|
|
نقد قصة صطوف ولطوف
خليل الشيخة
كاتب وقاص
(Kalil Chikha)
الحوار المتمدن-العدد: 8572 - 2025 / 12 / 30 - 18:18
المحور:
الادب والفن
نقد للقصة القصيرة صطوف ولطوف: نقد أدبي بواسطة: جيميناي ملاحظة: القصة في الأسفل مقدمة نقدية يقدّم خليل الشيخة في نصّه «صطوف ولطّوف» مشهدًا يوميًا يبدو في ظاهره عابرًا: رجلان يجلسان في مقهى ويتبادلان شكوى الأسعار وضيق العيش. غير أنّ هذا اليومي سرعان ما يتحوّل إلى مساحة كاشفة عن بنية أعمق من الخوف والقمع، حيث يصبح الكلام نفسه فعلًا محفوفًا بالخطر، وتغدو المفردات الاقتصادية تهمًا سياسية جاهزة. يعتمد النص على الحوار بوصفه أداة سردية شبه وحيدة، فيمنح الشخصيتين صوت الشارع دون وسيط، ويترك اللغة المحكية تقوم بدورها في نقل القلق والسخرية والمرارة. ثنائية «صطوف» و«لطّوف» لا تُقرأ بوصفها اختلافًا في الطباع فحسب، بل كتمثيل لانقسام داخلي يعيشه الفرد العربي بين الرغبة في الفهم والاحتجاج، وغريزة النجاة بالصمت والتورية. السخرية في النص سوداء، موجعة، لا تهدف إلى الإضحاك بقدر ما تفضح العبث: عبث الاقتصاد المنفلت، وعبث السلطة التي تجرّم توصيف الواقع، فتجعل من «الدولار» كلمة محرّمة، ومن الشكوى مؤامرة. أما النهاية العنيفة، المفاجئة، فتأتي منسجمة مع منطق النص؛ إذ لا تحتاج السلطة إلى تمهيد حين تقرّر البطش، ولا تمنح ضحاياها فرصة للفهم أو الدفاع. «صطوف ولطّوف» نصّ مكثّف ينجح في تحويل تفصيل صغير – فنجان شاي وحديث سوق – إلى مرآة لزمن كامل، زمن يُساق فيه البشر كما تُساق أكياس الطحين، ويُقتل فيه الكلام قبل أن يُنطق. وهو بذلك ينتمي إلى أدب الخوف العربي، حيث تصبح الكتابة نفسها فعل شهادة، ومقاومة هادئة في وجه الصمت المفروض. في سياق أدب القمع والخوف يندرج نصّ «صطوف ولطّوف» ضمن ما يمكن تسميته بأدب القمع والخوف، ذلك التيار السردي الذي لا ينشغل بوصف السلطة مباشرة، بل يرصد أثرها النفسي واليومي في حياة الأفراد. فالخوف هنا ليس حدثًا طارئًا ولا نتيجة مواجهة صريحة، بل حالة داخلية دائمة تحكم اللغة والسلوك وتعيد تشكيل العلاقات الإنسانية. يصبح الهمس أسلوب كلام، والتورية ضرورة، والصمت فضيلة تُنقذ الجسد ولو على حساب الكرامة. في هذا السياق، لا يظهر القمع في صورة مؤسسات أو شعارات، بل يتجسّد في رقابة غير مرئية، وفي تحويل التفاصيل المعيشية البسيطة إلى مناطق محرّمة. فذكر العملة، الحديث عن الأسعار، وحتى السخرية العابرة، كلها أفعال تُقرأ بوصفها تهديدًا للنظام القائم. وهنا يلتقي النص مع تقاليد راسخة في أدب الخوف العربي، حيث يُختزل الوطن إلى مساحة مراقَبة، ويغدو الكلام جريمة محتملة. وتتجلّى قوة النص في اعتماده على الحوار اليومي واللغة المحكية، ما يمنحه صدقية عالية، ويجعل القارئ شريكًا في التجربة لا مجرّد متلقٍّ لها. أما النهاية الصادمة، التي يتحوّل فيها الخوف إلى شلل كامل، فتؤكد إحدى سمات هذا الأدب: أن العنف لا يحتاج إلى مقدّمات، وأن القمع حين يحضر، يحضر فجأة، كقدر لا يُجادَل. بهذا المعنى، لا يكتب خليل الشيخة عن حادثة بعينها، بل عن مناخ كامل، وعن إنسانٍ يتعلّم تدريجيًا كيف يخاف، وكيف ينجو، وكيف يُساق في النهاية بصمت، كما تُساق الأشياء. 