|
كتاب: جيل الهزيمة (2)
خليل الشيخة
كاتب وقاص
(Kalil Chikha)
الحوار المتمدن-العدد: 8354 - 2025 / 5 / 26 - 19:20
المحور:
الادب والفن
جيل الهزيمة - الوحدة والانفصال - الحكام الوطنيون – الانقلابات العسكرية: كانت الانقلابات العسكرية هي انقلاب في الأدوار، لأن زعماء السياسة التقليدين كانوا من أبناء العائلات المعروفة يتسابقون ويتوسلون للانقلابين، فإن الانقلابات في حقيقتها هي محاولة لاحتواء الغليان سواء في الشعارات أو السلاح. لقد كانت الكلية الحربية توفر لأبناء الريف المحرومين تحقيق طموحهم ومأوى وراتب ولباس أنيق وربطة عنق ثم تجاوزات، ومع الأسف فإن أكبر معهد للدراسات النفسانية والتاريخية للمجتمع العربي موجود في تل أبيب تديره الوكالة اليهودية منذ عام 1922 (180). لقد أنشأت فرنسا جيش الشرق من كتائب طائفية لقمع الانتفاضات وحرب المناطق بعضها مع بعض وعندما رحلت، فتحت باب الجنسية الفرنسية لهم والتحق الكثير منهم بعد الاستقلال بفرنسا، فقد كان الجيش السوري عبارة عن أكبر تجمع منظم لأبناء الريف من ضباط وأفراد لأن القرية في ذلك الزمان، كانت تعيش ظروفاً متدنية وغير إنسانية (181) عندما قتل الظاهر بيبرس السلطان قطز، دخل على مفتي الديار المصرية آنذاك يسأله وسيفه يقطر دماً: من السلطان؟ فأجاب المفتي فوراً هو من قتل السلطان (182). المجتمعات المتخلفة هي بيئة مواتية لقبول المتسلطين حيث يحوم حولهم المتزلفين والمنافقين والمثقفين (183). - صراع الأحقاد: انطلقت بعد الاستقلال احقاد وصراعات بين الأشقاء العرب، وهذه الصراعات تشبه الصراع بين المدينة والريف، أو بين اليسار واليمين، بين الأرض ومالكيها، بين الشرق والغرب، فقد عرفت سوريا منذ استقلالها بأنها سورية السوفيتية ولهذا السبب تكرر حشد القوات التركية والعراقية في عهد الملكية لهذا الميول (184). تيار الوحدة بين سوريا ومصر: لقد سادت ذهنية بعد الانقلابات العسكرية في سوريا بأنها غير قادرة على حكم ذاتها، علما أن ثورة عام 1952 في مصر، كانت مقبولة من الولايات المتحدة والغرب بسبب فتور دور بريطانيا في الشرق (185).أصر الحزب الشيوعي مع كتلة خالد العظم والسباعي على أن تكون الوحدة متدرجة وأن يكون الحكم ديمقراطي ليبرالي، بينما وقفت بعض الأحزاب مع الوحدة الاندماجية، وقويت هذه الكتلة بعد أن أمم عبد الناصر القناة وأظهر تمردا على الغرب فسحبت أمريكا عرض تمويلها للسد العالي ثم أتى خطاب عام 1956 ضد القوى الغربية يلهب الجماهير العربية، عندها قطعت سوريا أنابيب النفط للشركة البريطانية - الفرنسية (186). اتخذت الولايات المتحدة موقفاً واضحاً من العدوان الثلاثي وأجبرت هذه الدول على الانسحاب (187). عندما دعا عبد الناصر إلى ضرورة انتماء مصر لمحيطها العربي جعلها ذات إشعاع فكري وثقافي واقتصادي لأن ذلك شجع على تصريفها لمنتجاتها في الوطن العربي (188). كان الحزب الشيوعي المصري محظوراً منذ أن أصدر إسماعيل صدقي أيام العهد الملكي قرارا بحظره واستمر أيام عبد الناصر وامتلأت السجون بالشيوعيين أيام عبد الناصر (189). عنما دخلت فرقة مدرعة سورية إلى الأردن بغية حماية الفلسطينيين في أيلول الأسود، تلقت انذاراً من إسرائيل بقصفها (190). - الفصل الثامن – الوحدة والوزارة المركزية من عام 1958 إلى 1961: لقد شاركت في تزوير الاستفتاء على الدستور وانتخاب جمال عبد الناصر، رئيساً للجمهورية العربية المتحدة لتبلغ بنسبة 99. 