أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حاتم بن رجيبة - تونس تغرق في مستنقع المخدرات !















المزيد.....

تونس تغرق في مستنقع المخدرات !


حاتم بن رجيبة

الحوار المتمدن-العدد: 8571 - 2025 / 12 / 29 - 16:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ليست تونس بمعزل عن العالم، فكما تنفتح على تقنيات و موضات و رياضات وثقافات وصيحات جديدة فإنها تنفتح للأسف على أوبئة فتاكة وسموم قاتلة مثل المخدرات.

عرفت تونس الموبقات أول مرة مع الإستعمار الفرنسي أين انتشر التدخين والكحول و السم الفتاك الأفيون،، التكروري،، بمباركة المستعمر لينغمس الشعب في ،، الكيف،، وينسى الفقر والظلم و الإستعباد فلا ينتفض ولا يقاوم.

تمكنت دولة الإستقلال من القضاء كليا على آفة الأفيون، لكن بقيت السجائر والكحول لعقود المخدرات ،، المقننة،، في السوق لتصبح البلاد من أكثر الدول الإسلامية استهلاكا للكحول إلى أن غرقت تونس إثر الثورة في مستنقع المخدرات بالكامل: حشيش وحبوب وكحول وكوكايين .

أصبح الشباب التونسي بالخصوص يعيش مع القنب الهندي و حبوب،، الهلوسة،، و،، العقاقير النفسية و والنيوروليبتيك،، والمسكنات والكحول والتدخين في الحي والمدرسة والمقهى و الشغل و في ما يسمعه من أغاني وما يشاهده من مسلسلات تلفزية وأفلام حتى في شهر رمضان كما في كل وسائل التواصل الإجتماعي .

ولأنه كما يقول المثل الألماني،، لا تأتي مصيبة لوحدها،، بل تصحبها دائما مصائب أخرى فإن عزيزتنا تونس لم يكفها الغزو المدمر للمخدرات المذكورة بل غرقت مؤخرا في وحل مدمر جديد هو وحل،، مخدر الليريكا،، .

Lyrica هو في الأصل دواء ضد الصرع و الآلام العصبية ولمقاومة الإكتئاب و القلق و الخوف الشديد. لكنه ولأسباب عديدة احتل الصدارة في سوق المخدرات في العديد من الدول مثل تونس .

ما يحدث اليوم في شوارع البلاد ومدارسها وأحيائها الشعبية ليس موجة مخدرات تقليدية، بل وباء صامت متنكر في شكل دواء. فقد تحوّل “ليريكا”، وهو دواء يُفترض أن يُصرف بوصفة طبية إلى واحدة من أكثر المواد تداولًا في السوق غير الرسمية: أرخص من الكوكايين، أقل وصمًا اجتماعيًا من القنب، وأخطر بكثير مما يُتصوَّر.

إن الانتشار الواسع للبريغابالين ليس صدفة بل يعكس الحالة العامة التي تعيشها البلاد. فتونس غارقة منذ عقود في حالة من الجمود الاقتصادي والسياسي و الثقافي . ويعيش عدد كبير من الشباب في ظل البطالة و الكبت و الحرمان وانسداد الآفاق وشعور عميق بالإقصاء الاجتماعي. في هذا السياق يعمل البريغابالين كحلّ كيميائي سريع: يخفف القلق ويخدّر الإحباط ويؤجل مواجهة الواقع لبضع ساعات.

لا يتعلق الأمر بالنشوة كما في الكوكايين و الكحول بقدر ما يتعلق بالهروب من الواقع المرير وإيقاف الإحساس بالقرف كما عند استهلاك الحشيش و الأفيون . وهنا تكمن خطورته الحقيقية، وهنا أيضًا سبب انتشاره في مجتمع مثقل بالضغوط و الإحباط وخاصة عند الشباب والناشئة. لماذا؟

لأن الشباب التونسي (كما كل شباب الدول المتخلفة) يقف أمام حائط. تعليم غاية في الرداءة ، ينتج مئات الآلاف من شبه أميين تلفضهم المدارس والمعاهد سنويا دون مؤهلات فكرية أو حرفية: لا يصلحون لشيء!! لا هم بحرفيون متمكنون ولا عباقرة آكادميون. ليس لديهم أي أمل في شغل محترم في السوق المحلية أو في فرصة عمل في الخارج مثل دول الخليج أو أوروبا.