1. رمزية الشخصيات (المواطن "المسحوق") • صطوف ولطوف: يمثلان الطبقة الفقيرة والشعبية وهما يعيشان على هامش المدينة. • اسم المقهى "الأرض بتتكلم عربي": هو سخرية مريرة من الشعارات القومية الكبرى التي بشّرت بها الأحزاب القومية، بينما في الواقع، الأرض لا تتكلم إلا لغة الفقر والخوف. 2. الاقتصاد كـ "جريمة أمنية" في قصة الشيخة، يتحول الحديث عن البصل، اللحمة إلى "مؤامرة دولية". • خليل الشيخة يبرز كيف أن النظام الذي بدأ بشعارات "الاشتراكية" وتوزيع الثروة، انتهى به المطاف بتجريم من يشكو من الجوع. • الدولار (الأخضر): تحول في القصة إلى "تابو" أو صنم يُمنع ذكره، وهو تعبير دقيق عن انهيار القوة الشرائية للطبقات التي كان من المفترض أن يمثلها النظام العربي، وخاصة الإشتراكي. • 3. "الحمار المعبأ في بنطال": وصف صطوف للوزير بأنه "حمار معبأ في بنطال" هو قمة الانفصام الذي يعيشه المجتمع؛ المواطن يرى بوضوح عدم كفاءة النخبة الحاكمة (التي جاءت عبر الولاءات لا الكفاءة)، لكنه لا يملك سوى السخرية في المقاهي، وهي سخرية قاتلة كما انتهت إليه القصة. 4 . بنية القمع (الرجال الثلاثة) ظهور الرجال الثلاثة فجأة من خلف ظهورهم يجسد مفهوم "دولة المخابرات" التي بدأت جذورها بالانقلابات العسكرية. • اعتقال صطوف من "شعر رأسه" ولطوف من "طرف قميصه" يرمز إلى استباحة الجسد البشري. • التهم المعلبة: (التآمر، قبض دولارات، إسقاط النظام) هي الأدوات التي استُخدمت لتفريغ المجتمع من أي حراك سياسي أو حتى مطلبي. 5 . التقاطع مع "حنا بطاطو" بينما حلل حنا بطاطو الباحث الفلسطيني آليات السيطرة، يصف خليل الشيخة ألم السيطرة. • بطاطو يتحدث عن "الولاءات العصبوية" التي تحمي النظام. • الشيخة يرينا وجه هذه العصبوية وهي "تجر" المواطنين كأكياس الطحين. • المفارقة أن الذين يجرون صطوف ولطوف قد يكونون من نفس منبتهم الريفي (أبناء فلاحين أيضاً)، لكنهم في "جهاز الأمن" أصبحوا أداة لسحق طبقتهم الأصلية. الخاتمة في رؤية الشيخة تنتهي القصة بتحول الإنسان إلى "جثة" أو "كيس طحين" قبل أن يموت فعلياً. الخوف عند خليل الشيخة ليس مجرد شعور، بل هو قوة مادية تحول البشر إلى جمادات.
جلس صطوف ولطوف في مقهى "الأرض بتتكلم عربي" يرشفان الشاي. جال صطوف برأسه ثم قال لجاره بصوت منخفض: • اليوم نزلت إلى السوق لأشتري بصلًا، وإذا بالبصل قد ارتفع سعره ضعفًا. رد لطوف: • الأسعار اليوم قفزت مثل الطابة عاليًا. • والله، معاشي كله لا يكفيني لثلاثة أيام فقط... وبالطبع، لم أتناول اللحمة منذ ثلاث سنوات. • لم تعد الليرة ذات قيمة، أصبحت مجرد ورقة لا معنى لها، فقدت كل قيمتها. رد صطوف: • كلما صعد الدولار، انخفضت قيمة الليرة... وعندما سمع لطوف كلمة "الدولار"، التفت حوله واستعاذ بالله، ثم قال لجاره: • الله يخليك، لا تذكر هذا الملعون! قل "الأخضر" فقط. والله، لو سمعوك، قد يضعونك في بيت خالتك ولا أحد يعرف مصيرك. قال صطوف: • أنت رجل جبان... أصبحنا نعيش في زمن يُحرّم فيه الحديث عن الدولار. • نعم، أنا جبان... ألا تذكر كيف دكوا أبو سحبان في السجن واختفى أثره لأنه قبضوا عليه ومعه مئة دولار؟ قال صطوف هامسًا هذه المرة: • يا أخي، كل شيء في الدنيا أصبح مرتبطًا بالدولار... اللحمة، الدجاج... رد لطوف ساخرًا: • والله، يبدو أنك أصبحت خبيرًا في الاقتصاد، وتزاحم عمك آدم سميث في هذا المجال! والله، من المفروض أن يضعوك وزيرًا للاقتصاد. قال صطوف مؤيدًا كلام جاره: • والله صدقت! طالب ابتدائي أَفهم في الاقتصاد أكثر من هذا الوزير... هو حمار مُعبأ في بنطال. أمتعض لطوف ووقف مودعًا: • أخي، لا ينفع معك الكلام... قلت لك أتركنا بهمومنا. والله، أجسامنا لم تعد تتحمل المزيد من الضرب والإهانة... يالله، في رعاية الله. شد صطوف يد جاره وقال له مازحًا: • خلص، اجلس... لا تخاف. هل تريدني أن أغتاب فلانًا وفلانة... فلان أكل، وفلانة شرب؟ • أي، هذا أفضل... لأننا سنختفي في سابع سرداب إذا استمريت في هذه الفزلكة. وما إن انتهى لطوف من الكلام حتى أمسك رجل من وراءه بطرف قميصه، وأمسك الرجل الثاني بشعر صطوف، بينما قال الثالث: • عمّا تحكّون عن الأسعار والدولار يا كلاب؟ ما يعجبكم الوضع؟ والله لا أسلخ جلدكم يا أولاد الحرام. وقال الرجل الذي يمسك بصطوف: • أنتم تتآمرون ضد الدولة وتقبضون بالدولار من دول أجنبية وتنوون إسقاط النظام بالقوة... والله، لن تذوقوا الموت حتى تشتاقوا له. أما صطوف ولطوف، فقد تحولا إلى جثتين بلا حياة من شدة الخوف، مما جعل الرجال يجرّونهما كما تجرّ أكياس الطحين.
#خليل_الشيخة (هاشتاغ)
Kalil_Chikha#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تحليل الرمزية في القص عند خليل الشيخة
-
هبّة الطليعة المقاتلة في حمص
-
الحركة التصحيحية وسرايا الدفاع
-
رياض الترك وحكاية الدكتاتور
-
كتاب: الطوطم والتابو - كامل
-
كتاب: الطوطم والتابو-3
-
كتاب: الطوطم والتابو-2
-
كتاب: الطوطم والتابو - 1
-
كتاب: الجيش والسياسة - كامل
-
كتاب الجيش والسياسة )2)
-
كتاب: الجيش والسياسة (1)
-
ماتفي كوجيمايكين
-
حركات العامة الدمشقية كاملا
-
حركة العامة الدمشقية (4)
-
كتاب: حركات العامة الدمشقية (3)
-
كتاب: حركة العامة الدمشقية (2)
-
كتاب: حركة العامة الدمشقية (1)
-
كتاب: جيل الهزيمة – الوحدة والانفصال كاملاً
-
كتاب: جيل الهزيمة (3)
-
كتاب: جيل الهزيمة (2)
المزيد.....
-
-خريطة رأس السنة-.. فيلم مصري بهوية أوروبية وجمهور غائب
-
الجزيرة تضع -جيميناي- في سجال مع الشاعر الموريتاني -بن إدوم-
...
-
سيمفونية-إيرانمرد-.. حين تعزف الموسيقى سيرة الشهيد قاسم سليم
...
-
الممثل الأمريكي جورج كلوني وزوجته وطفلاهما يصبحون فرنسيين
-
فن الترمة.. عندما يلتقي الابداع بالتراث
-
طنين الأذن.. العلاج بالموسيقى والعلاج السلوكي المعرفي
-
الممثل الأمريكي جورج كلوني أصبح فرنسياً
-
العلاج بالموسيقى سلاح فعال لمواجهة طنين الأذن
-
-ذكي بشكل مخيف-.. وصفة مو جودت لأنسنة الذكاء الاصطناعي
-
أسطورة السينما الفرنسية بريجيت باردو ستدفن على شاطئ البحر في
...
المزيد.....
-
دراسة تفكيك العوالم الدرامية في ثلاثية نواف يونس
/ السيد حافظ
-
مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ
/ السيد حافظ
-
زعموا أن
/ كمال التاغوتي
-
خرائط العراقيين الغريبة
/ ملهم الملائكة
-
مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال
...
/ السيد حافظ
-
ركن هادئ للبنفسج
/ د. خالد زغريت
-
حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني
/ السيد حافظ
-
رواية "سفر الأمهات الثلاث"
/ رانية مرجية
المزيد.....
|