أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رياض الشرايطي - جنوب يخرج من ظلّ الأمم المتّحدة: مقترحات للفكاك من نظام الغلبة.















المزيد.....



جنوب يخرج من ظلّ الأمم المتّحدة: مقترحات للفكاك من نظام الغلبة.


رياض الشرايطي

الحوار المتمدن-العدد: 8410 - 2025 / 7 / 21 - 00:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حين تستقيل دول الجنوب من منظمة الأمم المتحدة: تمرّد أخلاقي في وجه نظام عالمي مصمّم على الهيمن.
لو حدث واستقالت كل دول الجنوب، أو بالأحرى جميع شعوب العالم الثالث، من منظمة الأمم المتحدة كخطوة احتجاجية موحدة ضد احتكار القوى العظمى لمصير العالم وفق منطق الحرب العالمية الثانية، فإن هذا لن يكون مجرد انسحاب من هيئة بيروقراطية دولية، بل سيكون تمرّداً أخلاقيًا شاملاً على نظام عالمي مشوَّه تأسس على دماء الفقراء وجراح المستعمرات، ثم تنكّر لهم. إن هذه الاستقالة الجماعية ستُعلن ، لأول مرة منذ قرون ، رفض شعوب الأرض التامة أن تُدار بلدانها بقرارات صادرة من "مجلس وصاية إمبريالي" يتكوّن من خمس دول تمتلك حق النقض (الفيتو)، أي الحق في شطب رغبات شعوب بأكملها بجرة قلم.
لقد وُلدت الأمم المتحدة من رماد الحرب العالمية الثانية سنة 1945، لكن روحها الحقيقية صيغت وفق خرائط المنتصرين لا وفق آمال البشرية. انتصر الحلفاء، فجلسوا إلى الطاولة يرسمون "عدالة دولية جديدة"، ولكنهم فعلوا ذلك بمزاج المنتصر، لا بحسّ العدالة. ولذلك لم يكن غريبا أن يضمن لنفسه المنتصرون الخمسة (الولايات المتحدة، الاتحاد السوفيتي، فرنسا، بريطانيا، الصين) امتيازا لا أخلاقيا ولا ديمقراطيا يتمثل في "الفيتو"، الذي حوّل مجلس الأمن إلى آلة تصفية حسابات لا آلة حفظ سلام. وهكذا أضحت الأمم المتحدة، حسب تعبير المناضل الأممي باتريس لومومبا، "منصة لاحتقار صوت إفريقيا" لا لحمايته. وفعلا، كم مرة استخدمت أمريكا الفيتو لتعطيل أي قرار يدين الاحتلال الإسرائيلي؟ وكم مرة أُسقطت قرارات تتعلق بحقوق الشعوب لأنها تهدد مصالح شركات النفط والسلاح والبنوك العالمية؟
الاستقالة الجماعية من هذه الهيئة ستكون، في العمق، رفضا لإرث الاستعمار المقنّع، وتمرّدا على منطق العلاقات الدولية الذي وُضع لحماية موازين قوى غير عادلة لا تزال تكرّس التبعية. وكما قال فرانتز فانون: "حين يُطلب منا أن نطيع قوانين لم نشارك في وضعها، فإننا لا نعيش في عالم، بل في سجن". وها هي الأمم المتحدة اليوم، بعدما كانت حلما عالميا بتجاوز الحروب، قد تحوّلت إلى حارس مصالح الإمبراطورية الأمريكية، بقرارات تنزع الشرعية عن الشعوب وتمنحها للمحتلين والطغاة.
إن استقالة دول الجنوب ، لو حدثت بوعي طبقي وشعبي وتنظيم ثوري حقيقي ، ستكون زلزالا لا في جدران المنظمة فقط، بل في هندسة العالم كما رسمها المنتصرون سنة 1945. وربما نحتاج إلى هذا الزلزال، لأنه لا يمكن إصلاح بيت أُسّس على القهر، بل يجب هدمه وإعادة بنائه من طين الشعوب لا من إسمنت الجيوش. وكما كتب المفكر سمير أمين: "النظام العالمي ليس قابلا للإصلاح، بل للتجاوز فقط"، فإن استقالة الجنوب من الأمم المتحدة هي لحظة البدء في هذا التجاوز.
في قطيعة جماعية مع أمم ما بعد الحرب العالمية الثانية: الجنوب العالمي ينتفض رمزيا
لو استقالت دول الجنوب، ومعها دول ما يُعرف بالعالم الثالث، من منظمة الأمم المتحدة دفعة واحدة، فإنّ المشهد لن يكون مجرد خروج إداري من هيئة أممية، بل سيكون زلزالا سياسيا رمزيا يهزّ شرعية نظام ما بعد 1945 برمّته، ويعرّي الأساطير الكبرى التي رُوّجت عن عالم القانون الدولي والعدالة الأممية. منذ مؤتمر سان فرانسيسكو 1945، صيغت المنظومة الدولية تحت وصاية المنتصرين في الحرب الثانية، لا المنتصرين على الاستعمار. لقد رتّبت كراسي مجلس الأمن بخمس دائمة العضوية تمارس حق الفيتو، أي الحق في إيقاف التاريخ إذا خالف مصالحها، بينما مُنحت بقية الدول، وخاصة دول الجنوب، هامشا صغيرا من الخطابة والمشاركة الشكلية. هذه البنية ولدت معطوبة، لأنها لم تنبع من توافق عالمي، بل من توازنات قوة بين إمبراطوريات خارجة من حرب دامية، فرضت نظاما عالميا بالقوة، لا بالشرعية.
عندما تُقرّر شعوب الجنوب أن تستقيل من هذه اللعبة الأممية، فهي بذلك تُعلن، لا خروجا فحسب، بل رفضا راديكاليا لأن تكون جزء من مسرحية الشرعية الزائفة. كما كتب "فرانز فانون": "حين يقول المستعمَر لا ، يختلّ الكون السياسي الذي نظّمه المستعمِر. إنّه لا يرفض فقط، بل يعيد ترتيب العالم." والخروج من الأمم المتحدة في هذا السياق سيكون نوعا من "الرفض الكبير" (le grand refus) الذي دعا إليه هربرت ماركوز، أي لحظة تمرّد رمزي تعيد تشكيل اللغة السياسية ذاتها. تخيّلْ أن تغلق 80 دولة من دول الجنوب بعثاتها لدى الأمم المتحدة، أن تسحب اعترافها بجلسات الجمعية العامة، أن تصدر إعلانا جماعيا بأنّ "النظام الدولي الحالي لا يُمثّلنا"، كم سيكون وقع ذلك في الوعي العالمي؟ لن يتغيّر ميزان القوة فورا، لكن ستنفضح المسرحية: الأمم المتحدة ليست سوى مجلس إدارة لمصالح القوى الكبرى، ومجلس الأمن ليس إلا غرفة سيطرة جيوسياسية تُدار بالفيتو الأمريكي، الذي أوقف أكثر من 50 قرارا لصالح فلسطين وحدها.
بل إنّ ما يُسمى بـ"التعددية القطبية" نفسها، والتي يُروّج لها كبديل عن الأحادية الأمريكية، تُمارَس داخل نفس الهياكل التي صيغت سنة 1946. والصين وروسيا، رغم خلافاتهما الظاهرية مع واشنطن، لم تقدما بديلا جذريا عن الهيكل الرأسمالي الإمبريالي العالمي. فحتى "مجموعة البريكس"، لا تزال تتعامل مع الأمم المتحدة بوصفها إطارا مشروعا، لا أداة اختلال. لهذا فإنّ استقالة دول الجنوب، ستكون أشبه بمحاولة تاريخية لإعادة بناء الشرعية من تحت، لا من فوق. إنها لحظة تفكيك للمنصة، لا فقط الانسحاب منها.
وكما كتب المفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي: "إنّ كل أزمة تاريخية كبرى، هي فشل للمجتمع في توليد شرعية جديدة."، فإنّ انسحاب العالم الثالث سيكون بمثابة إعلان بأن الشرعية الدولية ماتت، وأنه لا سبيل لإحيائها من داخل المؤسسات المهترئة، بل من خلال معسكر دولي جديد، مستقل، يعيد تعريف العلاقات الدولية على أساس التضامن الأممي، لا على قاعدة ميزان الرعب النووي والفيتو الخانق.
بمعنى آخر، لن يكون الانسحاب تكتيكا عابرا، بل لحظة ولادة، تشبه إلى حد بعيد ما دعا إليه "جيفارا" حين قال: "إن النظام الإمبريالي لا يُصلح من الداخل، بل يُقوَّض من خارجه، وبنار من داخله."، ولعلّ هذا هو المعنى الأعمق لاستقالة الجنوب: تمزيق صكّ العبودية الرمزي الذي فُرض علينا منذ لحظة التأسيس، وإعلان قطيعة لا رجعة فيها مع قانون دولي لم يكن يومًا سوى اسم مستعار للغلبة والاستعمار الجديد.

01.الأمم المتحدة بين شرعية الشكل وغياب العدالة: قصة تواطؤ النظام الدولي مع الاستعمار الجديد .

