صينية الفرن- بساطة 6-


لمى محمد
الحوار المتمدن - العدد: 6478 - 2020 / 1 / 31 - 23:44
المحور: الادب والفن     


مساء الصباح.. فعندكم ليل و عندنا نهار.. هل هناك من كناية إلهية في هذا؟

 
مساء الكنايات.. أين كنت من خمسة أيام…


-أتظاهر…


-تمزح؟


-لا فعلاً..


-احكِ لي ما حدث؟ 


 خرجت مظاهرة ضد داعش و خرجت معها.. ثم أتى المتطرفون ففضوها.. و بعدها صار الجميع يهتف ضد اسرائيل، حتى قرر أحدهم أن يهتف ضد النظام..
انقسم الناس بين موالٍ و معارض لاسرائيل.. ماحدث لا يمكنك تخيله و لو كنت أشطر كاتبة على وجه الأرض…


و ما الغريب في ذلك.. هذا متوقع…


طيب.. ربما كنتِ من القلائل الذين لم يدهشوا من الصراع العربي/العربي حول فكرة اسرائيل.. ربما لو ارتفع العلم الاسرائيلي على هذي الأرض لما حدث كلّ هذا.. لا أعرف…



-بعتَ القضية ؟ .. لم أقصد ذلك.. قصدت أنه لا أحد (مدهوش).. الناس -بأغلبهم- بين مدعوس..مدعوم و (مدعوش: من داعش..)…
لم أدهش لأنني غير متطرفة.. أرى الصورة بكلّها و ليس بما اقتطعت أنايّ منها..



لا أبيع القضية التي تقصدينها و لو مت.. فلسطين لنا و لو بعد مئة عام.. القضايا اليوم أخرى و مختلفة.. 
عموماً.. معك حق..
الله يستر.. الكره في سوريا يحتلّ الأرض و السماء..
تراب الأرض فيه ما فيه.. لكن صلبه من الأجساد الشهيدة.. المغيبة.. البريئة.. الحالمة.. الطاهرة.. المسحوقة.. المقموعة.. و المرفوضة.. 
هكذا أرض..لن تقبل السلام و لا الصلح...

من رواية " علي السوري" بقلم: لمى محمد
**********


صينية بالفرن:

حضرت ميمونة الخضار بجميع أشكالها.. باذنجان بني لامع، كوسا خضراء طازجة.. طماطم برائحة العشب.. فلفل أخضر (كربوج).. بطاطا ذهبية.. بقدونس، كزبرة خضراء..و أعداء السرطان السيد بصل والسيد ثوم.. ثم قررت صنع غذاء الجمعة..
لم ينقصها سوى الصينيّة.. و لأن المكونات كثيرة.. قررت استعارة صينية جارتها المستأجرة الجديدة كينونة…
-سلامات جارتنا، ممكن لوسمحت استعير القصعة المذهبة خاصتك؟
-ها.. فيها طبختي.. لكن لا مشكلة أستطيع أن أؤجل الطبخ اليوم…
-لا.. لا تهتمي سأقسم الكمية و أطبخها في قصعتين إذاً…
-لا أعوذ بالله.. طلبتها وستأخذينها..
وبعد أخذ ورد .. قررت ميمونة وكينونة أن تتقاسما الطعام الذي ستعده ميمونة…

و هكذا تبلت ميمونة الخضار بالكمون، الكزبرة اليابسة الملح و الفلفل و رشة قرفة.. أغرقتهم بماء دبس البندورة مع ملعقة دبس فليفلة حمراء، ثم غطت القصعة وضعتها في فرن ناره هادئة.. بعد ثلاث ساعات كانت الصينية جاهزة للأكل…

قررت أن تأخذ القصعة كاملة إلى بيت كينونة، لتقسم الطعام بينهما هناك..دقت باب الأخيرة:
-تفضلي جارتنا.. القصعة وفيها الطعام، تعالي نقتسمه…
نظرت كينونة إلى القصعة فرأت لونها الذهبي و قد احتال بنيّاً صدئاً…
-هل وضعتها في الفرن؟
-أجل…
-هذه القصعة لا توضع في الفرن.. هي ليست معدة لذلك.. انظري كيف أصبح لونها….
-أعتذر لم تخبريني…
-مامن داع لإخبارك مكتوب ذلك في أسفلها…
-أعتذر.. أشتري لك بدلاً عنها…
-لا مثيل لها أمي ورثتها عن جدتها البابليّة…

