الوقائع العراقية ليست وقائع


صوت الانتفاضة
الحوار المتمدن - العدد: 8546 - 2025 / 12 / 4 - 16:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

"ان الرياضيات علم لا يدري المرء فيه مطلقا عما يتكلم أو إذا كان ما يقوله حقا"... برتراند رسل.

هكذا تبدو صورة المشهد في العراق، صارت السياسة هنا مثل رياضيات رسل، لا تدري عما تتكلم او كيف تحلل وضعا يكاد يكون سرياليا، تعقيداته مستمرة، أوراقه غامضة، واقعه ملتبس ومشوش.

جريدة الوقائع هي الجريدة الرسمية للبلد، تصدر عن وزارة العدل، تنشر فيها كل القوانين والتشريعات، وهي قاطعة وباتة، أي قرار أو قانون ينشر فيها يعني انه اكتسب الدرجة القطعية، أي انه صار ملزما، ومعنى ذلك ان القوانين والقرارات تأخذ دورة كاملة من المناقشات ومن ثم ترسل الى وزارة العدل لتنشر في جريدة الوقائع، ودائما يذيل القانون بجملة "سيكون نافذا عند نشره في جريدة الوقائع".

اليوم، نشرت جريدة الوقائع قانونا اثار الكثير من الجدل واللغط، قانون ادراج "حزب الله اللبناني وجماعة الحوثي" على لائحة الإرهاب، ومعروف ان قوى الإسلام السياسي هي داعم أساس لهذه الجماعات، وتعتبر مجرد الحديث عنها إساءة للدولة في العراق، هي خط احمر عند السلطة، وخصوصا لدى الميليشيات. بعد ساعة أو أكثر من نشر الخبر في الوقائع، سارعت هذه الجريدة بنشر خبر انها بصدد تنقيح ما نشر، وحذف "حزب الله والحوثي" من لائحة الإرهاب التي أصدرتها.

العدد 4850 من جريدة الوقائع هو الذي حمل قانون تجميد الأموال لهذه الجماعات ذي الرقم 61 لسنة 2025، وكان هذا العدد قد شمل 24 كيانا إرهابيا حسب الجريدة، ضمنها القاعدة وداعش، الجريدة سارعت الى القول انه حصل "خطأ" في ادراج اسمي "حزب الله والحوثي" وسيتم تصحيحه. هنا يمكن القول بثقة عالية جدا ان الإسلاميين قد سخّفوا كل شيء في هذا البلد.

لكن القضية لا تتوقف عند هذا التسخيف، فهذه القضية لا يمكن ان تكون "خطأ" عابرا، بسبب ان جريدة الوقائع هي الخلاصة لكل تشريع او قانون، أي ان القانون يستنفد كل جدل او نقاش، لهذا فأن التبرير بالقول ما حصل بأنه "خطأ" هو خطأ.

الإسلاميون يمرون بأزمة عميقة جدا، فالخيارات المتاحة امامهم محدودة، تمثلات هذه الازمة هي في عمليات الاعتقال والدعاوى الكيدية لمجموعة كبيرة من الناشطين والمعارضين، تمثلاتها في قصف حقل كورمور، تمثلاتها في انسحاب الصدر، تمثلاتها في المراوحة في تشكيل الحكومة، واليوم هذا "الخطأ" يأتي ليؤكد عمق الازمة.

يقال ان هناك عبارة منسوبة لفيتنجشتاين يقول فيها "ما لا نستطيع ان نتحدث عنه، يجب تركه"؛ وهؤلاء الإسلاميين لا تعرف كيف تقرأهم او تتحدث عنهم، فهم صاروا مثل القردة يتقافزون هنا وهنا.

طارق فتحي