أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علوان حسين - رجع الوجع / رواية بحلقات / 4















المزيد.....

رجع الوجع / رواية بحلقات / 4


حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي

(Hussain Alwan Hussain)


الحوار المتمدن-العدد: 3500 - 2011 / 9 / 28 - 23:41
المحور: الادب والفن
    


بعد خروج الرائد عبد الله الدليمي من الغرفة ، يطلب الطبيب من الممرضة جنان غلق باب الغرفة المفتوح ، و قفله بالمفتاح . و ما أن تتوجه جنان نحو الباب ، حتى تشاهد رجلاً عملاقاً يقف عند الباب . و يبادرها بالسؤال ، و هو مهموم :
- الطبيب الخفر موجود ، لطفاً ؟
- نعم !
- أريد أن أكلمه كلمتين على إستعجال ، لطفاً .
- تفضل !
يدخل الزائر ، يؤدي التحية العسكرية بالاستعداد ، و يقدم نفسه :
- الأمين : سلوان محمود كريم ، سيدي !
- تفضل ، أخي !
- سيدي ، زوجتي راقدة في ردهة الولادة في هذه المستشفى الآن ، و قد جئتك أطلب منك السماح لي بإجازة زمنية لعيادتها ! هذه هي الولادة الأولى لها ، سيدي ، و أخشى أن تتعسر و أنا لست إلى جانبها !
- و من يوجد في غرفة الإستعلامات غيرك ؟
- لا يوجد أحد ! ساعة واحدة و أعود . أرجوك ، سيدي !
- طيب . كم هي الساعة عندك الآن ؟
- الثانية عشرة و الربع ، سيدي !
- إذن لديك إجازة زمنية لغاية الواحدة و الربع ! هل يرضيك هذا ؟
- نعم ، سيدي !
- أعطني المفاتيح ! و لا تخذلني ، أرجوك ! متى تنتهي إجازتك الزمنية ؟
- الواحدة و الربع ، سيدي !
- لا تتأخر عن الوقت المذكور ، فلدي مرضى كثر في الردهة الباطنية الثالثة لم أزرهم بعد !
- تؤمر ، سيدي ! تفضل المفاتيح !
- قل لي سيد سلوان : أيهما تفضل : المولود الذكر ، أم الأنثى ؟
- كل الذي يرزقني به الله هو خير و بركة ، سيدي !
- حيّاك ! تفضل !
- شكراً ، سيدي !
- مبروك مقدماً !
- شكراً ، سيدي !
بعد قفل باب الإستعلامات ، تعود جنان للغرفة . تجد الطبيب و هو يبدل زجاجة المغذي ، و يزرق سوائل الأدوية فيها . تعاونه في إستبدال كيس الإدرار ، و في سحب نماذج الدم للفحص . كل ذلك ، و ميثم لا يبدي أدنى حركة ، و عقله يفور ، و قد تفاقمت أوجاعه فبلغت أوجها !
- حبيبتي جنان ، هل رأيتِ هذا الحقير ، مساعد مدير الأمن ، كيف يتصرف ؟
- إنه إنسان عجيب غريب !
- هذا الجبان يريد عض أنف مريض غائب عن الوعي !
- هل لاحظت ، دكتور ، أنه لا يستخدم أبداً كلمة "شكراً" ، و لا يحيي بتحية اللقاء و لا الوداع ؟
- هل تعرفين السبب في أستنكافه عن ذلك ؟
- كلا ، مطلقاً !
- لأنه يعتبر كل الناس خدماً له ! بل إنه يعتبر تحدثه معنا فضلاً منه علينا ! بالقير و زيادة علينا ! إننا نستحق ما هو أسوأ من هذا ! عندما يسود القوم جهلاءهم فلا بد أن يصبحوا خارج التاريخ ، و لن تسمع من أخبارهم غير القتل و التدمير !
- هل لاحظت مقدار بخله ! لقد أخذ كل كبسول الپونستان مني ، في حين أن ثمنه في الصيدليات تافه ، و هو ضابط أمن ، و رواتبه و مخصصاته تصل إلى عشرة آلاف دينار شهرياً !