احتارت ميمونة وشعرت بالإحراج الشديد.. وفيما هي على وشك البكاء.. مرت جارتهم الأجنبية هافا، وبلغة عربية مكسرة:
-خير جارات.. ماذا يجري؟
تشاركت ميمونة وكينونة الشكوى…
قالت هافا:
-بسيطة أنا خبيرة إصلاح الصواني.. آخذها و أصلحها…

أخذت هافا الصينية بطعامها.. بينما استمرت كينونة و ميمونة في تبادل الاتهامات...

وعلى الرغم من تغيير هافا لعنوانها.. مازالت إلى اليوم تطبخ صينة الخضار بالفرن أسبوعياً.. وتشكر ميمونة على المقادير..
-لوطبخت لي هذا الطعام لما همني ألف صينية…

بينما تحاول إصلاح القصعة وتعد كينونة بها:
-ولا يهمك جارتنا الجميلة أصلحها على مراحل…
***********

هي ليست صفقة القرن، بل لبطة وحيد القرن...

ومن المعروف عن وحيد القرن كحيوان أنه قصير النظر، يهجم أولاً ثم يتبين " على من أهجم؟".. كما أن جلده مرتع للطفيليات والحشرات...
كثير من الناس لا يعرفون عدوهم.. ويحاولون قدر الإمكان إلصاق الفشل المحيط بهم بفكرة أو شخص سهل المنال لفظياً... تماماً كما يفعل وحيد القرن.. يهجمون.. ثم يسألون: من نهاجم؟

لا يمكن لعاقل أن يتخيّل حلاً أفضل للقضية الفلسطينية، بعد أن باعها العرب والمسلمين وقبضوا ثمنها كراسيهم وتطبيعهم.
المزاودون اليوم والذي يبكون على فلسطين من خارجها بعد أن أمنت لهم دولة أخرى -غير عربيّة غالباً- وطناً وكرامة..
لم ولن يقبلوا التنازل عن أوطان أولادهم الجديدة في سبيل الدفاع عن القضية.. ولن يقبلوا بأي شكل من الأشكال أن يعودوا بأطفالهم إلى فلسطين لإعمارها وتقويتها…

لماذا؟

لأن مشكلة فلسطين الأولى -كما كل بلاد العرب- ليست اسرائيل، بل الجهل...

الجهل الذي جمعه صاحب لحية مع كتاب دين فصنع بعبع تزمت ربط رقاب بناتنا، وحوّل شبابنا إلى قنابل موقوتة للإرهاب…
الجهل الذي جمعه المسؤولون عن المناهج التعليميّة، فحوّلوا كتب التاريخ إلى كتب غزو واستعمار.. ولوّنوا الكتب الدينية بثقافة الإلغاء التي تبجل الدين الواحد، و تُكفر أصحاب الأديان الأخرى، لا وفوق ذلك تفرض عليهم قوانين وشريعة دين محدد…
الجهل الذي جُمِعَ مع الفقر وجعل الشباب الضائع فريسة الانحلال الأخلاقي، فانتشر التحرش جنباً إلى جنب مع النقاب.. وألغى دور المرأة كإنسان، فأصبحت شكلاً تمثل شرف من لا شرف في عقولهم…
الجهل الذي ضمّ الجوع في بوتقة الجريمة.. وطهى طعام غول الظلم…

الجهل الذي لم تحاربه الحكومات العربيّة، بل وقفت تراقب اسرائيل و هي تصبح المكان الأكثر تطوراً وعلماً في الشرق الأوسط.. فيما بلداننا تُنهَب و أحلامنا تُقتَل…

هذا الجهل الذي لن يأكل فلسطين فقط، بل دول المنطقة من الفرات إلى النيل وبنفس الطريقة.. طريقة “ صينية الفرن” رويداً رويداً.. وأخشى ما أخشاه أن ردود الأفعال ستظل مشابهة ل رد فعل وحيد القرن!

اعقلوها…


يتبع…

* بساطة : مجموعة مقالات في غاية البساطة..
تناقش مفاهيم بسيطة.. أفكار بسيطة.. أحلام بسيطة في عصر التعقيد.. التشريد و المفاهيم المتشعبة.