أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - لمى الأتاسي - هل يشكل الموروث الثقافي السوري عائقاً للتطور؟... نظرة في الشأن العام السوري















المزيد.....

هل يشكل الموروث الثقافي السوري عائقاً للتطور؟... نظرة في الشأن العام السوري


لمى الأتاسي

الحوار المتمدن-العدد: 4648 - 2014 / 11 / 30 - 22:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


.

يتساءل بعض البعيدين قليلاً عن جو العمل السياسي في سوريا، و كذلك المتابعين للشأن السوري من بعيد، لماذا لم يتبلور تيار سياسي جاد بعمله و تنظيمه بعيد عن الغوغائية و الشعبوية القاتلة التي تميز الخطاب العام السياسي التحديثي في صف المعارضة، و الذي يستفيد من سوء تنظيمه الطرف الإسلامي الذي يوزع على الجمهور خطاب شعبوي مريح و مدروس على مقاس الطبقات الاجتماعية؟...

يتساءل هذا البعض قائلاً :
طالما أن أغلب أطياف المعارضة السورية تنتقد الائتلاف الذي أصبح غير قادر على الخروج من أزماته، وبات في الطريق المسدود سياسياً، فلماذا لا يتم تشكيل معارضة جديدة؟..و لماذا تفشل كل المحاولات التي قام بها المعارضون السوريون - الذين تم غالباً إقصاؤهم - و لم يستطيعوا أن يشكلوا كياناً موازياً أو بديلاً للائتلاف الغائب عن المشهد تماما حتى صار حضوره كعدمه، و لم يعد من الممكن أن يقنع أحداً بجديته؟..
الأسباب كثيرة هنا، و أولها التاريخ السياسي السوري الذي يرينا كيف تم منع الأحزاب و التفكير الجماعي و هذا المنهج للسلطة كان له دور باختيار مناهج التربية و التعليم السورية التي تشكل عائقاً أمام الإبداع وتحد من الأفق و التي أدت لانتاج سايكولوجية معينة لدى الطالب السوري أسست لبناء علاقة مادية مغلوطة بينه و بين العلم و المعرفة و الفكر (هذا الخطأ كان ذاته في ايران أيام عهد الشاه ).
في مرحلة ما في سوريا كان من الممكن تجاوز الطبقات الاجتماعية عبر الحصول على الشهادة فقط، ومنذ بداية السبعينات أصبح الإنسان الناجح هو من جمع العلامات التي تؤهل لدخول الطب بالبكالوريا و لكن للتذكير فإن البكالوريا السورية تعتمد أساساً على طريقة الحفظ الصم ( البصم بالسوري )، و ليس على التفكير و النقد.
و المناهج السورية لا تنمّي أي حس نقدي أو حرية تفكير أو ممارسة ديمقراطية. لذا فالمدرسة السورية هي المكان المثالي لإنتاج ديكتاتوريين صغار.. أسوق على هذا أمثلة كثيرة:
اللباس الموحد شبه العسكري، الانضباط الصارم ،الذي يمنع النقاش، ظهور الطالب المخبر بالمدارس.
من جهة أخرى المدارس السورية التي لا تسمح بالاختلاط بين الجنسين، والتي تجعل من الرجل بعبعاً في عقل المرأة و تنمي ذكورية الرجل الذي تصبح الانثى بالنسبة له كائناً مجهولاً خرافياً.
عدم الاختلاط هذا يؤسس باكراً للديكتاتورية في النفوس، وكما هو معروف فإن الاختلاط يغني النمو النفسي و الفكري لدى الطالب، و يخفف من العنف الذكوري و يحد من ديكتاتوريته.
الطالب الناجح منذ بدايات السبعينات هو الذي يدخل كلية الطب البشري، لأن هذه الشهادة تتيح له إمكانية الهجرة عن طريق البعثات الدراسية، و بالتالي العمل في الغرب، بالإضافة للمكانة الاجتماعية التي يحظى بها كإنسان ناجح و متفوق في وسطه السوري الذي يؤلهه غالباً.
تم إهمال كل قطاع فكري و إنساني آخر، وبالتالي لم تتطور جامعات العلوم الانسانية في سوريا و لم تجر أبحاث عن المجتمع والإنسان، و للمفارقة فقد بقيت الكلية الوحيدة التي كانت تقترب من هذه القضايا السياسية والاجتماعية هي كلية الشريعة.
كل الدول التي أهملت المجالات الأدبية و الإنسانية في هيكليتها التربوية وصلت لأزمة ما، و لكن في سوريا هذه الأزمة تفاقمت و أدت الى انعدام أي تفكير و تخطيط لمسألة تطوير المجتمع حتى في صفوف النظام ، ففي النهاية النخبة التي تعمل في صفوف المعارضة هي أيضاً من إنتاج المدرسة السورية ذاتها، ومن هنا يمكن النظر إلى حقيقة أن قيادة المعارضة و قيادة النظام يفكران في أغلب الأحيان بطرق متشابهة !!!
قد لا يكون النظام السوري قبل الثورة أسوأ نظام اقتصادي في العالم لكن إهماله التام للتفكير "بكيف " سيكون المجتمع بعد عشر سنوات و ما هي الاستراتيجية التربوية التي يجب اتباعها ؟ تلك هي النقطة التي أوصلت النظام الى نقطة اللاعودة فهو لم يفكر.