إن ما يُعرف بـ"الشرعية الدولية" التي تستند إليها الأمم المتحدة ليست سوى قشرة رقيقة تغطي نظاما قائما على المصالح الإمبريالية، لا على حقوق الشعوب. هذا النظام، الذي يُسوَّق على أنه إطار عالمي لتسوية النزاعات، في الواقع ليس أكثر من آلية لإعادة إنتاج الهيمنة الغربية على حساب شعوب الجنوب، واحتكار القرار من قبل نخبة دولية تتقاسم كعكة النفوذ والثروة.
منذ بداياتها، فشلت الأمم المتحدة في تحقيق أهدافها المعلنة، وأُغلب عليها أداء الأدوار التي تفرضها الدول العظمى. ففي حرب فلسطين 1948، أظهرت الأمم المتحدة عجزا واضحا، إذ لم تنجح في وقف الاحتلال والاستيطان، بل كانت أداة لتمرير مشاريع صهيونية تحت غطاء قرارات ضعيفة أو مشكوك في تنفيذها. وقد كتب المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد عن الأمم المتحدة قائلا:
"الأمم المتحدة أصبحت كيانا غريبا، يمارس الشرعية بطريقة انتقائية، تحمي الاحتلال، وتُجمد حقوق الإنسان، وتساهم في بقاء الظلم."
ولن نتحدث فقط عن فلسطين؛ ففي فيتنام، عبرت الأمم المتحدة عن نفسها عبر مواقف ضعيفة، في حين شنّت الولايات المتحدة واحدة من أشرس الحروب على الإطلاق، مستخدمة تقنيات الدمار الشامل دون اعتراض جدي من المنظمة الأممية. وفي إفريقيا، ساعدت الأمم المتحدة ، عبر صمتها أو تواطؤها ، في بقاء أنظمة استبدادية مدعومة من الغرب، مما قاد إلى إبقاء ملايين البشر في فقر مستدام واحتلال شبه مباشر عبر الشركات متعددة الجنسيات.
أما في حرب العراق 2003، فقد جاءت استقالة الأمين العام السابق كوفي عنان من دعم غزو العراق تعبيرا نادرا عن صدق داخلي، إذ أشار إلى أن الغزو كان "غير قانوني" حتى من وجهة نظر الأمم المتحدة نفسها، مما كشف عن تهافت الشرعية التي تمنحها المنظمة للقوة العسكرية غير المبررة.
إن هذه الأمثلة، التي ليست إلا نقاط في بحر طويل من التواطؤ، تظهر أن الأمم المتحدة ليست بيت العدالة، بل أداة تقنين الهيمنة الغربية. وهي بذلك تخدم مصالح الدول الكبرى، وتتجاهل تطلعات الشعوب المضطهدة، وتُحرمها من حق تقرير المصير الذي أكده ميثاق الأمم المتحدة نفسه، ولكن دون أفعال تتناسب مع هذا النص.
وفي سياق النظام الدولي الحالي، يُستخدم "حق الفيتو" كأداة لإسكات أي صوت يُطالب بالعدالة. فالفيتو الأمريكي والفرنسي والبريطاني على قرارات كانت تطالب بوقف الحرب في سوريا، أو بإدانة جرائم الاحتلال الإسرائيلي، ما هو إلا دليل ساطع على أن ما يسمّى "شرعية دولية" ليست سوى غطاء سياسي لحماية مصالح أقلية تحكم العالم بالقوة العسكرية والاقتصادية.
يقول الفيلسوف اليساري رالف ميلر:
"لا توجد شرعية في النظام الدولي سوى شرعية القوي، وحقوق الإنسان تُستخدم أداة لفرض إرادة الإمبريالية."
لهذا، فإن خروج دول الجنوب من هذه المنظومة لا يعني فقط انسحابا شكليا، بل هو موقف سياسي راديكالي ينزع القناع عن هذه الشرعية الزائفة، ويعيد للمطالب الشعبية مكانتها الحقيقية: مطالب حقيقية بالكرامة والحرية والعدالة، بعيدا عن هيمنة فيتو الطغاة.
القضية الفلسطينية وغزة اليوم: مأساة تحت ظل الفيتو الأمريكي واستمرار سياسة الإبادة الجماعية
لا يمكن فصل قضية فلسطين، ولا سيما مأساة قطاع غزة اليوم، عن الدور الحاسم الذي تلعبه منظمة الأمم المتحدة، أو بالأحرى، عن الغياب المؤلم لهذا الدور في وجه ما يشهده الفلسطينيون من إبادة جماعية منظّمة، بتواطؤ صريح من الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. غزة، التي أصبحت رمزا للمعاناة المستمرة، تُحاصر منذ سنوات طويلة، وتجويع سكانها، وتشريدهم من منازلهم، وتهجيرهم بالقوة، في جريمة إنسانية لا تقل وحشية عن أبشع فصول التاريخ الحديث.
في عام 2025، تستمر آلة الحرب الإسرائيلية في قصف غزة، مستهدفة المدنيين دون رحمة، بما في ذلك الأطفال والنساء والشيوخ، وسط حصار خانق يمنع دخول المواد الغذائية، والأدوية، والوقود، والمواد الطبية الحيوية، حتى أصبحت غزة "سجنا مفتوحا" لا تكاد تحيا فيه حياة طبيعية. هذا الحصار المميت الذي فرضته إسرائيل بحماية غير مشروطة من الولايات المتحدة، لا يختلف جوهريًا عن سياسة الإبادة الجماعية، بل هو شكل من أشكالها، بحسب ما أكدته العديد من المنظمات الحقوقية الدولية.
ومع كل هذه الجرائم، تتجاهل الأمم المتحدة التدخل الفعال، إذ يُستخدم الفيتو الأمريكي مرات متكررة لمنع إدانة إسرائيل أو فرض عقوبات عليها. مجلس الأمن، الذي من المفترض أن يكون صمام الأمان للسلم الدولي، يصبح في هذه الحالة أداة تعطيل تُخنق صوت الضحايا، وتحول دون اتخاذ أي إجراء فوري لوقف المجازر. فمثلاً، خلال الحروب الأخيرة على غزة، أعاق الفيتو الأمريكي إصدار قرارات تُدين القصف وتطالب بوقف فوري للنزاع، مما يُظهر بوضوح أن ما يسمى "الشرعية الدولية" لا تحمي إلا مصالح القوى الكبرى على حساب دماء المظلومين.
ترافق هذه الجرائم ممارسات تشريد واسعة النطاق، إذ تُنهب منازل الفلسطينيين وتُهدم تحت ذرائع أمنية، ويتعرّض النازحون داخليا إلى أوضاع إنسانية مأساوية. تجبر إسرائيل السكان على النزوح في ظروف لا إنسانية، بينما تُمنع المساعدات الإنسانية من الوصول إلى المحتاجين. وقد وثّقت تقارير حقوقية عديدة هذه الجرائم كجزء من سياسة ممنهجة لتغيير التركيبة السكانية وفرض واقع جديد لا يترك فرصة للسلام العادل.
إن استمرار هذه السياسات لا يخلق فقط مأساة إنسانية داخل غزة، بل يُكسر الروح الوطنية ويُجهض أي أمل في تحقيق حل سياسي عادل على أساس قرارات الشرعية الدولية التي ظلت تُساق للحضور فقط، دون أن تُطبّق على الأرض. وبهذا، تصبح الأمم المتحدة، بما فيها هيئاتها الفرعية مثل وكالة الأونروا، جزء من منظومة تدير الإبادة، بدلا من أن تكون آلية حماية.
يقول المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد في نقده المؤلم:
"إن الأمم المتحدة تحولت إلى ديكور للعدالة الزائفة، حيث يُقدّم العدل كبند في الخطابات، لكن عمليًا تُكرس السياسات الاحتلال والقتل والتشريد."
هذا الواقع الدامي يفسر إلى حد بعيد لماذا يُطالب كثير من النشطاء والدول في الجنوب اليوم بـ"قطع العلاقات" مع هذه المؤسسات التي تُشارك في تثبيت الظلم، وأن يُعاد التفكير الجذري في العلاقة مع الأمم المتحدة. فالاستمرار في عضويتها والاعتماد على قراراتها التي يعرقلها الفيتو لا يعدو أن يكون مساهمة في استدامة الإبادة الجماعية واستمرار الاحتلال.
من هنا، فإنّ استقالة دول الجنوب، كتعبير جماعي وموحد، ليست فقط رفضا لهيمنة القوى الكبرى، بل إعلان تضامن حي مع ضحايا غزة الذين يعيشون أبشع فصول المعاناة الإنسانية، ورغبة في كسر غلاف الصمت الدولي الذي يخنق الحق الفلسطيني. إنها لحظة تاريخية تتطلب من شعوب الجنوب أن تنهض وتقول "كفى"، وأن ترفض أن تكون جزءًا من منظومة شرعية دولية تغطي على إبادة وتشريد الملايين.

02.البحث عن بدائل: نحو نظام دولي جديد مبني على العدالة والتضامن الشعبي .

في ظل الواقع المزري الذي فرضته منظمة الأمم المتحدة وأجهزتها، والذي أثبت عجزه التام عن حماية حقوق شعوب الجنوب أو تحقيق العدالة الدولية، يبرز السؤال المحوري: ما البديل؟ كيف يمكن لدول الجنوب وشعوبها أن تخرج من هذا المأزق التاريخي الذي يكرّس الهيمنة، ويُجبر المظلومين على الركون إلى هياكل فاقدة للمصداقية؟
الإجابة على هذا السؤال ليست سهلة، ولا يمكن اختزالها في مجرد استقالة أو انسحاب من الأمم المتحدة. بل هي دعوة لإعادة بناء نظام دولي جديد يقوم على أسس مختلفة تماما؛ نظام يحترم سيادة الشعوب، ويضمن حق تقرير المصير، ويُكرّم مبادئ العدالة الاجتماعية والاقتصادية، ويُعلي صوت التعددية الحقيقية بعيدا عن احتكار القرار من قبل خمسة أعضاء دائمين.
تاريخيا، شهد العالم عدة محاولات لتشكيل بدائل لمركزية الهيمنة الغربية. فمبادرة حركة عدم الانحياز التي تأسست في خمسينيات القرن الماضي، ومجموعات مثل البريكس، والاتحاد الإفريقي، وجامعة الدول العربية، كانت تعبيرا عن رغبة الجنوب في المشاركة الفعالة في صياغة النظام الدولي. غير أن هذه المبادرات، وإن كانت هامة، بقيت محدودة التأثير، إذ أنها غالبا ما انخرطت داخل الإطار القائم، ولم تتجاوز آليات المنظومة القائمة.
لا يكفي أن نطالب بتحسين الأمم المتحدة أو تغيير قواعد اللعبة داخل مجلس الأمن. بل يجب التفكير في خلق "عالم بديل"، يتيح لأولئك الذين طالما كانوا مجرد جمهور صامتين أن يكونوا فاعلين حقيقيين. عالم لا تُحدد فيه الأولويات بحسب مصالح الدول الكبرى أو الشركات العابرة للقارات، بل وفقا لاحتياجات الشعوب في مجالات التنمية المستدامة، والحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية.
هذا يتطلب بناء تحالفات دولية واسعة تتجاوز الحدود القومية والعرقية، تجمع قوى الطبقة العاملة والفلاحين والمهمشين، مع ناشطي حقوق الإنسان والبيئة، في نضال مشترك ضد الاستعمار الجديد ونظام الهيمنة الاقتصادية. ويستلزم هذا أيضا تمكين المنظمات الشعبية والحركات الاجتماعية من لعب دور أكبر في صياغة السياسات الدولية، عبر آليات ديمقراطية حقيقية ومباشرة.
يقول نعوم تشومسكي:
"لا يمكن إصلاح النظام العالمي من داخله؛ يجب خلق قوة موازية تدفع باتجاه العدالة الاجتماعية والحق في الحرية."
ومن الأمثلة الحديثة على هذه المحاولات البديلة، المبادرات الدبلوماسية التي يقودها عدد من دول الجنوب في القضايا البيئية، والتجارة العادلة، ومناهضة الاحتكار، والتي تعكس رغبة في بناء نظام متعدد الأقطاب لا يخضع لحصرية الغرب.
لكن الطريق ليس مفروشا بالورود. هناك تحديات ضخمة: من بينها المقاومة العنيفة التي ستواجهها هذه المحاولات من قبل القوى الإمبريالية التي لن تتخلى عن هيمنتها بسهولة، ومن صراعات داخلية بين الدول نفسها، ومن ضعف البنى السياسية في بعض دول الجنوب. إضافة إلى ذلك، تغيب البنية الإعلامية المستقلة التي تُمكّن الشعوب من الوعي والتحرك الجماعي.
مع ذلك، لا ينبغي أن تكون هذه العراقيل عذرا للتقاعس. فالاستقالة الجماعية من الأمم المتحدة، وإن كانت خطوة رمزية، تمثل بداية لبناء مشروع تحرري عالمي. مشروع ينبثق من وعي الشعوب وحقها في تقرير المصير، ويُعيد صياغة العلاقات الدولية على أسس التضامن والعدالة، لا على منطق القوة والهيمنة.
وهكذا، يُمكن اعتبار انسحاب دول الجنوب من الأمم المتحدة إعلانا واضحا بأن النظام الدولي الحالي انتهى صلاحيته، وأن هناك حاجة ملحّة لإعادة تأسيس عالم جديد، لا مكان فيه للاحتلال ولا للمحميات السياسية، ولا لفيتو يقتل الحقوق. إنّها لحظة تاريخية تتطلب شجاعة جماعية وإصرارا ثوريا لتجاوز أنظمة الماضي نحو مستقبل يليق بكرامة الشعوب.

