أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصناعة والزراعة - حاتم بن رجيبة - هل كان نظام الملكية الإسلامي حافزا لتحقيق الأمن الغذائي و العدالة الإجتماعية؟















المزيد.....

هل كان نظام الملكية الإسلامي حافزا لتحقيق الأمن الغذائي و العدالة الإجتماعية؟


حاتم بن رجيبة

الحوار المتمدن-العدد: 8527 - 2025 / 11 / 15 - 22:48
المحور: الصناعة والزراعة
    


شهدت منطقة شمال إفريقيا، وخاصة تونس الحالية، نظامين مختلفين للملكية الزراعية تركا آثارًا عميقة على الإنتاجية وعلى تطور الريف: النظام الروماني ونظام الإستعمار الفرنسي القائمان على الملكيات الكبرى، والنظام الإسلامي القائم على تنوع الملكيات وحرية الفلاح. ويكشف تتبع هذين النموذجين وجود اختلافات جوهرية في الهيكلة، وطرق الاستغلال، والعوائد الاقتصادية، وانعكاس كل ذلك على الإنتاج الزراعي و الأمن الغذائي .

في العهد الروماني كما بالنسبة للمستعمر الفرنسي سادت الملكيات الواسعة المعروفة باللاتيفونديا أو الضيعات ، وهي أراضٍ شاسعة تمتد على آلاف الهكتارات كانت مملوكة للدولة الرومانية أو للنبلاء أو للمستوطنين. كان تنظيم الإنتاج فيها مركزيًا، ويعتمد على عدد كبير من العبيد والعمّال التابعين والفلاحين المستأجرين. وقد مكّن هذا التركيز العقاري من تكثيف العمل الزراعي على مساحات واسعة، واستعمال تقنيات كانت متقدمة نسبيًا في عصرها (الحراثة بالمحراث الحديدي، السقائف، التخزين)، إلى جانب استثمار ضخم في البنية التحتية مثل الطرق، والقنوات المائية، ومخازن الحبوب. وسمح ذلك كله بارتفاع حجم الإنتاج الإجمالي، خصوصًا في المحاصيل المتوسطية الكبرى مثل الحبوب والزيتون والكروم، ما جعل إفريقيا الرومانية واحدة من أهم مناطق التصدير نحو روما(مطمورة روما). لكن هذه الإنتاجية كانت تعتمد أساسًا على العمل القسري(العبيد)، مما جعل إنتاجية العامل الواحد ضعيفة رغم ضخامة الإنتاج الكلي(نتيجة القسر فالعبد كان مجبرا على العمل و غير مخير كما لم تكن له حوافز لزيادة الإنتاجية)، كما أن النظام كان هشًا إلى حد كبير لأنه قائم على العبودية وعلى تركّز الثروة في يد قلة قليلة.

أما في النظام الإسلامي فقد كانت الملكية أكثر تنوعًا وتشمل الملكية الخاصة الصغيرة والمتوسطة، وأراضي الخراج التابعة للدولة، والأوقاف التي لعبت دورًا مهمًا في العمران، إضافة إلى ملكيات قبلية في بعض المناطق. وقد أدى هذا التنوع إلى ظهور نموذج زراعي يقوم على الفلاح الحر أو الشريك أو المكري، ما ولّد حافزًا أكبر لرفع إنتاجية العمل. كما ساهم تنوع صيغ الاستغلال، مثل المزارعة والمساقاة والكراء، في خلق مرونة واستدامة في الإنتاج، وفي توزيع أفضل للمخاطر بين المالك والعامل. ورغم أن غياب الملكيات الضخمة جعل حجم الإنتاج أقل مما كان عليه في العهد الروماني، فإن الإنتاجية الفردية كانت أعلى لأن الفلاح العامل كان متمتعًا بالحرية ومهتمًا بتحقيق أفضل مردود. كما عرف العصر الإسلامي استمرارًا للبنية التحتية الرومانية، لكنه تميز أيضًا بابتكارات في الري مثل السواني والآبار العميقة والقنوات المحلية، ما ساعد على تحسين مردود الأراضي خاصة في البساتين والنخيل والخضروات، وهي محاصيل كانت موجهة بالأساس لخدمة الاقتصاد المحلي والأمن الغذائي أكثر من التصدير الواسع.

