|
غلق |
|
خيارات وادوات |
مواضيع أخرى للكاتب-ة
بحث :مواضيع ذات صلة: إبراهيم فتحي |
صناعة الثقافة
تستعمل كلمة الثقافة استعمالا يتسع ويضيق إلى حد التقابل والاستقطاب، أحيانًا تضييقها بمعنى الاشتغال بالإبداع الفني مثل الموسيقى والفن التشكيلي والأدب والسينما والمسرح وعروض التلفزيون والحياة الفكرية. ويقابل تضييق الثقافة وقصرها على الفنون والشواغل الفكرية توسيعها اتساعًا شديد السخاء لتشمل العقائد والأخلاقيات والقانون والعادات والتقاليد والفنون وأساليب العمل وقضاء أوقات الفراغ وقواعد السلوك لتصير طريقة حياة شاملة تتميز بها جماعة ما بقوالبها النموذجية التي تتخذها للتعبير عن نفسها والحفاظ عليها وتناقلها وتعديلها عبر الأجيال، أي تستعمل الثقافة بمعنى طريقة في وصف شكل حياة متميز يمكن أن يطلق على البدائيين (مثل ثقافة البوشمان) والمتحضرين. أما قصر الثقافة على الفنون بمعناها المتطور الحديث مع الفكر فيعني إقصاء الطبقة العاملة والفلاحين والحرفيين عنها. أما إذا وسعت بحيث تضم إبداع الحكايات الشفاهية وإيقاعات وأغاني المناسبات (الحصاد والزفاف والختان والأعياد) والحكم والأمثال وأنواع الفرجة في الاحتفالات الاستعراضية كالرقصات ورسومات الجدران في استقبال المسافرين العائدين والحجاج واحتفالات الموالد وابتكار تنظيمات شعبية كالجمعيات والنقابات والتعاونيات صار بالإمكان القول إن للطبقات الشعبية ثقافة غنية هي واقع مادي وتجربة معيشة في الوقت نفسه تضم تقاسم عادات كلامية وطرائق سلوك وفولكلور وتصورات جمعية للذات. ولا تصير الثقافة هنا فكرة بالغة النقاء والتفريد، بل تختلف عن مفهوم الثقافة الكلاسيكي؛ الثقافة الرفيعة التي تحاول التشبه بالقدرة الإلهية لأن قيمها ليست قيمة شكل حياتي محدد وإنما قيم مثالية للحياة الإنسانية كلها وتعبر عن أن جميعنا على اختلافنا أنداد في الإنسانية. وقد حدث تاريخيًا أن الثقافة الأوروبية روج السادة عنها وأقنعوا كثيرين إن الإنسانية تجسدت فيها على الوجه الأكمل حينما سيطر الغرب الأوروبي على العالم لأنه امتلك أرقى صناعة وأقوى أسلحة وصارت الثقافة رمزًا رومانسيًا لا نهائيًا يتجسد في أوروبا، فهي علاقة بين أوروبا والإنسانية الكونية المتخيلة كما يجب أن تكون ولا تتوقف عند خصوصية قومية، لتعمل على تسويق تاريخ الغرب بوصفه نموذجًا للإنسانية جمعاء ويرتقي الجزئي إلى مصاف الكلي والقاري إلى مكانة العالمي. ويخلي الانتماء القومي مكانه للمواطنة العالمية المزعومة حين تتعلق الهوية الثقافية بهوية الفرد الروحية. والآن لم تعد الهوية العالمية أمرًا بالغ التجريد فموظفو الشركات العابرة للقوميات صاروا مواطنين عالميين جدد. ويتضامن كثير من المواطنين وهم في أوطانهم مع قضايا البشر في بلاد أخرى تضامنًا إنسانيًا. وتمكنت الثقافة بمعنى طريقة الحياة من أن توفق بين الأممي والقومي، فالفرد الثري داخل قومية ما يأكل من طعام مطابخ متعددة الجنسية ويستمع إلى موسيقى أجنبية ويتعطر بعطر باريسي ولو كان في موسكو ويرتدي زيًا ينتمي إلى الولايات المتحدة من ماض قريب ولو كان في هونج كونج. ويغدو العالم لا قوميًا أو محليًا. ولا يجب أن ننسى أن أوروبا لها تاريخ من التعصب واستعباد الآخرين وإبادتهم وليست نموذجًا للإنسانية.
|
|
| ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد | نسخ - Copy | حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | اضافة موضوع جديد | اضافة خبر | | |||
| نسخة قابلة للطباعة | الحوار المتمدن | قواعد النشر | ابرز كتاب / كاتبات الحوار المتمدن | قواعد نظام التعليقات والتصويت في الحوار المتمدن | | غلق | ||
المواضيع المنشورة لا تمثل بالضرورة رأي الحوار المتمدن ، و إنما تمثل وجهة نظر كاتبيها. ولن يتحمل الحوار المتمدن اي تبعة قانونية من جراء نشرها |