أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علا مجد الدين عبد النور - الكريسماس.. رحلة العيد من (أروقة الكنيسة) إلى(شوارع العالم)















المزيد.....

الكريسماس.. رحلة العيد من (أروقة الكنيسة) إلى(شوارع العالم)


علا مجد الدين عبد النور
كاتبة

(Ola Magdeldeen)


الحوار المتمدن-العدد: 8572 - 2025 / 12 / 30 - 08:17
المحور: الادب والفن
    


لم يعد الكريسماس مجرد مناسبة دينية تخص أتباع المسيحية وحدهم، بل تحوّل عبر قرون طويلة إلى ظاهرة ثقافية واقتصادية عالمية، تجاوزت الحدود الجغرافية والانتماءات الدينية، ليصبح واحدًا من أكثر الأعياد حضورًا في الفضاء العام. هذا التحول يطرح سؤالًا جوهريًا: كيف كسر الكريسماس أسوار الكنيسة ليخرج إلى الشارع، ثم إلى العالم كله؟ وكيف انتقل من ترانيم خاشعة إلى محرّك اقتصادي يهيمن على الأسواق العالمية؟
في القرون الأولى للمسيحية، لم يكن الاحتفال بميلاد السيد المسيح جزءًا من العادات الكنسية. فقد انصبّ اهتمام المسيحيين الأوائل بالأساس على ذكرى القيامة، أو عيد الفصح، باعتباره جوهر الإيمان. ولم تشر النصوص المسيحية المبكرة إلى تاريخ محدد للميلاد، وهو ما جعل تحديد هذا اليوم وتخصيص احتفال له يمر بمراحل تاريخية وجغرافية متعددة، قبل أن يصل إلى شكله المعروف اليوم.
بدأت ملامح الاحتفال تتبلور تدريجيًا في القرن الثالث الميلادي، لكنها لم تكن موحدة. ففي الشرق، ولا سيما في مصر وفلسطين، كانت الكنائس تحتفي بذكرى الميلاد والغطاس معًا في السادس من يناير، فيما عُرف بعيد الظهور الإلهي. أما في الغرب، فظهرت محاولات لتحديد تاريخ مستقل للميلاد. وتشير الوثائق التاريخية إلى أن عام 336 ميلادي شهد أول احتفال رسمي مسجل بميلاد المسيح في روما في يوم 25 ديسمبر.
ويرتبط اختيار هذا التاريخ بعدة تفسيرات تاريخية. فالكثير من المؤرخين يرون أن الكنيسة في روما سعت إلى استبدال الاحتفالات الوثنية المرتبطة بانقلاب الشتاء و”عيد الشمس التي لا تُقهر” باحتفال مسيحي، موجِّهة الأنظار نحو المسيح الذي لُقّب في الأدبيات المسيحية بـ”شمس البر”. وفي المقابل، تربط وجهة نظر أخرى التاريخ بعيد البشارة، إذ حُدد يوم 25 مارس تقليديًا موعدًا للبشارة، وبإضافة تسعة أشهر — مدة الحمل الطبيعية — يصبح 25 ديسمبر هو الموعد المنطقي للميلاد.
ومع انعقاد مجمع نيقية عام 325 ميلادي، بدأ الاتجاه نحو توحيد الاحتفالات الكنسية. وانتقل الاحتفال بيوم 25 ديسمبر من روما إلى القسطنطينية وأنطاكية في أواخر القرن الرابع، وبحلول القرن الخامس أصبح هذا التاريخ هو السائد في معظم أنحاء العالم المسيحي، مع بقاء بعض الكنائس الشرقية متمسكة بتاريخ السادس من يناير لفترات أطول، قبل أن يستقر أغلبها لاحقًا على موعد 25 ديسمبر وفق تقاويمها المحلية.

