أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - علا مجد الدين عبد النور - لماذا علمونا كل شيء ولم يعلمونا كيف نعيش؟














المزيد.....

لماذا علمونا كل شيء ولم يعلمونا كيف نعيش؟


علا مجد الدين عبد النور
كاتبة

(Ola Magdeldeen)


الحوار المتمدن-العدد: 8561 - 2025 / 12 / 19 - 18:14
المحور: قضايا ثقافية
    


كنتُ طالبةً متفوقة… لا، لم أكن كذلك. كنتُ طالبةً مثالية. أؤدي واجباتي كاملة، أحفظ دروسي القديمة عن ظهر قلب، وأسبق المعلمة إلى درسها الجديد فأحفظه قبل أن تشرحه بيوم. كثيرًا ما أسأل نفسي الآن: ما حاجتي إلى شرحٍ لم أعد أحتاجه، إذا كنت قد قرأتُ وحفظتُ بالفعل؟

كنتُ أجتاز اختباراتي الشهرية والسنوية بتفوّق، إلى الحد الذي يجعلني أنهار باكية إذا خسرتُ نصف درجة. ألتزم بالزي المدرسي التزامًا صارمًا، ولم أخالفه يومًا واحدًا، لا تمردًا ولا تقليدًا لصديقاتٍ خالفنه مرارًا ولم يُعاقبن.

أنهيتُ دراستي الثانوية، ثم واجهتُ أول اختبارٍ حقيقي لم أكن مستعدة له، ولم أجد له إجابة نموذجية محفوظة سلفًا: ماذا بعد؟ أي كليةٍ يجب أن ألتحق بها؟ بحثتُ عن الإجابة لدى الأهل والأصدقاء، فكان حاصل هذا التخبط أن غيّرتُ استمارة رغباتي ثلاث مرات، قبل أن أستقر على كلية الآداب، قسم الإعلام، لأنها الأقرب إلى ميولي في الكتابة.

وبعد التخرج، عاد السؤال ذاته: ماذا بعد؟ ظل يتكرر عبر السنوات، ولا يزال يتردد حتى اليوم. الفارق الوحيد أنني لم أعد تلك الطالبة المتفوقة التي تجتاز كل اختبار بنجاح. اكتشفتُ، بمنتهى الصراحة، أنني في مدرسة الحياة لم أكن الأفضل أبدًا.

فكيف حدث هذا؟ ولماذا لم أستفد بكل ما تعلمته في المدرسة؟


حين لم يكن التعليم بريئًا

منذ أن تعلّم الإنسان تدوين أفكاره، لم يكن التعليم فعلًا عشوائيًا، بل ممارسة منظمة ارتبطت بالسلطة والمعرفة معًا. في الحضارات القديمة، لم تكن المدارس مجرد مبانٍ، بل مؤسسات تُدار من قلب المعابد والقصور، حيث تُصاغ العقول التي ستدير الدولة وتكتب تاريخها.

في بلاد ما بين النهرين، ظهر «بيت الألواح» قبل نحو خمسة آلاف عام، كأحد أقدم أشكال المدارس في التاريخ. هناك تعلّم الكتبة الكتابة المسمارية والحساب والأدب، لا بوصفها معارف مجردة، بل أدوات للإدارة والاقتصاد وبسط النفوذ. وفي مصر القديمة، وُلد «بيت الحياة» كمؤسسة تعليمية ملحقة بالمعابد، أشبه بجامعة ومكتبة ومركز أبحاث، بينما خُصصت مدارس البلاط الملكي لتنشئة أبناء الفرعون والنخبة، وتلقّى عامة الصبية تعليمهم منذ سن مبكرة، جامعًا بين القراءة والكتابة والأخلاق.

أما في اليونان القديمة، فقد ارتبط التعليم بفكرة المواطن الكامل، جسدًا وعقلًا. في الجمنازيوم تدرّب الجسد، وفي الأكاديمية والليسيوم صُقلت العقول على يد أفلاطون وأرسطو.

لكن المدرسة بشكلها الحديث، القائم على الصفوف الموحدة والمناهج الإلزامية، لم تظهر إلا مع التحولات الكبرى في أوروبا خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. حين فرضت بروسيا التعليم الإلزامي عام 1763، لم يكن الدافع إنسانيًا خالصًا، بل سياسيًا واقتصاديًا في المقام الأول. فبعد الهزيمة أمام نابليون، سعت الدولة إلى صناعة مواطنين منضبطين، قادرين على تنفيذ الأوامر بدقة. ومع الثورة الصناعية، احتاجت المصانع إلى عمال يعرفون القراءة والحساب، ويجيدون الالتزام بالمواعيد، أكثر من حاجتها إلى مفكرين مستقلين.

ومنذ ذلك الحين، استقر نموذج المدرسة على تقديم المعرفة الأكاديمية بوصفها الغاية القصوى، بينما تُركت مهارات الحياة على الهامش، كأنها تفاصيل يمكن اكتسابها تلقائيًا.