- مثله لا يفوت حتى الزبالة !
- الغريب هو أنه لديه أبن رغم كونه عنّيناً . من أين جاء بهذا الإبن ؟
- و من يدري ؟
- هل هناك إحتمال و لو ضعيف جداً بقدرته على الإنجاب ؟
- لا توجد هكذا بقّة تقشر اللب ! الرجل عقيم عقم البغل ، و يستحيل عليه تخصيب البويضة !
- و ما ذا عن حالات الإسقاط عند زوجته التي تحدث عنها ؟
- لا بد أنها من أبو وليد ، وليس من مساعد مدير الأمن !
- شيء لا يصدق !
- هل لاحظتِ كيف أنه تظاهر بالتغابي عندما أبلغته بضمور خصيتيه ، و فشلهما في أداء وظيفتيهما ؟
- لعله لا يعلم ما هي وظيفة الخصيتين !
- بل يعلم ، و لكنه يَتَبالَهْ !
- أي أمٍّ هذه التي لا تستطيع إكتشاف أن كيس الصفن لوليدها خال من البيضتين ! حتى نساء الرعيان يعرفون ذلك ! ثم ، هل رأيت كيف أنه يحول مصالحه الشخصية إلى مصالح عليا فوق مستوى البشر بربطها بمصلحة و أمن الحزب و الثورة !
- طبعاً ! أنها فرصته الذهبية لكي يحقق ما يريد ! الدكتاتورية لا تخدم غير الإنتهازيين و الحرامية ! و لكن لنترك هذا الموضوع الذي يسبب دوخة الرأس ، ونتحدث عن موضوعنا : أنا محتاجك موت ، و أريدك الآن !
- و لكن المكان غير مناسب !
- بالعكس ، أنه أنسب مكان ! مقفل ، و خال حتى من الشبابيك !
- لماذا لا نذهب لغرفة الطبيب الخفر في الردهة ! توجد هناك غرفتان بالأسرة !
- و لكنك تعلمين بأنهما محجوزتان : دكتور سمير و زينب ، و دكتور رياض و أميرة !
- صحيح ! هل تعلم أن أميرة حامل من دكتور رياض ؟
- مسكينة : إنه لن يتزوجها مطلقاً !
- و لكن لماذا ؟ فهي جميلة جداً ، و تحبه ، و خريجة كلية ، و من عائلة محترمة ! ما الذي يريد الرجل من المرأة أكثر من هذا ؟
- قلت لك أنه لن يتزوجها أبداً . أنني أعرف رياض حق المعرفة : لن يتزوج أبداً ممن تستسلم له مقدماً ! أرجوكِ أنقلي هذا الكلام للست أميرة ، و انصحيها بأن أفضل شيء تعمله هو أن تسقط الجنين حالأ و بدون تأخير !
- مسكينة ! أنها محتفظة به كوسيلة للضغط على الدكتور رياض لكي يتزوجها !
- غيرها كان أذكي منها و فشل . في الكلية حملت منه نسرين ، و بقيت طيلة شهرين تتوسل إليه الإيفاء بوعوده لها بالزواج فما اهتزت له قصبة .
- و ما لذي حصل ؟
- قال لها بأنها يجب أن تتحمل نتيجة خطيئتها ، و أن تتوقف عن إزعاجه ، و إلا فأنه سيقيم عليها الدعوى ، و يتهمها بمحاولة رمي خطيئتها عليه ! و عندما أدركت المسكينة مدى سفالته ، أصيبت بخيبة الأمل الشديدة و إنتحرت . رمت بنفسها تحت عجلات شاحنة صهريج نفط أمام داره ! و كتبت لعميد الكلية رسالة بذلك !
- و ما ذا حصل ؟
- أجتمع مجلس الكلية ، و قرر فصله لما تبقى من السنة الدراسية . مع ذلك ، فقد بقي يأتي يومياً للكلية طيلة العام دون أن يدخل الحصص ؛ و إقتنص خلال أجازة سنة التفرغ للحب تلك أربع أو خمس من طالبات الصف الأول المستجدات !
