أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - علا مجد الدين عبد النور - لماذا نخاف من أحكام الآخرين؟














المزيد.....

لماذا نخاف من أحكام الآخرين؟


علا مجد الدين عبد النور
كاتبة

(Ola Magdeldeen)


الحوار المتمدن-العدد: 8562 - 2025 / 12 / 20 - 12:44
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


الخوف من أحكام الناس ليس ضعفًا شخصيًا ولا عيبًا أخلاقيًا، بل هو استجابة إنسانية عميقة الجذور، تشكّلت عبر آلاف السنين. في المجتمعات البدائية، كان الخروج عن الجماعة أو التعرّض لرفضها يعني خطرًا حقيقيًا على البقاء، وربما الموت. من هنا تعلّم الدماغ أن يربط بين القبول الاجتماعي والأمان، وبين الرفض والخطر، فصار أي حكم سلبي بمثابة تهديد وجودي، حتى وإن تغيّرت الظروف.
ومع تطور المجتمعات، ظلّت الحاجة إلى القبول واحدة من أقوى الدوافع النفسية لدى الإنسان. فالرفض لا يؤلم معنويًا فقط، بل يترك أثرًا جسديًا حقيقيًا؛ إذ تُظهر الدراسات أن التعرض للنبذ أو التقييم السلبي ينشّط في الدماغ نفس المسارات المرتبطة بالألم الجسدي، مسببًا صداعًا، واضطرابات هضمية، وارتفاعًا في هرمونات التوتر مثل الكورتيزول. ومع تكرار هذا الضغط، قد يتحول الخوف من أحكام الآخرين إلى قلق مزمن أو اكتئاب أو حتى التهابات جسدية طويلة الأمد. وعلى النقيض، يمنح القبول والانتماء شعورًا بالراحة والأمان، ويخفّض مستويات التوتر، ويعزّز الصحة النفسية والجسدية، لأن الإنسان في جوهره كائن اجتماعي لا يعيش معزولًا.
يضاف إلى ذلك خوف أعمق وأكثر إيلامًا: الخوف من أن تؤكد أحكام الآخرين شكوكنا الداخلية حول أنفسنا. أحيانًا لا نخشَى الناس بقدر ما نخشَى أن يقولوا بصوت عالٍ ما نهمس به سرًا لأنفسنا عن الفشل أو نقص الكفاءة. هنا يصبح الحكم الخارجي مرآة قاسية، تهدد ما تبقى من ثقة هشة بالنفس.
ثم يأتي ما يُعرف في علم النفس بـ«تأثير الأضواء» أو Spotlight Effect. نحن نميل إلى المبالغة في تقدير مدى ملاحظة الآخرين لنا، كأننا نقف دائمًا تحت كشاف ضخم، بينما الحقيقة أن معظم الناس يعيشون داخل بقعة الضوء الخاصة بهم. كل شخص منشغل بملابسه، وأخطائه، وصورته أمام الآخرين، أكثر بكثير من انشغاله بك. وحتى إن لاحظ أحدهم أمرًا عابرًا، كتعثرٍ أو بقعةٍ على قميص، فغالبًا ما ينساها خلال ثوانٍ لأنها لا تمس حياته الشخصية. ورغم ذلك، نشعر نحن بما يُسمّى «الشفافية الوهمية»، فنعتقد أن توترنا أو ارتباكنا مكشوف للعيان، بينما هو في الواقع غير مرئي إلا لنا.

لماذا علينا أن نتوقف عن إصدار الأحكام؟

لم تأتِ الدعوة إلى وقف الأحكام من علم النفس الحديث وحده، بل سبقت ذلك الأديان والفلسفات الكبرى. ففي الإنجيل يقول المسيح:
«لاَ تَدِينُوا لِكَيْ لاَ تُدَانُوا…»(مت 7: 1-2)
وفي القرآن الكريم:
﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ﴾(57 الأنعام)
وكلا النصين يضع الإنسان في حجمه الطبيعي، ويذكّره بأن معرفته محدودة، وأن إطلاق الأحكام النهائية على الآخرين ضرب من التعدي.
فالأحكام المستمرة مصدر رئيسي للتوتر، والتخلي عنها يمنح هدوءًا عقليًا ورؤية أوضح للواقع دون تشويه التفسيرات الشخصية. ومع غياب هذا التشويه، يصبح الإنسان أكثر قدرة على رؤية الجمال في الحياة، وأقل انغماسًا في دوامة السخط والسعي المحموم للمقارنة.
كما يفتح التوقف عن الحكم باب التعلم الحقيقي؛ فكل شخص مختلف يتحول من تهديد إلى نافذة لفهم العالم. وهو كذلك حماية من الظلم، لأن الحكم السريع يتجاهل دائمًا أن لكل إنسان قصة لا نعرف منها إلا سطرًا واحدًا. ومع هذا الإدراك، ينشأ التقبل، لا للآخرين فقط، بل للذات أيضًا، فيشعر الإنسان بخفة داخلية وتحرر من سجن القلق والسلبية.