98 بالمئة، وعندما أعلنت الوحدة في شباط من عام 1958، بدأ تدفق أفواج الموظفين المصريين وضباط إلى الإقليم الشمالي. في تموز عام 1958 حدث انقلاب عبد الكريم قاسم في بغداد واعدم نوري السعيد والوصي على العرش عبد الإله، في تلك الأثناء اتهمت سوريا ومصر عبد الكريم قاسم بأنه عميل للشيوعية الدولية (191). في عهد الوحدة، أستقبلني الرئيس عبد الناصر في داره مساءً بالقاهرة وعندما حدثته لم يفهم على لهجتي السورية ثم قال نحن بحاجة إلى الخشب وليس في سوريا ما يكفي وعلينا أن نستورده من السويد ونحتاج لبعض القمح وأنتم تستوردونه منذ سنين. وعندما تحدثت إلى خالد بكداش حول الوحدة، قال لي نحن لسنا ضد الوحدة ولن نحل حزبنا (192). كلفني عبد الناصر أن أكون وزيراً للصحة في القاهرة، فقد كان عدد سكان مصر وسوريا 35 مليون نسمة، وعندما ذهبت إلى المكتب، اوقفني الحارس فقلت له: وزير الصحة، فقال لي: لا يأتي قبل الساعة الحادية عشر، فقلت أنا وزير الصحة واقترح علي مدير المكتب ألا آتي إلى المكتب قبل الحادية عشر تماشياً مع العادات المتبعة لأن الحجب مهم هنا. ومقارنة مع سوريا، كان الرئيس شكري القوتلي يسكن شقة مستأجرة أيام الوحدة في حي الجسر الأبيض (194). عندما سكننا في القاهرة، مكثنا سنتين دون عمل ودون مسؤولية محدودة، فقد كنا نتبادل الزيارات بين المكاتب ونستقبل بعضنا (195). عندما قمت بزيارة ميدانية للمشافي، اعترض علي وزير الصحة التنفيذي للزيارات المفاجئة، ذهبت معه إلى مجمع صحي وعيادة بيطرية في الساعة العاشرة نهاراً فلم نجد أحداً هناك، وكانت الأبواب مقفلة لكننا وجدنا الخادمة، والأوساخ منتشرة في كل مكان. كان المركز الطبي مجهز وفيه أدوات لكن بلا عمل (197). وعندما قابلت أحد المراجعين، قال لي أن الطبيب اعطاني علاجاً للجاموسة المريضة فماتت ثم قال آخر أنه حمل ولد مريض ولم يجد سوى عامل الحديقة، كان المجمع موجود في الخرائط فقط، وهنا قال لي الزميل والوزير التنفيذي: هم بهائم أفندم. ثم زرنا مشافي أخرى، فكانت هناك فوضى عارمة واضابير ضائعة وأوساخ وروائح وتشخيص دون فحوص. بعد شهر اجتمعت مع عبد الناصر وذكرت له مشاهداتي فقاطعني قائلا: ده مش صحيح، مش معقول أنا زرت المشفى وحالته جيدة فقلت له الزيارات المرتبة دائماً خادعة، لقد فرشوا المشفى وبدلوا الملابس (197). بعد شهرين رافقنا الرئيس إلى مدينة المنيا وبدأ مهرجان عكاظ الخطابي وكثر فيه السين والسوف والآمال، قال أمين النفوري وزير المواصلات بأن هناك بشرى سارة لتعميم المخابرات في كل مدينة وقرية (198). بقيت الأماكن التي كانت على عهد الملك وأصبح يتمتع بها المسؤولون الجدد، لقد كان تمجيد للسلطة ورموزها في الوجدان المصري. قال لي