب (فلسين )...عجيب !!...أعيدٌ وأنت وحيد ؟!

واظنه ما كان ليدعى (عيدا ) إلا لأنه (يعود) عليك بباقةٍ من رفقةٍ هنيةٍ ..تعلكُ الزمان و(تمطّقه ) ...نفّاخة كفرقعة في الهباء...
ثم حين تعلمنا ان للديار اسما هو (الوطن )...قلنا إذن ليس الوطن إلا هذا العيد الذي هو مجمع للضحك وللرفقة تصهل دون معاتبٍ من أول الديار لآخر الديار....فمن يكسر فرحة عيدك بالملامة والعتاب ؟
وكبرنا قليلا فتابلست أعيادنا ... فثمة ماءٌ دافيءٌ صار يدلّنا على شواطيء البنات...واكتشاف البنات هو اكتشاف الحياة كلّها ....لان هناك عطرا غريبا غير الذي ازكم تكراره انفك في البيت والمدرسة ...هذا العطر الذي يؤجج وجنتيك بالبلاهة !... لأنك تكتشف لأول مرة أن الحمى ليست مرضا ..وإنهم كانوا حين كانوا يقتادوك الى الطبيب ليلسع إليتك بإبرة لآجل الشفاء من المرض ...فإنهم كانوا يضحكون عليك يا أبله !!.....لأنهم يستحون أن يقولوا إن أنثى ما قد لامستك !!...يا لخبث اللؤماء !...

ظلّ العيد لعهدٍ طويلٍ عطر امرأة ...وطلّت الأنثى لما بعد الآن من أعراض الحمّى ...ما أشفى حمّاك يا ابنة المعاون ...
ذهبن كأسراب القطا لأعياد غيري ...لاثني لا أُطاقُ من فرط الحب !!


في الأعياد القديمة كانت كل الأشياء تبدو جديدة ..
الثياب اللواتي اعمين عيون أمهاتنا من تكرار الريافة ..
والأقارب الذين تسقط عن عيونهم حمرة التأنيب ...
والأب الذي لا يوقظك بالعصا صباحا لأجل الطواف حول البساتين (لماذا ...والأشجار يانعة والبرتقال دامع النضوج ...والندى اشد على العشب رطوبة من ماء النهر الساخر ...لماذا ينبغي أن نبكّر لهذا الطواف الأخضر يوميا ؟؟....لا ادري .....ولكنني عرقت فيما بعد أن ذاك كان لأجل احتمال صيهود السنين المقبلة )

وفي الأعياد كانت الصحبة تنعقد كعناقيد العنب ...فمن ملاهي البراءة كان يأتيك من سيغدو حكيمك ذات يوم ...وقد تغدو حكمته سخرية الزمان كله فيما بعد !!...
وفي الأعياد . في تلك الأعياد نقسها ...ستتعلم الفساد الجميل كلّه..
( كانت أصبوحة عيد , حين اقترح ( خالد ) معلّّمه في لعبة الشعر , ونصّار , الرسام الرقيق (الهولندي الآن !)..أن يذهبوا إلى مضارب الغجر ..وكانوا يحطّون في ضواحي القرى ايامذاك ...والقصة مضحكة لا تروى ...لان ابسط ما فيها هو صراخ شاعره المعلم وهو يعارك (شيخ الغجر ):
-(خمستي ...) أريد (خمستي ..)!
ولم تكن خمسة هذا الشاعر الخجول إلا (خمسة الدنانير ) التي هي كل ما يملك ..والتي استلّتها غجرية لعوب من جيبه أبان مراسم تناوله الأول ..
أما الرسام فقد أفضى له في طريق الإياب بسرٍّ:
-أريد أن أعود ...لقد نسيت سراويلي الداخلية هناك !
أما هو
فقد فقدَ صوم لذّته الورع ...

في أعياد متتالية , وبعد أن استطاب دروب الفساد الجميل , كان الكأس بحليبه الأبيض سيدة المرضعات في أزمانٍ تواتر فيها العطش صياما أِثر صيامٍ....بل عيداً أِثر عيد...
زمان الكؤوس الطافحة تحت مناهد الرمان كانت تمدّ أيام الأعياد طويلا كسجّادات الخضرة في مدارس القمح ..
لقد كانت تعلّمنا الخبز الذي ينبغي أن نقدّس :
...الثقافة والعصبيّة والجدل والخصومة والانتماء والانشقاق ..

في تلك الأعياد كان مبتدأ السُكْر الإيديولوجي..
(جاء ستار من غبش الغيب ...قال :
-(أبو لينا ) ينتظرنا ...كل شيء متوفر وكريم ..)
كان عيدا ...وكنت اُدعى لأنني كنت اغني (يقال انه كان لي صوتا جميلا..)
كنت وبتأثير نصار الذي بتأثير أخوة له فنانين وشعراء ومثقفين ..قد (استهلكت ) شرائط كاسيت (محمد عبد الوهاب )...فما ادعى إلا لأجل :
(جفنه علّم الغزل...)
ولا أعود إلا ب:
(يا وابور الّي رايح على فين ...)
-على (كبور ) الخلّفوك !!
وهذا آخر ما اسمعه من عمّي (الشيوعي ) الذي ابتلى بي ...