النظام السوري حالياً و بكل موضوعية لن يستطيع السيطرة لاحقاً على المجتمع بالبراميل و المعتقلات، هذا ليس حلاً لأزمته و أزمة المجتمع السوري و هي ليست حلاً لأي بلد في العالم في القرن الحادي والعشرين، لأنه لا يمكن الاستغناء عن لغة العصر كالانترنت و التلفزيون و تجاهل الاحتياجات الفكرية الجديدة للانسان و لا يمكن لأي نظام جديد ألا يأخذها بعين الاعتبار.
بينما نرى أن الاسلاميين قاموا بهدوء و على مهلهم في السراديب المغلقة ببناء رؤية، و نظرية لا علاقة لها بالرؤية العالمية للمجتمع و هي خطيرة عليه كالنازية و درسوا استراتيجية للوصول لها، ووجهوا نخبتهم المبرمجة للعمل عليها و طرحوها بقالب ناجح من وجهة نظر دعائية )ماركيتنغ) و وجدت الإقبال عند شعب لم يكلمه أحد عن همومه و مشاكله منذ عقود.
لم نر عند الشخصيات المثقفة التحديثية استراتيجية أو خطاباً لائقاً يقنع الجمهور و يشكل البديل عن الخطاب الاسلامي. لان "التحديثيين" في بلادنا هم مجرد أشخاص و لا يقبلون فكرة العمل الجماعي و هم نخبة تمتلك الفكر و الثقافة و لكنها لا تمتلك أية معلومة عن أسلوب العمل الجماعي و الذين يملكون منهم أدنى فكرة عن أسلوب البحث العلمي في مجال العمل الاجتماعي و السايكولوجي الانساني لم يقبلوا أن يضعوها في خدمة الجميع ، كل منهم نسى خبراته و علمه و توجه يبحث عن موقعه السياسي و عن المكاسب الشخصية. مما يدل على عدم فهمهم لمفهوم و فلسفة العمل بالشأن العام أو حتى الاقتصادي الاستراتيجي.
إن عدم خبرتهم بالعمل السياسي الجماعي التنظيمي الذي يجيده الاخوان المسلمين هو ما جعلهم ينظرون للنجاح كحالة فردية.
على المدى القصير، كان من الممكن أن يكون لدينا في سوريا مشهداً آخر لأحزاب منظمة جديدة بدماء جديدة و شباب متنور لم يعمل في السراديب و يعي ماذا يعني التحديث "لسوريا" للمفهوم العام ، لمفهوم العمل بالشأن العام و التطوع و لكن حتى الآن لم يتحقق مثل هذا الأمر، فالتيارات التي تشكلت كانت تدار، و ما زالت من قبل دول أو رجال أعمال، هؤلاء لا يعرفون العمق السوري و تعقيداته و لا يعون كمية النرجسية و الفردية المتطورة عند الرجال السوريين الذين ينظر إليهم اجتماعيا كناجحين و معروفين و بدل أن يطرح المفكر السوري مشروعه و يقنع الممول به يتم العكس:
يأتي الممول ويختار من بين أفراد المعارضة أحد المفكرين أو الوجوه المعروفة و يعطيه رأيه بالهدف بدون تعقيد. و يطلب منه ، أن ينظم مؤتمراً ليجمع من خلاله تيار أو حزب أو تنظيم ما جماعي و يركز على كلمة جماعي و هذا بهدف مواجهة الاخوان أو النظام أو الاثنين معاً، لإحداث نوع من التوازن، و لكن المعارض المفكر السوري المعروف يعتبر هذا تفويضاً خاصاً له برئاسة الجمهورية أو منصب ما.
قد يكون الممول غير سيئ النوايا و لو فكر المعارض المفوض قليلا لوجد أن ما يطلب منه ليس بالضرورة قذر و لا يتعارض مع حد أدنى من الديمقراطية و لكن فاقد الشيء لا يعطيه.
كيف لديناصور من القرن الستاليني أو لشخصية اجتماعية اعتبارية ضحية مجتمع مدمر، أن يقوم بعمل تنظيمي متعب و مضني و أن يضع نفسه فيه بمستوى الآخرين تماما طالبا منهم التفكير الجماعي و الابداع و الديمقراطية بالاختيار؟...
كيف يمكن أن يقبل الا يفرض أفكاره؟.. بل إن هذا يعتبر تنازلاً عن فرض ذاته.
كيف لمن عاش على إسناد المناصب حسب النسب أو الزبائنية أو العلاقات و ليس بالكفاءات و الخصال الأنسب أن يقبل بالعمل الجماعي؟...
هكذا يتكرر مشهد المحاولات الجادة و لكن غير الجامعة.
الموروث الثقافي - الذي خلفته لنا تلك البيئة السياسية القمعية - في الحقيقة هو العائق الحالي لجمع السوريين حول قضايا حساسة، و مع تكاثر الجهود و جديتها ، يبقى العمل غير مكتمل إلى حين تأتي لحظة النضج العام التي ستأتي حتماً و تؤدي لإنتاج حالة فكرية جديدة.
ربما فترة الأربع أعوام ليست كافية، و ربما حالة النضج التي ننتظرها ستأتي من جميع الأطراف السورية المتذابحة على السلطة، عندما يفهم البعض أن الفردية قاتلة وأن اللوبيات لا تتشكل قبل تشكيل الأساسيات المؤسساتية للعمل التنظيمي و للعمل السياسي الحر.

