أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حاتم بن رجيبة - الاندماج الصامت بين شعبين،، العرب والبربر،،














المزيد.....

الاندماج الصامت بين شعبين،، العرب والبربر،،


حاتم بن رجيبة

الحوار المتمدن-العدد: 8446 - 2025 / 8 / 26 - 16:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حين يمر النسيم بين منحدرات الأطلس الشامخ، يحمل معه قصصًا قديمة – ليست تلك التي تسكن كتب التاريخ، بل تلك التي تحفظها الأغاني والعادات. إنها حكايات عن غرباء جاؤوا ليحكموا. بعضهم طُرد، وآخرون نُسوا. لكن القليل فقط قُبلوا – وأقل منهم من بقوا، ليس كحكام فقط، بل كجزءٍ من الذين حكموهم ذات يوم.

هكذا كانت قصة العرب في شمال إفريقيا – غرباء جاءوا من الصحراء، يحملون السيف في يد والقرآن في الأخرى. ومع ذلك، لم يُطردوا كما الرومان، ولم يُتحملوا فقط كما العثمانيين، ولم يُحتقروا كما الفرنسيين. بل اندمجوا مع الأمازيغ – أولئك السكان الأصليين، أهل الجبال والواحات – كما يتسلل الماء ببطء إلى الصخر اليابس، حتى يصير كلاهما واحدًا لا يُفصل.

جاء العرب بالإسلام – ولم يحملوا معه مجرد ديانة جديدة، بل رؤية كونية لم تقف في وجه روح الأمازيغ، بل دعتهم ليكونوا جزءًا من جماعةٍ أوسع. لم يكن الإيمان قيدًا، بل رابطًا. لم يكن عبئًا، بل انكشافًا. وهكذا، اعتنق كثير من الأمازيغ الإسلام لا عنوة، بل عن قناعة كذلك للصعود في السلم الإجتماعي، بمن يصبح مسلما تختفي أمامه العراقيل ليصبح ندا للعربي..

في هذا الارتباط الروحي، بدأ الأمازيغ يرون أنفسهم من جديد – لا كمجرد أبناء قبائل متفرقة، بل كمسلمين ضمن أمةٍ تتجاوز الدم والجبال.

لم يسخر العرب كما الرومان والعثمانيون والفرنسيون البربر كخدم و عبيد بل ركبوا معهم الخيل لا كجنود فقط بل كحكام و مسيرين وأولي الأمر يخوضون الحروب في شمال إفريقيا وأوروبا تحت راية واحدة. لم تكن صلة السيد بالعبد كما كانت بين الفرنسي والبربري بل صلة الأخ بأخيه والصديق بصديقه.

صارت المساجد ملتقى العربي والأمازيغي، وصارت اللغة العربية – تلك الغريبة في البداية – لغة الصلاة، والشعر، والعلم. من الغزو نشأت علاقة. ومن الغريب – وُلد أخ.

القبائل العربية التي تدفقت على المغرب في القرن الحادي عشر – بنو هلال وبنو سليم – لم تختلط بالسكان الأصليين ثقافيًا فقط، بل امتزجت بهم على مستوى العيش والزواج والعادات. سكنوا بينهم، تزوجوا منهم، أخذوا عاداتهم وأعطوهم عاداتهم. فهل تزوج فرنسي ببربرية أو هل ناسب بربري فرنسي؟ هل قبل الفرنسي بالبربري كرئيس في العمل أو كقائد في الجيش أو كأستاذ في المعهد والكلية كما فعل العرب مع الأمازيغ؟؟؟

صار العرب أمازيغا معرّبين. وصار الأمازيغ مسلمون ناطقون بالعربية. الحدود تلاشت – لا بالسيف، بل بالزمن.

على مستوى الجينات واللغة والدين – لم تكن العروبة عملية محو وإبادة كما فعل الأوروبيون مع الهنود الحمر و الأنجليز مع الأوبوريجيني و الماوري و اليهود مع الفلسطينيين، بل تداخل عضوي بطيء بين هويتين حتى صارتا كيانًا واحدًا لا يُفصل. هكذا وُلدت الهوية الأمازيغية-العربية – لا كنتيجةٍ لعنفٍ إمبراطوري، بل كتبادل قائم على التشارك.

أما العثمانيون، فقد كانت قصتهم مختلفة تمامًا. جاءوا من الشرق – لا بدين جديد، فهم أيضًا مسلمون – لكنهم حملوا معهم طباع الهيمنة الغريبة. بالنسبة للأمازيغ، لم يكونوا إخوة في الدين، بل موظفين، جباة ضرائب، ممثلي سلطة بعيدة في إسطنبول لا تعرف لغتهم ولا جبالهم.

لم يجلبوا اندماجًا، بل مسافة. تحمّلهم الأمازيغ – أحيانًا بمقاومة، وغالبًا بشك. لم تدخل سلطتهم إلى روح الأمازيغ أبدًا. عاشوا جنبًا إلى جنب، لكنهم لم يعيشوا معًا حقًا.