03.التحديات السياسية والاجتماعية أمام انسحاب دول الجنوب: مقاومة الهيمنة الداخلية والخارجية .

إنّ فكرة انسحاب دول الجنوب من منظمة الأمم المتحدة ليست مجرد قرار إداري أو سياسي سهل، بل هي مشروع ثوري يواجه عقبات هائلة على المستويات المختلفة، الداخلية والخارجية، التي تتطلب وعيا نضاليا وفهما عميقا لطبيعة النظام الدولي المعاصر.
-أولا، تواجه دول الجنوب نفسها تحديات بنيوية داخلية، تتمثل في ضعف الديمقراطية الحقيقية، واستمرار هيمنة النخب السياسية والاقتصادية التي غالبا ما تتواطأ مع القوى العظمى حفاظا على مصالحها الشخصية، أو لأسباب تتعلق بالفساد أو الرهانات الجيوسياسية الضيقة. كثير من الدول في الجنوب ما تزال تُدار عبر أنظمة استبدادية أو شبه دكتاتورية، لا توفر شعوبها إطارا للنضال الشعبي الجماهيري الذي يمكنه اتخاذ قرار انسحاب جماعي واع وموحد. فغياب المشاركة الشعبية الحقيقية، وانعدام الثقافة السياسية التحررية، يضعف فرص نجاح أي تحرك جماعي جدي.
-ثانيا، هناك التحدي الخارجي المتمثل في المقاومة العنيفة التي تمارسها القوى الإمبريالية ضد أي محاولة لتفكيك منظومة الهيمنة. فالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلفاؤهم لا يترددون في استخدام كل أدوات القمع، بما في ذلك التدخل العسكري المباشر، الحرب بالوكالة، العقوبات الاقتصادية، وعمليات التشويه الإعلامي، لإجهاض أي حراك يحاول تهديد النظام القائم. لقد شهدنا في التاريخ الحديث كيف تم دعم الانقلابات العسكرية، وتفكيك الحكومات المنتخبة في دول الجنوب التي حاولت تغيير قواعد اللعبة، مثل تشيلي في السبعينيات، والعراق وليبيا في القرن الحادي والعشرين.
-ثالثا، تواجه هذه الفكرة أيضا تحديات جيوسياسية داخلية تتمثل في الخلافات بين دول الجنوب نفسها، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي. فالتجارب التاريخية تظهر أن تشتت القوى، وصراعات النفوذ بين الدول النامية، تزيد من فرص نجاح القوى الكبرى في اللعب على هذا التناحر لإفشال أي مشروع تحرري. لذلك، يتطلب بناء تحالف قوي وموحد رؤية سياسية مشتركة، وتضحيات متبادلة، وقدرة على تجاوز الخلافات التقليدية بين دول الجنوب.
رابعا، هناك تحدي الوعي الإعلامي والثقافي، إذ تسيطر على وسائل الإعلام الكبرى وأدوات التعبير السائد غالبا الروايات التي تُبرر استمرار النظام الدولي الحالي، وتشيطن أي حراك شعبي أو محاولة لتغيير النظام، وتُظهرها على أنها «تهديد للاستقرار» أو «خطر على التنمية». ولهذا، فإن غياب وسائل إعلامية مستقلة وقوية تمثل صوت الشعوب الحقيقية يُضعف بناء التحركات الشعبية ويسمح للهيمنة الثقافية والسياسية أن تستمر بلا منازع.
يقول المفكر اليساري البرازيلي إدواردو غاليانو:
"لا يمكن للحرية أن تُهزم إلا إذا خُدعت الشعوب، لكنهم لا يستطيعون خداع الجميع طوال الوقت."
هذه المقولة تحمل في طياتها تحديا حقيقيا لدول الجنوب وشعوبها: كيف يمكن كسر جدار الخداع، وبناء وعي جماعي يعبر عن مصالحهم الحقيقية؟
رغم هذه التحديات، فإن التاريخ مليء بالأمثلة التي تثبت أن الشعوب قادرة على التغيير عندما تتحد، وعندما تُدرك أن كرامتها وأمنها ومستقبلها مرتبطون بقرارها الجماعي. كما أن التحديات، رغم ضخامتِها، ليست مبررا للاستسلام أو المهادنة، بل هي محطات يجب تجاوزها عبر تنظيم نضالي شعبي مستمر، وبناء تحالفات داخلية وخارجية، والتزام برؤية سياسية واضحة نحو التحرر الحقيقي.
إنّ انسحاب دول الجنوب من الأمم المتحدة، مع كل ما يحمله من رمزية، هو بداية مرحلة جديدة من النضال، مرحلة تتطلب من النخب السياسية والشعوب أن تتحد على قاعدة مصالح حقيقية، وأن تبني أدواتها الخاصة لإعادة صياغة العلاقات الدولية بعيدا عن هيمنة الفيتو والإملاءات الاستعمارية.

04.دور الحركات الاجتماعية، الشباب، واليسار في تحريك نضال انسحاب دول الجنوب وبناء بدائل أممية.

في قلب أي حركة تحررية حقيقية، وعلى رأسها مشروع انسحاب دول الجنوب من منظمة الأمم المتحدة، يكمن دور الحركات الاجتماعية والشباب واليسار السياسي، كقوى دافعة للنضال الجماعي ولصياغة رؤية بديلة للنظام الدولي. هؤلاء هم حراس الوعي الثوري، ورواد التغيير المجتمعي والسياسي، وهم الذين يحملون على عاتقهم مسؤولية تحريك الشعوب نحو التحرر.
الشباب، خصوصا في دول الجنوب، يمثلون القوة الحقيقية للمستقبل. مع ارتفاع معدلات البطالة، وتفشي الفقر، وانعدام الأفق السياسي، يصبح الشباب أكثر وعيا بالظلم الذي يعانونه، وأكثر رغبة في كسر القيود المفروضة عليهم من أنظمة استبدادية ومن منظومة دولية تحابي القوى الكبرى. لقد شهدنا في السنوات الأخيرة موجات احتجاجية في السودان، الجزائر، لبنان، تشيلي، وبلدان أخرى، حيث شكل الشباب وقود التغيير، ورفعوا شعارات تمرد على الفساد والهيمنة الأجنبية، مطالبين بكرامة وعدالة حقيقية.
أما الحركات الاجتماعية، فتشكل شبكة حيوية للنضال، تنسج روابط بين الفئات المهمشة، مثل العمال والفلاحين والنساء، وتحفز العمل الجماعي المباشر ضد الظلم. وهذه الحركات لا تقف عند حدود وطنية، بل تتصل عبر شبكات عابرة للحدود، تخلق تآزرا مع الحركات في أماكن أخرى، مما يجعل منها قوة دولية قادرة على الضغط في الساحات المحلية والعالمية.
اليسار السياسي، برؤاه التوحيدية والتحررية، يحمل مشروع نقدي عميق للنظام الرأسمالي الإمبريالي، ويوفر الإطار الفكري والسياسي اللازم لتحويل الاحتجاجات الفردية إلى حركة جماعية منظمة تسعى لتغيير جذري. اليسار يناضل من أجل تجاوز حدود الدولة القومية المفروضة، ويتبنى مبدأ التضامن الأممي، الذي يرفض تقسيم الشعوب بين مركز وهوامش، ويناضل من أجل اقتصاد عادل، وحقوق الإنسان الكاملة، وبيئة مستدامة.
يقول الكاتب والمفكر اليساري برونو نيديرا:
"إن الثورة الحقيقية تبدأ حين يُدرك اليسار أن قضيته ليست فقط محلية، بل عالمية، وأن الفقر والاضطهاد في أي مكان هو عدوان على الإنسانية بأسرها."
ومن هذا المنطلق، يجب على الحركات الاجتماعية والشباب واليسار أن يلعبوا دورًا فعالا في بناء خطاب نقدي موحد ضد منظومة الأمم المتحدة التي لم تعد تمثل إلا مصالح قلة، وأن يرفعوا صوتهم من أجل انسحاب جماعي رمزي وفعلي لدول الجنوب. كما ينبغي عليهم العمل على بناء بدائل تشمل مؤسسات دولية جديدة، تقوم على مبادئ الديمقراطية الشعبية والتشاركية، وتضع في أولوياتها قضايا العدالة الاجتماعية، وحقوق الإنسان، وحق تقرير المصير.
وبما أن الإعلام التقليدي غالبا ما يقمع هذه الأصوات أو يشيطنها، يقع على عاتق هذه الحركات استخدام وسائل التواصل الحديثة كمنبر بديل لبناء الوعي والتضامن، لنشر المعلومات الحقيقية، وكسر جدار الخوف والتعتيم، وتحريك الجماهير نحو الفعل الثوري.
في النهاية، لا يمكن لأي مشروع انسحاب جماعي أو بديل دولي أن ينجح دون مشاركة شعبية واسعة وتنظيم قوي يضمن استمرارية النضال، ويدفع نحو التغيير الجذري الذي يرفض الهيمنة ويطالب بالحرية والعدالة والكرامة الإنسانية.