كان النظام الروماني فعالًا على مستوى الزيادة في الإنتاج الكلي بفضل تركيز الأراضي واستعمال العمل القسري، لكنه بقي نظامًا غير عادل اجتماعيًا وغير مستدام على المدى الطويل. في المقابل، قدم النظام الإسلامي نموذجًا أكثر توازنًا بين الإنتاجية والعدالة الاجتماعية، قائمًا على فلاحين أحرار ومبادرات صغيرة ومتوسطة، ما سمح باستمرارية الريف ومرونته خلال قرون طويلة، وإن لم ينتج فائضًا ضخمًا كالذي عرفته مرحلة إفريقيا الرومانية. وهكذا يتبين أن النظامين تميزا بنقاط قوة وضعف: الأول حقق توسعًا زراعيًا كبيرًا لكنه كان هشًا وغير عادل، والثاني حقق إنتاجية مستقرة ومستمرة، وإن كانت أقل ضخامة من الناحية الكمية.

الإستعمار الفرنسي هو امتداد للنمط الروماني.

الغريب أن الإسلام حسب نصوصه وتشريعاته دين استعباد بامتياز: يقر العبودية صراحة وينظمها و يحلها. بينما المسيحية لا تتطرق إلى العبودية بتاتا ولاتذكرها ولا تنظمها كما في الإسلام.

لكن انتشار الإسلام لم ينتج مجتمعات عبيد كما كان منتظرا بل أنتج مجتمعات أحرار . كل مستعمر يعتنق الإسلام يصبح حرا وكل اليهود والمسيحيين بقوا أحرارا ولم يذوقوا العبودية أبدا. القادة والساسة المسلمون لم ينتزعوا الأراضي من أصحابها بل أبقوا على الملكية الخاصة أو تركوا المالكين يستغلون أراضيهم مقابل ،،خراج،، سنوي لصالح بيت المال: الدولة .

المجتمعات الرومانية و المجتمعات الأوروبية الحديثة مثل المستعمر الأنجليزي والمستعمر الفرنسي كانوا على عكس ذلك مجتمعات عبيد. انتزعوا الأراضي من مالكيها الأصليين ووضفوا المحليين كعبيد صراحة : في الإمبراطورية الرومانية وأمريكا أو خفية: المستعمر الفرنسي استعبد المحليين بأجور مضحكة!

المسلمون كانوا ينشدون إلى جانب الإثراء الإندماج بينما كان المستعمر الأوروبي ينشد الإستغلال والإستحواذ التام وكان يرفض الإندماج مثله مثل الرومان ، بل يسعى إلى التفرقة لأنها تضمن الإبقاء على الثروة بأيديهم.

مما سبق يتضح أن الملكية الصغرى والمتوسطة للأراضي أضمن وأسلم لتحقيق التنوع الزراعي والأمن الغذائي من الإقطاع و مركزية الملكية في أيدي قلة تسعى إلى الربح بتوطيد الزراعات التصديرية . تنتفع قلة من الإقطاعيين على حساب الدولة والمجموعة .

دور الدولة هو تطوير البنية التحتية من سدود وطرقات فلاحية وطرقات سيارة وتوفير اليد العاملة الكفأة وتشجيع البحث العلمي في المجال الزراعي و المحافظة على الموارد المائية كما فعل الرومان.
المثال الأوروبي والروماني للملكية الزراعية في البلدان الأم و في المستعمرات خطر على الأمن الغذائي للسكان لأنه يركز على التصدير ولا على حاجيات السوق المحلية كما هو خطر على السلم الإجتماعي و مدعاة لقيام الثورات كما حصل في روسيا و لغياب الأمن والإستقرار وذلك هو من أهم الأسباب التي تؤدي إلى المجاعات .

تلقيب شمال إفريقيا بمطمورة روما يخفئ استغلال روما للأراضي البربرية لرفاهية الشعب الروماني وثرائه على حساب تجويع البربر السكان الأصليين لشمال إفريقيا ، هذه التسمية مغالطة ومكافأة للروم في تجويعهم للشعوب المحلية.