- حقير !
- أريدك أن تذهبي اليوم لأميرة ، و تشرحي لها كل شيء ، و تحذرينها من المصير المماثل للمصير الذي آلت إليه نسرين من قبل ! و أطلبي منها إسقاط الجنين فوراً ، و قطع علاقتها حالاً بهذا الخبيث !
- سأفعل ! و هل أنت مثله ؟
- معاذ الله ، ياحبيبتي ! أنا مستعد للتقدم لخطبتك اليوم قبل بكرة . فقط أشِّري لي ، و أنا حاضر !
- تسلم لي ، حبيبي !
- أنا رافع راية الإستسلام اللذيذة للحبيبة ! تعالي و إجلسي بحضني !
- أمري لله ! جلست !
- هل أقوم أنا بنزع ثيابك ، أم تتولي أنت ذلك عني ؟
- و لكن هذا المكان غير مناسب ! فقد يصحو هذا الشاب المسكين !
- و إن صحا ؟
- سيفضحنا طبعاً !
- كلا ، أنه لن يستطيع فعل ذلك أبداً !
- و كيف تستطيع التأكد كل هذا التأكد من ذلك ؟
- هذا المسكين لن يتسنى له رؤية الشمس ثانية ، و أفضل شيء له هو أن يموت الآن !
- خطيّه ! يا له من مصير مأساوي لمراهق مسكين ! أنظر إليه ، حتى زغب لحيته لم ينبت بعد !
- إن مصيره المأساوي قد تقرر ، و ما من محيص ! ألم تلاحظي مدى إندفاع مساعد مدير الأمن لتدميره جسدياً أولاً ، و من ثم إعدامه ثانياً ؟
- نعم ! الحقير !
- هناك ثلاثة إحتمالات في أمره : الإحتمال الأقوى هو أن يصحو ، و يخرج من هنا لزنزانات مديرية الأمن لترتيب التهمة السياسية المناسبة له ، و التي سترسله حتماً للمشنقة بدون أي تأخير . الإحتمال الثاني هو أن يموت سريرياً هنا ، فيتم إنهاء حياته ، و يذهب من هنا للقبر مباشرة ! أمّا الإحتمال الثالث فهو أن يصاب بفقدان الذاكرة ، أو بفقدان القدرة على النطق ، فيبقى عالة على أهله طول العمر . و سواء أعدم ، أو مات هنا ، أو تعوّق ، فلن يستطيع فضحنا . ثم إننا سنتزوج حتما ، و ممارسة الجنس بين الزوج و الزوجة واجب و ليست تهمة .
- مسكين ! يكاد قلبي ينفطر عليه .
- أجعلي قلبك ينفطر عليّ أنا حبيبك الملهوف ، و أنزعي ملابسك حالاً فالوقت يداهمنا . إنزعيها كلها ، يا شمس الشموسة ، و لا تضيعي الوقت علينا ، أرجوك ، حبيبتي .
- حاضر ، دكتور ! ها أنا أنزعها لك !
- كلها !
- حاضر ، دكتور ! إنك مستعجل جداً !
- أي نعم ، مستعجل جداُ جداً ، و أكاد أنفجر !
- عدني أن تكون لطيفاً ، و رقيقاُ ، و أن لا تؤلمني أبداً !
- تؤمرين يا حبيبتي ، فأنا خادمك الأمين و المطيع !
- لقد أوقعت بيَّ ، و كان الذي كان . و لكنه يوجعني كثيراً !
- و كل هذا لأن للحب سياطه . إعترفي لي بأن وجع الحب لذيذ ، حبيبتي !
- أنه سمين و طويل !
- إذن فهو لائق بك ، حبيبتي الغالية !
- أرجوك ، لنؤجل هذا إلى يوم آخر !
- و لماذا هذا التأجيل الذي لا موجب له ؟ ها ؟ حبيبتي ، الوقت جد مناسب ! و لدي مرطب جديد ! لقد إشتريته اليوم !