في بداياته، لم يكن الكريسماس عيدًا هادئًا كما نعرفه اليوم. ففي العصور الوسطى، كان الاحتفال أقرب إلى مهرجان شعبي صاخب، تمتلئ فيه الشوارع بالكرنفالات والاحتفالات الجماعية، تختلط خلالها الطقوس الدينية بالممارسات الشعبية، وأحيانًا بالفوضى والعنف، بعيدًا عن السيطرة الكاملة للكنيسة. كان العيد آنذاك حدثًا عامًا بامتياز، لا يعرف الخصوصية ولا الطابع العائلي.
التحول الحقيقي جاء في القرن التاسع عشر، حين أُعيد ابتكار الكريسماس ليأخذ شكله الحديث كعيد عائلي دافئ. لعب الأدب دورًا محوريًا في هذا التحول، خاصة رواية «ترنيمة عيد الميلاد» لتشارلز ديكنز الصادرة عام 1843، والتي رسخت صورة العيد بوصفه زمنًا للعطاء والرحمة ولمّ الشمل داخل البيوت. وفي الوقت نفسه، ساهمت الملكة فيكتوريا في تحويل شجرة الميلاد إلى رمز عالمي، بعد نشر صورة لها عام 1848 برفقة الأمير ألبرت وأطفالهما وهم يزينون الشجرة داخل القصر، لتتحول هذه العادة من تقليد نخبوي إلى موضة اجتماعية انتشرت سريعًا في أوروبا ثم في أمريكا.
ومع دخول القرن العشرين، اكتملت عملية “علمنة” الكريسماس. فبعد أن أصبح يوم 25 ديسمبر عطلة رسمية في الولايات المتحدة منذ عام 1870، خرج العيد تدريجيًا من إطاره اللاهوتي الضيق، ليغدو مناسبة اجتماعية يتبادل فيها الناس الهدايا والبطاقات، ويجتمع فيها الأصدقاء والعائلات، بغض النظر عن خلفياتهم الدينية.
وفي قلب هذا التحول، برزت شجرة الكريسماس باعتبارها الرمز البصري الأهم للعيد، رغم أن جذورها تسبق المسيحية بآلاف السنين. فقد استلهمت الشعوب القديمة الأشجار دائمة الخضرة بوصفها رمزًا لانتصار الحياة على الموت. استخدم الفراعنة أغصان النخيل الخضراء احتفالًا بعودة النور في الانقلاب الشتوي، بينما زيّن الرومان منازلهم بالصنوبر خلال احتفالات (عيد ميلاد الشمس).
أما التبني المسيحي لهذا الرمز فجاء لاحقًا، خاصة في ألمانيا خلال القرن السادس عشر، حيث يُنسب إلى المصلح مارتن لوثر إضافة الشموع إلى الشجرة لتجسيد “نور المسيح”. ومع مرور الوقت، اكتسبت الشجرة دلالتها الحالية كرمز للحياة الأبدية، وتُوّجت بالنجمة التي تشير إلى نجمة بيت لحم.
إلى جانب التحولات الثقافية، لعب الاقتصاد دورًا حاسمًا في عولمة الكريسماس. فقد أصبح التسويق التجاري الوقود الحقيقي لانتشاره العالمي. وقبل ثلاثينيات القرن العشرين، لم يكن لبابا نويل شكل موحد، إلى أن جاءت حملة شركة “كوكاكولا” عام 1931 لترسم صورته الشهيرة بالرداء الأحمر واللحية البيضاء، بما يتماشى مع ألوان علامتها التجارية. هذه الصورة، التي بدت بسيطة في ظاهرها، غزت العالم وأصبحت جزءًا من الذاكرة البصرية الجمعية.
وترافق ذلك مع نشوء “موسم التسوق” المرتبط بالكريسماس، وظهور مفاهيم مثل الهدايا الجاهزة، والإنارة والزينة التي أُضيئت كهربائيًا لأول مرة في نيويورك عام 1882، وصولًا إلى ظواهر معاصرة مثل “الجمعة السوداء”، التي حولت العيد إلى أكبر موسم استهلاكي عالمي.
غير أن هذا الخروج الواسع للكريسماس من صمته الديني لم يمر دون مقاومة. ففي القرن السابع عشر، حظر البيوريتانيون الاحتفال بالعيد في إنجلترا وأمريكا، معتبرين إياه بدعة وثنية لا أصل كتابي لها ومصدرًا للمجون والانحراف. وفي القرنين التاسع عشر والعشرين، ظهرت أصوات كنسية معارضة لعلمنة العيد، رافعة شعار “أعيدوا المسيح للكريسماس” احتجاجًا على طغيان المادية والرموز التجارية مثل سانتا كلوز.
ورغم كل ذلك، صار الكريسماس عيدًا للجميع بفعل تضافر عدة عوامل. فقد نقلت القوة الناعمة الغربية، عبر هوليوود والسينما والإعلام، صور الثلوج والأشجار المضاءة إلى كل بيت في العالم. كما جعلت القيم الإنسانية العامة — كالسلام والمحبة والتضامن — من العيد مناسبة ثقافية عابرة للأديان. وساهم ارتباطه بنهاية العام الميلادي في تحويل هذه الفترة بأكملها إلى موسم احتفال جماعي تشترك فيه ثقافات مختلفة.
في المحصلة، فإن رحلة الكريسماس ليست مجرد قصة عيد، بل حكاية تطور ثقافي معقد، بدأ كطقس كنسي وقور، ومرّ بمهرجانات الشوارع الصاخبة، وانتهى كأكبر ظاهرة ثقافية واقتصادية تجمع البشر حول قيم العطاء والبهجة، بغض النظر عن انتماءاتهم أو معتقداتهم.



