قيمٌ غائبة فى بعض المجتمعات.


طارق حجي
الحوار المتمدن - العدد: 7065 - 2021 / 11 / 2 - 15:59
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

أُلقي الضوء فى هذا المقال الموجز على عشر قيم يحتاج أيُ مجتمع معاصر غرسها من خلال البرامج والمؤسسات التعليمية فى عقول ونفوس أبناء وبنات المجتمع من لحظة إلتحاقهم بأول مدرسة فى حياتهم.

ورغم أن للمؤسسات الثقافية والإعلامية دوراً فى دعم هذه القيم ، إلاّ أن المدرسة والبرامج التعليمية والمدرس يبقون هم أعم جهة منوط بها ترسيخ هذه القيّم فى عقول أبناء وبنات المجتمع.

والقيمة الأولى هى التعددية. فمن الضروري تأصيل قبول وإقتناع أبناء وبنات المجتمع بأن التعددية هى طبيعة الحياة والكائنات والأفكار والمعتقدات والأذواق. وأن نقيض التعددية (الأحادية) أمر كئيب ومضاد للحياة وثراءها وجمالها.

والقيمة الثانية كبيرة الأهمية هى ما يسميه البعضُ ب "الغيرية" ومعناها هو "قبول الآخر". وهى قيمة تنبثق من القيمة السابقة (التعددية) وتؤسس عليها. وفى ظني أن قيمة "قبول الآخر" هى أساس "السلام المجتمعي" ، وبدوها يستحيل وجود تناغم مجتمعي أي تناغم عناصر و مكونات المجتمع.

وترسيخ الإيمان بالتعددية والغيرية (قبول الآخر) يثمر قيمة ثالثة بالغة الأهمية وهى رفض ذهنية الكراهية والتى تنبع من عدم تشبع العقول بمعاني ومزايا وسجايا التعددية والغيرية.
وفى ظني ان شيوع الكراهية فى العقل الجمعي لبعض المجتمعات هو واحد من أخطر الظواهر المجتمعية.

ومع شيوع وترسخ الإيمان بجدوى وجمال التعددية والغيرية ورفض ذهنية الكراهية ، يكون المجتمع قد أصبح مستعداً و مؤهلاً وقابلاً ل "التعايش المشترك و الإيجابي والفعَّال" وهو ما يجب أن يكون الهدف المتوخي للتعليم وللمجتمع وللحياة السياسية والثقافية. والتعايش المشترك هو الشرط الأول والأكبر لشتى أشكال "السلام" : سلام المجتمع ، والدول ، والمناطق ، والعالم بأسره.

والقيمة الخامسة (وهى الأهم عندي) : حقوق المرأة ككائن على قدم المساواة المطلقة (فى الحقوق والواجبات) للرجل. وهنا ، فسنواجه جبهتين تراكمت رقائق موقفهما المضاد لحقوق المرأة ككائن على قدم المساواة المطلقة مع الرجل. أما الجبهة الأولى فهى "المؤسسات الدينية" التى كان موقفها عبر القرون مضاداً لهذه الحقوق وموظفاً للنصوص والتراث لخدمة الإبقاء على المعادلة الآثمة كما هى وأعني معادلة كون اليد العليا للرجال. وأما الجبهة الثانية فهى معسكر العقلية والثقافة الذكوريتين والمتغلغلة فى معظم ثنايا الكثير من المجتمعات.

وسادس القيم التى بتوفرها وشيوعها تقترب المجتمعات من التقدم والحداثة "مدنية الدولة" ، وهى قيمة غائبة بنسبٍ متفاوتة فى عشرات المجتمعات ومنها الدول الناطقة بالعربية والدول الإسلامية. وهو ما يعني أن الدين شأن شخصيٌّ لمواطني الدولة وليس للدولة. فالدولة ككيانٍ معنويّ لا دين لها. وعليه ، فإن سياسات وقرارات ومواقف الدولة تعكس ذلك أيّ مدنيتها المطلقة.

وسابع قيّم الإنسانية المعاصرة هو "حقوق الإنسان" : كإنسان و كمواطن. ومن أهمها حرية المعتقد وحرية التعبير. وهى حقوق غائبة بدرجات متفاوتة فى عشرات المجتمعات خاصة حيث تشيع الأوتوقراطية (الحكم الشمولي) و الثيوقراطية (حكم رجال الدين).

ومن القيّم شبه المنعدمة فى كثيرٍ من المجتمعات ومنها كافة المجتمعات الناطقة باللغة العربية "التفكير العلمي". فالسواد الأعظم من شعوب عديدة يمكن وصف طرائق وأساليب تفكيرهم بالشخصنة والبعد عن الموضوعية والإفتقار الشديد للتسبيب المنطقي والعلمي (من السببية).

فى المجتمعات التى يتواجد فيها نظام حكم شمولي وثقافة ثيوقراطية (مصدرها رجال الدين) تشيع فيها الأفكار والرؤي والأحكام المطلقة فى زمن صارت فيه الأفكار والرؤى والأحكام كلها "نسبية".

وعندما تشيع الفيّم التسع الواردة أعلاه ، يتراجع فى المجتمع الهوس بالماضي وأفكاره وشخوصه ويحل محل ذلك ولعٌ بالعلمِ والثقافةِ و الفنونِ ، وهو ما يقلّص نفوذ الماضي لصالح الحاضر والمستقبل.