- هذا ثالث مرطب تجرِّبه علي !
- أنه أفضل من الأنواع السابقة ، و هو جديد و غال . تعالي هنا ، نعم ، رائع . إن رائحتك لذيذة !
- و لكنني لم أستحم ظهر اليوم !
- حبيبتي ، إن رائحتك لذيذة ، و لا تحتاجين إلى الحمّام !
- إياك و أن توجعني !
- الليلة هي ليلتك . فقط إسترخي . نعم ! ممتاز . إسترخي تماما ، جيد ! دقائق و نصعد معاً للسماء السابعة و السبعين !
- آخ !
- عظيم ، ها قد أثبتّي جدارتك ، حبيبتي .
بعد أن يفرَغ الحبيبان ، و يشطفان في مغاسل القاطع ، يعودان لغرفة ميثم لاستكمال علاجه .
- مساء الخير ، ست جنان ! مساء الخير ، دكتور !
يفغر كلاهما فمه و هما يبحلقان في مصدر الصوت كما لو أن المتفوه به جنّي نازل من السماء ، أو روح أتى يرفرف من العالم الآخر !
- لا تخافا ، فسركما في بئر سحيقة لا قرار لها ، و أنا أتمنى لكما كل السعادة ! أسمي ميثم ، و أنا محتاج لمساعدتكما الكريمة و الشجاعة لي !
- متى صحوت ؟
- منذ أن دخل مساعد مدير الأمن هذه الغرفة ، دكتور ! و يحب على أن أشكرك جزيل الشكر يا دكتور لأنك لم تسمح له بعض أنفي ! إنك رجل شريف ، و أنا أحييك !
- ألم أقل لك أنه قد يصحو ، و نحن –
- سيدتي المبجلة : أنتما حبيبان ، و الحب شيء مقدس ، وليس عيباً ، و أنا أبارك لكما هذا الحب ، و أتمنى لكما حياة زوجية سعيدة قادمة . إنني أعرف الأصول ، و لا أسمح لنفسي بالثرثرة فيما لا يعنيني ! الوقت حرج ، و أنا بحاجة لمساعدتكما بدون تأخير ! أنها مسألة حياة أو موت . يبدو أن وجع الليل أمضّ من وجع النهار ! لا أريد سوى منوماً يريحني لإثنتي عشرة ساعة ، و أن لا يُعلن عن يقظتي إلا بعدها ! هل هذا طلب تعجيزي ؟
- كم هو عمرك ؟
- خمسة عشر عاماً .
- و لكن كلامك كلام الكهول ، و ليس المراهقين ! "الحب مقدس" ، و "أعرف الأصول" ، و "لا أسمح لنفسي بالثرثرة فيما لا يعنيني" ! لا يوجد كثيرون في العراق يفكرون بهذا الشكل و هم بهذا السن ! هل أنت شاب أجنبي ؟ أقصد عايش في أمريكا ، أو أوربا ؟
- كلا ، أنا أبن حي الجزائر في الحلة الفيحاء ، و بس ! و كل هذا لأنني تربيت في بيتين ، و لكوني حشرة دواوين شعرية !
- هل تلاحظين ، حبيبتي جنان ، كم هم درجة مهارة رجال الأمن في اصطياد أعظم العقول العراقية الواعدة ، و إذاقتها السم الزؤام أو حبال المشنقة قبل أن تستطيع أن تتفتح و تنفع بلدها . لا مكان للعباقرة داخل العراق !
- أرجوك ، دكتور ، الوقت حرج !
- و ما نفعك بهذه السويعات القليلة ؟
- ألله كريم ! أرجوكما بحق الحب الجميل الذي يربطكما أن تلبيا طلبي هذا !
- حاضر .
- شكراً ، دكتور !
- و هل تحتاج لشيء آخر !
- القليل من الماء و الخبز ، إن سمحتما ، رجاءً !
- لدي ، دكتور ، لفة دجاج بالزيتون ، أحضرتها لك ، هل أستطيع إعطاءها له ؟
- أروح فداء لفمك الجميل هذا يا جنان ! كلك أصول ! أعطه إياها يا شمس الشمّوسة ، و سأجلب أنا له الماء !