#علا_مجد_الدين_عبد_النور (هاشتاغ)       Ola_Magdeldeen#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ​ورحل فيلسوف السينما عن -أرض الخوف-
- ​إمبراطورية الإغواء.. من -رقصة- السياسي إلى -سحر- العل ...
- المعارضة كأداة حكم: لماذا تحتاج السلطة إلى من يقول «لا»؟
- 2025.. عام التحولات الكبرى وكسر اليقين
- كل السنة في رأس السنة (الأخير)
- عام سعيد!
- هل كان عام 2025 عامًا سعيدًا على المصريين؟
- من السيوطي إلى المدرسة: كيف تحوّل الجنس من علم إلى عار
- لماذا نخاف من أحكام الآخرين؟
- لماذا علمونا كل شيء ولم يعلمونا كيف نعيش؟
- رسالة المصريين في جولات الإعادة .. هل فهمت القيادة السياسية ...
- الطفل الذي حلم بأن يلمس الأهرامات!
- كل السنة في رأس السنة!
- عروس المنوفية: جريمة تكشف أوضاع النساء في مصر
- كن أنت جمهورك… فالحشود لا تُؤتمن
- محمد صلاح … حين يصبح الخروج من منطقة الراحة ضرورة
- -حين ينسحب التشدد من دولة… ويزدهر في أخرى-
- علّمني الخيبة يا با!!
- أبجدية السياسة (الاخيرة): سياسة واقتصاد
- أبجدية السياسة _7_ نظم الحكم عبر التاريخ


المزيد.....




- أسطورة السينما الفرنسية بريجيت باردو ستدفن على شاطئ البحر في ...
- أحدثت بجمالها ثورة جنسية في عالم السينما.. وفاة بريجيت باردو ...
- عودة هيفاء وهبي للغناء في مصر بحكم قضائي.. والفنانة اللبناني ...
- الأمثال الشعبية بميزان العصر: لماذا تَخلُد -حكمة الأجداد- وت ...
- بريجيت باردو .. فرنسا تفقد أيقونة سينمائية متفردة رغم الجدل ...
- وفاة أيقونة السينما الفرنسية بريجيت باردو، فماذا نعرف عنها؟ ...
- الجزيرة 360 تفوز بجائزة أفضل فيلم وثائقي قصير بمهرجان في الس ...
- التعليم فوق الجميع.. خط الدفاع في مواجهة النزاعات وأزمة التم ...
- -ناشئة الشوق- للشاعر فتح الله.. كلاسيكية الإيقاع وحداثة التع ...
- وفاة أيقونة السينما الفرنسية بريجيت باردو عن 91 عاما


المزيد.....

- دراسة تفكيك العوالم الدرامية في ثلاثية نواف يونس / السيد حافظ
- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علا مجد الدين عبد النور - الكريسماس.. رحلة العيد من (أروقة الكنيسة) إلى(شوارع العالم)