أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - جدعون ليفي - إسرائيل حطمت محمد بكري لأنه تجرأ على التعبير عن الألم الفلسطيني كما هو..














المزيد.....

إسرائيل حطمت محمد بكري لأنه تجرأ على التعبير عن الألم الفلسطيني كما هو..


جدعون ليفي

الحوار المتمدن-العدد: 8571 - 2025 / 12 / 29 - 09:20
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
    


أدارت إسرائيل ظهرها بينما كان المجتمع الفلسطيني في الداخل ينعى وفاة محمد بكري، أحد أبرز رموزه: ممثلا، ومخرجا، وأيقونة ثقافية، ووطنيا فلسطينيا، وإنسانا نبيلا في روحه.

كانت القاعة الملاصقة للمسجد في قرية البعنة بالجليل مكتظة يوم الجمعة. آلاف الوجوه العابسة جاءت لتقديم واجب العزاء ثم غادرت؛ وكنت اليهودي الوحيد بينهم.
المجتمع الفلسطيني في إسرائيل ينعى رحيل أحد أعظم أبنائه: ممثل ومخرج وبطل ثقافي، وطني فلسطيني وإنسان نبيل الروح – محمد بكري – فيما إسرائيل، في موته كما في حياته، أدارت له ظهرها. قناة تلفزيونية واحدة فقط خصصت خبرا لوفاته. لا شك أن حفنة من اليهود جاءت لتعزية عائلته، لكن بعد ظهر يوم الجمعة لم يكن بينهم أحد.
ووري بكري الثرى مساء الأربعاء – في ساعة متأخرة من الليل، بطلب من العائلة – من دون أن يُترك في إسرائيل مكان واحد يمكن أن يُؤبن فيه، أو يشكر على عطائه، أو ننحني أمامه تقديرا، أو نطلب منه الصفح.
لقد كان يستحق كل ذلك. كان بكري فنانا ومقاتل حرية، من أولئك الذين تكتب عنهم كتب التاريخ وتُسمى الشوارع بأسمائهم. لم يكن له مكان في إسرائيل متطرفة القومية، ولا حتى بعد موته.
حطمته إسرائيل فقط لأنه تجرأ على التعبير عن الألم الفلسطيني كما هو. قبل زمن طويل من الأيام القاتمة لبنيامين نتنياهو وإيتمار بن غفير، وقبل عشرين عاما من السابع من تشرين الأول/أكتوبر والحرب على غزة، عاملته إسرائيل بفاشية لم تكن لتحرج وزراء الليكود يوآف كيش وشلومو كَرعي.
المؤسسة القانونية الإسرائيلية المرموقة تجندت بأكملها لإدانة عمله. قاض في محكمة لواء اللد حظر عرض فيلمه «جنين، جنين»، والمستشار القضائي للحكومة آنذاك انضم إلى الحملة، فيما قررت المحكمة العليا «المستنيرة» أن الفيلم أُنتج «بدوافع غير سليمة». هذا كان مستوى الحجج التي ساقها من يُفترض أنه منارة العدالة.
وكل ذلك بسبب حفنة من جنود الاحتياط الذين قالوا إن فيلمه «آذاهم» وسعوا لتصفية الحساب. لم يكن المتضررون هم سكان مخيم جنين للاجئين، بل الجندي نيسيم ماغناجي. استُجيب لطلبه، ودمر بكري. كل هذا حدث قبل زمن طويل من «العصور المظلمة».
قلة فقط دافعوا عنه. صمت الفنانون، وأُلقي بنجم فيلم «ما وراء القضبان» الوسيم للكلاب. ولم يتعاف أبدا.
كنت أعتقد يوما أن فيلم «جنين، جنين» سيُعرض يوما في كل مدرسة في البلاد، لكن بات واضحا اليوم أن ذلك لن يحدث، لا في إسرائيل اليوم، وعلى الأرجح لا في المستقبل أيضا.
لكن محمد بكري الذي عرفته لم يكن غاضبا ولا حاقدا. لم أسمعه يوما ينطق بكلمة كراهية واحدة تجاه من نبذوه، أو من آذوه وآذوا شعبه. قال ابنه صالح ذات مرة: «[إسرائيل] دمرت حياتي، وحياة أبي، وحياة عائلتي، وحياة أمتي». ومن المشكوك فيه أن والده كان سيعبر بهذه الطريقة.
يوم الجمعة وقف هذا الابن المهيب شامخا، وقد لف الكوفية على كتفيه، وهو وإخوته – الذين كان والدهم فخورا بهم إلى حد كبير – يستقبلون المعزين بوفاة أبيهم.
أحببته كثيرا. في ليلة شتوية ماطرة في حرم الجامعة العبرية في جبل المشارف، حين صرخ الناس في وجوهنا «خونة» بعد عرض «جنين، جنين»؛ وفي مهرجان مركز الفيلم الإسرائيلي في نيويورك، في مركز مارلين مايرسون (JCC مانهاتن)، حيث كان يُدعى كل عام، وهناك أيضا صرخ المتظاهرون؛ وفي مقهى «تامار» التل أبيبي، الذي كان يرتاده أحيانا أيام الجمعة؛ وفي مقالاته المؤلمة التي نشرها في «هآرتس». بلا سخرية، ببراءة طفل، وممتلئا بالأمل كما كان دائما.
فيلمه الأخير، والقصير جدا، «Le Monde»، الذي كتبته ابنته يافا، تدور أحداثه في حفلة عيد ميلاد في فندق فاخر. فتاة توزع الورود على الضيوف، عازف كمان يعزف «عيد ميلاد سعيد»، غزة المدمرة تظهر على شاشة التلفاز، وبكري ينهض بمساعدة شابة كانت تجلس إلى جانبه ويغادر. كان أعمى.
قبل ثلاثة أسابيع كتب لي ليخبرني أنه يخطط للمجيء إلى منطقة تل أبيب للمشاركة في جنازة رجل عزيز، كما قال، هو المخرج رام لويفي، فأجبته بأنني مريض ولن نتمكن من اللقاء. وحسب علمي، لم يذهب هو أيضا إلى الجنازة في نهاية المطاف.
«كن بخير واعتنِ بنفسك»، كتب لي الرجل الذي لم يعتنِ بنفسه يوما.
محمد بكري مات، ومخيم جنين دُمر، وجميع سكانه طردوا، ليصبحوا بلا مأوى مرة أخرى، في جريمة حرب جديدة. ومع ذلك ظل الأمل ينبض في قلب بكري حتى وفاته؛ ولم نكن متفقين على ذلك.



