دون كيشوت والانتخابات


صوت الانتفاضة
الحوار المتمدن - العدد: 8521 - 2025 / 11 / 9 - 17:39
المحور: كتابات ساخرة     

(وأخيرا، وقد فقد صوابه، استبدت به فكرة هي اغرب ما يتخيله مجنون في هذه الدنيا، فقد رأى من اللائق بل من الضروري، سواء لتألق مجده ولخدمة وطنه، أن يصبح فارسا جوالا، فيسعى في مناكبها، ببرذونه وسلاحه، وراء المغامرات، وان يمارس جميع ما قرأ ان الفرسان الجوالين يمارسونه، فيصلح الأخطاء، ويتعرض للأخطار في كل المناسبات حتى ينال بمجابهتها والتغلب عليها ذكرى لا تمحى)

فجأة انتبه دون كيشوت الى ان اصلاح العالم يمكن بسيف خشبي، فقراءاته عن الفرسان والنبالة جعلته يتخيل ان تغيير الحياة وارجاع الحقوق وفرض العدالة ممكنة جدا، لكن حلمه وخياله لم يجد الأرضية المناسبة، لهذا "فقد دفع دون كيشوت منذ امد بعيد، ثمن تصوره الخاطئ، بأن الفروسية الجوالة تتلائم مع جميع الاشكال الاقتصادية للمجتمع" مثلما يقول ماركس.

المصدقين بالتغيير يأتي عبر الانتخابات هم أيضا حالمين، وجه الشبه كبير بينهم وبين الخيال الجامح لدون كيشوت، فالعملية السياسية التي يقودها الإسلاميين فرضت واقعا لا يمكن كسره او اختراقه، جربت الكثير من القوى اليسارية والمدنية حدوث تغيير ولو بسيط، بل ان الإسلاميين فرضوا المزيد من التراجع على تلك القوى.

بعد أيام قليله سيذهب الكثير من اليساريين والمدنيين لصناديق الاقتراع، سيذهبون مسلحين بأوهام التغيير من البرلمان، مسلحين بخيالات جامحة ب "عالم افضل" او ب "وطن حر"، لكن ما ان يرجعوا الى بيوتهم، وبعد ان تنتهي مهزلة الانتخابات، عند ذاك فقط سيصحون لكن بعد ان يدفعوا ثمن تصوراتهم الخاطئة، بأن البرلمان والعملية السياسية لا تلائم سوى القوى الإسلامية والقومية.

دوون كيشوت وهو على فراش الموت ندم كثيرا على تصرفاته قائلا:

(أن زوال الغشاوة عني قد أتى متأخرا بحيث لن استطيع تعويض الزمن الضائع، وبودي ان اموت دون ان احمل معي الى القبر لقب مجنون"

طارق فتحي