05.نماذج تاريخية لتحركات شعبية تحدّت النظام الدولي وألهمت مشاريع التحرر.

على مر التاريخ الحديث، ثمة العديد من التجارب التي جسّدت مقاومة الشعوب للهيمنة الدولية، ونجحت في تحدّي النظام العالمي القائم، ما يمكن أن يكون بمثابة مرشد حيوي لدول الجنوب في نضالها اليوم من أجل التحرر والانسحاب من مؤسسات الهيمنة.
-أولا، حركة التحرر الوطني في الهند بقيادة المهاتما غاندي، التي أنهت استعمار بريطانيا، كانت نموذجا فريدا في مقاومة القوة العظمى من خلال نضال شعبي سلمي استراتيجي، قائم على مبدأ العصيان المدني. غاندي تحدّى شرعية الإمبراطورية البريطانية التي كانت تمارس سيطرة استغلالية لا أخلاقية، ونجح في تحريك ملايين الهنود للتمرد ضد نظام ظالم فرضه الاستعمار. هذا المثال يبيّن كيف يمكن لشعب متحد أن يرفض شرعية قوة استعمارية رغم كل الترهيب والاضطهاد.
-ثانيا، الثورة الجزائرية (1954-1962) التي قادها جبهة التحرير الوطني، كانت أكثر من مجرد حرب استقلال عسكرية، بل كانت تحديا لقوانين الاستعمار والإملاءات الدولية، بما في ذلك المنظمات الأممية التي لم تحمِ الشعب الجزائري من الاضطهاد الفرنسي. تمكنت الثورة الجزائرية من إحداث تحوّل عالمي في فهم نضال التحرر، وأظهرت أن الشعوب التي تحكمها الإرادة يمكنها أن تقف في وجه أقوى الدول.
-ثالثا، نضالات جنوب أفريقيا ضد نظام الفصل العنصري، والتي استمرت عقودا، شكلت درسا عالميا في الصمود والتضامن الدولي. رغم أن الأمم المتحدة كانت تتبنى قرارات ضد الفصل العنصري، فإن دور الحركات الشعبية داخل وخارج جنوب أفريقيا كان هو المحرك الحقيقي لتغيير النظام، خصوصا عبر حملات المقاطعة الدولية وحملات التضامن، التي أجبرت القوى الكبرى على مراجعة مواقفها.
-رابعا، في العقود الأخيرة، شهد العالم حركات احتجاجية في أمريكا اللاتينية، مثل حركة "تشارا" في بوليفيا بقيادة إيفو موراليس، التي أعادت رسم الخارطة السياسية للمنطقة بعيدا عن الهيمنة الأمريكية المباشرة، وأكدت حق الشعوب في سيادة قرارها السياسي والاقتصادي. هذه الحركة نجحت في خلق بدائل مؤسساتية تضع السيادة الوطنية والتنمية المستدامة في مقدمة الأولويات، متحدية بذلك لوبيات الهيمنة.
كل هذه النماذج التاريخية تؤكد أن التغيير الحقيقي لا يأتي من داخل المؤسسات المهترئة، بل من خارجها، ومن خلال نضال شعبي متجذر. كما تؤكد على ضرورة بناء تحالفات دولية جديدة، تنطلق من التضامن الأممي، وليس من المصالح الاقتصادية أو العسكرية. فالتحرر هو فعل جماعي، لا يمكن اختزاله في أدوار رمزية أو مؤتمرات دولية بلا مضمون.
كما قال الكاتب الثوري تشي غيفارا:
"الثورة ليست نزهة في المتنزه، بل عمل شاق يتطلب تضحية، ويبدأ دائما حين يقول الإنسان لا للظلم، نعم للكرامة."
ومن هذا المنطلق، فإن انسحاب دول الجنوب من الأمم المتحدة يمكن أن يكون الخطوة الأولى نحو ثورة دولية جديدة، مبنية على وعي تاريخي، وتجربة النضالات الكبرى التي سبقتها، لتضع حدًا لعصر الهيمنة وإعادة بناء نظام عالمي أكثر عدالة وإنسانية.

06.التضامن الدولي وبناء تحالفات عابرة للقارات: ركيزة أساسية للنضال التحرري في مواجهة الهيمنة الإمبريالية.

في عالم معولم بشكل متسارع، تتشابك مصالح القوى الكبرى وتتصارع بين هيمنة الإمبريالية القديمة والجديدة، ويظل النضال من أجل العدالة والحرية مرتبطا ارتباطا وثيقا بمدى قدرة الشعوب على بناء روابط تضامن دولية حقيقية تتجاوز الحدود القومية والثقافية والتاريخية. إن التضامن الدولي ليس مجرّد شعور إنساني أو تعاطف عابر، بل هو استراتيجية نضالية مركزية يمكن أن تُحدث تحولات جذرية في ميزان القوى العالمية.
تاريخيا، أثبتت التجارب المتعددة أن الشعوب لم تستطع أن تحرر نفسها بشكل فعّال ما لم ترتبط نضالاتها بحركات تضامن قوية على المستوى العالمي. حركة التحرر الوطني في إفريقيا وآسيا، على سبيل المثال، لم تكن فقط مواجهة ضد القوى الاستعمارية داخل حدود الدول المحتلة، بل كانت جزء من حركة عالمية أوسع كانت ترفض تقسيم العالم إلى مستعمر ومستعمر عليه. هذه الحركة التضامنية أدت إلى عزل القوى الاستعمارية سياسيا ودبلوماسيا، وأسهمت في تغيير نظرة العالم نحو حقوق الشعوب في تقرير مصيرها.
على سبيل المثال، دعم حركات التضامن الدولية لمقاومة نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا ساهم بشكل حاسم في فرض عزلة اقتصادية وسياسية على النظام العنصري، ما أدى في النهاية إلى سقوطه. هذه العزلة لم تكن ممكنة دون شبكات واسعة من التضامن الشعبي، من نقابات عمالية، ومنظمات حقوق الإنسان، وحركات الطلاب والنسائية، وكلها كانت تتكاتف في حملات المقاطعة والمقاطعة الأكاديمية والحصار الاقتصادي.
كما أن التضامن الدولي لعب دورا أساسيا في إبراز القضية الفلسطينية على المسرح العالمي، من خلال دعم حركات المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على الاحتلال الإسرائيلي. هذه الحملات، التي انطلقت من قوى المجتمع المدني في أوروبا والأمريكيتين وأفريقيا، شكّلت ضغطا غير مسبوق على الحكومات الغربية، ورفعت منسوب الوعي العالمي تجاه معاناة الشعب الفلسطيني، مما دفع بعض الحكومات إلى إعادة تقييم مواقفها.
من الناحية النظرية، يشدد اليسار الثوري على أن التضامن الدولي ليس فقط واجبا أخلاقيا، بل هو سلاح استراتيجي في مواجهة النظام الإمبريالي العالمي. فالقوى الكبرى تعتمد على تقسيم الشعوب، وإضعاف تماسكها، وجعلها تنخرط في صراعات داخلية لا تنتهي، بدلا من توحيد صفوفها ضد الاستغلال والهيمنة. في هذا الإطار، يعمل التضامن على كسر هذه الحواجز، ويعيد بناء روابط قوية بين فئات الطبقة العاملة، والفلاحين، والنساء، والشباب، في جميع أنحاء العالم.
المفكر والفيلسوف الألماني هربرت ماركوزه قال ذات مرة:
"الثورة ليست فقط في بلد واحد، بل هي سلسلة من الانفجارات التي تتصل ببعضها عبر العالم، حيث يتقاطع الوعي التحرري مع نضالات متعددة الأوجه."
ومع تطور التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبح بناء التحالفات العابرة للقارات أكثر سهولة وفاعلية، حيث تستطيع الحركات الشعبية التنسيق بسرعة فائقة، وتبادل المعلومات، وتحريك الرأي العام الدولي بصورة أكثر مباشرة وتأثيرا. وهذا الأمر يشكل تهديدا كبيرا للأنظمة التي تعتمد على السيطرة الإعلامية والتشويه والتعتيم.
ومع ذلك، فإن بناء هذه التحالفات ليس بالأمر الهين، إذ يواجه عدة تحديات أساسية:
-أولها التنوع الكبير في الخلفيات الثقافية والسياسية والاقتصادية بين دول الجنوب وشعوبها، مما قد يؤدي إلى صراعات داخلية وتعقيدات في التنسيق والتوحيد.
-ثانيا، التحديات اللوجستية والموارد المالية المحدودة التي تعيق استمرار الحملات الطويلة المدى.
-ثالثا، مقاومة القوى الإمبريالية التي تسعى جاهدة لتفكيك هذه الشبكات، عبر تجزئة النضالات، وتقويض الثقة بين الأطراف المختلفة.
لكن بالرغم من هذه الصعوبات، أثبتت التجارب العملية أن النجاح ممكن عندما يتم وضع برامج واضحة تستند إلى مبادئ العدالة، والاحترام المتبادل، والشفافية، والتشارك في القرار. فالتضامن لا يعني فقط التوافق، بل القدرة على إدارة الاختلافات بشكل بنّاء، وتحويلها إلى مصدر قوة وليس ضعف.
كما يجب أن تشمل هذه التحالفات مبادرات للتعليم السياسي والتدريب العملي، بهدف تمكين المشاركين من فهم طبيعة النظام الإمبريالي وأساليب مقاومته، إضافة إلى بناء قدرات تنظيمية فعّالة تُمكنهم من التأثير في الساحات الوطنية والدولية. ويُعد دعم الإعلام البديل والتواصل الرقمي من الأدوات الحيوية في هذا السياق، إذ يتيح للعالم سماع أصوات المهمشين، وتجاوز السيطرة الإعلامية للأنظمة الكبرى.
لا نغفل كذلك أهمية العمل المشترك مع قوى عالمية مناهضة للرأسمالية والهيمنة، من يسار عالمي، وحركات نسائية، ومنظمات بيئية، وكل من يرفض الظلم على الصعيد الدولي، حيث تتلاقى الأهداف في بناء نظام جديد يقوم على التضامن والمساواة، وليس الاستغلال والهيمنة.
باختصار، فإن بناء تحالفات تضامن دولي حقيقي هو الخطوة المركزية في استراتيجية دول الجنوب للخروج من عباءة الهيمنة، وتأسيس نظام دولي متعدد الأقطاب، يسوده الاحترام المتبادل، والعدل، وحق تقرير المصير للشعوب. هذه التحالفات هي التي ستمنح النضالات الوطنية القوة المطلوبة، وتمنع الانقسامات التي يستغلها النظام الدولي للحفاظ على هيمنته.
يظل التضامن الدولي، ليس فقط خيارا استراتيجيا، بل ضرورة وجودية للشعوب التي تطمح إلى التحرر، حيث يمكن وحدها، عبر الوحدة والنضال المشترك، أن تفتح الطريق لعالم أكثر عدالة وكرامة إنسانية حقيقية.