عندما تقتل الأحكام
تتجلى خطورة الأحكام بأقسى صورها في قصة «وفاة موظف» لأنطون تشيخوف، والتي تدور حول موظف بسيط عطس على رأس جنرال،فمات رعباً!
البطل، تشيرفياكوف، لم يمت بسبب العطسة، بل بسبب رهاب اجتماعي حاد جعله يرى في هذا الفعل الطبيعي «خطيئة» تهدد وجوده كله.
لم يكن خوفه نابعًا من العطسة ذاتها، بل من هوية الشخص الذي عطس عليه: جنرال، أي رمز السلطة. لو كان الشخص من مستواه الاجتماعي، لما حدث شيء. لكن أمام السلطة، شعر البطل بالدونية المطلقة.
الأخطر أن الجنرال أخبره صراحة أنه نسي الأمر، لكن تشيرفياكوف ظل يفسر كل صمت أو ضيق على أنه حكم خفي وغضب مكتوم. هنا يظهر كيف يكون الخوف من أحكام الناس غالبًا نتاج خيالنا لا الواقع. ومع الوقت، اختصر البطل قيمته كلها في نظرة الآخر إليه، وحين شعر أن هذه النظرة صارت سلبية، انهار وجوده الداخلي، فمات معنويًا قبل أن يموت جسديًا.
الخلاصة
الخوف من الأحكام، وإصدارها، ينبعان من نفس المصدر،"القلق والرغبة في المثالية"، التي لا نحتاجها في الحقيقة ولا تخدمنا، ربما نحتاج فقط أن نرى العالم ونرى أنفسنا بإنسانية وتعاطف أكبر.



#علا_مجد_الدين_عبد_النور (هاشتاغ)       Ola_Magdeldeen#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا علمونا كل شيء ولم يعلمونا كيف نعيش؟
- رسالة المصريين في جولات الإعادة .. هل فهمت القيادة السياسية ...
- الطفل الذي حلم بأن يلمس الأهرامات!
- كل السنة في رأس السنة!
- عروس المنوفية: جريمة تكشف أوضاع النساء في مصر
- كن أنت جمهورك… فالحشود لا تُؤتمن
- محمد صلاح … حين يصبح الخروج من منطقة الراحة ضرورة
- -حين ينسحب التشدد من دولة… ويزدهر في أخرى-
- علّمني الخيبة يا با!!
- أبجدية السياسة (الاخيرة): سياسة واقتصاد
- أبجدية السياسة _7_ نظم الحكم عبر التاريخ
- أبجدية السياسة (6): اللامبالاة السياسية
- أبجدية السياسة_5_ الأحزاب السياسية
- العلمانية الدينية بين المستحيل والممكن..
- أبجدية السياسة (4): مجلس الشيوخ
- -حين يصبح التفكير تهمة.. أزمة حرية الاعتقاد في مصر”
- أربعة وثلاثون عامًا من اللاجدوى
- أبجديّة السياسة (3): -مجلس النواب-
- حرب المال والبلطجة من أجل عيون المواطن!!
- أبجدية السياسة ....-الحياة السياسية-


المزيد.....




- مشروع -شروق الشمس- في غزة.. كيف تخطط الولايات المتحدة لإعادة ...
- ترامب يعلن شن هجمات على -داعش- في سوريا ردا على هجوم تدمر
- ضربات أمريكية تستهدف معاقل تنظيم -الدولة الإٍسلامية- وترامب ...
- بعد هجوم بوندي.. ولاية أسترالية تسعى لحظر أعلام حماس وحزب ال ...
- صحف عالمية: واشنطن تتوجس من نتنياهو وعجز أوروبي بالشرق الأوس ...
- رئيس تايوان يتعهد بتحقيق شامل في هجوم -المترو- الدامي
- قوة إسرائيلية تنصب حاجزا عسكريا بريف القنيطرة جنوبي سوريا
- القوات الروسية تسيطر على بلدتين في سومي ودونيتسك
- بـ112 مليار دولار .. خطة أميركية جديدة لإعادة إعمار غزة
- ترامب متحدثا عن صحته البدنية: سأخبر الأمة إذا تدهورت


المزيد.....

- عملية تنفيذ اللامركزية في الخدمات الصحية: منظور نوعي من السو ... / بندر نوري
- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - علا مجد الدين عبد النور - لماذا نخاف من أحكام الآخرين؟