أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - صلاح الدين ياسين - الأنهار تصنع الطغاة: قراءة في نظرية كارل فيتفوغل عن الاستبداد الشرقي














المزيد.....

الأنهار تصنع الطغاة: قراءة في نظرية كارل فيتفوغل عن الاستبداد الشرقي


صلاح الدين ياسين
باحث

(Salaheddine Yassine)


الحوار المتمدن-العدد: 8570 - 2025 / 12 / 28 - 16:13
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يُعدّ كتاب "الاستبداد الشرقي" للمؤرخ وعالم الاجتماع الألماني كارل فيتفوغل (1896–1988)، من أهم الأعمال الفكرية التي حاولت تفسير كيفية نشوء وتطور الأنظمة السياسية في الحضارات القديمة، خاصةً تلك التي نشأت في آسيا والشرق الأوسط. نُشر الكتاب لأول مرة عام 1957، وقدم فيه فيتفوغل نظرية جريئة ومثيرة للجدل عُرفت باسم النظرية الهيدروليكية أو نظرية الاستبداد المائي.
أولا: الماء كأداة للسلطة
إن الفكرة الأساسية لنظرية فيتفوغل تكمن في أن الأنظمة السياسية الاستبدادية في الشرق نشأت وتطورت بسبب الحاجة إلى إدارة الموارد المائية على نطاق واسع. ففي المناطق الجافة وشبه الجافة مثل مصر القديمة، وبلاد ما بين النهرين، والصين، كانت الزراعة تعتمد بشكل كبير على أنظمة الري المعقدة مثل القنوات والسدود. ولإنشاء وصيانة هذه الأنظمة، كانت هناك حاجة إلى سلطة مركزية قوية لديها القدرة على تعبئة وتنظيم آلاف العمال لبناء وصيانة مشاريع الري، وتوزيع المياه بشكل عادل.
ووفقًا لفيتفوغل، فإن هذه السلطة لم تعد تقتصر على إدارة المياه فقط، بل امتدت لتشمل كافة جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، مما أدى إلى نشوء دولة استبدادية بالمعنى الكامل للكلمة.
ثانيا: خصائص المجتمع الاستبدادي الهيدروليكي
تتسم هذه المجتمعات بمجموعة من الخصائص:
- سيطرة الدولة على الأرض والمياه: الدولة هي المالك الحقيقي للأرض، والمزارعون يعملون كعبيد أو فلاحين تابعين لها، ويتم إجبارهم على دفع ضرائب ثقيلة.
- بيروقراطية هرمية قوية: تتشكل طبقة من الموظفين والمسؤولين الذين يديرون الدولة ويشرفون على المشاريع الضخمة.
- غياب المِلكية الخاصة الحقيقية: لا توجد طبقة ملاك أراضٍ مستقلة يمكنها تحدي سلطة الدولة.
- غياب الحرية السياسية: إن السلطة تنتقل بشكل وراثي أو عن طريق القوة، وليس عبر الاختيار.
- جمود المجتمع: هذه الأنظمة تميل إلى أن تكون مستقرة لآلاف السنين دون تغييرات جوهرية، بسبب سيطرة الدولة الكاملة، وعدم وجود أي قوى داخلية قادرة على التغيير.
ثالثا: مقارنة مع الغرب
يُقارن فيتفوغل هذه الأنظمة "الشرقية" مع الأنظمة السياسية التي تطورت في أوروبا الغربية. يرى أن التضاريس والظروف المناخية في أوروبا لم تكن تتطلب مشاريع ري ضخمة، فالزراعة كانت تعتمد بشكل أكبر على الأمطار، مما أدى إلى ظهور ملكية الأراضي الخاصة، وظهور طبقة من النبلاء والتجار المستقلين.
إن تلك الطبقات المستقلة كانت قادرة على تحدي سلطة الملوك، مما أدى تدريجيًا إلى نشوء أنظمة سياسية أكثر لامركزية، وظهور قوانين تحد من سلطة الحاكم، وتأسيس مجالس تمثيلية. باختصار، فإن غياب الحاجة إلى التحكم المركزي بالماء في أوروبا هو ما سمح بنشوء الديمقراطية والحرية السياسية التي نعرفها اليوم.
وقد واجهت هذه النظرية بعض الانتقادات من قبيل التعميم المفرط لنتائجها على كل الحضارات الشرقية دون الأخذ في الاعتبار الاختلافات التاريخية والثقافية بينها، بالإضافة إلى التركيز بشكل مبالغ فيه على عامل واحد (الماء)، وتجاهل عوامل أخرى مهمة مثل الدين، والثقافة في تشكيل الأنظمة السياسية. ومع ذلك، يبقى كتاب "الاستبداد الشرقي" عملًا مهمًا لأنه فتح الباب أمام نقاشات عميقة حول العلاقة بين البيئة ونوعية النظم السياسية في الحضارات الإنسانية.



