علي مارد الأسدي
الحوار المتمدن-العدد: 8570 - 2025 / 12 / 28 - 16:45
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تطرح بعض الشخصيات والجهات السياسية، ببراءة في الظاهر، فكرة تحويل محافظة البصرة إلى إقليم اتحادي بوصفها حلًا إداريًا لمشكلات خدمية وتنموية متراكمة، إلا أن هذا الطرح، عند فحصه في سياقه السياسي العام، يكشف أبعادًا خطيرة جدًا تتجاوز الإطار الإداري إلى تأثيرات بنيوية على توازن القوى داخل الدولة العراقية.
فالنظام الاتحادي، رغم كونه منصوصًا عليه دستوريًا، لا يعمل في فراغ قانوني أو اجتماعي، بل يتأثر بطبيعة البنية السكانية والسياسية للدولة. وفي الحالة العراقية، يُلاحظ وجود إقليم كردي سني شبه مستقل في شمال العراق بوصفه كيانًا موحدًا جغرافيًا وسياسيًا، يمتلك قدرة تفاوضية عالية مع المركز رغم صغر حجمه السكاني، في مقابل مساع متقدمة داخل المحافظات ذات الغالبية العربية السنية لتشكيل إقليم موحد يعزز وزنها السياسي.
في هذا السياق، يبرز تساؤل جوهري حول مغزى الدفع باتجاه تقسيم وشرذمة المحافظات ذات الغالبية الشيعية إلى أقاليم مناطقية متعددة، بدل الحفاظ على وحدة تمثيلها السياسي والجغرافي. فالتجزئة، خلافًا للوحدة، لا تعزز القدرة التفاوضية، بل تؤدي إلى تفكيك الثقل الديمغرافي الأكبر في البلاد وتحويله إلى كيانات إدارية هشة ومتفرقة، قد تدخل في تنافس داخلي بدل التكامل.
ولا شك أن البصرة، شأنها شأن محافظات الجنوب والوسط، تعاني مظلومية تنموية حقيقية، إلا أن ربط هذه المظلومية بالانتماء إلى دولة مركزية موحدة يتجاهل أسبابًا أكثر عمقًا، مثل تفرق وتخاذل القيادات الشيعية، وانتشار الفساد، وغياب سياسات وطنية عادلة لتوزيع الموارد. وعليه، فإن تحويل البصرة إلى إقليم لا يمثل حلًا جذريًا، بل قد يؤدي إلى إعادة إنتاج المشكلات ذاتها ضمن إطار إداري مختلف، مع إضافة تعقيدات وصراعات سياسية جديدة.
إن وحدة التمثيل السياسي للشيعة لا ينبغي فهمها بوصفها شعارًا أيديولوجيًا فحسب، بل باعتبارها خيارًا وجوديًا عقلانيًا في بيئة طائفية معادية، وضمن نظام متعدد المكونات، يهدف إلى منع اختلال ميزان القوة داخل الدولة الاتحادية. ومن هذا المنطلق، فإن معالجة مشكلات البصرة وسواها من المحافظات الشيعية يجب أن تتم عبر توحيد وتقوية ومأسسة القرار الشيعي أولًا وأخيرًا.
#علي_مارد_الأسدي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