07.الإعلام البديل ووسائل التواصل الاجتماعي: أدوات مركزية في بناء بدائل أممية لتحرر دول الجنوب.

في خضم المعركة الشرسة على السيطرة السياسية والاقتصادية والثقافية التي تشنها القوى الإمبريالية، برزت وسائل الإعلام وفضاءات التواصل الجماهيري كأرضية صراع محورية جديدة، حيث تتحكم قوى الهيمنة في تدفق المعلومات وتوجيه الوعي الجماهيري، محوّلة بذلك الإعلام الرسمي إلى سلاح فتاك يحافظ على شرعية الاستغلال والاستعمار الجديد. في المقابل، أصبح الإعلام البديل ووسائل التواصل الاجتماعي منبرًا حرًا وثوريًا يناضل لكسر هذا الاحتكار الإعلامي، ويشكل آفاقًا جديدة للنضال التحرري في دول الجنوب.
تحول الإعلام من احتكار إلى تمكين
تاريخيا، ظلت وسائل الإعلام الكبرى، التي تهيمن عليها شركات إعلامية عملاقة تتبع مراكز القوة في الولايات المتحدة وأوروبا، تعمل على إعادة إنتاج الخطاب الإمبريالي، وتشويه النضالات التحررية، وتقليل فرص انتصار حركات التحرر الوطني، عبر تصنيفها في إطار الإرهاب أو الفوضى. الإعلام التقليدي عمل كأداة للتحكم في التمثيل السياسي للقضايا، حيث يقوم بتصفية الأخبار التي لا تتناسب مع مصالح الدول الكبرى، ويروج لصور نمطية تعزز الانقسامات العرقية والطائفية، ويغيب صوت المهمشين.
في مواجهة هذا الوضع، ظهر الإعلام البديل كحركة مقاومة ذاتية لشعوب الجنوب، حيث أتيح للشباب والنشطاء والفاعلين الاجتماعيين إنشاء منصاتهم الخاصة، خارج سيطرة المؤسسات الرسمية، مستفيدين من ثورة الاتصالات الرقمية. منصات مثل فيسبوك، تويتر، يوتيوب، وتيك توك، أطلقت ثورة تواصلية حقيقية، سمحت بفضح المظالم التي تعانيها شعوب مثل فلسطين، السودان، اليمن، وغيرها، بصورة حقيقية ومباشرة، دون الحاجة إلى ترخيص أو وسيط.

08.الإعلام البديل كأداة لكسر الحصار المعرفي وتشكيل وعي جديد.

في فلسطين، على سبيل المثال، يلعب الإعلام البديل دورا أساسيا في كشف واقع الاحتلال الإسرائيلي، وحصار غزة، والتطهير العرقي، وحصار السكان عبر التجويع والتشريد والقتل المنهجي الذي يدعمه الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن، مما يجعل قضايا الشهداء واللاجئين في قلب المعركة الإعلامية الدولية، وينقل معاناة الفلسطينيين للعالم بصورة حية وصادمة لا تستطيع قنوات الهيمنة تجاهلها.
كذلك الحال في السودان وسوريا واليمن، حيث تستخدم الوسائط الرقمية لنقل مشاهد الحرب والقمع، ولتنظيم حملات التضامن الدولية، وإظهار أن القضية ليست محصورة في حدود الدول، بل هي مسألة إنسانية وأخلاقية تمس المجتمع الدولي بأسره. هذه الرؤية كانت مستحيلة عبر الإعلام التقليدي، الذي يحاول تغطية الجروح وحجب الحقيقة أو تقديمها عبر عدسة المنحازين.
التمكين السياسي والثقافي من خلال التواصل الرقمي
الإعلام البديل لا يقتصر على نقل الأخبار، بل هو بناء ثقافة سياسية جديدة، تشكلت عبر شبكات التواصل الاجتماعي، حيث يجتمع الناس لتبادل الأفكار، والتخطيط للنضالات، وتنظيم الاحتجاجات، وتوعية الجماهير بحقوقها. هذا التمكين يجعل من الإعلام الرقمي أداة ثورية فاعلة تقوض بناء النظام الإمبريالي، من خلال خلق سرديات مضادة، تعيد تعريف القضايا السياسية والاجتماعية، وتكسر منطق الهيمنة الثقافية التي تسعى لتصنيف شعوب الجنوب كضحايا بلا صوت أو فاعلية.
حركات مثل "الربيع العربي"، وحركات الاحتجاج في تشيلي ولبنان والجزائر، استندت بشكل كبير إلى قوة الإعلام البديل في التعبئة السريعة وتنظيم الناس، مما حول الميادين إلى فضاءات حية للنقاش السياسي والمقاومة الجماعية. هذا يدل على أن وسائل التواصل الاجتماعي هي ليست مجرد أداة تقنية، بل فضاء سياسي وثقافي ينبثق منه نضال سياسي جديد.

08.التحديات التقنية والسياسية لاستخدام الإعلام البديل.

رغم الإمكانيات الهائلة التي يوفرها الإعلام البديل، فإنّ استخدامه ليس خاليًا من التحديات المعقدة. القوى الإمبريالية تبنت أساليب متقدمة في الرقابة الإلكترونية والتجسس على الناشطين، مستخدمة تقنيات تعقب وتحليل البيانات لشل حركة المناضلين، ونشر المعلومات المزيفة، واختراق المنصات الرقمية، وتشويه سمعة الحركات الاجتماعية، مما يُعرّض النشطاء لقمع مباشر أو رقمي. من هنا، تبرز أهمية رفع الوعي التقني بين الحركات التحررية، وتطوير مهارات الأمن السيبراني، والحذر من الفخاخ الرقمية.
أيضا، يجب مواجهة خطر انتشار الأخبار الزائفة والتضليل الذي قد ينجم عن الاستخدام غير المسؤول لمنصات التواصل، حيث يمكن أن تتسبب المعلومات المغلوطة في إرباك الخطاب النضالي، وتفتيت الوحدة بين قوى التحرر، وإضعاف المصداقية أمام الجمهور العالمي. بناء إعلام بديل احترافي ومتقن، يراعي معايير المصداقية والشفافية، أصبح ضرورة لا غنى عنها.
الإعلام البديل في بناء تحالفات تضامن دولية
الجانب الآخر المهم للإعلام البديل هو دوره في بناء جسور التضامن الدولي بين الحركات التحررية في دول الجنوب وحركات اليسار والشعوب المضطهدة في شمال الكرة الأرضية. من خلال وسائل التواصل، تستطيع هذه الحركات التنسيق المباشر، وتبادل الخبرات، وتنظيم حملات تضامن، مما يخلق قوة عالمية موحدة ضد الاستغلال والهيمنة.
شبكات مثل حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) ضد الكيان الصهيوني، أو حركات التضامن مع نضالات الشعوب الأصلية في أمريكا اللاتينية، هي أمثلة حيّة على كيفية تحويل الإعلام البديل إلى قوة سياسية عالمية تضغط على السياسات الدولية، وتدفع الحكومات إلى مراجعة مواقفها.

09.الإعلام البديل كرافعة لانسحاب دول الجنوب وبناء بدائل أممية.

في سياق الحديث عن انسحاب دول الجنوب من الأمم المتحدة، يصبح الإعلام البديل العمود الفقري الذي يدعم هذه الخطوة، من خلال تعبئة الرأي العام، ونشر البدائل، وكشف عيوب المنظومة الدولية القائمة، والتواصل مع الحركات الاجتماعية العالمية لدعم هذا القرار. فالإعلام هو الأداة التي تحول قرارا دبلوماسيا إلى مشروع شعبي شامل، قابل للتنفيذ والاستمرار.
بالتالي، فإن بناء قدرات إعلامية بديلة في دول الجنوب هو استثمار سياسي استراتيجي، يسمح لهذه الدول ليس فقط بالخروج من الظل، بل بتشكيل روايات جديدة تُعيد كتابة تاريخ العلاقات الدولية، وتطرح النظام العالمي الجديد على أسس العدالة الاجتماعية، احترام السيادة، والتضامن الإنساني.
يبقى الإعلام البديل ووسائل التواصل الاجتماعي من أهم أدوات العصر التي تمكن الشعوب من مقاومة الهيمنة الفكرية والثقافية والسياسية. من خلالها يُبنى وعي شعبي متجدد، يُحفّز على النضال، ويؤسس لعالم جديد قائم على العدالة والمساواة، حيث تُسمع أصوات المهمشين، وتُحترم حقوقهم، ويُبنى نظام دولي يليق بكرامة الإنسان.

10.الخطوات العملية لإنجاز انسحاب دول الجنوب من الأمم المتحدة: مقترحات تنظيمية واستراتيجية لبناء بدائل أممية حقيقية.