حسين الشافعي (الوزير المصري) عندما قام بزيارة للإقليم الشمالي (سوريا): أنتم لا تقيمون أي وزن لأصحاب الشأن (199). عندما ذهبنا للصيد في منطقة عسكرية طلبوا منا التصريح، فقال مدير المكتب: وزير الصحة، فرفعوا الحاجز ودخلنا (200). لا شك أن سلوك الأفراد والشعوب للرضوخ والاستكانة هو نتيجة تربية وتدجين على الإذلال والقهر التاريخي والإنسان الذي يعيش في السهل المنبسط تاريخياً مختلف عن مجتمعات المناطق الجبلية الوعرة (201). ليس في مصر أقلية عرقية، الناس تتشابه وهذا مخالف في سوريا لأن فيها تضاريس متنوعة، جبال ووديان وسهول. كل منطقة في سوريا جزيرة سكانية يروي أرضها المطر ولا يشبه الناس بعضهم (202). لم تقم في سوريا تاريخياً سلطة قاهرة، فهناك اشاعات أن الإنكليزي هادئ وشجاع ومنظم والعربي حاد المزاج، مخادع، كثير الكلام، كسول ومتقلب، والزنجي حاد المزاج، ذليل والتركي شرس وقاس، ومتعصب، والروسي فظ، وبارد. هذه خرافات تجري على الألسن (203). كان خطاب الرئيس ضد الشيوعية الدولية والعميل الجديد عبد الكريم قاسم والخطاب نفسه كان عبارة عن رسالة إلى واشنطن ليؤكد حياده. لقد أتى تهديد إلى (نيكولايا بولغانين وزير الدفاع – الاتحاد السوفيتي) إلى الدول الثلاثة بعد الانسحاب وليس قبله (204). كان أكرم الحوراني سعيداً بالحملة التي شنها عبد الناصر ضد الشيوعيين، فقلت له: اكلت يوم اكل الثور الأبيض، أي أنتم بعد الشيوعيين. فقد كان البعثيون ينظرون من عبد الناصر أن يخلصهم من الشيوعيين (205). بعد فترة من مكوثنا في القاهرة، أصبحنا نتساءل لماذا نحن هنا (206). يذكر رياض المالكي في كتابه (درب الكفاح والهزيمة – 1972 وكان المالكي وزيراً) أن عبد الناصر قال له: الاعلام والدعاية أهم من القوات المسلحة لأن الحرب بين العرب وإسرائيل نفسية ودعائية. فقد كشف قول عبد الناصر أن الصراخ سوف يرعب إسرائيل. بعد تعثرات، استقال البعثيون جماعياً من الوزارة في كانون أول عام 1959(207). - متاعب ومراجعة: يقول أحد الفلاسفة إذا بدأت بالشك فإنك بالصبر ستصل لليقين وإذا بدأت باليقين ستنتهي بالشك. فبعد أشهر من الوحدة بدأ الشك بها (208). عند مراجعتي للميزانية أثار انتباهي ميزانية سوريا المقتطعة (53 %) ومصر (17 % فقط) وهذا من أجل تسليح وتدريب جيش الوحدة، وعند اعتراضي في اجتماع الوزراء قاطعني عبد الناصر وقال: لا مجال لتغيير نسب الانفاق هذه، وحاول البعض تلفيق تهمة الشيوعية لي، لأنه كانت العلاقة متوترة بين عبد الناصر وبين المعسكر الشرقي (209). كان الخاسر في انتخابات الإتحاد القومي قواعد حزب البعث، فقد وصل من بينهم 350 مندوباً من أصل 9400 حيث ركزت أجهزة عبد الناصر على محاربة الحزب (210). في تلك الفترة، بدأت تهرب الأموال من سوريا إلى لبنان مما جعل العملة السورية تهبط، وعلى العكس، بدأ تهريب بضائع الترف من لبنان إلى سوريا بالعملة الصعبة لرموز النظام في الوحدة. عندما صدرت تشريعات التأميم للشركات الكبرى والإصلاح الزراعي، كان الاقطاع في مصر معظمه لأصل تركي ويوناني ولبناني وسوري (211). ذهبت