يرى ميثم نفسه و هو يؤدي إمتحان الأحياء . الأسئلة صعبة جداً ، و لكنه يشعر بأنه قد ضمن درجة المائة من المائة . و يعلق الآمال بالتعويض الناجز عن درجة الخمسين السابقة . يطلب منه زميله محمد - و لقبه الخرفاش - مساعدته في الإجابة عن الأسئلة لكونه لم يحصل على أكثر من درجة الصفر في الإمتحان السابق . مراقب الإمتحان مشغول بالرد لخطيبته الغبية الجالسة ببدلتها الوردية على أول رحلة . أنه منهمك بنقل دفاتر الطلبة الممتازين إليها ، و هي تنقش الإجابات من دفاترهم نقشاً ! يتشجع ميثم ، و يبدأ بتلقين زميله خرفاش الإجابة . و لكن خرفاشاً لا يجيد الكتابة . فيكتب له ميثم كل الأجوبة المطلوبة بخط جميل في دفتر الإمتحان الخاص بزميله . و عندما ينتهي من إجابة كل الأسئلة و بما يضمن عدم وجود أي خطأ أو نقص لديه ، يعود إلى مقعد رحلته كي يحرر إجاباته هو على أسئلة الإمتحان ، فينكسر قلمه . يبريه بالمبراة ، فينكسر من جديد . يبريه ثلاثاً و رباعاً ، و لكنه ينكسر في كل مرة ، حتى لا يبق منه سوى عقب لا يصلح للكتابة , و لا يبق من الوقت المخصص للإمتحان سوى خمس دقائق ! و عندما يستطيع ميثم أيجاد قلم جديد ، يعلن مراقب القاعة الإمتحانية إنتهاء وقت الإمتحان ، و يسحب الدفتر الفارغ منه فوراً ! يعود ميثم للبيت على دراجته و الحزن يثقل رجليه ، يعبر الجسر ، فيرى جثة رجل ملتح طافية على النهر . يأسف لكون الفصل شتاء ، و النهر بارد ، و لا يستطيع رمي نفسه بالنهر لانتشال الجثة . يعبر الجسر ، فيشاهد الحسينية محترقة ، و الناس منهمكون في إخماد الحريق ، و الدخان و ألهبة النيران تشق عباب السماء الحمراء المسودة . يسرع بدراجته نحو مكان الحريق يريد المساهمة في إخماده ، و ما أن يوقف دراجته و يترجل منها ، حتى يشاهد سيفاً يتحرك من السماء مثل ماسحة زجاج السيارات ، فيوقف الحريق حالاً بضربتين سحريتين . يلتفت يسرة ، فيشاهد نمراً يتقافز نحوه من بعيد . يترك دراجته ، و يعدو عدواً جنونياً بين الأزقة و الطرقات ، و هدير النمر يلاحقه عند كعبيه . يتقاطر العرق من كل جسمه ، و يشعر بالعطش الرهيب ، و هو يرتجف . يشاهد باب بيت شرقي مفتوح . يدخل الدار ، فيرى في باحته إمرأة طويلة ، بشعر أصفر تنسدل جدائله الذهبية على صدرها ، و عيونها الخضر الواسعة يسافر فيها البصر ، و هي تقف عارية . يستصرخها : " أنا خائف و عطشان ، فاسقني " . تضمه إلى صدرها العامر ، و ترضعه حليباُ بارداً يشفي غليله ، و يبدد عرقه ، و تقول له : " نم على صدري ، و لا تستيقظ قبل وجبة حراسة حسن " !
- ميثم ، ميثم ، إنهض أرجوك ! لم يعد هناك داع لتمثيل الإغماء ، إنهض ! ميثم !
يهز حسن سرير ميثم هزاً قوياً ، فيستعيد ميثم نصف وعيه ببطء دون أن يفتح عينيه !
