حاتم بن رجيبة
الحوار المتمدن-العدد: 8481 - 2025 / 9 / 30 - 15:22
المحور:
ملف : ظاهرة البغاء والمتاجرة بالجنس
في التصوّر الإعلامي الغربي السائد للعلاقات العاطفية بين السيّاح الغربيين والسكان المحليين في دول الجنوب العالمي، يتكرر سرد نمطي مشوّه: السائح الغربي – غالبًا ما يكون أكبر سنًا بكثير من ،،الضحية،،، أعزبًا، ويُفترض أنه ساذج – يُصوَّر كـ"ضحية بريئة"، في حين يُقدَّم الشاب المحلي أو "الفتاة العاملة في البار أو في النزل " كـ"جاني محتال" يسعى فقط وراء المال أو التأشيرات أو المزايا المادية. هذه المعادلة المقلوبة بين الجاني والضحية ليست فقط غير دقيقة، بل تُخفي أيضًا الواقع الحقيقي لموازين القوة وتُعيد إنتاج خطابات استعمارية لم يتم تصفيتها بعد.
السياحة الجنسية سر يعلمه الجميع إلا وسائل الإعلام عندنا في بلدان الجنوب: يمنع الحديث عنه في وسائل الإعلام العربية والإسلامية لأن الجنس محور ممنوع!!! وأمنع منه أن نتحدث عن سياحة اللواط في تونس سابقا والمغرب ومصر!! أين يأتي الشاذ الأوروبي لمعاشرة الأحداث والشبان العرب أمام أعين الشرطة والجميع. كثيرا ما يصطحب الشبان ،، أصدقائهم،، الشواذ إلى منازلهم، يقدمونهم إلى عائلاتهم كفاعل خير يقدمون الهدايا والعطايا دون مقابل!! بينما في الحقيقة يضاجعون أبنائهم الأحداث مقابل دنانير زهيدة، يمصونهم كما يمتص العنكبوت ضحيته!!!
أو تقدم الشابة المغربية أو التونسية الأوروبي كطالب للزواج،، على سنة الله ورسوله،، ومستعد لدخول إلى الإسلام وختن ذكره!! بينما هو يرى ذلك ،،تضحية،، بسيطة و زهيدة للحصول إلى شابة في سن ابنته يتمعش من جسمها الغض ومفاتنها تقريبا،، مجانا،،. لو طلب مثل تلك الخدمات من مومس في أوروبا لأفلس في غضون أيام!!
تطغى في وسائل الإعلام الغربية رواية السائح أو السائحة المغرور به أو بها والذي احتيل عليه فسلبت أمواله وسرق أو سرقت ووقعت في براثن محتال لئيم عديم الأخلاق والرحمة، وغد وحقير. هكذا تقدم السياحة الجنسية في الغرب: سياح غربيون يغرر بهم وبهن في تايلندا والمغرب وتونس ومصر وغامبيا وجمهورية الدومنيك ألخ يسلبونهم أموالهم ومدخراتهم، يتزوجون بهم لأجل تأشيرة الإقامة ليفروا متى سنحت الفرصة ويتركونهم مفلسين ماديا ومعنويا ونفسيا.
يا للهول !!! كم هم أوغاد وكم هن عاهرات ومجرمات!!
في عدد لا يُحصى من التقارير الصحفية والبرامج الوثائقية، يُرسم مشهد لسائح أو سائحة "يقعون في الحب" ثم "يُخدَعون" أو "يُستغلّون" ماديًا أو عاطفيًا. يتركّز السرد دائمًا على الألم أو الخسارة المالية أو الصدمة النفسية للطرف الغربي – بينما يتم تجاهل الظروف التي دفعت الطرف المحلي إلى الدخول في هذه العلاقة من الأساس.
ما يتم التغاضي عنه هو أن السائح أو السائحة يأتون طواعية إلى بلدان فقيرة، حاملين معهم المال، وحرية التنقل، وامتيازات قانونية، وحتى شعورًا بالتفوّق الأخلاقي والثقافي. وهم لا يحصلون فقط على "الحب"، بل أيضًا على علاقات حميمية ومكانة اجتماعية وشعور بالقيمة، غالبًا ما تكون غير متاحة لهم في مجتمعاتهم الأصلية.
أما السكّان المحليون – سواء كانوا شبابًا يُطلق عليهم "Beach Boys" أو فتيات يعملن في الحانات أو مراكز التدليك – فيُختزلون في الإعلام إلى صورة نمطية: محتالين يسعون لاستغلال الآخر. نادرًا ما يُمنَحون مساحة لرواية قصصهم الحقيقية، أو التعبير عن مشاعرهم، أو شرح دوافعهم، أو الحديث عن واقعهم الاجتماعي والاقتصادي.
