الواقع المصري بين الأمراض والأعراض.


طارق حجي
الحوار المتمدن - العدد: 6215 - 2019 / 4 / 29 - 01:38
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

هل يمكن أن يمتنع مثلي عن الكتابةِ عن بعضِ الأمورِ السياسيةِ الحاليةِ فى مِصْرَ والتى تحيّر أو تغضب البعض لأنها لا تعنيه ؟ أو لرضاءه عنها كلها أو معظمها ؟ أو لخوفه من ردود أفعال محتملة من دولة-3 يوليو 2013 ؟ أظنُ أن من يعرفونني جيداً لا يمكن أن تقنعهم أيةُ قوةٍ بأنني يمكن أن أتجاهل أموراً عامة هامة. وهم أيضاً لا يمكن أن يتصوروا موافقتي على عددٍ من الخطوات والسياسات والقرارات التى شهدها الواقعُ المصري خلال ال 69 شهراً الماضية. وأخيراً ، فنفس الأشخاص لا يمكن أن يخطر ببالهم أن أعرفُ "الخوف" (ولن أُزيد ، لأن ذلك سيكون عيباً). والحقيقةُ ، أن هذا الموضوع معقدٌ لأقصي درجةٍ. وسأحاول هنا أن أُلخص وجهة نظري فى هذا الأمر الجلل. فأنا أبعدُ ما أكون عن قبول (ناهيك عن الإعجاب ب) كليات وجزئيات وآليات ومرجعيات الحياة السياسية فى مِصْرَ اليوم. ولكنني لا أستطيع ألاَّ أرى أن هذه الحياة السياسية التى هى مجموعة شكليات لا تخدم الأهداف والأغراض التى وجدت هذه الشكليات من أجل تحقيقها ، إنما هى محصلة ونتيجة الطريقة والأساليب التى تُحكم بها مصر منذ 67 سنة. وأنا أبعدُ ما أكون عن إغفال أثر التدهور الذى يُنكر فى معظم المستويات فى مصر عبر قرابة سبعة عقود ، سيما ما لحق بمجالين من تأخر : وهما مجال التعليم ومجال المؤسسات الأزهرية. بل أنني لا أُنكر أنني كنتُ غير بعيدٍ من اليأس من رؤية الإنسان المصري قادراً على التخلي عن عقلية وتفكير الألفية الميلادية الأولي والتخلص من الهوس الديني ودخول عالم العصرنة/الحداثة. والخلاصةُ أنني آمنتُ أن مآسي وفواجع واقعنا كلها "ثقافيةُ الجذور". وأنني مؤهلٌ للتعاملِ مع جذورِ هذه المآسي والفواجع (وكلها ثقافية وفكرية) أي مع أسباب "الأمراض"، وغير راغب أن تكون معاركي مع "الأعراض". وعليه ، فقد قررتُ أن تكون أنشطتي كلها فى خدمة قضية/قضايا التنوير فى مواجهةِ طوفانٍ من الجهلِ والتراثِ المفعم بالتخلفِ والتعصبِ ومعاداةِ العلمِ وتقييد العقل وتعليمٍ خارج العصر وخطابٍ ديني هو الأب الروحي للإرهاب وغياب كل/جل قيم المدنية/التقدم وأهمها التعايش السلمي المشترك وقبول الآخر (الغيرية) والتماهي مع قيمة التعددية بشتى تجلياتها وحقوق الإنسان وأهمها حقوق المرأة وتعظيم قيمة العقل النقدي وفصل الدين (الذى هو شأن شخصي) عن الدولةِ ... إلخ. ولعل هذا المقال المقتضب يكون قد أجاب عن السؤالِ الهام : لماذا لم أكتب منتقداً "بعض" السياسات والخطوات التى كانت موضع جدال خلال السنوات الخمس الماضية. فمعركتي (كما أسلفتُ) مع الجراثيم التى سببت كل ما يعربد فى مصرنا من أوبئةٍ و عللٍ وأمراضٍ ، وكلها (أي هذه الجراثيم) "ثقافيةٌ صرف". ولابد من كلمة لمراهقي الفكر السياسي ، فلهؤلاء أقول أن معركتي أو معركة أي أحدٍ من أجل التنوير ما كانت لتتواصل لو ترسخ فى مصر حكم أسوأ منظومة فكرية فى عالمنا المعاصر والذى نجت منه مصر منذ 69 شهراً أو لو تمكن منها طوفان التخريب الذى ساد فى الجزائر طيلة عشرية الدم وبعد ذلك فى العراق وسوريا وليبيا واليمن.