منذ أكثر من ربع قرن من مواسم الأعياد ..بدأت عيون العمى تنظر بي...
زحافا إلى المنافي صار ربعي وندماني يهجّون ...
أو إلى بطون حيتان الحروب الحمقاء ..
ثم الى طاعون الهروب الطائفي ..
أو إلى مقابر الدكتاتور النهمة ...
والى المرض أخيرا ..
(فهو عمرٌ حمارٌ ولابد عليه دفع ضريبة الحمولة الشاقة )

للذكرى فقط ..فان آخر صديق كان يداوم على زيارتي (عصرية العيد ) كان -احمد المصطاف – عامل الكهرباء الذي اذكر انه في شتاء 1979 زارني حيث (مهربي ) ببغداد وقد أجهش ساعتها باكيا :
- أتقبل أن يخلع لباسي (صلاح أبو الأمن )؟
- -................
- ليس هذا فقط ما يؤلمني ...ولكن لماذا لم تخرج (الجماهير ) بمظاهرة بعد اعتقالي ؟؟

احمد المصطاف هذا عامل الكهرباء النقي ..وبعد أن زارني أول أيام العيد الماضي (عصرية العيد )
تلقيت من ابنه اتصالا في اليوم الثاني بان أباه في المستشفى الآن ..
وحين زرته ...ألفيته مشلول النصف :
-لقد أصيب بجلطة دماغية ...

ليس واجبا عليه أن يزورني الآن في (عصرية العيد )..

لم يعد العيد مهما لا بصبحياته ولا بعصرياته ...فانا أصلاً لا امتلك بهجة الزيارة لا زائرا ولا مُزاراً...
ولكن ما يؤلمني إنني كنت اشعر شعورا خفيا في سالف الأعياد ...شعورا شاعريا يتطوّح مع الأراجيح ودواليب الهواء ...في قهقهات الطفولة وبكاء الدائرات حول المقابر بالبخور.. وفي كرنفال الملابس الفاقع ...وفي تهاني المتوكئين على أسوار الأمل ...
فكنت استعيد ذاكرتي المرحة :
لم تزل البلاد هي العيد ....ولم تزل رغم شيخوختها تزورني (عصرية العيد )!..

ولكن البلاد التي أحب ما زارتني عصرية هذا العيد ...
ألانني صرت من وجعٍ أنامُ قبل صوت السهارى ؟


ما عدت أتذكرُ إلا اقل من مجرد عيدٍ واحد...



#ابراهيم_البهرزي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين المحبة والعنصرية ...شَعرة
- هل هذه هي حقوق سكان العراق الأصليين؟
- مؤسسة (المدى ) ومؤسسة (البرلمان العراقي) في الميزان
- لنْ أُبْقي شيئاً للحُور العِينْ...
- قصائدٌ بين الضحك والبكاء
- صورة الملك فيصل الأول في ساحة الصالحية
- قصائدٌ اضاعت اسماءها
- ما أطيب العيش لو كنا ولدنا منغوليين جميعا !!
- ولكن الدوائر المتعددة اخطر من القائمة المغلقة...
- الهويدربهرز...الفة المواجع والمسرات
- كلاب بافلوف ..وقصائد أخرى
- حين أكونُ حماراً ..وقصائد أخرى
- أنيس وبدر ...وقوانين الانتخابات
- تشييع دون كيشوت ..وقصائد أخرى
- صوتُ الفكرة ....وقصائد أخرى
- المعنى اليتيم ..وقصائد أخرى
- لأيلولَ هذا النهارُ الكسيفْ
- ملحق ديمقراطي للعراقيين(مقيمين ومغتربين )
- (البغدادية ) وبشتآشان....الحقيقة والتوقيت
- عظات ونكات قبل مزاد الانتخابات-2


المزيد.....




- مدير الاستخبارات الأمريكية يحذر: أوكرانيا قد تضطر إلى الاستس ...
- -حماس-: الولايات المتحدة تؤكد باستخدام -الفيتو- وقوفها ضد شع ...
- دراسة ضخمة: جينات القوة قد تحمي من الأمراض والموت المبكر
- جمعية مغربية تصدر بيانا غاضبا عن -جريمة شنيعة ارتكبت بحق حما ...
- حماس: الجانب الأمريكي منحاز لإسرائيل وغير جاد في الضغط على ن ...
- بوليانسكي: الولايات المتحدة بدت مثيرة للشفقة خلال تبريرها اس ...
- تونس.. رفض الإفراج عن قيادية بـ-الحزب الدستوري الحر- (صورة) ...
- روسيا ضمن المراكز الثلاثة الأولى عالميا في احتياطي الليثيوم ...
- كاسبرسكي تطور برنامج -المناعة السبرانية-
- بايدن: دافعنا عن إسرائيل وأحبطنا الهجوم الإيراني


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - ابراهيم البهرزي - ما مروا عليَّ...(عصرية العيد )