نحو فهم ماركسي للبرلمانية البورجوازية


صوت الانتفاضة
الحوار المتمدن - العدد: 8526 - 2025 / 11 / 14 - 23:17
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

عمل ماركس على توجيه نقد عميق وجذري للديمقراطية البرجوازية، هذا ما نجده واضحا بالخصوص في كتابه "18 من برومير لويس بونابارت"، حيث يقول، في سياق شرحه لدروس كومونة باريس 1871، إنه: (وبدلا من البت مرة كل ثلاث سنوات أو ست في مسألة معرفة أي عضو من الطبقة المسيطرة يجب أن يمثل ويقمع الشعب في البرلمان، كان يجب على حق الانتخاب العام، بدلا من ذلك، أن يخدم الشعب، المنظم في الكومونة قصد البحث لمؤسسته عن عمال ومراقبين ومحاسبين، كما يخدم حق الانتخاب الفردي لهذا الغرض أياً كان من أرباب العمل).

ويعلق لينين على هذا الموقف في كتابه "الدولة والثورة" قائلا: (إن هذا النقد الرائع للبرلمانية، المكتوب في سنة 1871، قد غدا الآن هو الآخر، بفضل سيطرة الاشتراكية – الشوفينية والانتهازية، في عداد “الكلمات المنسية” من الماركسية. البت مرة كل عدة سنوات في مسألة معرفة أي عضو من الطبقة السائدة سيقوم بقمع الشعب في البرلمان، – هذا هو الجوهر الحقيقي للبرلمانية البرجوازية، ليس فقط في المَلكيات البرلمانية الدستورية، بل كذلك في الجمهوريات الأوسع ديمقراطية).

ويتابع لينين بنفس الكتاب قائلا:

(أمعنوا النظر في أي بلد برلماني من أمريكا حتى سويسرا ومن فرنسا حتى انجلترا والنرويج وغيرها، تروا أن عمل "الدولة" الحقيقي يجري وراء الكواليس وتنفذه الدواوين والمكاتب وهيئات الأركان. ففي البرلمانات يكتفون بالهذر بقصد معين هو خداع العامة).

يجب البحث بشكل جاد عن قضية الانتخابات والبرلمان، فهناك تيار جارف أطاح بالقوى الشيوعية واليسارية عموما، وهذا التيار يتبع منهجية سياسية محددة تتمثل بالخضوع التام للقوى البورجوازية وطروحاتها، فلا يعقل ان الفشل الكبير الذي تحققه القوى الشيوعية في كل دورة انتخابية، ثم الإصرار على حث الجميع على التهيئة للانتخابات القادمة، وهكذا وهلم جرا، فوراء هذا الإصرار وتلك السياسة فكر يميني مهيمن داخل تلك القوى.

لقد أصيب الشيوعيين كما يقول ماركس بحق (بعدوى الأمراض البرلمانية، وأصبح مؤمناً أنه بالتصويت الشعبي، سيتم صب الروح القُدُس في هؤلاء المُنتخبين)؛ اقترب طرحهم بشكل كبير من طرح قوى السلطة من الإسلاميين والقوميين؛ باتوا يرون ان البرلمانية هي المنقذ الوحيد للمجتمع، وهذا الطرح يعاد تكراره منذ اول انتخابات جرت 2005، وفي كل مرة يجدون له المبررات والحجج لإقناع اعضائهم واصدقاؤهم، سياسة دأبوا على ممارستها؛ ورغم انها لم تحقق لهم-ولن تحقق- شيئا، بل هي تفرض عليهم تراجعا كبيرا، وتعزلهم اجتماعيا اكثر وأكثر، رغم هذا الا انهم مصرين على المشاركة والحلول البرلمانية، وهذا لا ينبع من قصور في الفهم السياسي، بل بسبب سيطرة المنهجية اليمينية المعادية للشيوعية.

لقد شخصت روزا لكسمبورغ تلك التوجهات بشكل دقيق:

((إن الذين يدافعون عن نهج الإصلاح التشريعي بدلاً من وبالتضاد مع الاستيلاء على السلطة السياسية والثورة الاجتماعية، لا يختارون طريقاً أكثر سكونا وهدوءً وأبطأ نحو نفس الهدف، لكنهم يختارون هدفاً مختلفاً. بدلاً من اتخاذ موقف من أجل إقامة مجتمع جديد فإنهم يتخذون موقفاً من أجل تعديل سطحي لشكل المجتمع القديم)).

وهذا التشخيص نابع من رؤيتها للإشكال البرلمانية الموجودة في ذلك الوقت، بل والى الان ذاتها، تقول:

((هذا النوع من البرلمانية الموجود لدينا حالياً في فرنسا وإيطاليا وألمانيا يوفر تربة خصبة لمثل هذه الأوهام للانتهازية الحالية التي تغالي في تقدير الإصلاحات الاجتماعية، والتعاون الطبقي والحزبي، والأمل في التطور السلمي نحو الاشتراكية، الخ)).

هذه التربة الخصبة هي ذاتها التي يمشي عليها الشيوعيين اليوم، لا زالوا يعتقدون ان الإصلاح ممكن من خلال البرلمان، واي برلمان؟ انه برلمان الإسلاميين والطائفيين والقوميين والعشائريين والذكوريين؛ انهم يحلمون بتحقيق الاشتراكية بشكل سلمي، في بلد سلطته مكونة من الميليشيات والعصابات والمافيات، سلطة ذيلية وتابعة، لا تملك اية اخلاق اجتماعية او سياسية، وقد رأينا كيف تدار العملية الانتخابية.

ان استمرار أوهام العمل من داخل العملية السياسية، واعتبار البرلمان "ساحة عمل" سياسي، هو في حقيقة امره لا يعدو الا ان يكون هروبا من الشيوعية، فلا شيء يبرر تلك الأوهام سوى انها قد انغرست في ادمغة قادة الحركة "الشيوعية"، الذين يريدون الهروب من الشيوعية، فلم يجدوا سوى فكرة "الإصلاح" و "ساحة عمل" من داخل العملية السياسية، وهذا الاستنتاج يؤكده ان بياناتهم وحملاتهم الدعائية خلت تماما من المفردات الحمراء مثلما يقال.

الخلاص من النظام ليس بالتقرب منه، الخلاص هو بالابتعاد عنه وفصل صفوف العمال والكادحين والمعطلين عن العمل والنساء، وتقوية جبهة المعارضة، ودعم الحراك الاحتجاجي في كل مكان، وليس التذرع بعدم وجود نشاط احتجاجي، وهذه الحجة يجب الوقوف عندها مطولا.

طارق فتحي