لمى الأتاسي



#لمى_الأتاسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة : لا ديمقراطية بلا مساواة
- الثورة و سوريا و حالة الانفصام العام
- السيادة السورية شاردة قانونية في مأزق أميركي..
- -الأمة السورية- و علم الوطن
- الأمن القومي الأميركي و ذاكرة الرمال
- قراءات لواقع حزين يتسع للبغدادي كبطل
- رياح الشرق الأوسط الجديد
- ظاهرة المستقلين من تناقضات ثورة الديمقراطية
- تحفظات على مفاهيم لا ثورية
- على الارض السورية ما يستحق الحياة
- سوريا -على قيد الحياة-
- سوريا ضحية صراعات لا اخلاقية
- الحر يموت في سوريا : لنرفع الراية البيضاء على الجبهتين
- لمن يرفض جنيف 2 : بأي سيف تضربون ؟
- الفتوحات الإنسانية السورية
- بين ديكتاتورية الأسد و ثورة اللاديمقراطية نختار حق -اللاختيا ...
- من الرعاعية الى المواطنة الثورة السورية الممنوعة
- الضربة العسكرية لا تكفي
- القطب الواحد
- إلى من باعوا الثورة و إلى من اشتروها منهم


المزيد.....




- أعاصير قوية تجتاح مناطق بالولايات المتحدة وتسفر عن مقتل خمسة ...
- الحرس الثوري يكشف عن مسيرة جديدة
- انفجارات في مقاطعة كييف ومدينة سومي في أوكرانيا
- عشرات القتلى والجرحى جراء قصف الطيران الإسرائيلي لمدينة رفح ...
- القوات الأوكرانية تقصف جمهورية دونيتسك بـ 43 مقذوفا خلال 24 ...
- مشاهد تفطر القلوب.. فلسطيني يؤدي الصلاة بما تبقى له من قدرة ...
- عمدة كييف: الحكومة الأوكرانية لا تحارب الفساد بما فيه الكفاي ...
- عشرات الشهداء والجرحى في غارات إسرائيلية متواصلة على رفح
- الجامعات الأميركية تنحاز لفلسطين.. بين الاحتجاج والتمرد والن ...
- بايدن يؤكد لنتنياهو -موقفه الواضح- بشأن اجتياح رفح المحتمل


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - لمى الأتاسي - هل يشكل الموروث الثقافي السوري عائقاً للتطور؟... نظرة في الشأن العام السوري