اقتصاد ريعي للنخاع أين تسيطر عائلات محدودة العدد على خيرات البلاد وتقتل كل محاولة للمنافسة في السوق. أما الوظائف الحكومية التي كانت أمل شباب الجامعات فقد نضبت وكل المؤسسات العمومية مفلسة وخاربة.

القطاع الخاص ملك حفنة من العائلات المتنفذة والقطاع العام مفلس ومنهار.

لا تصنيع ولا خلق ولا ابتكار. جمود وتكلس وموت بطيء لملايين من الناشئة . يعيشون اليأس والكبت والحرمان. لا أمل في حياة مهنية ناجحة أو في زواج وحياة عاطفية عادية و لا في أمل في الرخاء والسعادة. قنابل موقوتة و طاقات مستعدة للإنفجار في أي مناسبة و سهلة للإستقطاب لأي طرف من مهربين ومنحرفين و إرهابيين إلخ !!

أمام هذا الوضع بدا البرغابالين أو الليريكا كمنقذ ومسكن خارق: هو دواء، رخيص ومتوفر بالأطنان. ينسيك الهم والإحباط واليأس ولو لساعات بثمن زهيد مقارنة بالمخدرات الأخرى .

لكن من أين تأتي هذه السموم وبهذه الكمية الهائلة وكيف تعبر الحدود في دولة،، بوليسية،، مثل تونس ؟

المزود الرئيسي هي الجارة ليبيا ، تستورد آلاف الأطنان من دواء البريقابالين قانونيا من دول مثل مصر والهند لتسربها خلسة عبر الحدود عن طريق شبكات احترفت التهريب منذ عقود.

أصبحت ليبيا عقدة مركزية في شبكات الاقتصاد غير المشروع في المنطقة. ففي بلد يفتقر إلى سلطة مركزية فاعلة و يعيش تحت سلطة الميليشيات و أمراء الحرب تتنقل الأدوية والوقود والأسلحة والبشر عبر القنوات نفسها تقريبًا و في مسارب تهريب استقرت و توطدت. ويُعد البريغابالين مادة مثالية لهذا النوع من التهريب: سهل النقل، ظل طويلًا في منطقة قانونية رمادية، ويشبه في شكله الدواء القانوني.

الأكثر إثارة للقلق هو مدى تغلغل البريغابالين في الحياة اليومية. فالإستهلاك لا يقتصر على الفئات المهمشة، بل يشمل تلاميذ وطلبة و عمال و موظفين وعاطلين عن العمل. في بعض الأحياء أصبح جزءًا من العرض اليومي في الشارع يوزع في المقاهي صباحا قبل الإنطلاق إلى العمل أو الذهاب إلى المعهد أو الجامعة و في المساء لهضم يوم مقرف خاو و ركيك .

وغالبًا ما تتشكل التبعية والإدمان بشكل صامت، دون انهيار واضح أو مظاهر درامية كما عند إدمان الكحول و الأفيون مثلا . ولهذا السبب تحديدًا تبقى المشكلة غير مرئية سياسيًا. ولا يتحرك النظام الصحي إلا عندما تبلغ الأمور مرحلة متقدمة: أزمات نفسية، استهلاك مشترك مع مواد أخرى كالكحول و القنب الهندي أو مسكنات و أدوية أخرى ، أو أعراض انسحاب حادة مثل الهلوسة والخوف الشديد و انهيار ضغط الدم أو تعكر في الدورة الدموية وعمل القلب و صعوبة التنفس ألخ .

يُجرَّم المستهلكون، يُسجنون، ويُوصمون، بينما يندر العلاج والدعم فمراكز العلاج من الإدمان تعد على الأصابع في بلد عدد المدمنين فيه بمئات الآلاف. فتبقى الوقاية شعارًا، والعلاج امتيازًا. وهكذا تعيد تونس إنتاج خطأ ارتكبته دول كثيرة قبلها: معاقبة الإدمان لا تخلق أمنًا بل تؤدي إلى مزيد من الإقصاء والإنتكاس وتعزيز الاقتصاد الموازي.