وحين جاءت فرنسا في القرن التاسع عشر، كانت سلطتها أشد برودة، سيمتها الإحتقار و الإزدراء و التعالي. حكمها كان قاسيًا، تقنيًا، علمانيًا و غاية في العنف و اضطهاد الآخر. تحدثت عن التقدم، لكنها قصدت الخضوع و الإستغلال و الإبادة. لم ترَ السكان الأصليين شركاء، بل مشكلةو زبالة يجب التخلص منها بحرقها أو طمرها . اللغة التي فرضتها كانت أداةً للتغريب. أما الإسلام فاعتبرته تخلفًا، والأمازيغ شعبًا بدائيًا ودونيا – حتى حين حاولت استخدامهم ضد العرب لتفكيك وحدة المقاومة.

لذا رفض الأمازيغ الفرنسيين – لا فقط بسبب العنف، بل لأنهم لم يجدوا فيهم ما يرتبط بما هو ذاتي. لم تكن هناك لغة مشتركة للروح، ولا جسر للإيمان، ولا انفتاح عاطفي أو ثقافي.

لم يختلط الشعبان لأن الفرنسي كان يحتقر البربري و يزدريه و يرى فيه حيوانا مفترسا أحيانا و غبيا دونيا أحيانا أخرى . حيث كان الإسلام يومًا رابطًا، كانت فرنسا جدارًا. قاتل الأمازيغ – لا من أجل الماضي، بل من أجل إنهاء الغريب و المتعجرف و المتعالي و المحتقر و العنصري .

فلماذا انصهر الأمازيغ كما الأقباط والنوميديون في مصر مع العرب إذًا؟

لأنهم جاؤوا بفكرة، لا فقط بجيوش. لأنهم لم يأخذوا فقط، بل أعطوا: دينًا، لغة، شعورًا بالانتماء. لأنهم لم يسكنوا القصور، بل الخيام تحت نفس النجوم. لأنهم لم يطلبوا فقط أن يحكموا – بل أن ينتموا. لأنهم لم يبنوا جدارا يفصلهم عن السكان الأصليين بل انصهروا معهم في السكن والعادات والعرق والثقافة و عاملوهم كالند للند ولم ينصبوا أنفسهم أسياد كالرومان والأتراك والفرنسيين.

وهكذا اندمج الأمازيغ والعرب كما العرب و النوميديين أو الأقباط عبر قرون – لا اندماجًا كاملاً ولا خاليًا من النزاع، لكن عميقًا بما فيه الكفاية لولادة شمال إفريقيا جديدة – أرضٌ بجذورٍ ضاربة في التاريخ، وأغصانها تمتد نحو مستقبلٍ مشترك.

وحتى اليوم، لا يهمس نسيم الأطلس بلغة التمازيغت فقط، بل أيضًا بالعربية. لغتان. روحان. قلبٌ واحد.



#حاتم_بن_رجيبة (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما الحل للفلسطينيين ضد الماجعة والترويع والإبادة؟؟
- المحركات الكهربائية التي تعمل بالميثانول – تقنية المستقبل لل ...
- جمال عبد الناصر: إنجازات وإخفاقات
- كيف قوّضت قطر وتركيا ثورات الربيع العربي عبر إيصال الإسلاميي ...
- ،،التغلب على الجفاف ، إسرائيل كقدوة،،
- الدكتاتورية في المؤسسات سم زعاف
- زحف بني هلال لشمال إفريقيا: النكبة و الطامة الكبرى!!!
- كيف أثرت الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي على تصويت الأمم ...
- هل قيس سعيد رئيس تونس حقا دكتاتور؟؟
- الدول المتقدمة والديمقراطية وليدة الصدفة
- ،، من من الشرق الأوسط سيغادر التخلف؟؟،،
- إسرائيل و وهم الأمان وسط أغلبية يهودية !
- الفلسطينيون وهنود الولايات المتحدة الأمريكية!!
- حرب 7 أكتوبر:مرحلة من مراحل التصفية العرقية الشاملة لفلسطين! ...
- تونس بعد 25 جويلية، صمت وخمود!!
- ،هزيمة روسيا بوتين وشيكة،،
- ،،جحافل جائعة لا تترك أخضر ولا يابس!!،، قصة قصيرة
- كيف تتخلص الدول من ديونها ؟؟
- هل ستنجو تونس من الإفلاس ؟
- ،،مجزرة بن طلحة،، قصة قصيرة


المزيد.....




- وسط مجال رؤية شبه منعدم.. جدار شاهق من الغبار يبتلع مناطق بأ ...
- الإمارات: إحالة مجموعة من مستخدمي وسائل التواصل للنيابة بسبب ...
- من هم أبرز الصحفيين الذين قُتلوا في حرب غزة منذ عام 2024؟
- سوريا وإسرائيل: بين التسريبات والنفي، تكهنات تُطرح حول مستقب ...
- -قتل إسرائيل للصحفيين هو إسكات مخزٍ للتغطية الإعلامية لأحداث ...
- ميرتس: ألمانيا لن تعترف بدولة فلسطينية مستقلة في الوقت الحال ...
- التصحر يهدد واحات المغرب.. والمزارعون يبحثون عن حلول صديقة ل ...
- طارق وهبي: طلب بايرو من البرلمان الفرنسي التصويت على الثقة ب ...
- النووي الإيراني: محادثات جديدة بين إيران والترويكا الأوروبية ...
- واشنطن تؤكد دعم تمديد مهمة اليونيفيل في جنوب لبنان لعام إضاف ...


المزيد.....

- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حاتم بن رجيبة - الاندماج الصامت بين شعبين،، العرب والبربر،،