أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - غزّة: حين يُباعُ التاريخُ وأصحابُه ينظرون!














المزيد.....

غزّة: حين يُباعُ التاريخُ وأصحابُه ينظرون!


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8570 - 2025 / 12 / 28 - 18:11
المحور: القضية الفلسطينية
    


في «عالم ليس لنا» لم يكن غسان كنفاني يكتب عن الماضي، بل كان يستبق الحاضر. كان يرى بعين اللاجئ ما سيصير إليه الزمن الفلسطيني: عالم يُدار من فوق رؤوس أصحابه، وتاريخ يُباع قطعةً قطعة، فيما أصحابه واقفون، ينظرون، يعرفون، ولا يملكون سوى الذاكرة.
غزّة اليوم ليست مجرّد مكان تحت القصف، بل خلاصة تجربة فلسطينية طويلة مع الاقتلاع والخذلان. هي المخيّم وقد تمدّد، واللجوء وقد تحوّل إلى قدر جماعي. هنا لا يُقتل الناس فقط بالصواريخ، بل يُقتلون بالعجز، وبالإحساس المرّ أنّ العالم يتفرّج، يفاوض، يساوم، ويعيد توزيع الألم كما تُعاد خرائط النفوذ.
اللاجئ الفلسطيني لم يخسر بيته وحده، خسر الزمن الذي كان يجب أن يعود فيه. خسر اسمه حين صار رقماً في سجلات الإغاثة، وخسر قريته حين تحوّلت إلى «أملاك غائبين»، تُباع وتُشترى وتُستثمر، فيما أصحابها أحياء، يتنفّسون القهر، ويشاهدون تاريخهم يُصفّى أمام أعينهم.
هنا المأساة لا تكمن فقط في السرقة، بل في الإذلال: أن ترى أرضك تُنهب باسم القانون، وذاكرتك تُمحى باسم السياسة، ولا يُطلب منك سوى الصمت.
في غزّة كما في قصص غسان كنفاني، يعيش الإنسان في عالم لا ينتمي إليه. عالم لا يعترف بحقه، ولا بدمه، ولا حتى بموته. طفل يولد تحت الحصار، يكبر على صوت الطائرات، ويتعلّم باكراً أنّ العدالة مؤجّلة، وأنّ الإنسانية مشروطة بالموقف السياسي.
غزّة لا تموت فجأة، بل تُستنزف ببطء، كما يُستنزف اللاجئ في المخيّم: انتظار طويل، ووعود فارغة، وخطابات دولية باردة لا تشبه لحم الضحايا.
السياسة هنا ليست إدارة أزمة، بل صناعة عجز. أنظمة تبيع الوهم، وسماسرة يبيعون الأرض، ومجتمع دولي يشتري الوقت على حساب الدم. في هذا المشهد، يبدو الفلسطيني كأنه محاصر داخل رواية كتبها الآخرون عنه، دون أن يُسمح له بتغيير نهايتها.
لكن، كما عند غسان كنفاني، ثمّة ما لا يُباع: الإصرار الصامت. هذا الذي يجعل اللاجئ، رغم كل شيء، يتمسّك باسم قريته، ويعلّمه لابنه، كأنّه يخبّئ الوطن في اللغة. يجعل الغزّي، وسط الركام، يبحث عن حياة، لا لأنها ممكنة، بل لأنها ضرورية كي لا ينتصر العالم الذي ليس لنا.
غزّة اليوم ليست فقط جرحاً مفتوحاً، بل مرآة. مرآة لعالم يرى، ويعرف، ويصمت. ومرآة لشعبٍ يُسرق أمام الكاميرات، ولا يزال متهماً لأنه لم يمت بعد.

محمود كلّم، كاتبٌ وباحثٌ فلسطينيّ، يكتب في الشأنين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال.



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فلسطين… حين يُباع الثوب ولا يُشترى السلام
- البرد يحاصر غزّة... والصمت يكمّل الجريمة
- وهمُ الرِّهاناتِ… وحقيقةُ الدّمِ في غزّة!
- حين يصبح الصمت شراكة في الجريمة: غزّة تحت إدارة الموت
- ميلادٌ في زمن الجراحِ: حين يعلو الأَذانُ في الكنائس من أَجل ...
- غزة… حين يشبه البردُ الغياب
- القضية الفلسطينية في لبنان: صراع سلطة أم تصفية حقوق؟
- البيت الذي بُني لفلسطين… ولم يعد لها!
- أملاك منظمة التحرير في لبنان: الكنز الذي يتبخر بصمت!
- حين تُباع الذاكرة: من خوّلهم بيع أملاك الشعب الفلسطيني في لب ...
- حين يُغيب الشعب الفلسطيني عن القرار… حزن الوطن يزداد!
- الكتابة عن فلسطين: بيان الموت المؤجَّل
- فلسطين… حين تسقط الإنسانية من جدول الأعمال
- حين تُنجب الأمهات للوطن وحده
- حين تُفتحُ الأبوابُ لحميرِ غزّة… وتُغلَقُ في وجهِ أطفالِها
- غزّة تحت العاصفةِ… وحدها في مُواجهةِ البردِ والموتِ
- منتخب فلسطين… كرةٌ تركل الظلام وتنهض من تحت الركام
- حين يُنزلون العلم… ولا يستطيعون إنزال الحقيقة
- باسل الأعرج… حين تصنعُ الأُمُّ بوصلة المُقاومةِ الأُولى
- من جنين إلى الأمتين العربية والإسلامية… فصلٌ جديدٌ من النذال ...


المزيد.....




- اتصال بين ترامب وبوتين قبيل محادثات زيلينسكي الحاسمة بفلوريد ...
- -وصول أسطول مصري لمنع انفصال صومالي لاند-.. ما حقيقة الفيديو ...
- -إلس إنفاريناتس-: مهرجان إسباني تقليدي ومعركة المحتفلين بالد ...
- -تهديدٌ للاستقرار الإقليمي-.. الرئيس الصومالي يحذّر من تداعي ...
- إيطاليا تكشف شبكة مشتبه بها في تمويل حماس عبر جمعيات خيرية
- كيف يعيش سكان مناطق جنوب سوريا التوغلات الإسرائيلية المتكررة ...
- تناول الأطعمة الموسمية الطازجة يغنيك عن اتباع الحميات الغذائ ...
- نعيم قاسم: الحكومة تقدم تنازلات مجانية ونزع سلاح حزب الله مش ...
- 4 أسئلة حول انتخابات عامة انطلقت اليوم في كوسوفو
- على درب الشيخة حسينة.. متهمان بقتل ناشط بنغالي بارز يفران إل ...


المزيد.....

- قراءة في وثائق وقف الحرب في قطاع غزة / معتصم حمادة
- مقتطفات من تاريخ نضال الشعب الفلسطيني / غازي الصوراني
- الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والموقف الصريح من الحق التاريخي ... / غازي الصوراني
- بصدد دولة إسرائيل الكبرى / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى أسطورة توراتية -2 / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى من جملة الأساطير المتعلقة بإسرائيل / سعيد مضيه
- البحث مستمرفي خضم الصراع في ميدان البحوث الأثرية الفلسطينية / سعيد مضيه
- فلسطين لم تكسب فائض قوة يؤهل للتوسع / سعيد مضيه
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - غزّة: حين يُباعُ التاريخُ وأصحابُه ينظرون!