#صلاح_الدين_ياسين (هاشتاغ)       Salaheddine_Yassine#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أرنولد توينبي: كيف تنشأ الحضارات ولماذا تسقط؟
- إريك فروم: لماذا يهرب الإنسان من حريته؟
- السفسطائية: فلسفة الإقناع بدلًا من الحقيقة
- الأبيقورية: هل يمكن أن تكون الفلسفة طريقًا للطمأنينة؟
- الفلسفة الرواقية: كيف تعيش حياة هادئة وسط الصعوبات والمآسي؟
- عبد الله العروي: لماذا فشل العرب في الانتقال إلى الحداثة؟
- فريدريك نيتشه: عندما تصبح الفلسفة صرخة في وجه القطيع
- كتاب -صعود وسقوط القوى العظمى-: هل تواجه أمريكا مصير الإمبرا ...
- من الإنسان العاقل إلى الإنسان الإله: رحلة العقل البشري في عي ...
- روبرت مالتوس: داعية التوازن الديمغرافي
- كتاب لماذا تفشل الأمم يجيب: لماذا ينهض البعض ويتعثر الآخرون؟
- ماكس فيبر: الرجل الذي سبر أغوار المجتمعات الحديثة
- صمويل هنتغتون: من صراع الأيديولوجيات إلى صدام الحضارات
- ميشيل فوكو: كيف نقع ضحية للسلطة دون أن نشعر بذلك؟
- حنة أرندت: الفكر الحر في مواجهة الطغيان
- الوضعية: عندما يصبح العلم الطريق الوحيد إلى المعرفة
- البراغماتية: فلسفة ما ينفع الناس
- العدمية: بين الفراغ الوجودي وصناعة المعنى
- من إف-22 إلى جيه-20: كيف غيّرت مقاتلات الجيل الخامس قواعد ال ...
- الحضارة تحت المجهر: كيف تعيد الديموغرافيا تشكيل العالم؟


المزيد.....




- زيارة غير متوقعة لزيلينسكي إلى كندا قبل لقاء ترامب.. إليكم م ...
- عام على القبض على عبد الرحمن يوسف القرضاوي: عام من التواطؤ و ...
- لبنان 2025.. انتخابات وحكومة جديدة وسط تحديات سلاح حزب الله ...
- رئيس الصومال يحذّر إسرائيل من نقل صراعاتها بالشرق الأوسط إلى ...
- مغردون يتساءلون: ما الرابط بين دعوة غزال وتحركات جنرالات الأ ...
- ذا هيل: هذه المبادرات بصيص نور في ليل السودان الحالك
- مأساة الطفل عطا وغرق الخيام بغزة مشاهد تتصدر المنصات
- روسيا تجدد رفضها لاستقلال تايوان وتنتقد -النزعة العسكرية- لل ...
- ماذا يمكن أن تكسب إسرائيل من الاعتراف بأرض الصومال؟
- بمشاركة الدبيبة.. ليبيا تشيع رئيس الأركان محمد الحداد ورفاقه ...


المزيد.....

- العقل العربي بين النهضة والردة قراءة ابستمولوجية في مأزق الو ... / حسام الدين فياض
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- تقديم وتلخيص كتاب " نقد العقل الجدلي" تأليف المفكر الماركسي ... / غازي الصوراني
- من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية / غازي الصوراني
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - صلاح الدين ياسين - الأنهار تصنع الطغاة: قراءة في نظرية كارل فيتفوغل عن الاستبداد الشرقي