- ميثم عطشان ، و قد وجد الحليب البارد المدرار . ميثم يرتجف خائفاً ، و قد وجد الأمان . لا يجب أن يستيقظ ميثم قبل وجبة حراسة حسن !
يعيد حسن هز السرير بقوة :
- أنا هو حسن ! ميثم ، ميثم ! أستيقظ ! كل شيء على مرام ! إن مدير الأمن في طريقه إلينا الآن !
يتنبه ميثم حوله ، و يفتح عينيه ، فيرى حسن .
- الحمد لله ! كم الساعة الآن ، سيد حسن ؟
- الحمد لله ! السادسة و النصف مساءً !
- عطشان !
- لقد أحضرت لك الماء ، إشرب !
يشرب الماء ، و ينظر نحو الباب ، فيرى ست جنان و حبيبها الطبيب واقفين عند الباب ، و هما يبتسمان إبتسامات عريضة له ، و يحييانه بأكفهما خلسة ! يبادلهما البسمات ، و يرد تحياتهما بانحناءة باسمة من رأسه ، و يخاطب السيد حسن :
- مساء الخير يا إبن العم ! ما هي الأخبار ؟
- مساء النور – أ – مم .
يتلفَّت حسن حوله ، و يتلعثم ، فيبادره ميثم بالقول : إسترسل في الكلام ، و لا تخف ؛ فهما أخي و أختي !
- صحيح ؟
- أقصد : بمثابة أخي و أختي !
- الحمد لله ! أبشر ، فقد نجحت الخطة ، و والدك و كل أفراد عائلة الشهيد يسلمون عليك !
- و عليكم السلام يا أبا الفضل ! نعم ، إن الفضل يعود إليك أولا و آخراً أيها الشهم الكريم !
- و مدير الأمن و كل ضباط التحقيق المهمين قادمون إلى هنا للتحقق من وضعك ، و هناك إستنفار أمني في كل المستشفى ! كل ما عليك عمله هو شرح العداوة بينك و بين إبنه و ليد ، و لا تنس شرح إستفزازاته ضدك حال ترجلك من سيارة اللاندكروزر .
- تؤمر ! أين نظاراتك الطبية ؟
- لقد نسيتها في داركم !
- لن نعيدها إليك أبداً . سنستبقيها لدينا كشارة و تذكار خير و بركة !
- فداك ! أنا خارج الآن ! حظاً سعيداً !
- مع السلامة !
يتبع / لطفاً



#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)       Hussain_Alwan_Hussain#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رجع الوجع / رواية بحلقات / 3
- رجع الوجع / رواية بحلقات / 2
- رجع الوجع / رواية بحلقات
- كتاب الدرر البهية في حِكَمْ الإمبريالية الأمريكية
- رسالة من طفل عراقي إلى الرئيس بوش
- ملاحظات شخصية في الترجمة
- الحدّاد و القوّاد
- سيّد خوصة : المناضل سابقاً و المجاهد لاحقاً
- آخر أحكام رب العالمين في أهل العراق
- من أخبار شيخ الشط
- قوانين التاريخ و جرائم الرأسمالية : أجوبة للأستاذ الفاضل رعد ...
- قوانين التاريخ ، و جرائم الرأسمالية وقادة الأحزاب الإشتراكية ...
- دفاعاً عن المفهوم المادي للتاريخ : الأستاذ نعيم إيليا متمنطق ...
- موجز لقوانين التاريخ : جواب محدد لسؤال محدد للأستاذ الفاضل ر ...
- الإمام العباس و أمين الصندوق صالح إبراهيم
- علمية الماركسية و الآيديولوجيا و أشياء أخرى : رد على ملاحظات ...
- علمية الماركسية و الآيديولوجيا و أشياء أخرى : رد على ملاحظات ...
- علمية الماركسية و الآيديولوجيا و أشياء أخرى : رد على ملاحظات ...
- خرافة دحض الماركسية العلمية / رد على الأخ الكبير الأستاذ يعق ...
- الكلبة -سليمة كُرْفَتِچْ- و البغل -خوشْطَرِشْ-


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علوان حسين - رجع الوجع / رواية بحلقات / 4