في هذا المعنى لا يمثل البريغابالين مجرد مادة يُساء استعمالها بل مرآة تعكس واقعًا أعمق: غياب الأفق و إنهاك الدولة ومجتمع بات فيه التخدير أسهل من الأمل. وإذا لم يتغير هذا المسار فلن تواجه تونس أزمة مخدرات صاخبة بل ما هو أخطر: تطبيعًا بطيئًا مع الإدمان، متغلغلًا في الحياة اليومية غير مرئي في الظاهر، لكنه شديد التدمير في العمق.

تدمير الشباب لأنفسهم وللأسر وللمجتمع: عنف وسرقة و انحراف وانعدام الأمن وانهيار الثقة في الدولة والقانون : الفوضى والصوملة.



#حاتم_بن_رجيبة (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غرب ليبيا: الصوملة و انهيار الدولة
- استعمار الجزائر:التصفية العرقية الممنهجة
- معنى الوجود في رواية،، حضرة المحترم،، لنجيب محفوظ
- الأزمات الإقتصادية الكبرى : سَبَبٌ وَحَلّ
- رواية الشحاذ لنجيب محفوظ
- الإنبتات و الإغتراب في العمل بين الحقيقة والمبالغة
- هل كان نظام الملكية الإسلامي حافزا لتحقيق الأمن الغذائي و ال ...
- لن تهزمينني أبدًا ،أبدًا! قصة قصيرة
- مقارنة بين التعليم في تونس وفي ألمانيا
- السياحة الجنسية : كيف تُشوّه وسائل الإعلام الغربية العلاقات ...
- الاندماج الصامت بين شعبين،، العرب والبربر،،
- ما الحل للفلسطينيين ضد الماجعة والترويع والإبادة؟؟
- المحركات الكهربائية التي تعمل بالميثانول – تقنية المستقبل لل ...
- جمال عبد الناصر: إنجازات وإخفاقات
- كيف قوّضت قطر وتركيا ثورات الربيع العربي عبر إيصال الإسلاميي ...
- ،،التغلب على الجفاف ، إسرائيل كقدوة،،
- الدكتاتورية في المؤسسات سم زعاف
- زحف بني هلال لشمال إفريقيا: النكبة و الطامة الكبرى!!!
- كيف أثرت الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي على تصويت الأمم ...
- هل قيس سعيد رئيس تونس حقا دكتاتور؟؟


المزيد.....




- ترامب يهدد بشن هجوم جديد على إيران إذا أعادت بناء برنامجها ا ...
- مصر.. جدل في سوق السيارات بعد إغلاق معارض أسفل المباني السكن ...
- ترامب: المرحلة الثانية من خطة غزة ستبدأ -بأسرع ما يمكن-
- محادثة -إيجابية- بين ترامب وبوتين.. وزيلينسكي يُكذّب رواية ا ...
- من هو هيبت الحلبوسي الذي حسم رئاسة البرلمان العراقي من الجول ...
- مصر تتصدر مجموعتها بتعادل سلبي مع أنغولا وجنوب أفريقيا تخطف ...
- ترامب مستقبلا نتنياهو: آمل الوصول للمرحلة الثانية من خطة غزة ...
- كاتب إسرائيلي: الاعتراف بأرض الصومال رسالة لثلاث جهات
- صحيفة روسية: بؤرة توتر جديدة تتشكل في آسيا الوسطى
- موقع بريطاني: علينا الحذر مما يخططه لنا بوتين في 2026


المزيد.....

- صفحاتٌ لا تُطوى: أفكار حُرة في السياسة والحياة / محمد حسين النجفي
- الانتخابات العراقية وإعادة إنتاج السلطة والأزمة الداخلية للح ... / علي طبله
- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ... / علي طبله
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حاتم بن رجيبة - تونس تغرق في مستنقع المخدرات !