#حاتم_بن_رجيبة (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لن تهزمينني أبدًا ،أبدًا! قصة قصيرة
- مقارنة بين التعليم في تونس وفي ألمانيا
- السياحة الجنسية : كيف تُشوّه وسائل الإعلام الغربية العلاقات ...
- الاندماج الصامت بين شعبين،، العرب والبربر،،
- ما الحل للفلسطينيين ضد الماجعة والترويع والإبادة؟؟
- المحركات الكهربائية التي تعمل بالميثانول – تقنية المستقبل لل ...
- جمال عبد الناصر: إنجازات وإخفاقات
- كيف قوّضت قطر وتركيا ثورات الربيع العربي عبر إيصال الإسلاميي ...
- ،،التغلب على الجفاف ، إسرائيل كقدوة،،
- الدكتاتورية في المؤسسات سم زعاف
- زحف بني هلال لشمال إفريقيا: النكبة و الطامة الكبرى!!!
- كيف أثرت الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي على تصويت الأمم ...
- هل قيس سعيد رئيس تونس حقا دكتاتور؟؟
- الدول المتقدمة والديمقراطية وليدة الصدفة
- ،، من من الشرق الأوسط سيغادر التخلف؟؟،،
- إسرائيل و وهم الأمان وسط أغلبية يهودية !
- الفلسطينيون وهنود الولايات المتحدة الأمريكية!!
- حرب 7 أكتوبر:مرحلة من مراحل التصفية العرقية الشاملة لفلسطين! ...
- تونس بعد 25 جويلية، صمت وخمود!!
- ،هزيمة روسيا بوتين وشيكة،،


المزيد.....




- أوكرانيا تهاجم محطة نفط روسية رئيسية وسط ضربات قاتلة في كييف ...
- قمة المناخ في البرازيل ـ آلاف يشاركون في مسيرة المناخ الكبرى ...
- مظاهرة تندد بإسرائيل قبيل مباراة للمنتخب الفلسطيني بإقليم ال ...
- غزة مباشر.. الاحتلال يقصف خلف الخط الأصفر ويكثف اقتحاماته في ...
- -مسار الأحداث- يناقش القرار الذي قدمته واشنطن لمجلس الأمن بش ...
- مستقبل غزة في مجلس الأمن.. ما الذي يريده كل طرف من القرار ال ...
- ترامب يقول إنه اتخذ قرارًا بشأن العمليات العسكرية في فنزويلا ...
- غناء رغم الألم.. شاهد فرحة خريجي المدارس في غزة وسط الأنقاض ...
- شتاينماير يشيد بدور -العمال الضيوف- من إيطاليا في نهضة ألمان ...
- بعد رفض المحكمة استئنافه...رئيس البرازيل السابق بولسونارو يق ...


المزيد.....

- كيف استفادت روسيا من العقوبات الاقتصادية الأمريكية لصالح تطو ... / سناء عبد القادر مصطفى
- مشروع الجزيرة والرأسمالية الطفيلية الإسلامية الرثة (رطاس) / صديق عبد الهادي
- الديمغرافية التاريخية: دراسة حالة المغرب الوطاسي. / فخرالدين القاسمي
- التغذية والغذاء خلال الفترة الوطاسية: مباحث في المجتمع والفل ... / فخرالدين القاسمي
- الاقتصاد الزراعي المصري: دراسات في التطور الاقتصادي- الجزء ا ... / محمد مدحت مصطفى
- الاقتصاد الزراعي المصري: دراسات في التطور الاقتصادي-الجزء ال ... / محمد مدحت مصطفى
- مراجعة في بحوث نحل العسل ومنتجاته في العراق / منتصر الحسناوي
- حتمية التصنيع في مصر / إلهامي الميرغني
- تبادل حرّ أم تبادل لا متكافئ : -إتّفاق التّبادل الحرّ الشّام ... / عبدالله بنسعد
- تطوير المشاريع الصغيرة والمتوسطة، الطريقة الرشيدة للتنمية ا ... / احمد موكرياني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصناعة والزراعة - حاتم بن رجيبة - هل كان نظام الملكية الإسلامي حافزا لتحقيق الأمن الغذائي و العدالة الإجتماعية؟