لمقابلة عبد الناصر بعد انتظار أشهر، فسألت عن تقرير الصحة الماضي فقال: ما لنا والتقارير، هل لديك سيارة أم بحاجة لواحدة (212). كنا نستورد الأدوية من هنغاريا وألمانيا الشرقية بأسعار 10% بالمئة من الأسعار الغربية (213). كانت شركات الأدوية الفرنسية والإيطالية يرغبون في انشاء مصانع في سوريا لكن المسؤولون كانوا يرسلوهم إلى القاهرة كي يفتحوا هناك (214). وجه لي سؤال في زيارتي للولايات المتحدة عن ديني، فقالوا لي دون مقدمات أنت شيوعي (217). قدمت استقالتي لعبد الناصر بعد أن اكتشفت أن لا عمل لي في وزارة الصحة وغادرت القاهرة في 20. 8. 1960 (218). في زيارتي للعراق، شاهدت عبد الكريم قاسم يلقي الخطابات وبدا لي بأنه شخص غر متوازن ففجأة تنقلب تعابير وجهه من الغضب إلى الابتسامة أو إلى الخوف. كان عبد الناصر يريد إقامة الوحدة بالشعارات والخطابات، ثم أتت حرب اليمن وحرب 1967 عبارة عن افخاخ له (220). ربما خدعته أجهزته في استعراض صواريخ القاهر والظافر حيث قاد ذلك إلى الهزيمة، ولكن عندما تسلم السادات وقامت سفارة إسرائيل في القاهرة بدأت الصحافة والاعلام الإذاعي تشتم العرب والعروبة وتحول العرب إلى خونة ومتآمرين (221).
#خليل_الشيخة (هاشتاغ)
Kalil_Chikha#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كتاب: جيل الهزيمة (1)
-
الشكر للسعودية وأميرها
-
كتاب: أصل العائلة والملكية والدولة
-
أصل العائلة (5)
-
أصل العائلة (4)
-
أصل العائلة (3)
-
أصل العائلة (2)
-
كتاب أصل العائلة
-
كتاب البعث الشيعي
-
كتاب: الهزيمة والايديولوجيا المهزومة
-
كتاب البعث – كاملاً
-
كتاب البعث - الجزء الثاني
-
كتاب البعث – سامي الجندي (1)
-
كتاب الصراع على السلطة في سوريا كاملاً
-
كتاب: الصراع على السلطة في سوريا (4)
-
كتاب: الصراع على السلطة في سوريا (3)
-
كتاب: الصراع على السلطة في سوريا (2)
-
كتاب: الصراع على السلطة في سوريا (1)
-
اجتهادات ابو عبدو
-
من أجل الخبيّزة
المزيد.....
-
وفاة الفنانة المغربية نعيمة بوحمالة عن 77 عاما بعد صراع مع ا
...
-
فيلم -8 أكتوبر- يهاجم الاحتجاج ضد الإبادة دعما لأجندة يمينية
...
-
هي ثاني أكثر اللغات انتشارا في فرنسا... ما هو واقع تعليم الل
...
-
مصر.. مسؤول يحذر من خطورة -ثقافة التريند- على الأمن القومي
-
راغب علامة يعلّق على زيارته للرئيس اللبناني
-
من المؤثرة البريطانية نيكي ليلي التي استضافها مهرجان كان الس
...
-
أسرار باريس | أشباح كواليس الأوبرا
-
-التربية-: مدارسنا تحصد جوائز ومراكز متقدمة بمهرجان أفلام ال
...
-
الفيلم الهندي -الدبلوماسي-.. دعاية سوداء وإثارة سياسية على ه
...
-
المخرج نيكيتا ميخالكوف يدعو إلى فرض قيود على الأفلام الأمريك
...
المزيد.....
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
-
منتصر السعيد المنسي
/ بشير الحامدي
-
دفاتر خضراء
/ بشير الحامدي
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
-
أحلام تانيا
/ ترجمة إحسان الملائكة
-
تحت الركام
/ الشهبي أحمد
المزيد.....
|