إنّ قرار انسحاب دول الجنوب من منظمة الأمم المتحدة ليس مجرّد خطوة رمزية أو موقفا شعبيا، بل هو مشروع سياسي استراتيجي معقّد يتطلب تخطيطا دقيقا وتنفيذا منظّما ومدروسا على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية. هذه العملية يجب أن تُدار بشكل يضمن تحقيق أكبر أثر سياسي ودبلوماسي، وتحويلها إلى بداية فعلية لبناء نظام دولي جديد يعكس مصالح الشعوب المُهمشة، ويكسر احتكار الهيمنة الإمبريالية.
-أولا: بناء إجماع سياسي وطني واسع داخل كل دولة من دول الجنوب
الخطوة الأولى تبدأ داخل كل دولة على حدة، حيث يجب أن تُطرح مسألة الانسحاب من الأمم المتحدة في الحوارات السياسية والاجتماعية المفتوحة. يتطلب ذلك عقد ندوات وورشات عمل تجمع الأحزاب السياسية، الحركات الاجتماعية، النقابات، الأكاديميين، والمجتمع المدني، لشرح خلفيات الهيمنة داخل منظومة الأمم المتحدة، وتأثير الفيتو على قضايا التنمية والحقوق والسيادة.
هذه المرحلة تهدف إلى بناء توافق وطني عريض حول قرار الانسحاب، مستندا إلى وعي شعبي حقيقي، لا قرار حكومي منفرد أو استبدادي. فالنجاح في هذه المرحلة يضع الأساس لخطوات لاحقة، ويمنع عمليات التشويش والاحتكار السياسي التي قد تقوض المشروع.
-ثانيا: التنسيق الإقليمي بين دول الجنوب لبناء تحالفات مشتركة
بعد بناء الإجماع الوطني، يجب الانتقال إلى مرحلة التنسيق الإقليمي بين دول الجنوب، خصوصا داخل مجموعات مثل "حركة عدم الانحياز"، الاتحاد الأفريقي، رابطة دول أمريكا اللاتينية والكاريبي، وغيرها. يجب عقد مؤتمرات إقليمية لتوحيد الرؤى حول الاستراتيجية المشتركة للانسحاب، وتحديد الآليات القانونية والسياسية التي تضمن انسحابا موحدا يقلل من إمكانية استغلال الانقسامات.
هذا التنسيق الإقليمي يُعدّ خطوة مهمة لإنشاء جسور الثقة بين الدول، وتقوية الموقف التفاوضي على الساحة الدولية، حيث تظهر دول الجنوب ككتلة متماسكة وقادرة على فرض إرادتها، وليس مجرد مجموعات متفرقة سهلة التأثير والاختراق.
-ثالثا: وضع استراتيجية قانونية ودبلوماسية للانسحاب
الانسحاب من منظمة الأمم المتحدة يحتاج إلى فهم دقيق للأطر القانونية والدبلوماسية التي تحكم عضوية الدول في المنظمة. يجب أن يتم إعداد فرق قانونية متخصصة لدراسة البنود التي تسمح بالانسحاب، وتقييم الآثار القانونية على العلاقات الدولية، مثل الاتفاقيات الثنائية، حقوق العضوية في المنظمات المتفرعة، والالتزامات الدولية الأخرى.
كما يجب وضع خطة دبلوماسية لاستباق ردود الفعل الدولية، والتفاوض مع حلفاء محتملين داخل وخارج المنظومة الأممية لضمان عدم تعرض الدول المنسحبة لعزلة أو عقوبات اقتصادية وسياسية.
-رابعا: بناء بدائل أممية تستند إلى مبادئ العدالة والحرية
انسحاب دول الجنوب لا يعني فقط الانفصال، بل هو خطوة نحو بناء بدائل مؤسسية تمثل مصالح الشعوب بشكل حقيقي، بعيدًا عن التبعية للهيمنة الغربية. يمكن أن يشمل ذلك تأسيس منتديات دولية جديدة، أو تقوية المنظمات الإقليمية القائمة لتصبح هيئات أكثر فعالية وشرعية.
ينبغي أن تكون هذه البدائل مبنية على أسس ديمقراطية، وتشارك فيها كل فئات المجتمع، من حكومات، منظمات شعبية، ونقابات عمالية، وتضع في أولوياتها قضايا التنمية المستدامة، حقوق الإنسان، وحق تقرير المصير، مع نظام رقابي يمنع الاستبداد الداخلي.
-خامسا: تفعيل حملات إعلامية وطنية وإقليمية ودولية
نجاح أي مشروع انسحاب يتطلب تحريك الرأي العام محليا ودوليا، عبر حملات إعلامية قوية توضح أسباب الانسحاب، وتسلط الضوء على مظالم النظام الأممي الحالي. يجب توظيف الإعلام البديل ووسائل التواصل الاجتماعي لنشر رسالة موحدة توضح أن هذه الخطوة هي جزء من حركة أوسع نحو العدالة والتحرر.
هذه الحملات يجب أن تتضمن شهادات من نُشطاء ومفكرين وشخصيات سياسية تدعم القرار، مع تحليل نقدي للمنظومة الحالية، وتقديم بدائل عملية، مع إشراك الفئات الشبابية والنسائية والأقليات لضمان شمولية الخطاب.
-سادسا: تعزيز التعاون الاقتصادي والتنموي بين دول الجنوب
الانسحاب من الأمم المتحدة قد يعرض دول الجنوب لصعوبات في الوصول إلى برامج الدعم والتنمية التي توفرها الوكالات الأممية. لذلك، من الضروري وضع آليات تعاون اقتصادي وتنموي بديلة تدعم الاستقلالية المالية، وتعزز المشاريع المشتركة، مثل إنشاء صناديق تنموية إقليمية، وشبكات تعاون في مجالات الزراعة والصناعة والطاقة والتعليم.
هذا التعاون الاقتصادي يعزز التضامن السياسي، ويمنح الدول قدرة على مقاومة الضغوط الخارجية التي قد تستهدفها بسبب قرار الانسحاب.
-سابعا: بناء مؤسسات ديمقراطية محلية تعكس إرادة الشعوب
في الوقت الذي تسعى فيه دول الجنوب للانسحاب من المنظومة الدولية القائمة، يجب أن يتم البناء في الداخل، عبر تقوية المؤسسات الديمقراطية الحقيقية التي تعبر عن إرادة الشعوب، وتحمي حقوق الإنسان، وتحارب الفساد، وتفتح المجال للمشاركة الشعبية الواسعة في اتخاذ القرار.
فبلا ديمقراطية محلية حقيقية، يصبح من الصعب على أي دولة أن تقدم نموذجًا تحرريًا ناجحًا على المستوى الدولي، أو أن تحافظ على استقرارها الداخلي في مواجهة الضغوط الخارجية.
انسحاب دول الجنوب كخطوة انطلاقة لتحرير عالمي
إن انسحاب دول الجنوب من منظمة الأمم المتحدة ليس نهاية، بل بداية لتحرر شعوب طالما عانت من الإقصاء والتهميش والاستغلال. لكنه يتطلب إرادة سياسية قوية، وعملا تنظيميا دقيقا، وتحالفات إقليمية ودولية متينة، وتوظيفا استراتيجيا لكل الموارد السياسية والثقافية والإعلامية.
هذه العملية ليست مجرد خروج من منظمة، بل هي إعلان رفض لهيمنة الإمبريالية القديمة، وفتح باب لبناء نظام دولي جديد قائم على العدالة، والمساواة، والتضامن الإنساني، حيث تُحترم السيادة، وتُضمن الحقوق الأساسية لكل الشعوب دون تمييز أو قهر.
في هذا المسار، يجب أن تتحد كل القوى الوطنية الشعبية الحقيقية في دول الجنوب، من يسار ويسار راديكالي، منظمات شعبية، نقابات عمالية، حركات نسائية، وجماعات شبابية، لتصنع قوة تاريخية غير مسبوقة تعيد صياغة مصير العالم.
فكما قال الرفيق الثوري فرنسيسكو فيلا:
"إن الحرية لا تُمنح، بل تُنتزع بدم الشهداء وإرادة الشعوب الحرة."
تأثير انسحاب دول الجنوب من الأمم المتحدة على السياسة الدولية الكبرى وكيفية تعاطي القوى العظمى مع هذه الخطوة
إن قرار دول الجنوب الجماعي بالانسحاب من منظمة الأمم المتحدة سيكون حدثا تاريخيا ذا تبعات واسعة وعميقة على السياسة الدولية، وهو بمثابة زلزال سياسي قد يعيد تشكيل موازين القوى العالمية، ويضع حدا لهيمنة القوى العظمى، خصوصا الولايات المتحدة وأوروبا، على المؤسسات الدولية، ويضع أمام النظام العالمي تحديات غير مسبوقة.

11.ارتدادات الانسحاب على الهيمنة الأمريكية والغربية.

الهيمنة الأمريكية على منظمة الأمم المتحدة والمنظومة الدولية القائمة ليست مجرد مسألة رمزية، بل هي آلية مركزية تمكنها من فرض أجنداتها السياسية والاقتصادية، وتوجيه القرارات الدولية بما يخدم مصالحها، خصوصا عبر حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، الذي استخدم مرارًا لتبرئة إسرائيل من جرائمها ضد الشعب الفلسطيني، وحماية مصالحها في مناطق الصراع.
انسحاب دول الجنوب، التي تمثل الغالبية الساحقة من دول العالم، من هذه المنظمة، سيقلص بشكل جذري شرعية هذه الهيمنة، ويهز أسس النظام الدولي القائم، حيث ستفقد القوى الغربية أداة الضغط الحاسمة التي تستخدمها لتقويض سيادة الدول المستقلة وتحويلها إلى تابعين سياسيين واقتصاديين.
ستشعر الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بتهديد مباشر، مما قد يدفعهم إلى تبني مواقف أكثر عدوانية، سياسية أو اقتصادية، لمحاولة منع انتشار هذه الحركة أو إضعافها. هذا قد يترجم في حملات إعلامية مضللة، إجراءات عقابية اقتصادية، أو حتى تدخلات عسكرية غير مباشرة تحت ذرائع حفظ النظام الدولي.

12.تداعيات على نظام التحالفات الدولية.

انسحاب دول الجنوب من الأمم المتحدة سيعيد رسم خريطة التحالفات الدولية. فالدول العظمى قد تحاول إعادة ترتيب تحالفاتها مع دول فردية أو مجموعات إقليمية لا تشارك في الانسحاب، لتعزيز نفوذها في مناطق استراتيجية. لكن في المقابل، ستتسارع جهود دول الجنوب لتشكيل تحالفات جديدة تعتمد على مبادئ السيادة والعدالة الاجتماعية، وتقاسم الثروات، والتعاون التنموي المستدام.
ومن المرجح أن تظهر قطبية عالمية أكثر تعددية، مع صعود كتلة دول الجنوب بوصفها قوة جيوسياسية جديدة، تفرض نفسها على الساحة الدولية ببرنامج تحرري يرفض الهيمنة ويطالب بإصلاحات جذرية في المؤسسات الدولية أو حتى تأسيس مؤسسات جديدة.

12.ردود فعل القوى الكبرى: بين الاحتواء والردع.