#جدعون_ليفي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مراهق فلسطيني غادر جنازة صديقه. بعد وقت قصير، قُتل هو أيضا ب ...
- احقا ان اليسار الصهيوني في إسرائيل لا يقبل إلا ب«العرب الجيد ...
- هذا الفعل الاحتجاجي البطولي يعكس التضامن الذي يشعر به عرب إس ...
- لا جثة، ولا تفسير: عائلة في الخليل تحاول فهم ما جرى لابنها ب ...
- مجزرة شاطئ بونداي لا يمكنها التغطية على كل المجازر في قطاع غ ...
- إسرائيل تعتبر وكالة إغاثة تابعة للأمم المتحدة, الاونروا, منظ ...
- أنقِذوا -الصحافة الحرة- في إسرائيل..من خيانة نفسها
- في الوقت الذي يعانق فيه فنانو إسرائيل الجبن… تتجرأ دانا إنتر ...
- عندما تتحول المؤسسة العسكرية إلى واعظ: مخاطر حملة -من أجل يه ...
- ماذا نعرف عن الجيش الإسرائيلي، البقرة المقدّسة لإسرائيل؟
- «اللعنة المباركة» تعيد تعريف إسرائيل: الحدود العالمية، تحوّل ...
- مع اليسار الإسرائيلي الحالي… لا حاجة إلى اليمين؟
- طفل فلسطيني كان ينتظر حافلة المدرسة… اطلق جندي إسرائيلي قنبل ...
- لجنة تحقيق في أحداث السابع من أكتوبر هي بقرة مقدسة لن تحقق ش ...
- هذا الفيلم الإسرائيلي يجعلني أشعر بالحنين إلى زمن الاحتلال ق ...
- المصور الصحفي الفلسطيني الذي طالما وثق العنف الإسرائيلي, وكا ...
- الفقراء والمهمشون في إسرائيل يستحقون -مامداني- خاصاً بهم
- لا تجعلوا من كبيرة محامي الجيش الإسرائيلي المقصية من منصبها ...
- الهجوم الوحشي للمستوطنين وُثق بالفيديو. لكن لما بعد أسبوعين، ...
- كلنا بن غفير


المزيد.....




- The Obscenities of Inequality: A Review of Trading Game, by ...
- Historical Blockages of the Left and the Radical Rupture of ...
- تفاقم أزمة النظام الرأسمالي العالمي تقرع طبول حرب شاملة
- Manufacturing Global Crises Won’t Give U.S. Foreign Policy L ...
- النصير الشيوعي العدد 41 السنة الرابعة كانون الاول 2025
- محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية يع ...
- خلوة إبستين القاتلة.. هل انكسرت صورة تشومسكي؟
- صدور العدد 87 من جريدة المناضل-ة: الاستبداد النيوليبرالي: صح ...
- -هل تظن أنهم قلقين على الناس؟-.. ساندرز يحذر من تبعات الذكاء ...
- ه??بژاردني پ?رل?ماني ع?راق، ه??و?ستي چين? ک?م??اي?تيي?کان و ...


المزيد.....

- مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة / عبد الرحمان النوضة
- الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية ... / وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
- عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ ... / محمد الحنفي
- الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية / مصطفى الدروبي
- جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني ... / محمد الخويلدي
- اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956 / خميس بن محمد عرفاوي
- من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963.......... / كريم الزكي
- مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة- / حسان خالد شاتيلا
- التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية / فلاح علي
- الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى ... / حسان عاكف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - جدعون ليفي - إسرائيل حطمت محمد بكري لأنه تجرأ على التعبير عن الألم الفلسطيني كما هو..