في دول مثل تونس،المغرب، مصر، غامبيا، تايلاند، أو جمهورية الدومينيكان، تُقيَّد العلاقات الحميمية خارج إطار الزواج بشدة، خاصة بالنسبة للنساء، وأحيانًا حتى للرجال. يعيش كثير من الشباب في مجتمعات تمنعهم من تجربة الحب أو الجنس بحرية، بينما تُحمّلهم في الوقت ذاته توقعات تقليدية للرجولة، كالسيطرة، والخبرة الجنسية، والقدرة على إعالة الأسرة.
في هذا السياق المعقّد، تصبح العلاقات مع السائحات فرصة نادرة للخروج من دائرة القمع العاطفي والاجتماعي. قد تكون المرأة أكبر سنًا، غير جذابة جسديا: قبح وسمنة مفرطة ألخ وقد لا يكون هناك حب بمعناه المثالي، لكن في كثير من الأحيان، يكون هذا الخيار الوحيد للوصول إلى الحنان، والحب، والقبول، وربما أيضًا لحياة أفضل.
لا يمكن إنكار أن بعض العلاقات تُبنى على دوافع مادية. نعم، بعض السكان المحليين يسعون وراء المال أو التأشيرات. ولكن من الظلم أن نفترض أن جميع هذه العلاقات مزيفة أو قائمة على الاحتيال. أحيانًا، تنشأ مشاعر حقيقية، ولكن في إطار علاقة غير متكافئة من حيث القوة والفرص.
الشاب الفقير الذي يدخل في علاقة مع سائحة غنية لا يفعل ذلك دائمًا بدافع الطمع. في كثير من الأحيان، هو يبحث عن الحنان، عن الأمان، عن شيء لا يجده في مجتمعه المحافظ. وحتى لو كان هناك بُعد مصلحي، فهذا لا يعني أن العلاقة بالكامل كانت كاذبة أو خادعة.
رواية استعمارية متجددة
التقسيم الساذج بين "السائح الطيب" و"المحتال المحلي" يُعيد إنتاج رواية استعمارية قديمة: الغربي هو من يجلب الحب، والنوايا الطيبة، والمساعدة، أما "الآخر" – الأسمر أو الفقير أو المسلم أو الشرقي – فهو الجشع والمخادع وغير المستحق.
الفتاة المغربية أو التايلندية أو التونسية مومس وعاهرة عرفت كيف تسلب الأوروبي عقله وماله!!
بهذا الشكل، يتم طمس الديناميكيات الحقيقية للسلطة، ويتم إعفاء الطرف الغربي من أي مسؤولية، ويُقدَّم نفسه كضحية رغم أنه المستفيد الأول من العلاقة: حميميًا، عاطفيًا، وربما نفسيًا.
ما نحتاجه هو قراءة أكثر توازنًا لهذه العلاقات. قراءة تعترف بأن الطرف المحلي ليس دائمًا الجاني، وأن الطرف الغربي ليس دائمًا الضحية. قراءة تأخذ في الحسبان الفقر، القمع، الجنس، الدين، الثقافة، والتفاوتات الاقتصادية التي تحكم هذه العلاقات.
علينا أن نسأل:
لماذا تسافر سائحة إلى بلد فقير لتجد الحب هناك، وليس في بلدها؟
ماذا تبحث عنه، وماذا تستفيد؟
ولماذا يضطر الشاب المحلي إلى الدخول في علاقة غير متوازنة فقط ليعيش تجربة إنسانية بسيطة؟
لماذا يسافر الأروبي إلى تايلندا والمغرب وتونس ،، لاصطياد،، فتاة يفوقها عقدين وأكثر من السنين، في سن أبيها أو جدها. تعطيه الجنس والحب والعناية والحنان وكل وقتها ومشاعرها مجانا،،لله،،. أليس للإستغلال ولاستعباد الفقير والفقيرة، لغير المتحضرة و الغبية.
ليس كل من يشعر بأنه ضحية هو فعلًا كذلك.
وليس كل من يعرض الحب والجنس مقابل المال أو الأمان هو محتال.
في كثير من الأحيان، تكون الحقيقة أكثر تعقيدًا من أن تُختصر في الأبيض والأسود. هل كان التونسي أو المصري سيجري وراء السائحة الأوروبية التي هي في سن أمه أو جدته لو كان يستطيع إقامة علاقة حميمية جنسية مع ابنة بلده. لو كان يشتغل مهنة تدر عليه ما يكفل نفقات الزواج والأسرة و يحميه وذويه الفاقة والحرمان.
نفس الشيء ينطبق على التايلندية والمغربية.
نحن أبناء وبنات الجنوب الضحايا الحقيقيون لأن الأوروبي والأوروبية هم أصحاب القوة والنفوذ: المال والتأشيرة والجاه.
#حاتم_بن_رجيبة (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