تاريخيا، عند مواجهة تحركات تحررية جماعية، اعتمدت القوى العظمى على سياسة "الاحتواء" من جهة، و"الردع" من جهة أخرى. في مرحلة الاحتواء، قد تسعى القوى الغربية إلى تقويض الوحدة بين دول الجنوب، عبر تقديم حوافز سياسية واقتصادية لبعض الدول مقابل البقاء داخل المنظومة الدولية، أو حتى استخدام أدوات الفساد والتدخل السري لإضعاف قيادة الحركات التحررية.
أما الردع فقد يشمل عمليات اقتصادية مثل فرض العقوبات أو استهداف البنى التحتية للدول المنسحبة، بالإضافة إلى دعم فصائل داخلية معادية للحركات التحررية. كما قد تلجأ إلى فرض حصار دبلوماسي أو عسكري في حالات معينة، خصوصًا في المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية مثل الشرق الأوسط وأفريقيا.
ولكن، كما توضح تجارب التاريخ، فإن الردع العسكري والسياسي غالبا ما يؤدي إلى تصعيد المقاومة الشعبية، وخلق موجات تضامن دولية غير مسبوقة، تعمق من عزيمة الشعوب وتوسع نطاق النضال.

12.انعكاسات على قضايا حقوق الإنسان وقضايا الشعوب المضطهدة.

من جهة أخرى، فإن انسحاب دول الجنوب سيعيد تعريف مفهوم حقوق الإنسان على المستوى الدولي. بدلاً من أن تبقى قضية حقوق الإنسان أداة تستخدمها القوى الكبرى لفرض أجنداتها السياسية، ستصبح جزءًا من مشروع تحرري شامل يدافع عن الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للشعوب، خاصة في مجالات الحق في التنمية، والكرامة، وحق تقرير المصير.
كذلك، سيصبح لانسحاب دول الجنوب أثر إيجابي في دعم القضايا العادلة مثل القضية الفلسطينية، استقلال الشعوب الأصلية، مقاومة الاستعمار الجديد، والمناهضة للحروب الإمبريالية التي تشنها القوى الكبرى تحت شعارات زائفة.

13.فرصة لإعادة بناء النظام الدولي على أسس جديدة.
في نهاية المطاف، يمثل انسحاب دول الجنوب من الأمم المتحدة فرصة تاريخية لإعادة بناء النظام الدولي بشكل أكثر عدالة، حيث تُلغى الفيتوهات التي تمنع اتخاذ قرارات حقيقية تعكس إرادة غالبية شعوب الأرض، وتُؤسس لهيئات دولية متعددة الأقطاب تحترم سيادة الدول وتدافع عن حقوق الإنسان دون انتقائية.
هذا الأمر لن يتحقق دون نضال مستمر، ودعم شعبي واسع، وتحالفات دولية قوية، مع إعادة التفكير في مفهوم السيادة والتعاون بين الدول بما يخدم الإنسان وكوكب الأرض.
إن تحليل مواقف القوى الكبرى يُظهر أنها ستتخذ مزيجا من الاستراتيجيات التفاوضية، والضغوط الاقتصادية، وربما العسكرية، لكنها ستواجه إرادة شعوب الجنوب المتزايدة في التحرر، والتي ستعيد تشكيل خارطة السياسة الدولية، ما يجعل هذا الانسحاب بداية لتغيير عميق وجذري في النظام العالمي.

14.سيناريوهات مواجهة دول الجنوب للتحديات الناجمة عن الانسحاب من الأمم المتحدة وبناء استراتيجيات مقاومة فعّالة.

في ظل الهجمة المضادة المحتملة من القوى العظمى ضد قرار انسحاب دول الجنوب من منظمة الأمم المتحدة، تواجه هذه الدول تحديات جسيمة تستدعي تفعيل خطط دفاعية واستراتيجية متعددة الأبعاد، تهدف إلى حماية مكتسبات النضال، وتثبيت موقعها الدولي الجديد، وتطوير بدائل مستدامة تضمن استمرار حركات التحرر وتوسعها.
-أولا: تعزيز الوحدة الداخلية والتماسك السياسي
أحد أهم مفاتيح النجاح يكمن في تعزيز الوحدة الوطنية والإقليمية بين دول الجنوب، وذلك عبر بناء مؤسسات حوار دائمة ومستدامة تشرك جميع القوى السياسية والاجتماعية، من أحزاب يسارية وقوى وطنية ومستقلين ومنظمات المجتمع المدني، لمنع الاستغلال الخارجي للانقسامات الداخلية.
هذا التماسك يمنح دول الجنوب القدرة على اتخاذ قرارات موحدة وسريعة، ويحد من فرص القوى الكبرى في تفتيت الصفوف عبر اللعب على الانقسامات العرقية أو الطائفية أو السياسية. كما يعزز من الشرعية الشعبية لهذه الخطوة، مما يصعب على القوى الخارجية تبرير تدخلاتها.
-ثانيا: تطوير القدرات الدبلوماسية البديلة
مع انسحاب دول الجنوب من المنظمة الدولية، يصبح من الضروري تطوير منصات دبلوماسية بديلة قائمة على التعاون الجنوبي الجنوبي، تشمل آليات التفاوض المشتركة، وتبادل الخبرات الدبلوماسية، وإنشاء منصات دولية جديدة تقوم مقام الأمم المتحدة على أسس عادلة.
يجب أن تعمل هذه المنصات على بناء تحالفات قوية مع دول مؤثرة خارج منظومة الهيمنة، مثل الصين وروسيا والهند، والاستفادة من مواقفها المناهضة لأحادية القطبية، دون التورط في تنافسات قد تضر بمصالح دول الجنوب.
-ثالثا: تأسيس آليات اقتصادية متينة ومستقلة
تتعرض دول الجنوب في مرحلة ما بعد الانسحاب إلى مخاطر اقتصادية كبيرة نتيجة لفقدان الدعم الذي تقدمه بعض وكالات الأمم المتحدة، وعزلتها المحتملة من الأسواق والمؤسسات المالية الدولية.
لذلك، يجب إنشاء مؤسسات اقتصادية إقليمية قادرة على توفير الدعم المالي، وتمويل المشروعات التنموية، وضمان استقرار العملات المحلية، وتعزيز التجارة البينية دون وسيط، مما يقلل الاعتماد على الاقتصاد العالمي المسيطر عليه من القوى الكبرى.
-رابعا: بناء شبكة إعلامية بديلة قوية وموحدة
إن الإعلام هو الساحة الحاسمة في معركة شرعية الانسحاب، ولذلك يجب بناء شبكة إعلامية مشتركة تجمع بين مختلف دول الجنوب، تستخدم التكنولوجيا الحديثة، وتنتج محتوى إعلاميا موحدا ينقل أسباب الانسحاب وأهدافه ويكسر الحصار الإعلامي المضاد.
هذه الشبكة تحتاج إلى تطوير خبرات إعلامية، أمن رقمي قوي، واستراتيجية تواصل فعّالة مع الجماهير المحلية والعالمية، مع تحالفات مع منظمات إعلامية مستقلة في الشمال لدعم الرسائل وتحقيق انتشار واسع.
-خامسا: تعزيز القدرات الأمنية والدفاعية الذاتية
تتوقع دول الجنوب أن تواجه محاولات تدخل أو ضغوط أمنية وعسكرية من القوى الكبرى، ولذلك يجب تعزيز القدرات الأمنية الداخلية، وتطوير استراتيجيات دفاعية غير تقليدية تعتمد على التنسيق الإقليمي، وبناء قوات دفاع شعبية تحمي المكاسب الوطنية.
كما يجب استثمار الدبلوماسية الأمنية لمنع وقوع الصراعات الإقليمية التي قد تستغلها القوى الكبرى لتفتيت التحالفات.
-سادسا: استثمار التحركات الشعبية والحركات الاجتماعية
تشكّل الحركات الشعبية والنقابات العمالية والنسائية والشبابية رافعة أساسية للاستمرارية والثبات في مواجهة الضغوط الخارجية. لذا، من الضروري دعم هذه الحركات، وتحفيز المشاركة الواسعة في النضالات، وتنظيم حملات توعية جماهيرية تحافظ على الزخم الشعبي لصالح الانسحاب وتؤسس لمرحلة جديدة من المقاومة.
هذا الجانب يجعل من الانسحاب مشروعا مجتمعيا حقيقيا لا يقتصر على النخب السياسية فقط، بل يعبّر عن إرادة شعبية متجذرة.
-سابعا: التفاوض الذكي والمرن مع القوى العظمى
رغم الانسحاب، يجب على دول الجنوب أن تبقى على استعداد للتفاوض مع القوى العظمى على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، ورفض الهيمنة، وذلك لتجنب الانعزال التام، وتحقيق مصالحها التنموية.
يجب أن يكون التفاوض مستندا إلى قواعد واضحة، ويهدف إلى بناء علاقات قائمة على السيادة والندية، وليس على التبعية، مع استغلال نقاط ضعف الخصوم لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية.

بناء استراتيجية مقاومة متكاملة لتثبيت الانسحاب وفتح أفق جديد.