كبرنا ونحن نحفظ القوانين والمعادلات، لكننا لم نتعلم كيف ندير أموالنا، أو نفهم الضرائب، أو نخطط لمستقبلنا المالي. لم نتعلم كيف نصلح عطبًا بسيطًا في بيوتنا، أو نطهو وجبة متوازنة، أو نتعامل مع التقنيات الحديثة بوصفها أدوات إنتاج لا مجرد وسائل ترفيه.

غابت عن المناهج مهارات التواصل الفعّال، والتفكير النقدي العملي، وفهم النفس البشرية، وإدارة الضغوط، وبناء العلاقات الصحية. لم يُعلَّم لنا كيف نبحث عن عمل، أو نتفاوض، أو نقرأ الإعلام بوعي، أو نميز بين الحقيقة والتلاعب. وهكذا خرج كثيرون إلى الحياة مثقلين بالمعلومات، لكن عراة من المهارات.

ومن بين أكثر المساحات إهمالًا وحساسية، تبرز التربية الجنسية. ذلك الملف الذي يُترك غالبًا للصمت أو للمصادر العشوائية، رغم كونه ضرورة ملحّة لحماية الأطفال والمراهقين. فالتثقيف الجنسي، حين يُقدَّم بشكل علمي ومناسب للعمر، لا يهدم القيم كما يُتصور، بل يحمي الجسد، ويُعلّم التمييز بين اللمسة الآمنة وغير الآمنة، ويصحح المفاهيم المغلوطة، ويساعد المراهقين على فهم التغيرات الجسدية والنفسية دون خوف أو شعور بالذنب. وهو، قبل كل شيء، يرسّخ قيم الاحترام والمسؤولية، ويُسهم في الوقاية من السلوكيات الخطرة.

إن غياب هذه العلوم لا يعني أنها غير مهمة، بل ربما يعني العكس تمامًا. فالنظام التعليمي، منذ نشأته الحديثة، صُمم ليُنتج أفرادًا صالحين للعمل داخل المنظومة، لا بالضرورة قادرين على إدارة حياتهم خارجها. وهنا تتبدّى أهمية التعلم الذاتي، لا بوصفه ترفًا، بل كضرورة لسد فجوة تركتها المدرسة، عن قصد أو عن غفلة.

فالتعليم الحقيقي لا يكتمل عند باب المدرسة، ولا يُقاس بعدد الشهادات، بل بقدرة الإنسان على فهم ذاته، وإدارة حياته، والتفاعل مع العالم بوعي ومسؤولية.



#علا_مجد_الدين_عبد_النور (هاشتاغ)       Ola_Magdeldeen#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة المصريين في جولات الإعادة .. هل فهمت القيادة السياسية ...
- الطفل الذي حلم بأن يلمس الأهرامات!
- كل السنة في رأس السنة!
- عروس المنوفية: جريمة تكشف أوضاع النساء في مصر
- كن أنت جمهورك… فالحشود لا تُؤتمن
- محمد صلاح … حين يصبح الخروج من منطقة الراحة ضرورة
- -حين ينسحب التشدد من دولة… ويزدهر في أخرى-
- علّمني الخيبة يا با!!
- أبجدية السياسة (الاخيرة): سياسة واقتصاد
- أبجدية السياسة _7_ نظم الحكم عبر التاريخ
- أبجدية السياسة (6): اللامبالاة السياسية
- أبجدية السياسة_5_ الأحزاب السياسية
- العلمانية الدينية بين المستحيل والممكن..
- أبجدية السياسة (4): مجلس الشيوخ
- -حين يصبح التفكير تهمة.. أزمة حرية الاعتقاد في مصر”
- أربعة وثلاثون عامًا من اللاجدوى
- أبجديّة السياسة (3): -مجلس النواب-
- حرب المال والبلطجة من أجل عيون المواطن!!
- أبجدية السياسة ....-الحياة السياسية-
- لن يرضى عنك المتأسلمون حتى تتبع ملتهم!!


المزيد.....




- من الخرطوم إلى كاراكاس.. روبيو يعلن أولويات واشنطن الإقليمية ...
- اجتماع جديد للوسطاء بميامي.. روبيو: اتفاق غزة سيستغرق 3 سنوا ...
- أفضل أداة توليد صور بالذكاء الاصطناعي؟.. -واشنطن بوست- تجيب ...
- من هجليج للأبيض.. مدن مفصلية ترسم ملامح الصراع في كردفان
- محللون: تعقيدات تعرقل الانتقال للمرحلة الثانية من اتفاق غزة ...
- بهدوء وثبات.. إسرائيل تنهار من الداخل
- -كوشنر سيحضرها-.. مصدر يكشف لـCNN تفاصيل جديدة عن محادثات مي ...
- العدل الدولية تنظر في قضية الإبادة الجماعية بميانمار في يناي ...
- العقوبات على الجنائية الدولية.. هل تجهز واشنطن على القانون ا ...
- 3 شهداء وعدة مصابين في قصف مدفعي إسرائيلي على مبنى يؤوي نازح ...


المزيد.....

- علم العلم- الفصل الرابع نظرية المعرفة / منذر خدام
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - علا مجد الدين عبد النور - لماذا علمونا كل شيء ولم يعلمونا كيف نعيش؟