تحتاج دول الجنوب إلى استراتيجية مقاومة شاملة، تجمع بين التماسك السياسي، البناء الاقتصادي، القوة الإعلامية، القدرات الأمنية، والتحشيد الشعبي، مع مهارات دبلوماسية ذكية. بهذا المزيج المتوازن، يمكنها ليس فقط مواجهة محاولات احتواء الانسحاب، بل وتحويله إلى نقطة انطلاق حقيقية لبناء نظام عالمي جديد يتسم بالعدالة والمساواة.
النجاح في هذه المعركة لن يكون سهلا، لكن تاريخ الشعوب المناضلة يؤكد أن الإرادة الجماعية والتخطيط الممنهج يمكن أن يهزّ أكبر أنظمة الهيمنة، ويفتح أبواب الحرية لشعوب طالما عانت تحت نير الاستعمار والهيمنة.
سيناريوهات الرد الدولي على انسحاب دول الجنوب من الأمم المتحدة واستراتيجيات التعامل معها
عندما تتخذ دول الجنوب قرارا جماعيا بالانسحاب من منظمة الأمم المتحدة، سيشكل ذلك تحديا عميقا للنظام الدولي القائم، ويدفع القوى الكبرى إلى تبني استجابات متنوعة، تتراوح بين محاولة احتواء الحركة، وفرض العقوبات، واستراتيجيات الضغط السياسي والاقتصادي، وربما التصعيد العسكري في بعض الحالات. فهم هذه السيناريوهات يمكّن دول الجنوب من بناء خطط مواجهة متكاملة تزيد من فرص نجاح مشروع التحرر العالمي.
-سيناريو محاولة الاحتواء والتقسيم:
في هذا السيناريو، تحاول القوى العظمى احتواء تأثير الانسحاب عبر تفكيك الوحدة بين دول الجنوب. ستستخدم وسائل دبلوماسية وسياسية لتقديم عروض فردية لبعض الدول المنسحبة مقابل إعادة الانضمام أو التحفظ على الانسحاب، مستغلة الخلافات الإقليمية أو السياسية الداخلية.
كيف تواجه دول الجنوب؟
بناء تحالفات إقليمية صلبة وعابرة للانقسامات التقليدية (عرقية، دينية، سياسية)
تأسيس آليات للمساءلة المشتركة لضمان احترام قرارات الانسحاب
تعزيز التضامن الشعبي عبر حملات إعلامية مشتركة تحارب محاولات الطعن في شرعية القرار
-سيناريو العقوبات الاقتصادية والضغط المالي:
تعتمد القوى الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، على أدوات الاقتصاد والسياسة المالية، مثل العقوبات، وحجب التمويل الدولي، وقطع المساعدات التنموية، لضرب استقرار دول الجنوب وتحجيم قدراتها على تنفيذ البدائل.
كيف تواجه دول الجنوب؟
تطوير شبكات اقتصادية بديلة للتعاون الجنوبي الجنوبي، وتعزيز التجارة البينية
إنشاء صناديق تنموية إقليمية مستقلة لدعم المشاريع المحلية
تنويع الشركاء التجاريين والسياسيين خارج نطاق الهيمنة الغربية (الصين، روسيا، دول الجنوب الأخرى)
-سيناريو التصعيد العسكري والتهديدات الأمنية:
في بعض الحالات، قد تلجأ القوى الكبرى إلى استخدام القوة العسكرية بشكل مباشر أو غير مباشر عبر دعم جماعات مسلحة داخلية أو إقليمية، بهدف زعزعة الاستقرار الداخلي، وخلق بيئة توتر تسمح بالتدخل العسكري.
كيف تواجه دول الجنوب؟
تعزيز القدرات الدفاعية الذاتية وتطوير استراتيجيات دفاعية غير تقليدية
توحيد الجهود الأمنية الإقليمية ومشاركة المعلومات intelligence لتجنب التفجيرات والصراعات
دعم الحركات الشعبية التي تقاوم الحروب والاحتلالات وتعزيز المناعة الاجتماعية ضد الانقسامات
-سيناريو الحرب الإعلامية والتشويه
تستخدم القوى العظمى الإعلام التقليدي ووسائل التواصل الاجتماعي لنشر معلومات مغلوطة، وترويج خطابات تحريضية لتشويه صورة دول الجنوب، وإضعاف دعم شعوبها وحركاتها التحررية داخل وخارج حدودها.
كيف تواجه دول الجنوب؟
بناء شبكة إعلامية متطورة وموحدة تغطي محليا ودوليا، وتنقل الرواية الحقيقية للنضال
تدريب الناشطين والصحفيين على مواجهة الأخبار الكاذبة والدعاية المضادة
استثمار الإعلام البديل ووسائل التواصل الاجتماعي لتعزيز التضامن الشعبي العالمي
-سيناريو التفاوض والضغط الدبلوماسي:
قد تحاول القوى الكبرى إعادة ضم دول الجنوب إلى المنظمة الأممية عبر مفاوضات ودبلوماسية مكثفة، باستخدام وعود أو تهديدات، مستغلة بعض الانقسامات السياسية أو ضعف القدرات الاقتصادية لبعض الدول.
كيف تواجه دول الجنوب؟
إرساء مبدأ عدم التراجع عن القرار دون تحقيق شروط واضحة للعدالة الدولية
التنسيق المسبق بين دول الجنوب لتوحيد الموقف التفاوضي
ربط المفاوضات بتحقيق إصلاحات حقيقية في النظام الدولي أو بإنشاء بدائل مؤسساتية
تحصين مشروع التحرر وإعادة صياغة نظام عالمي جديد:
تُظهر هذه السيناريوهات حجم التحديات التي ستواجه دول الجنوب في مسيرتها للتحرر من الهيمنة داخل النظام الأممي، لكنها أيضًا تبرز الفرص الحقيقية لإعادة بناء عالم أكثر عدالة وتوازنا. إن قدرة دول الجنوب على مواجهة هذه التحديات بنجاح تعتمد على التنظيم الداخلي، الوحدة، الوعي السياسي، والاستعداد للتضحية من أجل مشروع تاريخي يحمل آمال الملايين.
بالتخطيط المدروس، والتنسيق المتقن، واستخدام كل أدوات النضال الممكنة، من دبلوماسية، اقتصادية، إعلامية، وأمنية ، يمكن لدول الجنوب أن تحول انسحابها من الأمم المتحدة إلى بداية حقبة جديدة من التحرر، وتعيد كتابة تاريخ العلاقات الدولية على أساس جديد، تقوم فيه السيادة الشعبية والعدالة الاجتماعية في قلب النظام الدولي.

إن انسحاب دول الجنوب من منظمة الأمم المتحدة ليس مجرد خطوة دبلوماسية تقليدية، بل هو إعلان ثورة حقيقية في ميدان السياسة الدولية، يحمل بين طياته آمالا كبيرة في إعادة بناء نظام عالمي جديد على أسس العدالة والمساواة. لقد أثبت التاريخ مرارا أن النظم الظالمة لا تنهار إلا بإرادة الشعوب ونضالها المستمر، وأن التحولات الكبرى لا تتحقق إلا عندما تتحد إرادات الجماهير في سبيل تغيير جذري.
يقول المناضل الجنوبي أفريقي نيلسون مانديلا: "يبدو دائما مستحيلا حتى يتم إنجازه." هذه المقولة تنسجم تماما مع تحدي انسحاب دول الجنوب من منظومة أممية احتكرتها قوى الإمبريالية. فبرغم صعوبة المهمة والتحديات الكثيرة التي تنتظرها، فإن الإصرار الجماعي والعمل الموحد يشكلان الأساس الوحيد لتحقيق هذا الحلم.
إن التاريخ مليء بالشواهد التي تؤكد أن التغيير يبدأ من رفض الظلم، وأن التضامن بين الشعوب هو السلاح الأقوى ضد سياسات القهر والإقصاء. فكما قال الأمين العام السابق لحركة عدم الانحياز، جواهر لال نهرو: "إن وحدة دول الجنوب ليست خيارا، بل ضرورة حتمية لمواجهة الهيمنة وإعادة بناء عالم متوازن." فهذه الوحدة ستقود إلى بناء مؤسسات دولية جديدة، قادرة على أن تمثل إرادة الشعوب وتحقق تنميتها المستدامة.
إن الأمل في مستقبل أكثر عدلا ينبع من العمل الجماعي والتخطيط الاستراتيجي، مع استثمار كل الوسائل المتاحة من دبلوماسية، إعلام، اقتصاد، وأمن، لتحقيق استقلال حقيقي لا يُقهر. يجب على دول الجنوب أن تؤمن بأن الحرية لا تُعطى، بل تُنتزع، وأن النضال هو الثمن الذي يجب دفعه لبناء عالم لا مكان فيه للهيمنة أو الظلم.
نستذكر كلمات الثوري والفيلسوف الشيوعي فلاديمير لينين: "ثورة الشعوب لا تقاس بالعدد، بل بمدى إصرارها على تحقيق العدالة وضرب أسباب الاستغلال." وإن حركة انسحاب دول الجنوب من الأمم المتحدة، في جوهرها، هي ثورة مدنية كبرى، تعبر عن رفض تاريخي لهيمنة القلة على مصير الملايين، ومبادرة لبناء عالم جديد يحقق فيه كل إنسان حقه في الحياة الكريمة والكرامة.



#رياض_الشرايطي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحرف ساحة صراع طبقيّ: تفكيك الخطاب وتحرير اللغة من الهيمنة.
- بيان نواة مجموعة يسارية متمرّدة
- الرّأس
- الى الرفيق جورج ابراهيم عبدالله مباشرة
- اليسار المتحزّب واليسار المستقل: بين البيروقراطية والمقاومة. ...
- عالم متعدد الأقطاب الإمبريالية: خرافة التوازن وخطر التجزئة.
- صدى النازية في قلب الحداثة.
- قراءة سريعة في كتاب معذّبو الأرض لفرانز فانون
- ردّ على تفاعل نقدي من رفيق مع مقال- هل لا يزال لليسار معنى ف ...
- هل لا يزال لليسار معنى في ظل العولمة النيوليبرالية؟ .
- من اضغاث حقيقة متّهمة بالحلم. من المجتمع المدني إلى الجبهة ا ...
- الرّئيس العربي : حين يتحوّل الصندوق الانتخابي إلى بوّابة للع ...
- الإمبريالية في جسد جديد صراع الغاز، والمضائق، والعقول...
- الحرب التي تعيد ترتيب الجحيم: حين لا يكون الاصطفاف كافيا.
- قراءة لرواية -1984- لجورج أورويل. رواية ضدّ الزّمن ومركّبة ع ...
- قراءة تفكيكية في رواية - ورقات من دفاتر ناظم العربي - لبشير ...
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي.
- قراءة في قصّة “رحاب” من المجموعة القصصية - بلايك - للشاعر و ...
- -منتصر السعيد المنسي-: حفر في منطوق شهادة ذاتية ضد نسيان الط ...
- غزة تحترق: تاريخ حرب إبادة جماعية تقودها الصهيونية العالمية ...


المزيد.....




- ظبي بأنف غريب.. ما حكاية السايغا الذي نجا بأعجوبة من الانقرا ...
- مصدر إسرائيلي يكشف لـCNN تطورات مفاوضات وقف إطلاق النار في غ ...
- حسام أبو صفية لمحاميته: هل ما زال أحد يذكرني؟
- -إكس- و-واتساب- في قلب جدل جديد: تحقيق يرصد حسابات يمنية ترو ...
- الوحدة الشعبية: استهداف سورية العربية حلقة لاستكمال مشروع ال ...
- مبادرة -صنع في ألمانيا-: أكثر من 60 شركة ألمانية تتعهد باستث ...
- لماذا لم تكشف بغداد عن هوية المتورطين بهجمات المسيرات؟
- بدء خروج العائلات المحتجزة من السويداء -حتى ضمان عودتها-
- عاجل| وسائل إعلام إسرائيلية: سلاح الجو يهاجم أهدافا للحوثيين ...
- شاهد.. مطاردة مثيرة وثقتها كاميرا من داخل دورية الشرطة تعبر ...


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رياض الشرايطي - جنوب يخرج من ظلّ الأمم المتّحدة: مقترحات للفكاك من نظام الغلبة.